الأربعاء 15 مايو 2024

مواقف للرئيس السيسى

24-5-2017 | 14:43

بقلم: لواء. دكتور سمير فرج

عندما تمر السنون والأعوام.. ويسطر التاريخ صفحاته عما شهدته مصر من أحداث خلال القرن الواحد والعشرين.. وعندما يتصفح أحفادنا تاريخ هذه الحقبة من الزمن.. سيجدون أن مصر قد قادها ابن من أبنائها المخلصين.. نجح فى تخليصها من براثن حكم جماعة الإخوان المسلمين إلى الأبد.. هو الرئيس عبد الفتاح السيسي.

 

وكما تقول حكمنا الشعبية.. “الرجل موقف”.. فأنا أرى أن الرئيس السيسى “رجل مواقف”.. وإن جاز لى تسجيل شهادة حق، سيذكرها له التاريخ.. ففى رأيى المتواضع، أن لهذا الابن إنجازات كثيرة منذ توليه الحكم.. يهمنى أن أسلط الضوء على إنجازين رئيسيين منهما.. وهما إنجازان ربما لم يشعر المواطن المصرى بأهميتهما، بعد، لعدة ظروف.. ولكنه سيقّدر تلك الأهمية، يومًا ما، وسيحمد الله على هذان الإنجازان.

الموقف الأول للرئيس السيسى هو ما تبناه شخصيًا فى أول أيام توليه الحكم فى ٢٠١٤، وبذل فيه جهدًا رائعًا.. إذ عمل على ترسيم خطوط الحدود البحرية بين مصر وكل من إسرائيل، وقبرص، واليونان.. مستبقًا بذلك الأحداث بعدة خطوات.

فقد زادت أهمية منطقة شمال الدلتا والبحر المتوسط، بعد ظهور وثيقة سرية أمريكية فى عام ٢٠١٥، لتؤكد أن تلك المنطقة تسبح على بحيرة من الغاز الطبيعى والبترول.. ذاكرة أن مصر سوف تغطى جميع احتياجاتها من الغاز الطبيعى خلال عام ٢٠١٨، وستبدأ فى تصدير الفائض منه، بحلول عام ٢٠٢٠، إلى جنوب أوربا.. إيطاليا وفرنسا وأسبانيا.. عبر أنابيب الغاز التى ستمر من قبرص واليونان.. وأضافت الوثيقة أن تلك الاكتشافات البترولية من شأنها ضمان ريادة مصر، وتفوقها الاقتصادى فى المنطقة.. خاصة فى ظل التفوق العسكرى لمصر، إذ يقوم الرئيس السيسى بتدعيم القوات المسلحة المصرية بقوات جوية، وأخرى بحرية، لتأمين حقول الغاز فى منطقة البحر المتوسط.

ويوضح هذا الموقف تمتع الرئيس عبد الفتاح السيسى ببعد النظر، وشمول الرؤية، حول الأمن القومى المصرى من مختلف النواحى العسكرية، والسياسية، والاقتصادية.. وعندما تبدأ مصر فى تصدير الغاز فى عام ٢٠٢٠، سيدرك الشعب المصرى حجم المشكلات التى كانت لتحدث لولا ترسيم الحدود البحرية، من تنازع، يصل إلى حد الحروب، على ملكية هذه الثروات، خاصة من إسرائيل، وحتى دول الجوار الأقرب!

وسيشهد الشعب المصرى للرئيس السيسى بتحركه الاستباقى لترسيم الحدود البحرية، وما تلاها من توقيع اتفاقيات تعاون مشترك بين مصر وقبرص واليونان أثناء زياراته لهذه الدول خلال عام ٢٠١٦. فلم يكن هناك من يتوقع، حينئذ، أن هذه الزيارات ذات نظرة مستقبلية لتأمين اتجاهات مصر الاقتصادية فى المنطقة.. إضافة إلى تنسيق التعاون العسكري، وهو ما أكدته الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع القبرصى إلى مصر، منذ أسبوعين، خاصة فى ظل عدم تفوق القوه العسكرية لبلاده.

لذلك فإن القارئ الجيد للأحداث، سيشيد بموقف الرئيس السيسى تجاه ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وقبرص واليونان، لما له من دلالات على حفاظه على ثروات مصر ومقدراتها، وتأمين اهتماماتها المستقبلية من الناحية الاقتصادية والعسكرية والسياسية فى المنطقة.. بما يمنع نشوب أية منازعات سياسية.. قد تصل، لا قدر الله، إلى منازعات عسكرية.. للتصارع على مناطق المصالح الاقتصادية فى البحر المتوسط.

أما الموقف الثانى للرئيس عبد الفتاح السيسى فتمثل فى عدم موافقته على إرسال قوات عسكرية برية مصرية إلى اليمن، لمحاربة المتطرفين فيها، ممثلين فى الحوثيين وفى رجال على عبد الله صالح المنشقين على النظام الأساسى لدولة اليمن، مخلفين حالة من عدم الاستقرار فى البلاد.

فبالرغم من محاولات أولئك المتطرفين للسيطرة على مقاليد الحكم فى اليمن، من خلال قنوات غير شرعية ممولة من إيران، وما يمثله ذلك من تهديد لمنطقة باب المندب، وللأمن القومى فى المملكة العربية السعودية، وباقى دول الخليج العربي.. إلا أننى أحمد الله كثيرًا على هذا القرار الصائب للرئيس عبد الفتاح السيسى بعدم إرسال قوات برية مصرية إلى اليمن، والاكتفاء بإرسال عناصر من القوات البحرية أو الجوية.

فربما لم يعاصر البعض أوائل الستينيات، عندما دفع الرئيس عبد الناصر بقوات مصرية مقاتلة.. برية وبحرية وجوية.. قوامها نحو نصف مليون جندى مصري.. لتحارب فى اليمن.. ولقد كنت ممن شاركوا فى هذه الحرب لمدة ثلاث سنوات.. فقدت مصر خلالها خيرة شبابها فوق سفوح ووديان جبال اليمن.. علاوة على ما تكبدته من خسائر اقتصادية، كانت كفيلة بإنعاش الاقتصاد المصري، لو تم استثمارها داخليًا.

وقد رأى العديد من الخبراء الاستراتيجيين، حول العالم، أن اشتراك مصر بقوات برية فى حرب اليمن، لم يكن إلا مصيدة لإسقاط حكم عبد الناصر، فضلًا عن كونها أحد الأسباب المباشرة لهزيمة مصر فى حرب ٦٧ أمام إسرائيل.. بسبب وجود القوة الرئيسية للجيش المصري، آنذاك، فى اليمن، إضافة إلى ما تسببت فيه تلك الحرب من إبعاد الجيش المصرى عن أساليب القتال الحديثة، إذ ظلت القوات المصرية تحارب فى اليمن بعقيدة “حرب العصابات”، والتغلب على الكمائن الجبلية، دون الدخول فى أعمال قتالية نظامية تقليدية، فكان ذلك سببًا مباشرًا فى خسارتها أمام إسرائيل، عندما خاضت حربًا نظامية حديثة مع قوات مدربة على أعلى مستوى فى فنون القتال فى الحروب الحديثة، بعلم وقدرات عسكرية تمثل أحدث ما هو موجود فى ترسانات الأسلحة فى العالم. وقد كنت شاهد عيان على ذلك.. إذ شاركت فى حرب اليمن، وحرب ٦٧، وأحمد الله الذى منّ على بأن شاركت فى انتصار أكتوبر ٧٣.

وهكذا جاء قرار الرئيس عبد الفتاح السيسى بعدم إرسال قوات عسكرية برية مصرية إلى أرض اليمن.. قرارًا نابعًا من وطنية أصيلة، واستيعاب لدروس الماضي، مقدمًا مصلحة أبناء القوات المسلحة المصرية، على أى اعتبارات إقليمية كانت ترى فى استخدام القوات البرية المصرية، فى اليمن، حسمًا للصراع الدائر هناك، لصالح دول المنطقة. خاصة وأن دول المنطقة، مجتمعة، لا تملك حجم القوات البرية المطلوب لإنهاء أعمال القتال، لذلك رأت هذه الدول حتمية اشتراك القوة البرية المصرية، فى قتال اليمن. وبالرغم من محاولات إقناع الإدارة المصرية بالمشاركة بالقوات البرية بعدة طرق، منها ألا تتحمل مصر أية تكاليف مالية، إلا أن قرار الرئيس السيسى كان قاطعًا، مؤكدًا أن أبناء القوات المسلحة المصرية، ليسوا قوات مرتزقة، وإنما تعلو مصلحتهم فوق أى اعتبار.

وحاول البعض الآخر إقناعه بأن استقرار اليمن يعنى تأمين منطقة ومضيق باب المندب، وهو ما يعنى تأمين الملاحة فى قناة السويس، وتأمين المنطقة الاقتصادية حولها، إلا أنه أصر على عدم الزج بشباب مصر ورجالها فى هذه الحرب، وهو قرار سليم لأبعد الحدود، من وجهة نظر الأمن القومى المصري، إذ حماها ويلات هذه الحرب، سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا، تلك الحرب التى مازلنا نتجرع آلام ذكراها الأولى حتى الآن.

أقول مرة أخرى أن “الرجال مواقف”.. وهذا لا ينطبق على شئون الحياة العادية فحسب، لكن ينطبق، كذلك، على مصلحة البلاد ومستقبل أبنائها.. ومن هنا جاء موقف الرئيس السيسى نحو ترسيم الحدود البحرية فى البحر المتوسط مع إسرائيل وقبرص واليونان.. وموقفه بعدم اشتراك القوات البرية المصرية فى النزاع الدائر الآن فى اليمن.. ليثبتا أنه خير الرجال الذين سيذكرهم التاريخ بأحرف من نور.. لما لهذين القرارين من أهمية فى الحفاظ على مصالح أمتنا المصرية.