الجمعة 7 يونيو 2024

خطاب إلى الرئيس

24-5-2017 | 15:05

بقلم: أ. د. يمن الحماقى

سيادة الرئيس

بعد مرور ثلاثة أعوام من تولى سيادتكم رئاسة جمهورية مصر العربية فى مرحلة فارقة من تاريخ مصر الاقتصادى والاجتماعى والسياسي، يتطلب الأمر تقييم ما وصلت إليه مصر خلال هذه الفترة بغية تحديد الفرص والتحديات التى تواجه تقدمها وذلك للاستفادة من الفرص ومواجهة التحديات بما ينعكس على الأداء.

واسمح لى سيادتكم أن تكون مرجعيتى فى تحقيق ذلك هى خلاصة العديد من الأبحاث التى قمت بها خلال حياتى الوظيفية بعد الدكتوراه عن المعجزات الاقتصادية فى التنمية للدول الآسيوية، حيث اعتمدت هذه المعجزات على ثلاث ركائز أساسية.

الركيزة الأولى:

تحقيق الاستقرار فى الاقتصاد الكلى مما يعنى مواجهة مشكلتى البطالة والتضخم من خلال استخدام السياسات الاقتصادية الكلية استخداما سليما وأهمها السياسة النقدية والمالية والتجارية.

الركيزة الثانية:

هى رفع تنافسية الاقتصاد وذلك من خلال تحسين فرص الاستثمار فى المجالات التى تتسق مع المزايا النسبية للدولة ورفع كفاءة الائتمان المقدم من البنوك وكذلك بناء القدرات من خلال تحسين التعليم والخدمات الصحية، هذا بالإضافة إلى رفع كفاءة سوق العمل من خلال تفعيل دور التدريب فى تحسين المهارات البشرية، ويضاف لذلك الاهتمام بالعدالة فى توزيع الدخول من خلال إتاحة الفرص للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر للمشاركة بفاعلية فى تنويع الإنتاج وكذلك التنسيق مع مجلس الأعمال لدراسة آثار القرارات على قدراتهم التنافسية، وتحقيق التوافق المستمر معهم لما فيه مصلحة النمو الإنتاجى مع وضع رؤية للاستفادة من الاستثمار الأجنبى المباشر فى توسيع الأسواق الدولية ونقل التكنولوجيا وتدريب العمالة على أن يتكامل مع ذلك زيادة دور البحث العلمى فى تطويع التكنولوجيا لتناسب الظروف المحلية وتنقل الدولة من مرحلة التقليد إلى الابتكار.

الركيزة الثالثة:

دعم الإطار المؤسسى للنمو: ويتمثل ذلك فى رفع مستوى الكفاءة للأجهزة المؤسسية وعلى رأسها القطاع الحكومى وكذلك مكافحة الفساد بما يحقق دعم دور الجهاز الإدارى فى تحقيق التنمية وإذا ما طبقنا هذه الركائز الثلاث على الأداء الاقتصادى لمصر فى الثلاث سنوات الماضية فإنه يمكن استخلاص الآتى:

بالنسبة للركيزة الأولى

١- شهدت سياسات الاقتصاد الكلى تحولات هامة فى السنوات الثلاث السابقة وذلك لتحقيق الاستقرار الاقتصادى الكلى أما بالنسبة للسياسة المالية فقد أعلنت الحكومة الاتجاه إلى الخفض التدريجى للدعم وخاصة على الكهرباء والطاقة وكذلك تم إقرار ضريبة القيمة المضافة وذلك بهدف تخفيف عبء الإنفاق العام ومواجهة التزايد المستمر فى الدين الداخلى وأعباء خدمة الدين وفى مقابل ذلك تزايد الضغط على الإنفاق العام نتيجة للمشروعات القومية الكبرى والتى تحمل للاقتصاد المصرى آفاقا هائلة للنمو من خلال الاستغلال الأمثل للموارد على مستوى جعرافى أوسع يسمح بالانتشار السكانى وتعمير مناطق عانت من الإهمال لسنوات طويلة على رأسها الوادى الجديد والصعيد وسيناء فضلا عن تعظيم الاستفادة من محور قناة السويس فى تفعيل علاقات مصر الاقتصادية الدولية من خلال التجارة والاستثمارات.

٢- بتحليل آثار السياسة المالية فى تحقيق التوازن المالى يمكن استنتاج ما يلى:

إن آثار هذه السياسة كانت تضخمية بقدر كبير وأنه على الرغم من الجهود الكبيرة التى تقوم بها وزارة المالية فى تحسين التحصيل الضريبى مما أسهم فى زيادة الحصيلة الضريبية، إلا أنه مازال التهرب الضريبى مرتفعا وتحسين الإدارة الضريبية يمكن أن يسهم فى زيادة حصيلة الضرائب، هذا بالإضافة إلى ضعف الجهود التى تتم لتحفيز القطاع غير الرسمى للدخول فى القطاع الرسمى مما يمكن أن يترتب عليه تأثير مهم على الحصيلة الضريبية، ويضاف لذلك هناك مجالات هائلة لضغط الإنفاق العام من خلال تطبيق موازنة البرامج والأداء، كذلك بالنسبة للإنفاق على المشروعات القومية الكبرى وعلى الرغم من أهميتها الكبيرة إلا أنها يمكن أن تخضع لحسابات العائد والتكلفة فيما يتعلق بمصادر التمويل وكفاءة الإنفاق والمدى الزمنى للتنفيذ بما يحقق التوازن بين الفترة القصيرة والمتوسطة والطويلة خاصة أن المديونية الخارجية لمصر قد تزايدت بشكل ملحوظ لتقارب مليار دولار بعد أن كانت لا تتجاوز ٣٢ مليارًا قبل ثورة يناير.

وبالنسبة للسياسة النقدية: فقد أسهم تحرير سعر الصرف دون إدارة جيدة إلى ارتفاع غير مسبوق فى قيمة الدولار بالنسبة للجنيه المصرى مما انعكس على ارتفاع كبير فى مستوى الأسعار حيث تخطى معدل التضخم ٣٠٪، وفى مقابل ذلك لم تتحقق الزيادة المتوقعة من الصادرات المصرية لضعف تنافسية الإنتاج المصرى وعدم إيلاء الجهود التى تعمل على زيادة هذه التنافسية اهتمامًا كبيرًا، وكذلك فيما يتعلق بإحلال الواردات أى إحلال الإنتاج المصرى مكان المستورد مازال المناخ الاستثمارى سواء بالنسبة للاستثمارات المحلية أو الأجنبية غير مناسب، هذا فضلًا عن الجهود التى تتم لإدماج المشروعات الضغيرة والمتوسطة فى خطط التنمية مازالت أقل مما يجب، يضاف إلى ذلك أن الاتجاه لرفع سعر الفائدة لمواجهة التضخم إنما يعكس عدم توصيف مشكلة التضخم فى مصر التوصيف السليم فالتضخم ليس ظاهرة نقدية بقدر أنه ناتج من اختلالات هائلة فى الاقتصاد (بين الإنتاج والاستهلاك، الصادرات والواردات، الإنفاق والإيرادات العامة) ومن هنا لن يتم حل مشكلة التضخم برفع سعر الفائدة من ناحية ومن ناحية أخرى سيعانى الاقتصاد من أثر ارتفاع سعر الفائدة على الاستثمار وبالنسبة للسياسة التجارية فإنها لا تأخذ فى الاعتبار دعم تنافسية الإنتاج المصرى فى اتجاه التصدير وإحلال الواردات وتحتاج لمراجعة شاملة.

الركيزة الثانية: يمكن ملاحظة الآتى

يعتبر دور المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة سيادتكم والقرارات التى تم اتخاذها دعامة مهمة لتشجيع الاستثمار فى مصر إلا أن الأمر يتطلب متابعة الأداء وترجمة ذلك ليس فقط فى نمو الاستثمار ولكن مجالاته وأثره على فرص العمل، خاصة فى ظل إصدار قانون الاستثمار الجديد.

من القرارات المهمة التى تحسب لسيادتكم مبادرة المشروعات الصغيرة ٢٠٠ مليار على مدى أربع سنوات بفائدة متناقصة إلا أن الدراسة التى قمنا بها (لجنة البحوث الاقتصادية التابعة لأكاديمية البحث العلمى) تشير إلى أن المبادرة لم تحقق أهدافها وتحتاج للمتابعة لتصل آثارها إلى الشباب بشكل أفضل وبما ينعكس إيجابًا على زيادة الطاقات الإنتاجية فى مصر.

مازال الجهاز المصرفى لا يقوم بدوره على الوجه الأكمل لخدمة أهداف التنمية فى مصر وفى هذا الصدد لا توجد سياسات ائتمان واضحة لتشجيع الائتمان للمشروعات ذات الأولوية فى زيادة الطاقات الإنتاجية المصرية فى مجال الصادرات وإحلال الواردات.

فى مجال بناء القدرات البشرية فى التعليم والخدمات الصحية لا شك أنه يحسب لسيادتكم مبادرة القضاء على فيروس (سى) وكذلك الجهود التى تتم الآن لرفع كفاءة الخدمات الصحية والتأمين الصحى للشعب المصرى، التركة ثقيلة من الإهمال وسوء الإدارة وإغفال البعد الاقتصادى.

• وينطبق ذلك على التعليم الذى وصل إلى مراحل متدنية خاصة بالنسبة للطبقات محدودة الدخل وفى المناطق الريفية مما يتطلب أهمية متابعة الأداء فى هذه المناطق، حيث إن تكلفة التعليم لا تنعكس فقط على القدرات البشرية المؤهلة لزيادة الإنتاج المصرى ولكن تمتد آثارها إلى تعميق الجهل وآثار ذلك على فرص الإرهاب.

الركيزة الثالثة

• يعتر الإطار المؤسسى للتنمية من أهم مقومات نجاحها وفى هذا الإطار فإن توجيه سيادتكم للرقابة الإدارية بمتابعة الفساد فى مصر والجهد الذى تقوم به الرقابة فى مكافحة الفساد إنما يعتبر من الإنجازات الهامة لسيادتكم فى مكافحة الفساد ولكن التساؤل المطروح وفقًا للدراسات التى تمت لرصد حالة الفساد فى مصر وأشكاله وآثاره الاقتصادية.

• هل تستطيع الرقابة الإدارية وحدها التعامل مع الفساد فى مصر؟

هل يمكن أن يتم ذلك دون تعاون وتنسيق مع الجهات الهامة فى مكافحة الفساد ومنها النيابة الإدارية والجهاز المركزى للمحاسبات؟ والتساؤل الأكثر أهمية أين معايير الأداء التى بناء عليها تتم الرقابة والمحاسبة؟

• من الواضح أننا نفتقد فى مصر لكل ذلك مما يؤثر سلبًا على الجهود البناءة التى تتم الآن لمكاقحة الفساد ويتطلب ذلك تفعيل قانون الخدمة المدنية فى إطار توضيح الأدوار والمسئوليات والمساءلة والحساب.

إن العرض السابق إنما يشير إلى ما يلى:

-١ إن الآفاق المستقبلية للاقتصاد المصرى واعدة، يدعم ذلك الاتجاه إلى توسيع نطاق المناطق الاقتصادية والامتداد العمرانى لتعظيم الاستفادة من موارد مصر، ويحسب لسيادتكم هذه النهضة العمرانية الهائلة وما يرتبط بها من دعم المرافق الأساسية وشبكات الطرق والمساكن مع التركيز على إتاحتها لكافة الطبقات الداخلية، يضاف لذلك جهودكم البناءة فى تحسين الخدمات الصحية وأهمها مكافحة فيروس) سى( وكذلك جهود مكافحة العشوائيات وإحلالها بتجمعات سكانية آدمية متكاملة تهدف لبناء البشر، إلا أن إحساس المواطن المصرى بثمار هذه الجهود البناءة إنما يتأثر سلبًا بآليات التنفيذ وتكلفته والتوقيت الزمنى له ذلك أن البعد الاجتماعى للإصلاح الاقتصادى فى مصر والمرتبط ببطاقات التموين والدعم وبرنامج تكامل وكرامة غير كاف لتعويض المواطن المصرى ومن هنا فنحن نحتاج إلى إعادة النظر فى خطة العمل لتحقيق التقدم الاقتصادى فى مصر بحيث يعاد هيكلة خريطة الأولويات لتركز على النتائج قصيرة الأجل التى يذهب مردودها إلى المواطن المصرى ويساعده على مواجهة أعباء الحياة الناتجة من الإصلاح وعلى رأسها ارتفاع الأسعار ويمكن أن يتم ذلك بتحقيق التنسيق والتكامل بين الركائز الثلاث السابق الإشارة إليها.

• بالنسبة للركيزة الأولى: لابد من ضغط معدلات التضخم المرتفعة وذلك من خلال مواجهة عجز الموازنة بتطبيق موازنة البرامج والأداء وتشجيع القطاع غير الرسمى للتحول للقطاع الرسمى مما يزيد من حصيلة الضرائب، مع عدم رفع الأسعار فى يوليو المقبل لأن المواطن المصرى لا يتحمل بأى حال من الأحوال المزيد من رفع الأسعار، ولأن التضخم له آثار سلبية على الاستثمار.

وكذلك لابد من التركيز على برامج التدريب للتشغيل مع التركيز على خريجى التعليم الفنى وكليات التجارة والحقوق وهى الفئات الأكثر معاناة من البطالة فى مصر.

ودعم دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر مع الاهتمام بالفئات المهمشة وعلى رأسها المزارعين، أصحاب الحيازات الصغيرة والصيادين والمربين الصغار للثروة الداجنة والحيوانية، ومن هنا يتم التكامل مع الركيزة الثانية التى تتطلب دعم تنافسية الاقتصاد المصرى وهنا يجب إعطاء الأولوية للتعامل مع الطاقات العاطلة التى يمكن أن تتحول إلى طاقات إنتاجية فى اتجاه التصدير وإحلال الواردات، وتتمثل هذه الطاقات فى المصانع المتعثرة والقطاع غير الرسمى وشركات قطاع الأعمال العام، مع تفعيل دور قانون الاستثمار الجديد فى جذب الاستثمارات الأجنبية وفق رؤية تضعها مصر ويتم متابعتها لتحقيق أهدافها وعلى أن يتم التكامل لتحقيق أهداف الاستثمار بين كل من المشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة.

• ويدعم الركيزتين الأولى والثانية الركيزة الثالثة بتفعيل دور الجهاز الإدارى للدولة والتطوير المؤسسى ودعم بجهود مكافحة الفساد.

• سيادة الرئيس

إن التحديات التى تشهدها مصر حاليا إنما تتطلب تكوين مجموعة اقتصادية متخصصة تابعة لرئاسة الجمهورية يتم اختيارها وفقًا لمعايير موضوعية دقيقة وتجمع بين الخبرات العلمية والتطبيقية ولديها القدرة على التواصل مع كافة الجهات من حكومة ومجتمع مدنى لمتابعة ما يلي:

أولًا: الجهود التى تتم لتحقيق الاستقرار فى الاقتصاد الكلى وعلى رأسها جهود مكافحة التضخم والبطالة.

ثانيًا: الجهود التى تتم لزيادة تنافسية الإنتاج المصرى فى اتجاه تشجيع الصادرات وإحلال الإنتاج المصرى محل الواردات وبما يحقق التوازن فى المصالح بين كل المشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة ويحقق التمكين الاقتصادى للفقراء ليتحولوا من نقمة إلى نعمة.

ثالثًا: الجهود التى تتم لمكافحة الفساد ورفع مستوى كفاءة الجهاز الإدارى للدول.

وأكاد أثق بمشيئة الله أن ذلك سيسهم بشكل كبير فى التحرك المجتمعى خلف قيادتكم للوصول بمصرنا العزيزة إلى بر الأمان.