كتب : خليل زيدان
خمسة وخمسون عاماً تمر اليوم على رحيل ملك الكوميديا إسماعيل ياسين .. ذلك الظاهرة التي لم ير العالم العربي مثلها في الفن .. وهو أيضاً أكثر نجوم الفن وقوفاً أمام كاميرات السينما حتى اليوم حيث تجاوزت أعماله السينمائية 400 فيلم تجعل جمهوره في ازدياد حتى من الأجيال الجديدة التي لم تعاصر فنه ، يكفيهم فقط أن يروا عدة أعمال له ويصبحون من عشاق هذا النجم الذي كان تربع على عرش الكوميديا من الإربعينيات حتى الآن.
ولد إسماعيل ياسين بمدينة السويس في 15 سبتمبر 1912، وعند ولادته سعد والده بقدومه، وكان تاجراً للمشغولات الذهبية ، وتبدلت أحواله عند قدوم إسماعيل ، فلم يعد يسهر خارج البيت ، وبعد فترة عاد إلى سهراته وعدم اهتمامه ببيته، وكان قد ألحق الطفل إسماعيل بمدرسة لم يمض بها غير أربع سنوات وانقطع بعدها صلة الطفل بالتعليم .. وبدأت الأم في لوم الأب الذي لا يهتم ببيته ولا يوفر لهما قوت يومهما ويهتم بنزواته فما كان منه إلا إن دفعها بيده وخرج مسرعاً غاضباً من شكواها ولومها ، إلا أنها سقطت على الأرض ، فعاد الزوج مسرعاً كي يطمئن ألا يكون أصابها مكروه .. وسألها : أم اسماعيل ، مالك ردي عليّ ! لكنها لم تنطق إلا كلمة واحدة : إسماعيل .. ورحلت الأم المسكينة وعرف إسماعيل اليتم مبكراً .
تبدلت أحوال الزوج وشعر بقيمة زوجته وأصبح إسماعيل عبء عليه ، فأحياناً يصطحبه معه إلى العمل وأحياناً يتركه يلهو مع الصغار ، وكسدت تجارته وحول محله لتجارة المشغولات الفضية .. بدأ إسماعيل بعد زواج إبيه العمل منادياً أمام أحد محال الأقمشة في السويس ، حيث يدعو المارة كي يقبلوا على الشراء .. ورغم قسوة العمل وحرارة الشمس كانت تلك المهنة هي التي زرعت في إسماعيل حب الفن في صباه .. فكانت على مقربة من المحل زاوية للصلاة يسمع بها دائماً الإبتهال والإنشاد الديني ويمتلئ قلبه بجمال التاغم من حلقات الذكر .. وفي الجانب الآخر كانت هناك مقهى بها آلة فونوغراف ينبعث منها صوت المطرب الشاب محمد عبد الوهاب .
بدأ إسماعيل يجرب صوته ويقلد ما يسمعه حتى شعر بينه وبين نفسه أنه لا يقل عن أي مطرب ، فبدأ مع مرحلة الشباب العمل في السويس كمطرب في الأفراح ، بعدها قرر النزوح إلى القاهرة ليعمل بها مطرباً ، فحال تكوين جسمه وملامحه دون تحقيق رغبته فهناك من صنفه أنه مجرد مقلد ساخر لعبد الوهاب ، وامتثل إسماعيل لقدره أنه لا ينفع مطرباً بل منلوجست كما صنفه الجمهور ، والتحق بالعمل في مسرح بديعة مصابني مع ملك المنولوج أنذاك سيد سليمان وحسن المليجي ، والتقطه المخرج فؤاد الجزايرلي ليبدأ إسماعيل رحلته مع السينما فقد شارك في أول فيلم له وهو خلف الحبايب ، وبنجاحه في التمثيل التقطه الفنان علي الكسار ليعمل بمسرحه وأيضاً قدمه الكسار في فلمين وهما علي بابا والأربعين حرامي ونور الدين والبحارة الثلاثة.
بدأ إسماعيل كممثل مساعد طوال فترة الإربعينيات حيث قدم 15 فيلماً ، ومع بداية الخمسينيات بدأت الساحة تخلو له مع رحيل نجيب الريحاني وامتناع الكسار عن بطولة الأفلام السينمائية ، فأصبح إسماعيل هو نجم الكوميديا الأول رغم ظهور ووجود منافسين له مثل النابلسي وحسن فايق والقصري ، وأصبحت أفلام إسماعيل ياسين تحقق أعلى إيراد وأكبر إقبال من نجوم الوسامة أمثال عماد حمدي وشكري سرحان ورشدي أباظه وغيرهم .. ويكفي تاريخ الرجل أنه الوحيد في النجوم الرجال الذي أوجدت السينما له سلسلة أفلام بإسمه وقد وظف بعضها ليحبب الجمهور في قواته المسلحة ويقبلون على الإلتحاق بالجيش ، منها إسماعيل ياسين في الجيش وفي الطيران وفي الأسطول وفي البوليس .
في 24 مايو 1972رحل إسماعيل ياسين بعد أن دارت به الأيام ليعود كما بدأ .. بدأ منلوجست وانتهى بنفس العمل بعد أن انحسرت عنه الأضواء وداهمته الضرائب ولم يقف بجانبه سوى صديق عمره الذي خلد إسماعيل بأفكاره وهو أبو السعود الإبياري ، وقد باع الإبياري فيللته لينقذ صديقه ويسدد ديون مسرحه.