بقلم: غالى محمد
من يقرأ خطاب الرئيس السيسى أمام القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض، سوف يتوقف أمامه كثيرًا بمزيد من الدراسة والتحليل، ليرى أن السيسى فى هذا الخطاب وضع دستورًا كاشفًا لمواجهة خطر الإرهاب.
دستورًا كاشفًا الطريق للعالم أجمع لمواجهة شاملة ضد الإرهاب.
هذا الدستور الكاشف، كان قاطعًا كحد السيف، إذا كان العالم بأجمعه حريصًا على مواجهة الإرهاب.
وارتباطًا بهذا العدد من المصور، الذى يأتى بمناسبة مرور ثلاث سنوات على حكم الرئيس السيسى وبداية السنة الرابعة خلالها، رأينا أن تكون المحاور الأربعة التى طرحها الرئيس السيسى، هى الموضوع الافتتاحى بهذا العدد التاريخى، لكى نسجل لكافة الشعوب ولكافة الأجيال، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى قد طالب بكل صراحة بتحقيق العناصر الأساسية لمكافحة الإرهاب.
وبهدف التسجيل التاريخى، رأيت أن أذكر فى هذا المقال المحاور الأربعة دون أى تدخل من جانبى فى إعادة صياغتها.
فى أول هذه العناصر، قال الرئيس السيسى: إن الحديث عن التصدى للإرهاب على نحو شامل.. يعنى مواجهة جميع التظيمات الإرهابية دون تمييز.. فلا مجال لاختزال المواجهة فى تنظيم أو اثنين.. فالتنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية.. تجمعها روابط متعددة فى معظم أنحاء العالم.. تشمل الأيديولوجية.. والتمويل.. والتنسيق العسكرى والمعلوماتى والأمنى.. ومن هنا.. فلا مجال لاختصار المواجهة فى مسرح عمليات واحد دون آخر.. وإنما يقتضى النجاح فى استئصال خطر الإرهاب أن نواجه جميع التنظيمات الإرهابية بشكل شامل ومتزامن على جميع الجبهات، وفى هذا السياق تعلمون جميعًا أن مصر تخوض يوميًا حربًا ضروسًا ضد التنظيمات الإرهابية فى شمال سيناء، نحقق فيها انتصارات مستمرة وتقدمًا مطردًا.. نحرص على ضبط وتيرته ونطاقه، بحيث يتم استئصال الإرهاب بأقل خسائر ممكنة.. مع الحفاظ على أرواح المدنيين من أبناء شعبنا العظيم.
إن معركتنا هى جزء من الحرب العالمية ضد الإرهاب، ونحن ملتزمون بهزيمة التنظيمات الإرهابية وحريصون على مد يد العون والشراكة لكل حلفائنا فى المعركة ضد تلك التنظيمات فى كل مكان.
وفى العنصر الثانى قال الرئيس السيسى إن المواجهة الشاملة مع الإرهاب تعنى بالضرورة مواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليح والدعم السياسى والأيديولوجى، فالإرهابى ليس فقط من يحمل السلاح، وإنما أيضا من يدربه، ويموله، ويسلحه، ويوفر له الغطاء السياسى والأيديولوجى.
ودعونى أتحدث بصراحة وأسأل: أين تتوفر الملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية لتدريب المقاتلين، ومعالجة المصابين منهم، وإجراء الإحلال والتبديل لعتادهم ومقاتليهم؟ من الذى يشترى منهم الموارد الطبيعية التى يسيطرون عليها كالبترول مثلًا؟ من الذى يتواطأ معهم عبر تجارة الآثار والمخدرات؟ ومن أين يحصلون على التبرعات المالية؟ وكيف يتوفر لهم وجود إعلامى عبر وسائل إعلام ارتضت أن تتحول لأبواق دعائية للتنظيمات الإرهابية؟
إن كل من يقوم بذلك هو شريك أصيل فى الإرهاب، فهناك بكل أسف، دول تورطت فى دعم وتمويل المنظمات الإرهابية وتوفير الملاذات الآمنة لهم، كما أن هناك دولًا تأبى أن تقدم ما لديها من معلومات وقواعد بيانات عن المقاتلين الإرهابيين الأجانب، حتى مع الإنتربول.
وفى العنصر الثالث قال الرئيس السيسى إن الرؤية المصرية لمواجهة الإرهاب، هى القضاء على قدرة تنظيماته على تجنيد مقاتلين جدد، من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجى والفكرى، فالمعركة ضد الإرهاب هى معركة فكرية بامتياز، والمواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيرات مشوهة لتعاليم الأديان، تخرجها عن مقاصدها السمحة، وتنحرف بها لتحقيق أغراض سياسية.
ولعلكم جميعًا تذكرون أننى طرحت منذ عامين، مبادرة لتصويب الخطاب الدينى، بحيث يفضى ذلك لثورة فكرية شاملة، تظهر الجوهر الأصيل للدين الإسلامى السمح، وتواجه محاولات اختطاف الدين ومصادرته لصالح تفسيرات خاطئة، وذرائع لتبرير جرائم لا مكان لها فى عقيدتنا وتعاليم ديننا.
إننى أتابع تنفيذ هذه المبادرة مع المؤسسات الدينية العريقة فى مصر وعلى رأسها الأزهر الشريف، بما يمثله من مرجعية للإسلام الوسطى المعتدل، وبالتعاون مع قادة الفكر والرأى فى العالمين العربى والإسلامى، واثقًا أن هذا الجانب لا يقل أهمية عن المواجهات الميدانية لاستئصال التنظيمات الإرهابية.
وفى العنصر الرابع، قال الرئيس السيسى.. لا مفر من الاعتراف بأن الشرط الضرورى الذى يوفر البيئة الحاضنة للتنظيمات الإرهابية هو تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية فى منطقتنا العربية، وليس بخاف عليكم أننا واجهنا فى الأعوام الأخيرة محاولات ممنهجة وممولة تمويلا واسعا لتفكيك مؤسسات دولنا.. وإغراق المنطقة فى فراغ مدمر، وفر البيئة المثالية لظهور التنظيمات الإرهابية واستنزاف شعوبنا فى صراعات طائفية وعرقية.
إن ملء الفراغ الذى ينمو وينتشر فيه الإرهاب، يستلزم بذل كل الجهد من أجل استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية فى العالم العربى، بما فى ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة من خلال تكريس مسيرة الإصلاح السياسى والاقتصادى والجتماعى، والوفاء بمعايير الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب.
وخلال السنوات القليلة الماضية.. قدمت مصر نموذجًا تاريخيًا لاستعادة مؤسسات دولتها الوطنية بشكل سلمى وحضارى عن طريق تفعيل الإرادة الشعبية الجارفة التى رفضت جميع محاولات اختطاف الدولة المصرية العريقة وتجريف هويتها الوطنية التى تشكلت على مدار زمان طويل.. بطول تاريخ مصر الراسخ فى الزمن.
ويستمر الشعب المصرى، بعد استعادته لدولته فى بناء وزيادة كفاءة مؤسساته الوطنية، متقدمًا يومًا بعد يوم على مسار الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى.
كما تدعم مصر بكل قواها، كافة الجهود الرامية لتسوية أزمات المنطقة، بما يحافظ على وحدة وسيادة الدول الوطنية وسلامتها الإقليمية وحمايتها من قوى التطرف والتشرذم الطائفى، وترفض رفضًا قاطعًا كل محاولات التدخل فى الشئون الداخلية للدول العربية والإسلامية، أو إزكاء وتأجيج الفتن الطائفية التى تمثل البيئة الخصبة لنمو الإرهاب وانهيار الدولة الوطنية.
ودعونى أصارحكم أن جهودنا فى مكافحة الإرهاب والقضاء عليه لا يمكن أن يكتب لها النجاح وتصبح واقعًا ملموسًا، إلا من خلال تسوية القضية الفلسطينية عن طريق حل عادل وشامل ونهائى على أساس مبدأ حل الدولتين ومرجعيات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يوفر واقعًا جديدًا لكافة شعوب المنطقة، تنعم فيه بالازدهار والسلام والأمان، فضلًا عن هدم أحد الأسانيد التى يعتمد عليها الإرهاب فى تبرير جرائمه البشعة.
تلك هى العناصر الأربعة، التى طرحها الرئيس السيسى، فى تلك القمة، والتى تحتم أن يتحمل الجميع على مستوى مسئوليته.
ولعل ما طرحه الرئيس السيسى فى العنصر الثانى، يفضح الأنظمة التى توفر الأسلحة للإرهاب وتوفر له الغطاء السياسى والإيديولوجى، كما تحدث بصراحة عن توفير الملاذات الآمنة للإرهاب لتدريب المقاتلين.
ما طرحه الرئيس السيسى فى العنصر الثانى، يحتم أن يتوقف الجميع لفضح الدول والأنظمة التى تساند الإرهاب أيًا كانت هذه الدول.
تلك الرؤية التى طرحها الرئيس السيسى لمواجهة الإرهاب ونحن على مشارف السنة الرابعة لحكمه، رأينا أن تكون هى افتتاحية هذا العدد، خاصة أن الإرهاب هو من أخطر التحديات التى تواجه مصر.