قد يخفى على الكثير معرفة سبب نزول سورة الكوثر، فالقرآن بشكل عام نزلت كل آية فيه ردًا على أحداث ووقائع معينة، فإما لترد على المشركين أو لتعالج أمرًا أو قضية، وهذا كله لنعلم بأن هذا القرآن الكريم هو كتاب خالد لا شبيه له، محكم معجز في شتى جوانبه.
واختلفت آراء العلماء في وقت نزول سورة الكوثر؛ بسبب الاختلاف في تحديد أماكن نزول السورة، فهناك من قال أنها سورة مدنية نزلت في عام الحديبية، وهناك من قال إنها سورة مكية نزلت بعد سورة العاديات.
أسباب نزول سورة الكوثر
تعددت أسباب نزول آيات سورة الكوثر ومن هذه الأسباب ما يلي:
- قال ابن عباس -رضي الله عنهما- إن سورة الكوثر قد نزلت في العاص بن وائل، وذلك لأنه وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يخرج من المسجد فتحدثا، فسأله جماعة من كفار قريش من كان يحدث، فأخبرهم أنّه كان يتحدّث مع الأبتر -يقصد رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وذلك لأن ابنه كان قد توفى- وكانوا يسمون من ليس له ابن ذكر بالأبتر، فنزلت سورة الكوثر.
- روي عن يزيد بن رومان أن العاص بن وائل كان يخبر قومه بترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه رجل أبتر لا عقب له وبموته سينقطع ذكره ويستريح القوم منه بزعمهم، فنزلت سورة الكوثر ردًا على هذا الزعم الباطل وتبين من هو الأبتر.
- روى عطاء عن ابن عباس أن العاص بن وائل كان يمر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيقول له: "إني لأشنؤك وإنك لأبتر من الرجال" فنزل قوله تعالى: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)، أي المقطوع من خير الدنيا والآخرة.
- كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه لما قدم كعب بن الأشرف -وكان أحد زعماء اليهود في المدينة- سأله كفار قريش: هل أنت خير أهل المدينة وسيدهم؟ فقال لهم: نعم، فقالوا له: ألا ترى هذا المنبتر من قومه يزعم أنّه خير منا ونحن أهل الحجيج وسدانة الكعبة، فقال: أنتم خيرٌ منه، فنزل قوله تعالى: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ»، ونزلت آيات آخرى من سورة النساء.
- قال أنس بن مالك -رضي الله عنه-: «بيْنَا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ذَاتَ يَومٍ بيْنَ أظْهُرِنَا إذْ أغْفَى إغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا، فَقُلْنَا: ما أضْحَكَكَ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ: بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ «إنَّا أعْطَيْنَاكَ الكَوْثَرَفَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ إنَّ شَانِئَكَ هو الأَبْتَرُ»، ثُمَّ قالَ: أتَدْرُونَ ما الكَوْثَرُ؟ فَقُلْنَا اللهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّه نَهْرٌ وَدَنِيهِ رَبِّي عزَّوجلَّ، عليه خَيْرٌ كَثِيرٌ، هو حَوْضٌ تَرِدُ عليه أُمَّتي يَومَ القِيَامَةِ، آنِيَتُهُ عَدَدُ النُّجُومِ، فيُخْتَلَجُ العَبْدُ منهمْ، فأقُولُ: رَبِّ، إنَّه مِن أُمَّتي فيَقولُ: ما تَدْرِي ما أحْدَثَتْ بَعْدَكَ».
سبب تسمية سورة الكوثر بهذا الاسم
لقد أسماها الله بسورة الكوثر؛ لورود كلمة الكوثر فيها، حيث قال الله تعالى في مطلعها: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»، والكوثر اسم يدل عل كثرة الخيرات التي أنعم الله بها على نبيه -صلى الله عليه وسلم- والتي كان أهمها نهر الكوثر وهو حوض للنبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة وما ذكر في صفاته، ومن شرب منه فلا يظمأ بعده أبدًا، وتجب له شفاعة النبي.