محمد يسري
أسماء الله الحسنى، ليست مجرد ألفاظ ينطقها العبد ويرددها، بلسانه، فتنحل عقد حياته، بل لابد لذلك من عقد القلب عليها، والإيمان الكامل بأنها سر الله عز وجل في تسيير حياة عباده، فكل اسم من أسماء الله الحسنى يرتبط ارتباطا وثيقا بجانب من الحياة منفردا، من ناحية ويتآلف مع أسمائه تعالى المطلقة والمقيدة، من ناحية أخرى؛ لتوحيد الله عز وجل بأمور الخلق والتدبير، فإذا ربط العبد نفسه بالله، تحقق في قلبه معاني الخضوع والانقياد لله وحده، فتتحقق له سعادة الدارين.
اسم الله المسعر
يدل الاسم على أن الاحتكار من الكبائر.. وأن من يحتكر أقوات العباد، ويتلاعب بها فإنه بذلك يحارب الله في أسمائه وصفاته.
فالثابت أنه لا يقع شيء في ملك الله، من خير، ومن شر إلا بمراده ومشيئته، ومن الأمور التي ترتبط بحياة البشر اليومية الغلاء وارتفاع الأسعار وانخفاضها، وكل هذه الأمور تدور مع مشيئة الله في كونه التي تدل على انفراده تعالى بالخلق والتدبير، فلا خالق إلا هو ولا مدبر غيره.
أما البشر فإنهم أمناء فقط على ما استخلفهم الله واسترعاهم عليه في ملكه.
والله تعالى هو الذي يزيد من قيمة الأشياء ومكانتها فيرتفع سعرها بين الناس إما لقلتها وندرتها أو لزيادة الطلب عليها، فيرتفع سعرها، وهو القادر على زيادتها وتوفيرها، فلا يكون بذلك الرخص والغلاء إلا بمقدار ما تقتضيه حكمته وعدله.
وهذا ما يسمى تدبير الله الكوني، الذي لا دخل لأحد فيه، وهناك نوع آخر من التدبير، وهو التدبير الشرعي الذي يحاكم عليه العباد، فإذا قدر الله قيمة شيء بمقدار وجودها في الطبيعة، وتدخل العباد في ذلك بالاحتكار ومنع وصولها إلى خلق الله، فيكون العبد بذلك قد خالف الإرادة الشرعية المأمور بتنفيذها، ؛ بل وشارك في صفة من صفاته وهي التسعير.
فإذا علم العبد أن التسعير من أفعال الله تعالى، وتعبد إلى الله بهذا الاسم، اطمأن قلبه، مهما ارتفعت الأسعار، لأن العبادة تضمن حسن الظن بالله تعالى، ومن حسن الظن بالله اليقين بأن كل الأمور تدور بتقديره وحكمته، وأن الله تعالى لا يظلم أحدا، غير تعلق العبد بالمخلوقين حكاما ومحكومين الذي لا يخلو من الظلم، فإذا قدر الله الغلاء، قدر معه الرزق، وكل ميسر لما خلق له.
أدلة ثبوت الاسم في الكتاب والسنة
لم يرد اسم الله المسعر في القرآن الكريم، ولكنه ورد بنصه في حديث ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فعن أنس رضي الله عنه، قال : غلا السعر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا: يا رسول الله سعر لنا ، فقال : " إن الله هو القابض والباسط المسعر الرزاق ، وإني أرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في نفس ولا مال ".
رواه ابن ماجه والدارمي والبزار وأبو يعلى من حديث أنس، وإسناده على شرط مسلم وصححه الترمذي