لا أدرى لماذا ساقنى حظى العاثر إلى هذه المنطقة الغريبة من مناطق حى مدينة نصر الذى أسكن فيه، فقد قررت الانصياع لنصيحة احد الاصدقاء لإصلاح عطل فى سيارتى وذلك هربا من أسعار التوكيل الفلكية حيث أشار على بالذهاب إلى منطقة صقر قريش الواقعة خلف سوق الحى العاشر. تركته يشرح لى الطريق وفى نهاية الأسبوع توجهت إلى هناك.
حتى موقف الاتوبيس القديم بالحى العاشر كان الأمر عاديا رغم أننى لم أذهب إلى هناك منذ قرابة العشر سنوات، بعدها توجهت يمينا وتحديدا داخل السوق حيث طرق ضيقة يحيط بها البائعين يمينا وشمالا إضافة إلى عدد من التكاتك قد يزيد عن عدد من يترجلون أو يسكنون هناك!!! وبعد فترة قيادة مرهقة رغم قصر مدتها بسبب محاولة تفادى كل جسم بشرى أو غير بشرى يقف أمامى وجدت ضالتى المنشودة، تركت له السيارة على أن أعود إليه بعد حوالى ساعتين حيث مازال أمامه " شغل تانى "... ولأننى لست من مرتادى المقاهى كما أننى لست مدخنا والحمد لله فقد قررت استهلاك مدة الساعتين فى الترجل بلا هدف فى سوق هذه المنطقة ظنا منى انه مجرد سوق مزدحم كاى سوق شعبى آخر.
أول ما لفت انتباهى عندما تركت سيارتى وبدات فى التركيز فى شيء آخر غير محاولة تفادى الاجسام البشرية والميكانيكية هو اننى أصبحت فى مكان مشبوه فى أحدى الدول الإفريقية الفقيرة بكل ما لها من عادات تقاليد، بنات وسيدات ذوات بشرة سوداء فى مقتبل العمر يرتدين شورتات وباديهات وبنطلونات مجسمة كأنهن نادلات فى أحدى الحانات الفقيرة بأوروبا، علاقات غريبة بينهن وبين شباب من نفس الجنسية يتحدثن لغة ليست بالانجليزية أو الفرنسية، غالبا هى لغتهم القومية، تجدهم فى محال صغيرة لا تزيد مساحتها عن مترين × متر بابها كالخندق مصنوع من زجاج مغطى بصور أو من خشب رديء يبيعون فيها الحنة والشعر المستعار ومنتجات أخرى مجهولة الشكل والهوية. ترجلت قليلا إلى الداخل لأجد شباب من هذه الدول يلبسون ملابس رياضية مقلدة لماركات عالمية شهيرة ولكن شعبية الصنع والهيئة، عندما مررت من جانبهم جاءنى أحدهم هامسا وبلكنة عربية ركيكة قال لى " عايز حشيش "؟؟!!! اخترقت الكلمة مسامعى لتقضى على ما تبقى لدى من دهشة واستغراب مما يحدث حولي، تركته ولكن بداخلى إصرار غريب على معرفة ما يحدث تفصيلا مهما كلفنى الأمر.
ابتعدت عنه لمسافة لا تزيد عن عشرة أمتار ثم صوبت وجهى وحواسى تجاهه لاراقب ما يدور تفصيلا، شباب يقتربون منه ويعطونه أموال مقابل ما يحصلون عليه من مخدرات، منتهى الثقة والطمأنينة بين البائع والمشترى وكأن الخبز هو محل التعامل!!! تركت هذا التاجر الصغير لافاجا أثناء رحلتى بأن كل الشوارع الضيقة فى هذا المكان الغريب تمتليء بمجموعة كبيرة من تجار المخدرات يسوقون لبضاعتهم المحرمة والمجرمة بحرية تامة دون أدنى خوف أو رهبة. لاحظت أيضا أماكن مريبة عبارة عن غرفة فى الدور الارضى " غرز " تديرها غالبا سيدة إفريقية تقدم المشروبات لزبائنها من أبناء بلدتها الذين يجلسون بداخلها فى مجموعات كبيرة وبشكل غير مطمئن، وربما أيضا يتم تعاطى المخدرات بها.
أخلاقيات غريبة وسلوكيات شاذة تمارس بحرية تامة بدون رقيب أو رابط وبعيدا عن أعين الشرطة. أغلب - إن لم يكن كل أبناء هذه المنطقة من جنوب السودان ونيجيريا وذلك بعد أن استقصيت الأمر من صاحب محل بقالة من جنوب السودان يتكلم العربية بصعوبة. أنهيت رحلتى التى قاربت على الثلاث ساعات وبداخلى عدة أسئلة تحتل ذهنى احتلالا غاشما.... هو إحنا ناقصين؟؟؟ وهل جزاء مصر التى فتحت زراعيها للجميع ومن كل بقاع الدنيا أن يدمر شبابها ويتم نشر الفاحشة بينهم بهذه الصورة، هل هولاء لا يخضعون للقانون المصرى الذى يجرم الدعارة وتعاطى المخدرات والاتجار فيها؟؟؟ هل يستطيع أى مصرى أن يفعل ذلك فى بلادهم إذا كانت هذه الأفعال مجرمة وفقا لقوانينهم العقابية؟؟؟ هل من ضامن أن هولاء الفتيات لا يحملن أو انهن غير مصابات بمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) والذى ينتشر فى بلادهن فى صورة وباء؟؟؟ هل نحن نبنى ليأتى هولاء ليهدمون؟؟؟
اننى اوجه كلماتى لكافة الأجهزة المعنية بضرورة التصدى لتلك الممارسات والسلوكيات الشاذة على شعبنا ومجتمعنا وترحيل من يثبت تواطؤه فى ذلك... أننى أقدر دور الشرطة المصرية العظيمة تقديرا خاصا، لذلك من حقها علينا وضع الأخطار أمامها للتعامل معها والتصدى لها ونحن لا نشك فى قدرتها على ذلك. أن مصر هى الشقيقة الكبرى للعرب وافريقيا ويعيش على أرضها الطاهرة وبين شعبها الطيب ملايين من جنسيات مختلفة ومن ضمنهم أيضا أشقاء من جنوب افريقيا الطيبة ونيجيريا المسالمة، وكلهم إخوة وأشقاء يحملون على الأعناق لانهم جاءوا للتعليم أو التجارة أو كسب قوة اليوم بشرف ونزاهة، أما من رأيتهم خلال رحلتى فان مقصدهم مختلف ونيتهم لا علاقة لها بأخلاق هذا الشعب الطاهر الكريم المؤمن. ومع كامل إحترامى وتقديرى لكل بنى البشر فى كل بقاع الدنيا ولكن بلدى وشعبها أهم عندى ممن سواهم. مرحبا بهم جميعا مواطنين صالحين شرفاء يحترمون سلوكيات وتقاليد وقوانين الدولة المصرية التى فتحت لهم زراعيها، أما غير ذلك فالحدود والسموات تفوت جمل....