الإثنين 29 ابريل 2024

عشاق المسرح (5)

مقالات20-9-2021 | 17:21

 يعلم كل من غواهم البحث العلمى وحب المسرح والسينما وكل الفنون صعوبة ودقة ايجاد فكرة تتحول لموضوع بحثى للماجستير أو الدكتوراة، ففى عام 1995 كنت قد أنهيت مناقشة الماجستير، والحمد لله لقى ترحابا من أساتذتى وزملائى خاصة بعد ما طبع كتاب بعدها بعام. ثم قررت التسجيل للدكتوراة، وفكرت فى أكثر من موضوع وكلما عرضت أحدها على أساتذتى "نهاد صليحة" و"نبيل راغب" يرفضان ويقترحان موضوعا جديدا أدور فى فلكه شهورا واحتار، وينظر لى الحكاء الفريد د.نبيل وبطنى ممتد أمامى حيث كنت حاملاً فى ابنتى وهو يضحك "يا بنتى أنت حتخلفى ولا حتدرسى" والاّن أجد عنده حق "أنا كنت مستعجلة قوى ليه!! يلالا طيش شباب".

 

إلى أن فكرت فى مسرحيات الكاتبات والمخرجات، وكن حينها يتألقن، فمسرح يقدم نصاً لفتحية العسال وآخر لـ "نادية البنهاوى" وثالث لـ"فاطمة قنديل" فى سابقة أتمنى تكرارها، ولمعت مخرجات وممثلات شابات انطلقن من خلال دورات المسرح الحر منذ عام 1991، حيث تألقت "نورا أمين" و"عبير على" و"عفت يحيى" و"كارولين خليل" و"داليا بسيونى" و"رشا الجمال" و"سارة عنانى" و"شيرين الأنصاري".

قمت بتسجيل موضوع حول (صورة المجتمع فى مسرح الكاتبات المصريات) قوبل حينها بترحاب من البعض واستنكار من البعض الآخر وإشفاق من الجميع بسبب عدم وجود مراجع ومعلومات كافية حول الكاتبات أو أعمالهن، نشر فى كتاب (مسرح المرأة فى مصر) عام 1993 لن استطيع القول "أرجعوا للكتاب" فقد نفد منذ سنوات.

 

وبدأت الرحلة التى امتدت من عام 1996 وإلى عام 2000 حين ناقشت الرسالة وجدتنى أغوص فى بحار وحدائق غنّاء – امتدت للقرن العشرين كله - عامرة بعاشقات للمسرح أهملهن تاريخ مسرحنا المكتوب طويلا إلا من شذرات هنا وهناك أو من كتبت منهن مذكراتها. وكان أول كنز عثرت عليه مذكرات روزا اليوسف (ذكريات) نشر عام 1953 ومذكرات فاطمة رشدى (كفاحى فى المسرح والسينما) وذكريات جورج ودولت ابيض بقلم ابنتهما سعاد وحوارات أمينة رزق وزينب صدقى،عدت للماضى الثرى ألىأن وصلت لأول مذكرات للممثلة مريم سماط التى نشرت على حلقات فى جريدة الأهرام عام 1915.

جميعهن حكين صعوبات ومآسى عانين منها، أولاها المجتمع وأسرهن بسبب إنكار هذا المجال لما يحاك عنه من مأخذ، كما عانين من صعوبات مادية، فكدن يموتن من الجوع، فلا مقابل للتعب والسفر والترحال سوى حب المسرح فقط. فمن ممثلات نهاية القرن التاسع عشر وإلى الربع الأول من القرن العشرين نجد أيضا أسماء مليا ديان ولبيبة مانيلى وناظلة مزراحى واستر شطاح والشقيقات ألمظ وإبريز ستاتى وسارينا وذكية إبراهيم، ثم جاءت منيرة المهدية ودولت أبيض وعزيزة أمير وعلية فوزى، وذكر أنهن كن يحصلن على أجور أعلى من الممثلين بكثير. وتطور عملهن فى المسرح بالزواج من زملائهن الممثلين والمخرجين والكتاب وهى طريقة مازالت متبعة فى عالم الفن تضمن للفنانة الاستمراروالأهم الأمان الاجتماعي.

 

جاء هذا التطور فى خدمة المسرح حيث ظهرت فرق تمثيلية تحمل أسماءهن بمشاركة الأزواج، فرقة منيرة المهدية مع زوجها محمد جبر وفرقة فكتوريا موسى زوجة عبدالله عكاشة صاحب فرقة أبناء عكاشة مع أشقائه وفاطمة رشدى مع عزيزعيد وفرقة أبيض لدولت وجورج أبيض ومثلت روزااليوسف مع زوجها محمد عبد القدوس وبديعة مصابنى مع زوجها نجيب الريحانى إلى أن وصلنا فى النصف الثانى من القرن العشرين إلى فرقة تحية كاريوكا مع زوجها المخرج والمؤلف فايزحلاوة. ستثمر جهود التأسيس هذه عن وجود الكاتبة المسرحية الراسخة وطبيعى سيأخذ بيدها الرواد، تروى الكاتبة صوفى عبدالله كيف ذهبت بنص مسرحية (كسينا البريمو) لذكى طليمات مدير فرقة المسرح الحديث ليرشح لإخراجه تلميذه العائد من البعثة حمدى غيث وتعرض المسرحية موسم 1951، ثم قدم يوسف وهبى نص الكاتبة جاذبية صدقى فوق خشبة المسرح القومى عام 1955. ليتوالى أقلام عاشقات المسرح وتتألق منذ الستينيات ليلى عبد الباسط وفوزية مهران ولطيفة الزيات وفتحية العسال ثم تأتى نهاد جاد وناهد نائلة نجيب ونوال السعداوى ونادية البنهاوى ووفاء وجدى وفاطمة قنديل وسلوى بكر، وبينت الدراسة النصوص التى عرضت على خشبات المسارح بينما بقى بعضها على أرفف المكتبات. وحملت أفيشات المسارح أسماء مخرجات مثل د.ليلى أبو سيف من ينسى مسرحية (الأم شجاعة) وزينب شميس أخرجت (عديلة) أول نص لنهاد جاد وآخر ما مثلت القديرة نعيمة وصفي، وكذا مسرحيات الطلاب بالمعهد باخراج د.سميرة محسن ود.أميرة عبد الرحمن. ولم أنس إبداعات عاشقات المسرح للطفل بل كن سيدات مسرح بكل معنى الكلمة كتابة وإخراجا وتدريب أطفال، أولهن فاطمة المعدول ثم لوسى يعقوب وزينب العسال وسامية جمال الدين وآمال بيومي.

 ولأن دراستى توقفت عند عام 2000 فقط فهى تحتاج لجزء ثانٍ، حيث تدفق نهر إبداع الفنانات والكاتبات والمخرجات ليثرى مسرحنا المصرى والعربي. احتفظ جيل القرن الواحد والعشرين بكثير من ملامح الجدات فأسسن الفرق (لاموزيكا) نورا أمين، (القافلة) عفت يحيى، (المسحراتي) عبير على، (سبيل) داليا بسيوني،عانين مشاكل التمويل والبحث عن مسرح وكل عثرات الانتاج لكنهن وغيرهن مستمرات بعزم أحدثهن ريم حجاب. وتجد كاتبات موهوبات مثل ياسمين إمام ورشا عبدالمنعم وصفاء البيلى ورشا فلتس وغيرهن، أيضا هناك مخرجات نزلن لكل مسرح مثل المخرجة القديرة منى أبو سديرة.

 وامتد العشق لمدن وقرى مصر كلها فتجد شابة واعدة هى مها بدر تعيش فى مدينة كفر شكر فى دلتا مصر تخرج وتمثل وهذا يشجع بنات مدينها على ممارسة هواية مفيدة فى مسرح قصر الثقافة أو مسارح المدارس موخرا فازت عن كتابة واخراج مسرحية (العروسة بطة) لذوى القدرات الخاصة بجائزة وزارة الشباب.

وتجد فى الإسكندرية مى عبدالرازق فنانة شاملة تكتب وتمثل وتخرج مسرح فى عشق متواصل مكونة مع زوجها المخرج محمد طايع ثنائى مثل الرائدات، وهناك كثيرات يفرحن القلب فى كل بيت وقصر ثقافة وجامعة فى مصر.

واليوم نجد القاهرة تحتضن مهرجان مسرح المرأة الدولي، تشارك به فرق من العالم العربى والدولي، وتطرح أسماء شابات عاشقات للمسرح بكل فنونه مثل الموهوبة ريم حجاب. أهنئ نفسى وكل عاشقات المسرح وعشاقه وأتمنى كل النجاح للصديقات العزيزات عبير لطفى وعبير على ورشا عبد المنعم.

Dr.Randa
Dr.Radwa