على قدر هذا الحزن والألم الذى اتشحت به مواقع التواصل فى تلك الحوادث المفجعة، على قدر ما برز بها من ملاحم إنسانية رائعة، أطلت إلى النور بوجهها المشرق الذى عبر عن شهامة أبناء الشعب المصرى وقت الأزمات والشدائد.
المشهد الأول، فى حادث انفجار عبوة أكسجين بأحد المراكز الطبية فى مدينة دمنهور، والذى أدى إلى حريق كبير جراءه، وتصاعدت ألسنة اللهب والأدخنة فى العقار، فيما كان عدد من الأسر محبوسين فى شققهم، ومرضى محبوسين داخل المركز الطبى، ينتظرون النيران المقبلة عليهم فى رعب شديد.
ويبادر أبناء الشارع، إلى مساعدة قوات الدفاع المدنى التى اشتبكت فور قدومها مع ألسنة اللهب الشديد، بصعودهم إلى عمارة مجاورة، على ارتفاع يقرب من ستة أدوار، ويمدون سلما خشبيا بطريقة موازية إلى العمارة المنكوبة، غير عابئين بالنار أو الدخان أو احتمالات السقوط المميت إلى الشارع، وبالفعل يتمكنون من إخراج أفراد وأسر عالقة داخل المبنى.
المشهد الثانى: حادث جرار محطة مصر الذى وقع منذ عامين تقريبا، حين اقتحم جرار قطار مصدات رصيف الركاب داخل المحطة، ومن ثم أدى الاصطدام المروع إلى انفجار خزان الوقود الممتلئ بالجرار، وتحول المكان كله بمن بداخله فى ثوانى إلى كتلة لهب، أمسكت بأجساد الواقفين، كتل متحركة من اللهب تحاول النجاة، تجرى مذعورة، تبحث عمن يطفئها.
وظهرت الشهامة فى هذه الشدة، إذ كان هناك من يجرى مهرولا، لإحضار زجاجات وجراكن المياه، أو أغطية تمنع تزايد اشتعال النار، متلاحما مع المحترقين بلا خوف، محاولا إطفاء أجسادهم.
المشهد الثالث: فى إحدى حارات القاهرة، حين اشتعلت النيران فى شقة سكنية تقطنها أسرة بالدور الخامس، وقفت ربة البيت فى البلكون، تصرخ محتضنة صغارها، لا تملك سبيلا إلا القفز بهم، بعد أن أكلت النيران شقتها بالكامل.
لم ينتظر أبناء الحى وصول قوات الأطفاء، بل سارع أحدهم من فوره إلى تسلق مواسير الغاز المثبتة بقوة على واجهة المنزل، إلى أن تمكن من الوصول إلى البلكون، فيما انتظره ثانى فى الدور الأسفل منه، يتلقى الصغار، ويعاود الشاب الصعود وتلقى أحد الاطفال، وتسليمه إلى الدور الأسفل، وبعدما فرغ من إنقاذ الأطفال، تمكن من مساعدة السيدة فى النزول بأمان إلى الدور الأسفل منها، وبفضل الله، ثم شهامة هذا الشاب الجرئ نجت الأسرة، بعد أن كادت الأم تلقى بنفسها وأطفالها من هذا الارتفاع.
تعرف معدنهم الحقيقى وبسالتهم فقط فى الشدائد، مسارعون لإغاثة الملهوف، لا يخافون الموت، مدركين أنه مقدر ومكتوب، ايديهم ممتدة بالعون والخير و"الجدعنة".. عاشت شهامة أولاد بلدنا.