الجمعة 26 ابريل 2024

عصر ما بعد الفوضى.. المتطرفون والعنف ضد المرأة؟

مقالات22-9-2021 | 20:27

ربما يلاحظ كثيرون منا أن الرجعيين والجماعات المتطرفة تركز هجومها على المرأة ضمن مخطط الفوضى الذي تسعى إليه، وضمن ما يتم توجيهها إليه من مشروع عبثي لا ملامح له، لا ينتج غير الفوضى والتخريب وهدم الدولة، ولكننا ربما لا نعرف على وجه الدقة لماذا يستهدفون المرأة بشكل دائم بعدد من التهجمات منها على الأقل فكرة التقليل منها والنظر لها دائما بوصفها تابعا وعنصرا مستخدما من قبل الرجل لتحقيق أهدافه وكأن محور الحياة هو الرجل وليس المشاركة بينهما، فضلا عن أفكار أخرى ربما تكون نابعة من سياقات المجتمعات القديمة والبدائية أو المرتبطة بالعصور الوسطى ولم تعد مناسبة للحظة الراهنة، بل إننا نجد مثلا أن الحضارة الفرعونية القديمة سبقت كثيرا من الحضارات في منح المرأة مكانتها المساوية وكانت دائما شريكا للرجل ولها دور بارز في البناء والعمل والإنتاج وتربية الأبناء بما لا يقل عن الرجل ولم تحتقرها أبدا الحضارة الفرعونية، وفي تصوري وفهمي الشخصي كذلك أن الإسلام لم يكن سلبيا في موقفه تجاه المرأة ولم يقلل منها أبدا بل منحها أدوارا عظيمة كانت تمهيدا لأن يستمر تطورها وتقدمها حتى تصل إلى مرحلة المساواة التامة، وبالرغم من ذلك نجد أن هذه الجماعات المتطرفة والظلامية تدأب على الحط من المرأة واستهدافها بأشكال عديدة من الهجوم والاحتقار ومنها مثلا فكرة النقاب التي تتعامل معها بوصفها مجرد سلعة وأداة لإثارة الغرائز الجنسية فقط.
المهم أنه قد يبدو في رأينا أن وراء هذه الممارسات العدوانية سببا خفيا وسرا غامضا.
يوجد ارتباط حتمي بين المرأة والحضارة، وبالتالي بين المرأة والأنظمة الحضارية المتطورة وفكرة الدولة في ذاتها، وهذا الارتباط الحتمي نابع من طبيعة المرأة التي تجد قوتها في الجماعة وليس في السمات الفردية، الأنثى بشكل عام في كافة الأنواع وفصائل الحيوانات تحتاج إلى القطيع وتنتمي إلى القطيع وهي التي تربي وترتبط بأبنائها بعد إنجابها لهم، إذن فالجانب الاجتماعي والتنظيمي لدى الأنثى له أصوله البيولوجية المؤسسة على الارتباط بالأبناء وإرضاعهم وتعليمهم مهارات الصيد، بخلاف الذكر الذي ربما لا يرتبط في أغلب أنواع الحيوانات إلا في مواسم التزاوج فقط، وهكذا فإن هناك أصولا تربط المرأة بالكيان الاجتماعي والأشكال الحضارية الأكثر تنظيما، وأتصور أن أول الأشكال الاجتماعية تأسست على يد المرأة وكانت الأساطير والحكايات هي أول ما ربط الإنسان في العصور الأولى البدائية ومن الطريف أن المرأة كانت هي المنتج الأكبر والأغزر لهذه الحكايات، إذن فإن تحلق الجماعة البشرية في أصوله وجذوره القديمة يرتبط بدور المرأة وحكايات الجدات والأمهات وقصصهن، وهذه الأساطير والحكايات كانت هي البذور الأولى لفكرة الدولة لأنها كانت تمثل مؤسسات تعليمية في أكثر من ناحية، فمن الحكايات والأساطير التي كانت تختلقها النساء كان الأطفال يتعلمون كل شيء عن الحياة ويكتسبون خبرات أكثر وحتى الجوانب الدينية والروحانية كانوا يأخذونها من هذه الأساطير، أي أن هناك تلازما وترابطا عميقا بين المرأة والأسطورة في العصور البدائية، وبينها وبين الدولة والأنظمة في العصور الوسطى، وحتى في عصور القبيلة وحياة البداوة نجد أن الرجل معرض لحياة الصعلكة والتشرد والخروج إلى الجبال والمناطق الوعرة ويعمل في السرقة وقطع الطرق، مثلما نجد في تراثنا العربي في العصر الجاهلي وتجربة الشعراء الصعاليك، وكذلك في العصور اللاحقة التي لم تخل من الصعلكة والثورة على المجتمع والميل إلى الحياة الفوضوية، ولا يخلو عصور من العصور من هذه الأنماط، في حين لا يمكن أن نجد هذا الشكل عند المرأة، فقد كانت المرأة دائما تجد قوتها في القبيلة، تجد قوتها في المجموع لأن صفاتها البدنية والنفسية وحاجتها للولادة والإرضاع تجعلها محتمية على الدوام بالكيان الاجتماعي، وهكذا تجذر لدى المرأة الارتباط بفكرة الدولة التي هي مكتسب إنساني بشكل عام ومكتسب للمرأة بشكل خاص، فقد منحتها الحضارة الحديثة مزايا عديدة منها أنها أصبحت تعتمد على نفسها وتسافر إلى مسافات بعيدة وهي تقود السيارة وتحتمي باللجان الحكومية والأنظمة المرورية على الطرق، وتأبى المرأة دائما الانخراط في الفوضى وتقلل باستمرار من الثورة، تخشى اللصوص وقطاع الطرق وتخشى الرجعية والإرهابيين بالدرجة  نفسها.
أفادت المرأة كثيرا من تطور الصناعة، مكنها من السفر والعمل والمساواة مع الرجل، ومكنتها الدولة من حقوقها من الرجل، وبالتالي فمن الطبيعي جدا أن تكون المرأة حريصة على فكرة الدولة وحامية لها، وفي التسعينيات كانت الأمهات أول من يتبرأ من الابن المنضم للجماعات الإرهابية، ربما يكون ذلك قد تغير قليلا في الفترة الأخيرة لنشوء جيل جديد من النساء تربى من الطفولة على الفكرة الإرهابي فهم أبناء وبنات هذه الجماعات ممن ولد في السبعينيات وأنجبن وأصبحن أمهات الآن وأبناؤهن شباب، فهؤلاء فقط هن اللائي قد يختلفن عن هذه الطبيعة والفطرة السليمة للمرأة المرتبطة دائما بالدولة والنظم الحضارية. 
ولأن الغرب المحرك الأساسي والموجه الخفي لهذه الجماعات يدرك جيدا هذه الفكرة ويعرف دور المرأة وارتباطها بفكرة الدولة فإنه يوجه هذه الجماعات لأن تكون أشد عنفا ضد المرأة، يوجههم لأن يفهموا النصوص الدينية بالشكل الذي يجعلهم في أقصى درجات الاحتقار للمرأة أو التقليل منها بشكل غير مباشر، ربما قد يكون لهم خطاب في ظاهره الرحمة والمحبة والحنية والرومانسية لكن مشروعهم في جوهره يهمش المرأة فلا يرى لها غير المنزل ولا يرى جسدها إلا عورة وأداة للهياج الجنسي وإغواء الرجل ولا يرى فيها إلا الولادة والإرضاع وأداء أعمال المنزل.  يتنامى حديث الإسلاميين عن إباحة التحرش بالمرأة غير المنقبة أو من يسمونها السافرة والتسمية توحي مبدئيا بأنها هي المخطئة وهي من أباحت نفسها للناس، ويتنامى الحديث عن أن المرأة ليس لها حق الولاية أو أنها مجرد تابع وأنها يجب ألا تعمل في الوظائف العامة.
لأسباب عديدة وجوهرية مما ذكرنا وجدنا أن المرأة كان لها حضور ضخم في ثورة 30 يونيو مقارنة بـ25 يناير، ربما بالطبع شجعت سلمية 30 يونيو على مشاركة المرأة بشكل أوسع، وربما أيضا أن المشاركة الأوسع كانت نابعة من مخاوف المرأة على فكرة الدولة وفزعها من الرجعيين وممارساتهم وخطابهم المحتقر للمرأة دائما، وربما لأن النساء والبنات استوعبن كذلك أن الثورة في حماية الجيش وحماية الدولة وهن بالطبع يثقن في الجيش لأمور مرتبطة بفكرة الدفاع عن الوطن ضد العدو الخارجي وانتظار المرأة دائما لأن تكون حمايتها من طرف الجيش مثلما حدث في الحروب الكثيرة التي خاضتها مصر عبر التاريخ. وهكذا فإن ممارسات العنف للجماعات الإرهابية والرجعية ضد المرأة لا تنتهي أبدا بل إنها تتطور مستغلة وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة، بل أحيانا ما تكون هذه الجماعات من المكر والدهاء استغلال الدولة نفسها ضد المرأة لتقييد حرياتها أو سلبها حقوقها، وأحيانا ما يسلطون عليهن نوعا من النساء التابعات لهذه الجماعات ممن تم تدجينهن وهدم فطرتهن وطمس هويتهن وتقديسهن للحرية والاستقلال، ومن الطريف أننا وجدنا المرأة نفسها هي التي تهاجم المرأة وتقيد حقوقها وتحاول أن تقنعها بأفكار الإرهابيين والمتطرفين التي لا أساس لها في الإسلام.  

 

Dr.Randa
Dr.Radwa