جعل الله -تعالى- الكعبة قبلة المسلمين فكما كانت قبلة المسلمين حين فُرضت الصلاة أول مرة باتجاه المسجد الأقصى، يتجهون لها خمس مرات للفرائض في اليوم والليلة، وكذلك النوافل التي يؤدونها، وتقصد الكعبة في الأعياد والمناسبات، وفي الجنائز، وصلوات الكسوف والخسوف، وكل صلاة نوى المسلم أن يصليها، وذلك تشريفاً وتعظيماً لقدر الكعبة المشرفة عند الله تعالى، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ».
كيفية معرفة القبلة للصلاة
يجب على المصلي أن يلتزم بالقبلة أثناء صلاته قدر استطاعته، فالمطلوب هو أن يتوجه إلى جهة الكعبة، فقد استدل العلماء على ذلك من قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حين ذكر لأهل المدينة قبلتهم فقال: «ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلة»، فالمسلم يحدد مكانه على الخريطة وتقدير مكان مكة المكرمة منه، ثمّ يجعل ذلك قبلته في صلاته، ويجب على المسلم إن تمكن من استخدام وسائل ومعيناتٍ أخرى لتحديد القبلة أن يستعملها، حتى يستيقن من اتجاه القبلة ويطمئن لصحة صلاته، فإنه ما لا يتحقق الواجب إلا به فهو واجب، وعلى المسلم أن يتأكد من ذلك.
أما إذا فقد المسلم الوسائل الحديثة التي تساعده على تحديد القبلة، فإن كان في بلد عربيٍ فعليه أن يسأل المسلمين ممن هم أهل للثقة والإيمان حوله، فلا يصح أن يسأل المسلم الكافر أو الفاسق عن القبلة، حيث اختلف العلماء في حكم سؤال الصبي غير المميز، فمنهم من ذكر أن شهادة ورواية الصبي غير المميز لا تصح، وكذلك سؤاله عن اتجاه القبلة فالصلاة باطلةٌ، وكذلك الحال في المرأة الكافرة أو غير المحجبة.
وهناك طريقةٌ أخرى من الأفضل أن يعلمها المسلم إذا كان خارج بلده، وأراد أن يقيم الصلاة، وهي طريقةٌ تستخدم في الليل بتتّبع مواقع النجوم لمعرفة الأماكن، إذ ينظر المسلم إلى النجم القطبي الشمالي، وهو نجم صغير يظهر مع مجموعة نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، ولا يتحرك هذا النجم من مكانه، فباستطاعة أي شخص أن يتعرف عليه؛ لأنه لا يغير مكانه، فإن كان المسلم في بلد العراق جعل النجم القطبي الشمالي خلف أذنه اليمنى، وإن كان في الشام جلعه وراءه تماماً، وإن كان في مصر جعله خلف أذنه اليسرى، وإن كان في اليمن جعله أمامه مما يلي جانبه الأيسر.
أما بالنسبة للطريقة الأخرى يستطيع المسلم تتبعها في البلاد التي يوجد فيها مساجد، وهي اتجاه محاريب المساجد، فإنها غالباً ما تكون المحاريب باتجاه القبلة، فإن رأى المسلم محراب المسجد يشير إلى اتجاه ما، فإنه غالباً سيكون اتجاه القبلة، وقد ذكر العلماء أربعة مساجدٍ على وجه الخصوص؛ وهي: المسجد النبوي في المدينة المنوّرة، ومسجد عمرو بن العاص في مصر، ومسجد القيروان في شمال أفريقيا، ومسجد بني أمية في الشام، وقد ذكر العلماء أن ذلك لا يصح في القرى، فعلى المسلم أن يتحرّى القبلة فيها، إلا إذا لم يكن أهلاً للتحري، فحينئذٍ يتبع صلاة أهل القرية.