الإثنين 29 ابريل 2024

أحلام طفل ليبي تتجسد في قاهرة المعز

مقالات29-9-2021 | 17:12

تعود علاقتي بأم الدنيا إلى سنوات طويلة خلت، وتحديدًا زمن طفولتي التي عشتها بالطول والعرض في أزقة وحواري المدينة القديمة.. عمق طرابلس التي التصق بالفؤاد رائحة ترابها وجبلنا على حبها .

تلك الفترة وتحديدا في بداية السبعينات بدأت تتشكل معالم "مصر" في مخيلتنا.. مصر معلمة الفصل .. مصر الطبيب الذي نجده في المستوصف.. مصر المهندس الذي كان يقف على تنفيذ عدد من المشروعات بمسطرته الطويلة وقبعة البلاستيك المميزة.

تلك السنوات كانت ليبيا في طور التكوين بعد ثورة الفاتح من سبتمبر مباشرة، وكانت الكبيرة مصر حاضرة معنا في معركتنا ضد التخلف والمرض والجهل.. وبالتالي كانت قوافل المعلمين والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات تفد إلى ليبيا تباعًا لتشارك في نهضة البلاد .

احتضنت المدينة القديمة وغيرها من مدن وقرى ليبيا المعلمين والمهندسين والأطباء وباقي جحافل المصريين الذين خاضوا معنا معركتنا ضد عوامل التخلف وصاروا جيرانا لنا في بيوتنا وأصبح أبناؤهم الذين في سننا زملاء لنا في المدارس.. وبدأت معهم رفقة صالحة مدى الحياة .

كانت الست عطيات والأستاذ نبيل وعمي البنهاوي والدكتورة جمالات جيران مقدرون في كامل الحي.. وكانوا في عيون كل سكان المدينة فهم من يعلم أبناءنا ومن يعالج مريضنا ومن يبني بيوتنا.. وطيبتهم ولهجتهم المملوءة بالحنية، كانت هي جواز مرورهم للقلوب، ومن خلالهم بدأ حب مصر يغزو قلوبنا .

تربينا على مطالعة ميكي وسمير التي كان أبناؤهم يحضرونها بعد عودتهم من المحلة وأسيوط والشرقية وبنها.. وعرفنا من خلالهم أسماء المدن وتخيلنا تفاصيل الشوارع ونكهة الحياة في بلد الفسطاط، وكنا نطلبها توصية وننتظر وصولها أشهر العطلة ونتقاتل للحصول عليها .

كبرنا لتكبر أحلامنا.. ومن خلال قامات الثقافة والفكر والفن في هبة النيل أحببنا تفاصيل الحياة.. وتخيلنا أنفسنا نجوب "الكيت كات" أو نرتشف فنجان قهوة في حي "الصناديقية" ولعلنا اشتطنا قليلا لنجوب أسوان ونقف أعلى قمة السد العالي.

كان الفن والثقافة المتدفقة من قاهرة المعز هو من متن أواصر العلاقة بيننا وبينها.. وعبر مهنة المتاعب التي مارستها ردحا من الزمن تمكنت من تحقيق جملة من الأحلام التي كانت تدور في رأس طفل لم يكن يتخيل أنه سيكتب هذه الأحلام على موقع مؤسسة كانت تصدر ما كان يطالعه في سنواته الأولى، ويلتقي مثقفيها وإعلامييها وفنانيها في مناسبات تحتفي بالصحافة والفن.

Dr.Randa
Dr.Radwa