الثلاثاء 14 مايو 2024

ذكري حرب أكتوبر.. المشير الجمسي يكشف كيف استطاع الجيش تحطيم خط بارليف

تحطيم خط بارليف

تحقيقات6-10-2021 | 13:09

حسن راشد

المشير السابق محمد عبد الغني الجمسي، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الأسبق، سطر شهادته للتاريخ والأجيال حول براعة الجيش المصري وسلاح المهندسين في حرب أكتوبر، حيث لم يستطع الحاجز الترابي "خط بارليف" الذي ظلت اسرائيل ترفعه شرق القناة كل يوم أن يوقف عزيمة المصريين ويكسر إرادتهم في استعادة أرضهم المسلوبة، فزحفت قواتنا المنتصرة وقام سلاح المهندسين بأروع أعمال الفداء والتضحية، ولم ترهبه النيران المكثفة من التقدم بمعداته عبر قناة السويس.

وأضاف الجمسي في شهادته عن حرب أكتوبر: "لقد خرج المهندس المصري بفكرة لم يعيها العالم لهدم هذا الحاجز الترابي بعد أن كان الجميع يتحدث عم أن هدمه يحتاج إلى قنبلة ذرية، فتم استخدام سلاحا جديدا وفعالا إلى درجة عالية وقامت خراطيم المياه بفتح 30 ممرا على طول الجبهة تدفق منها في الساعات الأولى للقنال 30 ألف مقاتل."

براعة سلاح المهندسين

قال كانت اسرائيل قد أعدت العدة وجهزت مواقعها الحصينة على الضفة الشرقية للقناة بخزانات من الوقود ومواد الاشعال - مغطاة تحت سطح الأرض - يخرج منها مواسير إلى القناة، يتسرب منها البترول الذي يشعل كهربائياً من داخل الموقع، فتغطى النيران الشديدة سخط المياه لتحرق الأفراد وقوارب الاقتحام المصنوعة من المطاط والخشب أثناء العبور. لتصبح في هذه الحالة مفاجأة فنية ضد قواتنا لم نعمل حسابها. حقيقة كانت الفكرة جيدة ومؤثرة جدا لعرقلة هجوم قواتنا في بعض القطاعات، ومنعه تماما في القطاعات الأخرى، بالإضافة للخسائر الجسيمة التي تتكبدها قوات الاقتحام.

وتابع المشير الجمسي في شهادته: في البداية حاول أبطال الجيش المصري إبطال مفعول هذه الوسيلة أثناء التحضير للحرب بطريق مختلفة لم تحقق النتائج المرجوة. إلى أن استقر الفكر العسكري على ابطال مفعولها بمعرفة رجال المهندسين بوسائل حدودها. فقامت بعض مجموعات من المهندسين ليلة 5/6 أكتوبر بالعوم تحت سطح المياه لتنفيذ هذه المهمة. تنفسنا الصعداء عندما نجحت هذه المجموعات في تنفيذ هذا العمل العام دون أن يشعر به العدو. ولزيادة الاطمئنان والتأكيد تسللت مجموعات من رجال المهندسين يوم 6 أكتوبر - تحت ستر نيران المدفعية - إلى الشاطئ الشرقي للقناة للتأكد من أن مواسير نقل السائل التي أغلقت في اليوم السابق ماتزال مغلقة.

أن براعة تخطيط وتفكير القوات المصرية أصاب الاسرائيليون بالإحباط عندما حاولوا استخدام هذه الوسيلة أثناء عبور قواتنا، فوجدوها معطلة لا تعمل. وكانت اسرائيل قد أرسلت بعض المهندسين إلى المواقع الأمامية للتأكد من صلاحية وسائل اشعال النيران وأنها تعمل بكفاءة. ولكنهم فوجئوا أن الحرب قد نشبت فوقعوا في الأسر. وهذا الاخفاق جعل الكتب والمقالات والمذكرات الاسرائيلية تجاهلت هذا الموضوع تماما، فلم يتكلموا عنه على الاطلاق.

دور المهندسين

بينما كانت المعارك مشتعلة على الضفة الشرقية للقناة وبعمق عدة كيلو مترات قليلة في سيناء، شاهدت القوات الاسرائيلية وتتبعت رجال المهندسين المصريين، وهم يقومون بأروع عمل هندسي يتم طبقا لخطة محكمة وتنفيذ دقيق. حيث عبر عدد كبير من رجال المهندسين ضمن الموجات الأولى للاقتحام في قوارب. يحملون معهم أسلحتهم ومعداتهم الفنية.

كانت أهم هذه المعدات مضخات مياه تندفع منها المياه بقوة شديدة تشق الساتر الترابي الغالي لعمل فتحات (ممرات) فيه تسمح بتشغيل المعديات وإقامة الكباري.

كان رجال المهندسين يعملون تحت تهديد نيران العدو، بينما وجوههم وأجسامهم مغطاة بالطين، وللمضخات التي سميت (مدافع المياه) في أيديهم يشقون الساتر الترابي. لقد استخدموا 350 (ثلاثة وخمسين) مضخة مياه في مواجهة الجيشين للقيام بهذا العمل. وكلما سقط شهيد أو جريح منهم حل محله مقاتل آخر فورا واستمر العمل. تمكن هؤلاء الرجال من فتح أكثر من ثلاثين ممرا خلال عدة ساعات منذ بدء القتال. يتهايل من كل ممر (فتحة) (ألف وخمسمائة) متر مكعب من الرمال، واستمروا في عملهم حتى فتحوا باقي الممرات المطلوب. وعندما وصل عدد الممرات التي تم انجاز العمل فيها ستين ممرا، كان المهندسون قد قاموا بتحريف 90000 (تسعين ألف) متر مكعب من الرمال. كان هناك اصرار تام من جانبنا على فتح الممرات التي يستتبعها تشغيل المعديات وإقامة الكباري حيث تتدفق عليها القوات.

ويقول الجنرال اليعازار رئيس الأركان الإسرائيلي في مذكراته:

«كانت أخطر الإشارات التي وصلتنا حينئذ، هي التي أفادت أن المصريين بدأوا في عمل ممرات في السواتر الترابية السميكة، باستخدام قوة دفع المياه عن طريق مضخات خاصة كانوا يستخدمونها تحت ستار كثيف من نيران المدفعية والمشاة، كما بدأوا يسقطون معديات ومعدات عبور أمام رءوس الكباري. وفعلا كانت تلك الإشارة الكباري. وفعلا كانت تلك الإشارة هي أخطر الإشارات لأنها تعنى أن أي تقدير للعمل العسكري الذي تقوم به مصر وسوريا أصبح تقديرا متأخرا.

وأستكمل حديثه: "في هذا الوقت جن جنوننا. فأصدرنا أوامرنا بأن يكثف سلاحنا الجوي هجومه في محاولة لمنع المصريين كمن عمل الممرات خلال الساتر، وتعطيل اسقاط المعديات والكباري، ولكن وسائل الدفاع الجوي المصري المجهزة بصواريخ سام - 6 اسقطت لنا خلال أربع دقائق خمس طائرات منها اثنتان فانتوم وثلاث سكاي هوك».

إنشاء الكباري

وبدأ رجال المهندسين في انشاء الكباري في المواقع المحددة لها على القناة. وكما كان النجاح في فتح الممرات فى الساتر الترابي أمراً ضرورياً لتشغيل المعديات وانشاء الكباري، فقد كان انشاء الكباري أيضا امرا محتما لنجاح العملية الهجومية.

ومن هنا كان عمل وحدات المهندسين سواء لفتح الممرات أو إنشاء الكباري من أهم وأخطر مراحل الاقتحام والهجوم. كنا نتوقع أن يستميت العدو لمنع انشاء الكباري، وتدمير ما يتم انشاؤه منها بكل وسائل النيران بالطيران والمدفعية، حتى يمكن هز قواتنا التي عبرت القناة ومنع تدفق الدبابات والمدفعية والأسلحة الأخرى للشرق، وبالتالي يصبح لدى العدو الوقت الكافي لتدمير قواتنا المشاة بدباباته. 

تابع الاسرائيليون مراحل الانشاء وتدخلوا فيها بالنيران، وتملكتهم الدهشة عندما نجح رجال المهندسين المصريين في إقامة الكباري رغم الصعوبات الفنية التي تواجههم تحت تهديد نيران العدو، وأصبحت الكباري حقيقة أمامهم خلال ثماني ساعات. لقد تأخر فتح بعض الممرات في الساتر الترابي، وبالتالي تأخر إقامة اثنين من الكباري في القطاع الجنوبي من القناة في مواجهة الجيش الثالث لصعوبة التربة الطفلية هناك، فضلا عن أن تدخل العدو بالنيران كان شديدا في هذا القطاع.

ولذلك طلب الفريق أول أحمد اسماعيل من اللواء جمال محمد على مدير المهندسين، أن يتوجه بنفسه من مركز عمليات القوات المسلحة إلى هذا القطاع للإشراف على تنفيذ هذا العمل إلى أن تم بنجاح كبير بعد مجهود شاق وبتأخير عن ميعاده المحدد والمقرر مسبقا. وكان من الضروري أيضا أن تقوم قيادة الجيش الثالث بتحويل مرور القوات إلى الكباري التي انشئت لضمان استمرار تدفق القوات شرقا، حتى تم استكمال انشاء الكباري التي تأخر انشاؤها.

ولم يقتصر الأمر على إنشاء لكباري الثقيلة، بل أقام المهندسون طبقا للخطة أيضا عددا مماثلا من الكباري الخفيفة لعبور العربات الخفيفة عليها، وفى نفس الوقت تجذب نيران مدفعية العدو وقنابل وصواريخ طائراته بعيدا عن الكباري الثقيلة. لقد اعتقدت القوات الاسرائيلية أنها أصابت ودمرت عددا من الكباري وعطلت العبور، إلا أن الحقيقة كانت تخالف ذلك، فقد قامت قواتنا بتغطية مناطق الكباري طبقا للمخطط بستائر من الدخان لتعمية الاسرائيليين، مما جعل نيرانهم ضد الكباري ليست بالدقة المطلوبة، إلا أن ذلك لم يمنع محاولاتهم لعرقلة ومنه اقامتها وإصابة بعضها بالنيران أثناء عملية الانشاء والتشغيل.

 

التضحيات

تكبد رجال المهندسين نسبة عالية من الخسائر أثناء فتح الممرات في الساتر الترابي وانشاء الكباري، إلا أهم ضربوا المثل في الاصرار على تنفيذ المهام والتضحية بالنفس في سبيل الواجب. واستشهد منهم أحد قادة المهندسين البارزين هو العميد أحمد حمدي الذي أطلق اسمه على نفق في قناة السويس بعد الحرب هو «نفق الشهيد أحمد حمدي

Dr.Radwa
Egypt Air