سطرت حرب أكتوبر ملحمة مصرية عظيمة نتيجة وجود تكاتف عربي ومن قبله تلاحم جميع المصريين من مختلف الأطياف والأعراق، وما كان ليتم الحفاظ على سرية خطة الخرب لولا فكرة الصول أحمد إدريس باستخدام الشفرة النوبية، حيث لم تكن اللغة النوبية مكتوبة في ذلك الوقت.
الصول أحمد محمد أحمد إدريس، صاحب فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة في حرب أكتوبر، هو ابن النوبة من قرية توماس وعافية بمحافظة أسوان، الذي ساهم بفكرته في تحقيق الانتصار العظيم في معركة تحرير الأرض في 1973.
تطوع إدريس بالقوات المسلحة عام 1954، وحضر حرب العدوان الثلاثي، وظل في صحراء سيناء منذ عام 1957 حتى حرب اليمن، وبعدها شارك في حرب 1967، وكان له الفضل في فكرة استخدام اللغة النوبية كشفرة في انتصار حرب أكتوبر 1973.
أثناء خدمته في الجيش عام 1971م علم أن الرئيس السادات انزعج للغاية، بسبب تمكن العدو في الكثير من الأحيان من فك شفرة العمليات للجيش، ليدعو القادة لمؤتمر حضره جميع الكتائب بهدف إيجاد حل لهذه الإشكالية الكبيرة.
فكرة الشفرة النوبية
وأصدر السادات أمرا بتقديم تصورات للحلول من قبل الوحدات المشاركة، وعندما شرع قائد اللواء وقائد الكتيبة وضابط أحدهما برتبة نقيب بالخروج، ظهرت عليهم علامات الحيرة وحينما علم إدريس بالأمر نظر إليهم وأصدر ضحكات عالية.
صمت إدريس وصُدم الضباط من ردة فعله، فسأله قائده عن سبب ضحكاته غير المبررة في هذا الموقف الصعب ليرد الشاويش بـ"حاجة سهلة يا فندم"، ليزداد التعجب مرة أخرى، ليسأله الضباط السؤال ذاته:"إزاي حاجة سهلة يا أحمد؟"، ليكون رده: "نرطن بالنوبي لغة تتقال وملهاش حروف نكتبها بالعربي".
انتفض المتواجدون من أماكنهم وذهبوا إلى قائد الجيش ويبلغوه بأنهم وجدوا الحل، الذي بدوره اتصل بالسادات المتسائل: "مين اللي سمع الكلام بتاع الشاويش غيركم أنتم الـ 5؟ مفيش.. لو الموضوع ده اتسرب حاكمكم أنتم وهو".
خرج قائد اللواء من مكتب قائد الجيش وأمر بوضع يديه في الكلبشات، لتمر أصعب ليلة على الشاويش الذي ساورته شكوكا كثيرة واسترجع جميع سنوات خدمته في القوات المسلحة في محاولة منه للتوصل لسبب محاكمته التي توقع أنها باتت وشيكة.
قال إدريس في برنامج حقائق وأسرار مع الإعلامي مصطفى بكري عن هذه اللحظة: "جرى القبض عليا وتم وضع الكلبشات في يدي من أجل أن يكون الأمر طبيعيا، كما تم نقلي إلى قيادة الجيش لأشرف على تنفيذ الشفرة.
ووقتها أمر الرئيس الراحل أنور السادات بأن يتم الاستعانة بالنوبيين الذين تربوا في بلاد النوبة القديمة، وتم استخدام اللغة النوبية كسر من أسرار الحرب، وبالفعل لم يعرف هذا السر سوى 5 أفراد فقط في الجيش المصري. وكانت مهمتهم عد المركبات التي تستخدمها قوات العدو الإسرائيلي، وتمت تسمية المحطات في الصحراء بأسماء نوبية وتواجدت مع رئيس العمليات وقائد العمليات وقادة الكتائب وقادة الفصائل، وانسحبوا يوم الجمعة 5 أكتوبر بعد أداء مهامهم وبدأت الحرب يوم السبت 6 أكتوبر عام 1973".
تم إطلاق أسماء المركبات والعربيات بأسماء نوبية العسكري أطلق عليه اسم "ميسر" يعنى جدى والصف ظباط "فج" يعنى معزة.. والظباط من ملازم حتى رائد " ايجت" يعنى "خروف" ومن المقدم حتى اللواء " قدش" يعنى حمار، والطائرة "كوارتى" تعنى طائر، و"منكوكى" يعنى الضفادع البشرية، تم أطلاق هذه الأسماء بالاتفاق حتى لا يعرفها العدو والمخابرات سميت "أوسلمجنى" وتعنى الثعبان....
ومن هنا أصبح الصول أحمد محمد أحمد إدريس، صاحب فكرة الشفرة في حرب أكتوبر المجيدة.
خرج إدريس من الخدمة عام 1994م ومنذ هذا التاريخ وحتى عام 2010م، لم يتحدث مع أحد حول الشفرة إطلاقا، فحتى أبنائه لم يكونوا يعرفون شيئا عن بطولته، حيث أكد إدريس أنه لم يتم مكافئته ماديا ولا معنويا بعد نصر حرب أكتوبر، حتى قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بمنحه، النجمة العسكرية، لما قدمه من خدمة للوطن، قبل انتهاء الندوة التثقيفية الـ 26 للقوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ44 لانتصارات أكتوبر.
توفى البطل أحمد إدريس، ابن النوبة، وصاحب فكرة شفرة حرب أكتوبر باللغة النوبية، في مقر إقامته بمنطقة «كينج مريوط» بمدينة الإسكندرية، يوم 21 سبتمبر، عن عمر يناهز 84 عاماً، وذلك بعد صراع مع المرض.
أقرأ أيضًا:
بالأسماء.. أبرز قيادات حرب أكتوبر 1973 (فيديو)