السبت 18 مايو 2024

حلوة يا بلدي و.. حلوة يا داليدا

29-5-2017 | 12:30

كتب : يحيي تادرس

اليوم السادس

ليس لأنه فيلمها مع يوسف شاهين - ولكن لأن هذا اليوم تحديدا - كان يفصل - خلال وباء الكوليرا - الذي يجتاح مصر عام 1947 فقد كان المريض ينجو من الموت إذ عاش لمدة ستة أيام - بعدها إما الحياة.. أو النهاية

هذا الفيلم بذلك المضمون المأساوي - ربما يلخص حياتها - وانتحارها خلال أيامها الستة تحصل علي أقصي درجات الشهرة - وأموال لا حصر لها لكنها في أعماقها - وفي حياتها الخاوية من زوج وأبناء تشعر بأنها لن تري أبدا.. اليوم السابع

..

وبعيداً عن المأساة - لنقترب قليلا منها ولكن بشكل غير تقليدي - وما ذنبي إذا كان هذا أسلوبي !

..

الإسكندرية - بطعم مدام (ايليت) علي ما أتذكر - وهو مطعم غريب في محطة الرمل - تم بناؤه من الخشب والزجاج..

بداخل المطعم لوحات لـ (شاجال) وصور ضخمة لبعض الفنانات والفنانين.

رشد أباظة/ عادل أدهم ... و .. داليدا

خلال تصويري لبرنامج (حكاوي القهاوي) في الإسكندرية أبحث عن شخصيات - إن جاز التعبير لها .. حكاية تروي..

وهي سيدة بالغة الصفاء والمرح - يحبها كل زبائنها التي تكاد تعرفهم بالاسم - ولها معهم ذكريات لا تنسي.

المطعم - محدود الموائد - ولكل مائدة زبائنها.. أما الطعام فهو رغم أسمائه الأجنبية - إلا أنه يحمل مذاقا شرقياً مميزا.

- مدام ايليت

- اشمعني الفنانين دول.

- .. وغيرهم لو دخلت جوه .. شوف سيد (تادرس).. أنا وأحمد ربنا زي ما بتقولوا (مستورة) .. وموش محتاجة أكسب ولا .. أحط جنيه فوق جنيه لكن أهم حاجة إني.. إزاي أحس إني.. أكون.. واحدة ست عجوزة زي ما انت شايف بتقول لحد.. أهلا وسهلا و.. المطعم تحت أمرك أي وقت وعلي فكرة (وتضحك بانطلاق) وحسابك مدفوع مقدماً.

المطعم دي ياما قعد فيه فنانون كبار كانت ظروفهم موش ولابد.. لكن ولا بلاش دي .

..............

خلليني أسأل عن علاقتك بداليدا

.. كانت ظروفها صعبة لكن كنت باحس إن جواها حلم كبير وإنها مصممة.. تعيشه وتحققه.

.. كانت بتقعد في الترابيزة دي.. وتاكل أبسط أكل وتصمم تدفع ثمن أكلها و(تضحك) لكن طبعاً كنت أتصرف عشان ما يكونش كتير.

.. كنت أحب أقعد معاها وتحكي لي وتفتح قلبها.. وكانت دايماً تقول لي.. إنت بتفكريني بماما اللي سبتها في مصر..

وكانت بتحكي عن أهلها وجيرانها.. في إيه ياربي

- شبرا؟

- بالضبط شبرا

.. عايز تعرف إيه كمان بس المهم .. تحب تاكل إيه

Miss Egypt

قبل ثورة 1952، كان المجتمع الأرستقراطي أو المتفرنج بشكل ما - يحاول تقليد الغرب في العديد من التقاليد أو (الصرعات) - إن جاز التعبير من تلك (الصرعات) كانت مسابقة الـ (Miss Egypt) المسابقة في حد ذاتها كانت صادمة للعديد من المصريين - إذ كان من ضمن شروطها - استعراض الفتيات بمايوهات مثيرة والسباحة..

عدد كبير من المتفرنجات - كن يشتركن في تلك المسابقة رغبة في الحصول علي اللقب والفوز بدور أو أدوار في السينما وقتها...

من ضمن من شاركن في المسابقة كانت الفنانة الراحلة - (مريم فخرالدين) والتي حصلت بالفعل في فرصتها في الشاشة.

.. داليدا كانت تحلم بالحصول علي اللقب - فقد كانت ذات قوام رشيق متناسق..

و.. يشاهدها (فريد الأطرش) - ويعرض عليها أن تشترك في استعراض لأحد أفلامه - لكنها ترفض (كان اسمها في ذلك الوقت يولاند جليبوتي).. لكن نيازي مصطفي ينجح في اقناعها بعدة أدوار صغيرة في أفلامه..

لكن هذا لم يكن كافيا «لدليلة» اسمها الجديد.. كانت تري في نفسها أجمل بكثير من بطلات أفلامه.

و.... لم تقتنع بأن السينما المصرية ستحقق لها أحلامها- وتقرر بلا تجربة أو حتي أصدقاء أو معارف يمهدون لها الطريق - أن تهاجر إلي فرنسا.

......

ولم تكن تمتلك سوي تذكرتي ذهاب وإياب وذلك تحت إصرار والدتها إلي جانب حقيبة متواضعة تحوي عدداً من الملابس التي حاكتها لها والدتها «كانت تعمل كحائكة لسيدات الجالية المصرية والمصريات اللاتي خرجن للعمل» - خلال الحرب الثانية.

و.... كان حي شبرا يجتذب ابناء الجالية الذين كانوا يعملون في كافة المهن والحرف التي تحتاج إلي مهارات خاصة وقد انشأ مجموعة من رهبان الساليزيان - معهدا لتعليم أبناء فقراء شبرا- وهو من أرقي المعاهد في العالم يجتذب ليس فقط المصريين ولكن ابناء الدول الإفريقية وأحيانا طلبة من أوروبا وأمريكا لما يحتويه من «ورش» ضخمة قد لا يوجد لها مثيل من نوعها في العالم- ولا يزال المعهد يعمل في روض الفرج حتي الآن»...

.....

كانت والدتها تعشق ابنتها كاتيا وتعتبرها الوحيدة من ابنائها التي يمكن أن تكون سندا لها في شيخوختها..

وكانت «كاتيا» شغوفة بفرنسا وخاصة باريس وتعتبرها أرضا للفرص والنجاح والثروة والشهرة.

.....

وتجتذبها المجلات الفرنسية - وكانت تشارك بالغناء في كافة المناسبات التي تقيمها الجالية

إذن ... إلي باريس

... وتصر أمها علي أن تحصل داليدا علي تذكرة عودة حتي تضمن عودتها لها .. ولمصر

.....

لكن كاتيا فور وصولها إلي مطار «لوبدرجين» تمزق تذكرة العودة

و.... بدأت بصوتها «نبرة إيطالية وبحه مصرية» تغني في عدد من «الكازينوهات» و..... كانت في لياليها تقلب في شهادة miss egypat وفي بعض مجلات الاثنين التي نشرت صورها ... بالمايوه

.....

كانت تملك أذنا موسيقية ورثتها عن والدها عازف الكمان ويعمل في الأوبرا - كما كنت تسمع العائلة تتحدث عن عمتها ممثلة التراجيديا في بعض الكلاسيكيات وكانت تمثل فخرا للعائلة..

......

ليلة الكريسماس 1954

.... تنجح كاتيا في العثور علي غرفة فوق السطوح وتبدأ مشوارها وهي تتساءل - تري هل أخطأت حين مزقت تذكرة العودة؟

......

كاتيا ليس اسما مناسبا وهكذا يختار لها مؤلف أغاني فرنسي اسماً جديداً هو «دليلة» عنوانا للمرأة الداهية التي حطمت شمشون!

وكانت دليلة رمزا للدهاء والجمال معاً كما كانت دليلة عنوانا لمسرحية فرنسية كلاسيكية وقتها....

......

كباريه «فيلادلستي»

... كانت تغني وترقص لكنها بذكاء كانت ترفض أي علاقة مع رجل يمكن أن تعطلها عن بلوغ هدفها..

....

كان جمهورها غالبا من السكاري والثمالى وكانت تسعي للوصول إلي المولان روج - أشهر الملاهي - ولا يزال..

....

من قال إن الحظ يمكن أن يلعب أحياناً أدواراً لا يحلم البشر؟

...

هكذا كان الأمر مع كاتيا أو دليلة

......

برنامج إذاعي محدود الجماهير - تقدمه محطة إذاعية ناشئة يسجل لها أغنية «بامبينو» بصوتها المميز الذي يثير المشاعر

....

ويلتقط أحد أصحاب شركات الاسطوانات الأغنية ويغامر بطبعها

... وتكون المفاجأة أن هذه الاسطوانة قد اكتسحت أصوات عدد كبير من المطربات الفرنسيات ويبيع منها سبعة ملايين اسطوانة وخلال سنوات ثلاث تتحرك دليلة التي يتم اختيار اسم جديد لها هو «داليدا»

....

وتفاجأ داليدا - بأن مسرح «أولمبيا» الشهير أرقي مسارح باريس يعرض عليها الغناء في مسرحه الكبير «هذا المسرح كان يحتفي بذوي المواهب من كافة البلدان والأعراق واللغات وقد غنت فيه - بعد داليدا - أم كلثوم وفيروز».

.. من كان جمهورها؟

.. كان من بينه (اديث بيانا - أم كلثوم فرنسا وشارل أزنافور وايف مونتان .. وفرانسوا ميتران وزير داخلية فرنسا وقتها.

و.. تتزوج أحد المعجبين بها - وهنا تبدأ أولي خيوط المأساة إذ يشعر الزوج أنه - لم يتزوج امرأة - بل نموذجا للطموح والشهرة وآلاف- بل ملايين المعجبين و .. يقرر الانفصال.

- كنت أريد امرأة - فوجدت (جوعاً) رهيباً للشهرة والثروة (وكان تغدق بجزء كبير من ثروتها لعائلتها في شبرا وتبدأ داليدا في الشعور بالوحدة.

.. لا زوج ولا أبناء ولكن عشرات بل مئات المجلات الفرنسية وملايين المعجبين والفرنكات ولكن حين تخلو إلي نفسها لا تجد سوي الصمت والخواء.

السينما - ربما تخرجها من وحدتها - وتجد نفسها في قصة الكاتبة اللبنانية ذات الأصول المصرية (أندريه شديد) في اليوم السادس .. وتمثل - بل تعيش دورها و .. تنتظر في نفس الوقت.. يومها السادس.

.. وفي مصر .. تغني

كلمة حلوة و.. حلوة يا بلدي

.. ويعشقها جمهور القاهرة ومصر - لقد عادت إليهم الإيطالية ذات الأصول المصرية.

لكن بداخلها - حين تعود إلي فرنسا - لم يكن يوجد - سوي الخواء..

أرقام في البنوك - لا تعني لها شيئاً .. معجبون - تنتهي الصلة بينها وبينهم حين تخفت أصوات التصفيق وبعض صور لعائلتها و.. الزوج الذي هرب منها..

......

وذات صباح من عام 1987 تحتل أخبارها معظم جرائد وإذاعات وتليفزيونات العالم.

.. لقد انتحرت داليدا

.. لكن أغانيها المرحة التي تنبض بالحياة.. لاتزال تعيش

    الاكثر قراءة