في ضواحي منطقة "السيدة زينب"، التي تنطوي على أناس في غاية البساطة والطيبة، قد تصادف رجلاً نحيفاً في ملابس رثة، ويعلو وجهه ابتسامة تشرح صدرك، تلتف من حوله الكثير من القطط، تلاعبه وتتمسح فيه حباً وألفةً، تلازمه أينما ذهب، والسبب عطفه عليهم، إنه مدحت محمد، الشهير بعم سيد مؤكل القطط، البالغ من العمر 61 عاماً.
قضى "عم سيد" نحو 10 أعوام، وهو يقتطع من قوت يومه البسيط، ليطعم قططاً مشردة، بدافع الإنسانية ونيل البركة في الرزق والصحة ورضا الله، كما يحتسب هذا العمل صدقة جارية على روح والدته، التي يُكن لها الحب والفراق.
يحرص "عم سيد" على الاستيقاظ مبكراً كل يوم، لينطلق من مسكنه ببنت المعمار، متوجهاً إلى بركة الفيل، بالسيدة زينب، ليصل في تمام التاسعة، وهو موعد فطور حيواناته الأليفة، التي وصفهم بأنها "أبناؤه".
بمجرد أن تطأ قدمه المنطقة يسرعون إليه وهم يموؤون، ليعبروا عن جوعهم، فيشتري لهم ما تيسر من الطعام، مشيراً إلى أنه يأتي لهم بالمزيد من الأكل، حالة شعورهم بالجوع، ولا يعود إلى دياره في نهاية اليوم إلا بعدما يقدم لهم وجبه العشاء.
قد تبدو تكاليف إطعام 20 قطاً باهظة، خاصة على رجل "أرزقي"، قوت يومه هو "بقشيش" الطلبات التي يقضيها لبعض أهالي منطقة بركة الفيل، لكنه يرى عطفه على تلك الحيوانات، يزيد من رزقه، وشفاعة له يوم القيامة، قائلاً "ربنا بيرزقني برزقهم، وبيطعمني لما بطعمهم، والحيوانات دي بتدعي لي، وهتتشفع لي يوم القيامة لما أموت".
وأوضح عم سيد مؤكل القطط أن اهتمامه الشديد بإطعامهم، لا يكون على حساب التقصير في حق نفسه، مؤكداً أنه لا يطعمهم إلا بعد سد جوعه أولاً.
وأضاف أنهم من شدة حبهم له وارتباطهم به، يرافقونه أينما يذهب، ويلعبون معه، من خلال الجلوس على رجليه، أو التمسح في قدميه، مؤكداً على سعادته برعايتهم، رغم تعرضه لسلسلة من انتقادات أهالي المنطقة، والسخرية مما يفعله، واعتبارهم أنه أولي بذاك المال، الذي ينفقه عليهم، ووصفهم له عند حد قوله بأنه "مجنون أو مختل".
ما يزيد ذاك الرجل "عم سيد" غرابة أنه لم يتزوج حتى الآن، والسبب، بحسب ما قال، "معنديش المال الكافي لتجهيز مسكن للزواج، غير اني بعاني من البواسير وأمراض تانية عايزة فلوس كتير عشان أعالجها".
ويتمنى لو يجد من ترضى به زوجاً في تلك الحالة المادية، لأنه يفتقر لشخص يكون له عوناً في ذاك السن، وأقصى أمانيه من الدنيا، زيارة بيت الله الحرام، ومنزل آدمي غير الذي يأوي إليه.
وروى سيد "مؤكل القطط" على هامش الحديث، وقد خانته الذاكرة في بعض التفاصيل حول سبب فقدان عينه اليسرى، موضحاً أنه تعرض لحادث سقط لوح زجاج لإحدى أبواب المصاعد القديمة عليه، ما تسبب في قلع مقلاة عينه، وهو في سن 23 عاماً، ليقضى نحو 20 سنة من العلاج.
وأشار إلى أنه كان يعمل حينها "فراش" بإحدى العمارات السكنية، وعلى إثر الحادث تقاضى معاش بسبب إصابته، لكنه بحسب ما قال إنه لا يكفيه.
وحول أسرته تجده يكبت هموماً وأحزان تجاههم، لدرجة أنه يتلعثم عند الحديث عنهم، ولا يحب ذكر الكثير من التفاصيل حولهم، ويستكفي بقوله "فوضت أمري لله"، لكن لسانه لم ينطلق باستفاضة وبالحسني إلا عن ذكر والدته، موضحاً أنه يحبها ويفتقد لها بعد وفاتها، مؤكداً أن من أسباب ودوافعه للرعاية تلك القطط، أن يكون في "ميزان حسناتها، ورحمة ونور عليها".