كتبت ـ فاطمة مرزوق
بناء أثرى قديم، يلتف حوله مجموعة من الباعة الجائلين، يجلسون والحزن يخيم على وجوههم، ورغم تباين عملهم فإنهم اجتمعوا فى نفس المكان لهدف واحد، وهو البحث عن الرزق الحلال، أمام مسجد «الخازندارة» بشبرا مصر، بدت الأجواء مختلفة، والمشهد تاريخى، فمن المعروف أن أغلب الجوامع يلتف حولها الشحاذون، والمتسولون أحيانًا على أمل جذب المارة بعباراتهم المتكررة، التى حفظوها عن ظهر قلب، لكن الوضع بدا مختلفًا عند ذلك المسجد، الذى احتوى أنواعًا مختلفة من الباعة، الذين يجلسون أمامه فى أناء الليل وأطراف النهار يبحثون عن لقمة العيش.
يرجع تاريخ إنشاء مسجد «الخازندارة» لـ« الأميرة خديجة هانم» ابنة محمد راغب أغا، فى عهد الأمير فؤاد الأول، تحديداً عام 1927، ومثلما يضم هذا المسجد تاريخا أثريا فريدا من نوعه، ضم أيضًا قصصا وحكايات الباعة الجائلين، الذين قضوا حياتهم تحت ظله، تبدأ رحلتهم بالتزامن مع صلاة الفجر، حيث يرفع إمام الجامع الآذان بصوته العذب، ليستعد معه الباعة للخروج من منازلهم ثم تحضير بضاعتهم بعد أداء صلاة الفجر.
«كمال أبورحمة»، بائع عصافير، يجلس فى الجانب الخلفى للجامع، ويقضى يومه فى الحديث مع أقرانه البائعين حتى لا يشعر بالملل، يقول: «ساكن فى أوضة بـ200 جنيه، ومراتى عندها شلل أطفال، وما خلفتش غير رحمة فى 6 ابتدائى، بتعب وبشقى عشان تتعلم»، يبدأ الرجل الأربعينى يومه فجراً، حيث يبيع العيش بجوار العصافير التى اتخذها هواية منذ صغره: «الحسنة اللى بتطلع ليا من العيش بتكفينى أكل وشرب أنا ومراتى وبنتى ولو حد عاوز جوز عصافير بـ100 أو 200 ببيع ليه وربنا بيكرم».
على الجانب الأيسر من الجامع تجلس «أم هيثم» أمام منضدة العيش الخاصة بها، تتأمل أحوال المارة وتستجيب لطلبات زبائنها التى نادراً ما تنقطع: «عندى 6 عيال وفيهم واحدة فى دبلوم والتانية ثانوية عامة والتالتة 6 ابتدائى، وبشتغل عشان أصرف عليهم بدل ما أمد إيدى لحد»، 20 عاما قضتها المرأة الخمسينية أمام الخازندارة، بعد أن قررت الخروج إلى العمل بعد وفاة زوجها: «بيطلع ليا مكسب 7 جنيهات فى اليوم وببيع الرغيف بربع جنيه، وكنت عاملة عملية فى عينى ومحتاجة نضارة ومش عارفة أركبها، لأن اللى جاى على قد اللى رايح».
فى ركن آخر من الجامع تقف «اسمهان خلف الله»، تبيع الموز والمانجا، والتى حرصت على وضعهم بشكل متناسق يلفت انتباه المارة، لدى «اسمهان» 3 أبناء، منهما اثنان توأم فى الثانوية العامة، تقول: «جوزى مات من 9 سنين، وأنا اللى بصرف عليهم، من بعد الفجر لحد بليل بفضل قاعدة فى الشارع عشان ربنا يرزقنى وأكل عيالى لقمة حلال»، وعن مسجد الخازندارة أكدت أنها قضت سنوات عديدة أمامه برفقة الباعة الجائلين، الذين لم يفارقوه لحظة، حيث يمنحهم الجلوس أمامه الدفء والأمان والرزق الوفير أيضًا، وتضيف: «بيت ربنا جميل وكمان بنحبه ومتعلقين بيه عشان مكان أثرى، وكمان بنصلى فيه كل الفروض».