الجمعة 17 مايو 2024

رسالة الغفران!

31-5-2017 | 11:33

مصادفة أن الرسالة المسربة من السجن للشاب « عيد البنا «، المتهم فى قضية «كتائب حلوان»، والتى كشف عنها النقاب صحفيا قبل أيام تحمل اسم «البنا»، وتتسق تمامًا مع رسالة توبة مرشدهم حسن البنا التى طمرها الإخوان فى جب الجماعة السحيق، يمكن توصيف رسالة البنا الصغير بـ«رسالة الغفران» !.

ما أشبه اليوم بالبارحة، يوما توقف حسن البنا كبيرهم الذى علمهم العنف باكيا محررا بيانه الشهير، «ليسوا إخوانا.. وليسوا مسلمين»، خاف البنا وجفل بعد اغتيال القاضى أحمد الخازندار على أيدى إخوانه فى التنظيم الخاص، واتهموه صراحة بأنه أى البنا من أحل دمه، وأعطاهم رخصة لاغتياله، فخشى على نفسه والجماعة من شرور كانت تلوح فى الأفق، بدت سماء الجماعة غائمة تنذر بخطر داهم.

وشهد البنا أن ريح السياسة القذرة تهوى بإخوانه إلى درك سحيق، ورأى من إخوانه ممارسات سياسية ابتعدت عن الدين، واستشعر أن شباب الجماعة الذين رباهم على السمع والطاعة والبيعة على السيف والمصحف قد بدأ زمامهم يفلت من يديه، فقال فيهم قولته الشهيرة وشهد عليها شيخ من شيوخ الجماعة المرحوم محمد فريد عبد الخالق، قائلا: «لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لعدت بالجماعة إلى أيام المأثورات». أى لو عادت الأيام أو لو بقى من عمرى مثل ما مضى لعدت إلى الدعوة إلى الله بالذكر والدعاء والافتقار إلى الله وتعليم العبادة والعقيدة والأخلاق.

ومثلها قال عبد الخالق فى الإخوان وهم فى الحكم، ونال عسفا منهم، قال: “ لو أن «البنا» حىٌّ لطالب المرشد بالابتعاد عن حكم مصر» ، قالها ورحل حزينا على مصير إخوانه بعد أن اعتزلهم كجماعة قبلا، عبد الخالق ترك الجماعة اعتراضا على التنظيم السرى وتفشى القطبية فى عقل ومفاصل الجماعة.

 ومثلهما، مثل البنا وعبد الخالق يقول الشاب «عيد البنا» فى رسالته من وراء الأسوار نشرها «موقع اليوم السابع الإلكترونى» ناصحًا إخوانه ناعيًا على قيادة الجماعة ما ذهبت إليه لا تلوى على شىء سوى ما تستبطنه من ثأر وانتقام، ولو كلف الجماعة زهرة شبابها المرميين فى السجون دون أمل فى مستقبل، يقدمون جماعتهم على مستقبل الوطن.

 يقول البنا الصغير آسفًا: “أيها الإخوان، استقيموا يرحمكم الله، عودوا خطوات للوراء إن لم يكن من أجل الوطن فمن أجل آلاف المتواجدين بالسجون وأنا واحد منهم، وإن لم يكن من أجل المسجونين جميعًا فمن أجل آلاف الشباب الذين وثقوا فيكم وهم ليسوا من الإخوان.. وقد اجتهدتم فأخطأتم، وهم يدفعون ثمن أخطائكم سنوات عمرهم التى تضيع».

يقول مترحمًا على مرشده: «رحم الله حسن البنا، لو كان حيًا لفعلها، لأخذ خطوة إلى الوراء وحافظ على الجماعة والوطن فى آن واحد، ما كان ليفصل أحدهما عن الآخر، فالبنا، فعلها فى عهد الملك فاروق، وكان من أدبياته: «لسنا حزبًا سياسيًا وإن كانت السياسة جزءا من فكرتنا، فما كان للجزء أن يطغى على الكل كما فعلتم وتفعلون».

ووجه البنا الصغير رسالة لقيادات الإخوان قائلًا: “مازلتم تصرون أن المعركة السياسية معركة صفرية، ففقدتم فيها الغالى والنفيس.. فى الوقت الذى كان ينبغى فيه أن تكون معركتكم الأولى تربوية.. فهل فكرتم فى هذا الشباب الذى يسقط كل يوم إذا فقد الثقة وانفرط عقده وضلت بوصلته وانهار أين يا تُرى يقف وماذا عساه أن يفعل؟، ولو لم تكونوا «هنا فى مصر» جامدين متجمدين لما تعاقبت عليكم الإخفاقات وأصبحت متلازمة الدفاع الوحيدة: «اجتهدنا فأخطأنا»، وكأن هذا هو الأصل ولا يوجد فى الإسلام: «اجتهدنا فأصبنا».

وتابع: «رحم الله الشيخ الغزالى، ما أحوجنا لمثله الآن.. آفة الإخوان فى مصر هى عدم وجود مفكر بينهم، وكأن المفكرين والمجددين هم عين الآفة والبعد عنهم ونبذهم هو عين الثقة ومناط التوثيق.. فى الوقت الذى تغلغلت فيه القطبية فى الجماعة بقيادتها الحالية».

ما تيسر نشره من الرسالة البليغة خليق بالتوقف والتبين، توقفا أمام أزمة شباب الجماعة الذين فقدوا البوصلة تمامًا، الجماعة لا توفر لهم أية فرصة للحياة فى وطنهم، ولا تعبأ بدمائهم ولا حيواتهم، قيادتهم فى منافيهم وفى غيهم يعمهون، يستبطنون ثأرا، ويشعلونها نارا وقودها الشباب فى مقتبل العمر، المغررون كثر، والموتورون كثر، والانتحاريون كالهم على قلب الوطن.

محصورون فى غيابات الجب الإخوانى، وجماعة تقدمهم ضحايا دون ذنب جنوه إلا أنهم صدقوا هؤلاء الأفاقين الذين يتنابذون بالألقاب والعمل فى أقبية الاستخبارات الأجنبية التى تستخدمهم شوكة فى جنب الوطن، ضاع مستقبل هؤلاء، ولم يعد أمامهم بارقة أمل، الإخوان يسدون عليهم الأفق، ومن يتنكب طريق الدماء والعنف، يلقى جزاءه إخوانيا بالتقى من الجماعة وانقطاع مورد الرزق، يسومون الخارجين عن السمع والطاعة أشد العذاب.

صرخة الشاب الإخوانى عيد البنا من خلف الأسوار، مثلها صرخات مكتومة فى صدور إخوان كثر محسورين من الحسرة على ما آلت إليه الجماعة، أصوات متحشرجة تموت حزنا وألما كل يوم، تلعن اليوم الأسود الذى التحق فيه شبابها بالإخوان، ويراجع مع نفسه ما وصل إليه الحال بالإخوان، وكيف تحولوا من جماعة دعوية إلى جماعة إرهابية، ومن الدعوة إلى سفك الدماء، ومن نور المساجد إلى غيابات السجون.

البنا الصغير مختلف يفكر ويُعمل عقله، ولكنها للأسف جماعة لا تفكر ولا تعى وتمشى قطعانا خلف قيادة عمياء، أزمة الإخوان مثل أزمة الجماعات المنغلقة على نفسها، يمتنع فيها التفكير، التفكير يخرق ناموس السمع والطاعة، والأخ بين يدى مرشده كالميت بين يدى مغسله يقلبه حيث يشاء، قيادة الإخوان الحالية مثل أعمى يقود عميانا إلى حفرة يسقطون فيها جميعا.

ما يؤشر عليه البنا بفصاحة، أنها جماعة متصحرة فكريا، نضبت آبار الجماعة منذ زمن طويل من المفكرين واعتلى صهوتها القطبيون، وهؤلاء ( القطبيون ) طغمة إرهابية لن تتوقف حتى ولو جرت الدماء أنهارا، شتان بين رسالة شاب إخوانى مثقف اسمه عيد البنا، وعتل زنيم من خدم الإخوان، أقصد أحمد المغير فتى خيرت الشاطر فى تغريدة مغتبطة على سفك دماء أطفال المنيا المغدورين.. آفة الإخوان فى مصر أنها خلوا من المفكرين ويؤمها القتلة السفاحين !