الثلاثاء 24 سبتمبر 2024

إعلام المملكة يتهم الأمير القطرى بشق الصف.. وقيادات الرياض تتبرأ منه السعودية تُعلن الحرب الإعلامية على «تميم»

31-5-2017 | 12:28

 

تقرير: وليد عبدالرحمن

أعلنت المملكة العربية السعودية بشكل قوى الحرب على قطر، وأميرها تميم بن حمد بن خليفة آل ثان وعائلته، وهى حرب ليست بالطيران أو بالصواريخ أو بالقنابل، بل بالكلمة وبسلاح الإعلام، عقب تصريحات للأمير القطرى أساء فيها إلى المملكة والدول العربية، وشنت وسائل الإعلام السعودية هجومًا شديدًا على تميم، واتهمته بزعزعة استقرار دول الجوار. وتبرأت أسرة «آل الشيخ» فى السعودية التى ينتمى لها مؤسس المدرسة الوهابية الشيخ محمد بن عبد الوهاب، من تميم وعائلته، وأعلنت للعالم أن الأمير القطرى وعائلته لا ينتمون لعائلة آل الشيخ كما يدعون.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حدث انقسام داخل العائلة الحاكمة فى قطر، وثارت عائلة أحمد بن على.. وهو أول أمير لقطر بعد الاستقلال على «تميم» واعتذرت للسعودية، وأكدت فى بيان لها أن «سياسات «تميم» لم تعد مقبولة ونرفضها قبل أن تغرق المركب بالعائلة».

وكان للبيان الذى أصدرته أسرة «آل الشيخ» بالمملكة والذى تبرأت فيه من نسب العائلة الحاكمة فى قطر، أصداء واسعة، بعدما حاولت الدوحة كسب ميول سلفية، واستثمار زخم قبلى بنسبها إلى الشيخ ابن عبدالوهاب.

وحمل البيان السعودى توقيع أكثر من ٢٠٠ شخصية من كبار أسرة آل الشيخ، من بينهم، مفتى عام السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، ووزير الشئون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ، ورئيس مجلس الشورى الشيخ محمد آل الشيخ.. وجاء فى البيان بحسب الموقعين: أن الشيخ محمد بن عبدالوهاب لديه أربعة أبناء فقط أنجبوا واستمرت ذريتهم إلى يومنا الحالي.. «أما من يدّعى أنه يعود بنسبه إلى الشيخ من غير هؤلاء الأبناء الأربعة داخل المملكة أو خارجها، فهى دعوى باطلة كاذبة، ومُختلقة، ولا تمت للحقيقة بأية صلة».

وألمح البيان إلى بناء أمير دولة مسجدا باسم الشيخ بن عبدالوهاب فى بلده، مدعيًا أنه جده، رغم أن من يتولون الإمامة والخطابة فى هذا المسجد لا ينتمون بصلة لنهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

بيان السعودية كشف عمق الأزمة، التى صدرتها قطر بسبب النتائج المذهلة للقمم التاريخية التى احتضنتها المملكة وآخرها الأمريكية، والتى كانت «موجعة» للدوحة، التى خرجت بتصريحات عابثة مُتناقضة لأميرها تميم بن حمد، والتى تم بثها عبر وكالة الأنباء القطرية، وبعد ٤٠ دقيقة، تم نفى صحتها «بشكل غير منطقي» عبر شخصيات رسمية قطرية عدة.

وواصلت الصحف السعودية هجومها الشرس على قطر عقب تصريحات «تميم»، ونشرت صحيفة «عكاظ» صورة كبيرة لوجه يجمع بين الأمير الحالى لقطر تميم ووالده حمد تحت عنوان «وسقط القناع»، وتحت العنوان العريض كتبت «تصريحات تميم تكشف المخبوء ولقاء وزير خارجيته مع سليمانى يفضح المستور»، فى إشارة إلى قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيراني.

واتهمت «عكاظ» بوجود «توجيه لقناة الجزيرة القطرية للعمل على تلميع القيادات الحوثية من خلال استضافتهم فى برامجها، لاسيما اللقاءات التى كانت تجريها مع قيادات الحوثى فى كهوف مران».

أما صحيفة الوطن السعودية، فاختارت الهجوم على قطر بأبيات الشعر، إذ عنونت صفحتها الأولى بأبيات من الشعر الجاهلى للمثقب العبدي، مُستعرضة فى رسم بيانى ما وصفتها بـ»مواقف قطر التى تشق الصف العربي»، فيما لجأت صحيفة «الرياض» إلى سياسيين للهجوم على الدوحة، ونشرت فى صفحتها الأولى تقريرًا تحت عنوان «سياسيون لـ»الرياض»: تصريحات أمير قطر لا تخدم الأهداف العربية المشتركة».

أما «الشرق الأوسط» السعودية فكتب غسان شربل، رئيس التحرير، مقالًا أكد فيه أن أحلام قطر التوسعية سقطت بها فى الأوهام.. وأن الدوحة أمدّت الانتفاضة الليبية بالمال والسلاح وراهنت منذ البداية على الإسلام السياسى، كما شجعت الحوثى فى اليمن على أن يجعل من نفسه ندًا للدولة.

وخصصت صحيفة «الجزيرة السعودية» افتتاحيتها عن مؤامرات إمارة قطر ضد جيرانها من دول الخليج، وكيفية إثارتها للفتن فى المنطقة. وأكدت الصحيفة أن سياسة قطر ظلت لعقود مثيرة للجدل، فمن تبنيها عبر قناة «الجزيرة القطرية» السياسة التحريضية وإثارة الرأى العام وزعزعة استقرار دول الجوار والمنطقة، اتجهت الدوحة لتنمية علاقاتها مع الجماعات المتطرفة، بهدف بسط نفوذها فى المنطقة بشكل أو بآخر.

سياسيون مهتمون بالشأن العربى ومراقبون أكدوا أن الخلاف بين السعودية وقطر تعاظم منذ انعقاد القمة العربية الإسلامية الأمريكية، حيث تشعر الدوحة منذ فترة أنها لم تعد تمتلك أى نفوذ سياسى فى المنطقة الخليجية، وأن المملكة تتجه إلى التحالف مع الإمارات ومصر وأمريكا على حساب المصالح القطرية فى المنطقة، الأمر الذى دفع الأخيرة للتوجه نحو التقارب مع إيران.

ويرى محللون أن ما فعلته الأسرة الحاكمة فى قطر بالادعاء بنسبها للسعودية، مُحاولة لاختلاق عظمة خيالية، ويطلق عليهاعلميا اسم البارانويا أو جنون العظمة.. وهو مرض نفسى يصيب الإنسان ومنهم «القطرى تميم»، فيجعله يُبالغ فى وصف نفسه بما يخالف الواقع، حيث يدعى الشخص امتلاك قُدرات جبارة، أو أنه يستطيع تغيير التاريخ ولفت الانتباه.

ومسجد الإمام بن عبدالوهاب من أكبر مساجد قطر، بُنى عام ٢٠١١ بأمر من أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وقال حينها الشيخ حمد أثناء افتتاحه للمسجد الجامع فى ذكرى اليوم القطري، إن «هذا المسجد سيكون منبرًا للإصلاح والدعوة الخالصة إلى الله بعيدًا عن البدع والأهواء».

ورغم المطالب الشعبية القطرية عند بناء المسجد، بأنه الأجدر أن يحمل اسم مؤسس الدولة القطرية الشيخ جاسم آل ثاني، فإن قطر بقيادة أميرها السابق سمت المسجد باسم بن عبدالوهاب، كنوع من الانتساب للجذور السعودية، رغم احتضان مسجد الدوحة لعدد من قيادات جماعة الإخوان المحظورة.

ويذكر أن الجامع من أبرز خطبائه الشيخ يوسف القرضاوي، الذى يُعتبر المرجع الروحى لجماعة الإخوان المحظورة، والصادر بحقه حكم بالإعدام فى قضية اقتحام السجون فى مصر، واسمه فى قوائم ترقب الوصول.

وعلاقة الإخوان بقطر ليست وليدة لحظة، فقطر تكاد تكون الدولة الخليجية الوحيدة التى لم تعتبر الإخوان جماعة إرهابية محظورة، كما أنها من بدأت تستقبل أعضاء الجماعة القادمين من مصر منذ عام ١٩٥٤، قبل أن تبدأ فى إيواء الهاربين من سوريا فى ١٩٨٢.. وما إن بدأت المملكة حربها ضد الإرهاب، حتى سعت قطر لإيواء المنتمين للجماعة، واستمرت فى احتضان الإخوان، سعيا منها لتعزيز دورها الإقليمى وإيجاد موضع قدم لها فى المنطقة، حيث تُعد الإخوان بالنسبة لها أقدم الحركات فى المنطقة.. وعززت ذلك التعاون مع الإخوان بـ»قناة الجزيرة» وسلمت منتمين للجماعة دفة قيادتها، والتى بدورها كانت - وما زالت - تُقدم طرحًا مُخالفا للواقع تمامًا فى الدول العربية، خاصة مصر والمملكة.

وبحسب بيان السعودية، فإن الأسرة فى السعودية لجأت إلى إصدار هذا البيان عقب انتشار بعض الشائعات والأقاويل والادعاءات حول من يدعون بنسبهم إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتوضيحا لذلك، ودحضا لهذه الشائعات والادعاءات الكاذبة.. فقد اضطرت إلى إصدار هذا البيان التوضيحى الذى جرى التوقيع عليه من مجموعة من أبناء أسرة آل الشيخ فى المملكة العربية السعودية.

بعض المراقبين يشبهون الخلافات الأخيرة بين قطر والسعودية بما حدث فى فبراير عام ١٩٩٦، حينما دعمت المملكة والإمارات والبحرين تدخلا عسكريا فى الدوحة للإطاحة بحكم أميرها السابق حمد بن خليفة، وإعادة والده، وهو التدخل الذى لم يكتب له النجاح، لكنه أدى إلى توتر العلاقات السعودية القطرية. وفى مارس ٢٠١٤ قررت السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائها من قطر، وجاء فى بيان مشترك للدول الثلاث أن القرار اتخذ بعد فشل كافة الجهود فى إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التى تكفل عدم التدخل فى الشئون الداخلية لأى من دول المجلس بشكل مُباشر أو غير مُباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواء عن طريق العمل الأمنى المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسى وعدم دعم الإعلام المعادي.

فى غضون ذلك، وفى خطوة اعتبرها البعض ضربة قاصمة للأمير القطري، تبرأ أحمد بن على، الحاكم الأول لقطر (وهو أمير دولة قطر بعد الاستقلال من وصاية بريطانيا) وهو من عائلة «آل ثانى» التابعة لأمير قطر تميم، من الرسوم المسيئة للمملكة، ومن أفعال الأمير القطرى نفسه!.

وكان رسما كاركاتيريا للرسام الكويتى للجزيرة نت أحمد رحمة، أساء فيه للعاهل السعودى الملك سلمان بن عبدالعزيز شخصيًا ولعدد من الدول العربية، قد أثار غضبًا، ما دعا قناة الجزيرة القطرية للاعتذار عنه.

وجاء فى بيان عائلة «بن على» أنها ترفض سياسات «تميم» حاكم قطر.. ونعلن التبرؤ من تلك السياسات قبل أن تغرق المركب بالعائلة، بسبب أفعال تميم بن حمد.

البيان الأخير لعائلة «بن على» يكشف عن حالة التوتر والانقسام التى تسود العائلة الحاكمة فى قطر.. ويُعيد هذا الانقسام إلى الأذهان مشاهد الانقلابات التى سادت مسلسل الحكم فى قطر، منذ إعلان استقلالها فى السبيعنيات من القرن الماضى.

كلمة أخيرة.. ما فعله تميم ويفعله، وسيظل يفعله، ينُم عن حالة تخبط شديد فى قراراته ومواقفه وقرارات القائمين على دولة قطر، والتى قد تنعكس على وضع الدوحة على الخريطة العربية مستقبلًا.. فهل نشهد انقلابًا فى قطر على «تميم» مثلما حدث من قبل داخل الأسرة الحاكمة فى قطر؟، هذا هو السؤال الذى سوف تُجيب عنه الأيام القادمة!.