الأربعاء 27 نوفمبر 2024

دعم الدولة فى الحرب على الإرهاب ضرورة وطنية

  • 31-5-2017 | 12:33

طباعة

بقلم: محمود الحضرى

 

«لا وقت للخلاف» يجب أن يكون شعار المرحلة التى تمر بها البلاد حاليًا خصوصًا مع تلك الاعتداءات والجرائم التى يرتكبها أعداء هذا الوطن والساعون إلى هدم الدولة وهويتها عن طريق إشاعة حالة من غياب الدولة والنظام، وعدم قدرتها على حماية أبنائها، ولاشك أن وضعا مثل هذا يتطلب الوقوف مع الدولة قلبًا وقالبًا فى حربها ضد الإرهاب بكل اشكاله وضرب تنظيماته ومراكز تدريبه فى كل مكان.

القضية فى هذه المرحلة لا تحتمل أى خلاف أو اختلاف فى وجهات النظر، صحيح أن مكافحة الإرهاب بحاجة إلى حرب شاملة لجميع المسببات التى تُنمى الإرهاب، ولتعاون أوسع من جميع المؤسسات والوزارات وهيئات الدولة ولتعاون دولى أوسع لتجفيف منابع الإرهاب وأدوات تمويله، إلا أن الوقوف مع الدولة من المهم أن يكون محسومًا دون جدل.

ودعم الدولة أمر تفرضه تحديات المرحلة، ويأتى لسد فجوة يستغلها البعض ممن يقفون ضد الدولة المصرية من أن هناك عدم رضا كافٍ عن أداء الحكومة فى بعض من سياساتها، ويستغل هؤلاء هذه النقطة فى السعى لشكل من أشكال التعاون من أجل التغيير، والتغيير هنا ليس لمصالح هذا الوطن، بل مبنى على مصالحهم وفقط وتعميم الفوضى، بل حملت العملية الإرهابية فى المنيا رسالة خطيرة أنهم يدافعون عن الإسلام، من خلال دعوة المجنى عليهم النطق بالشهادتين قبل إطلاق النار عليهم، فى محاولة خبيثة لكسب تأييد البعض.

ومن المهم أن نكون على علم وإدراك بأن الحوادث الإرهابية الأخيرة والتى وقعت خارج سيناء استهدفت المسيحيين بشكل محدد، وهى الخطة المستهدفة من التنظيمات الإرهابية التى تتواصل فيما بينها، ويجمعها هدف واحد، وهو السعى إلى إسقاط الدولة، وأن يكون لجماعات التطرف والإرهاب مكان فى هذا البلد.

وعلى الجميع أن يعلم أن الإرهاب سيظل يحاول العبث بأمن هذا البلد، والتركيز على استهداف كل المواطنين، خصوصا المسيحيين لتعلن هذه التنظيمات والجماعات أنها موجودة، وأن لها كلمة، بل تريد الرضوخ والاستسلام لمحاولات هذا الإرهاب، وحتما لن يقبل شعب مصر هذا، والذى هو مُطالب اليوم بالوقوف والتعاون بشكل أكبر لمواجهة هذه اللعبة القذرة التى طالما لعب عليها المتطرفون ودعاة الفتنة والإرهابيون فى محاولات لزعزعة استقرار الوطن وتشويه وطمس هويته، منذ بداية ظهورهم فى سبعينيات القرن الماضى.

ولو عدنا بالتاريخ للوراء سنجد أن المسيحيين كانوا هدفًا لهؤلاء القتلة من إرهابيى كل العصور وهو ما عاشته مصر منذ مطلع السبعينيات، وهو ما جرى بكثافة خلال السنوات التى تلت ثورة ٢٥ يناير، وخصوصًا السنوات التى أعقبت ثورة ٣٠ يونيو.

الحوادث كلها متراطبة بخيط واحد، وبالتدقيق فى آخر سبع سنوات سنجد وقوع خمسة حوادث ضخمة كان هدف الإرهابيين منها هو قتل المسيحيين وترويع مواطنى البلاد، وراح ضحيتها ١٢٦ قتيلًا، وأكثر من ٢٠٠ مصاب، وقد بدأت بحادث كنيسية القديسين بالإسكندرية فى ديسمبر ٢٠١٠، وراح ضحيتها ٢٣ قتيلًا، و٩٧ مصابًا، ثم حادث الكنيسة البطرسية فى ديسمبر ٢٠١٦ ومات فيها ٢٧ شخصاُ، و٢٢ مصابًا، وتلاه فى أبريل ٢٠١٧ حادث كنيسة مارجرجس فى طنطا وراح ضحيتها ٢٥ قتيلًا، و٤٠ مصابًا، وفى نفس اليوم وقع حادث الكنيسة المرقسية بالإسكندرية وذهب ضحيته ٢٢ قتيلًا و١٨ مصابًا، وأخيرًا حادث دير الأنبا صموئيل فى المنيا يوم ٢٦ مايو ٢٠١٧، والذى ذهب ضحيته ٢٩ قتيلًا، و٢٥ مصابًا.

وجميع الحوادث جاءت على أيادى تنظيمات إرهابية، وهو ما يؤكد استهداف هذه التنظيمات والجماعات مسيحيى مصر، وهى عمليات ربما تستمر ويتسع نطاقها إن لم يكن هناك تعاون ودعم من مختلف فئات الشعب لحرب الدولة المصرية مع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، خصوصًا أن من يُدعى أمير تنظيم داعش داخل مصر، توعد باستمرار استهداف المواطنين الأقباط فى مصر.

وعلى الجميع أن يدرك أن التنظيمات الإرهابية تستهدف حربًا طويلة المدى مع الدولة المصرية وصولًا إلى تحقيق هدفها الرامى لإثبات الوجود والاستسلام والإقرار بوجودها على الأرض، وهذا أمر محال، لم تشهده مصر على مر تاريخها الحديث والقديم وحتمًا لن تشهده، فالشعب المصرى لم ولن يقبل بوجود كيانات شيطانية ودخيلة على المجتمع المصرى بكل ثقافاته وعقائده، فمواجهة الإرهاب والصمود أمام كل محاولات الإرهابيين والمتطرفين أفشلت كل مخططاتهم تاريخيًا على صخرة وحدة هذا الشعب.

وأعتقد أن توجيه القوات الجوية ضربات لتمركزات الإرهابيين ومعسكرات تدريبهم فى مدينة درنة بالمنطقة الشرقية الليبية، جاءت فى وقتها ورسالة، وقد تمت بناء على معلومات مؤكدة حول كونها مأوى للتدريب والتخطيط للعمليات الإرهابية ليس فى مصر وحدها بل فى مناطق عديدة، وهروب العديد من الإرهابيين من سوريا والعراق وسيناء إلى درنة كملاذ آمن وإلى مناطق أخرى توفر لهم الخدمات اللوجستية والتمويل.

وتنفيذ عمليات وضربات ضد هذه المواقع يحتاج إلى تأييد واسع من كل القطاعات، فلا وقت للخلاف، خصوصًا أن تاريخ درنة فى إيواء الإرهابيين ليس وليد اللحظة أو سنوات ما بعد «الربيع العربى» بل تاريخها فى الإرهاب طويل، فالمعلومات تؤكد أن درنة كانت خلال سنوات حكم الزعيم الليبى معمر القذافى أكثر المدن المٌصدرة للإرهاب والإرهابيين إلى مختلف المدن الليبية وإلى خارج ليبيا أيضا، وهو ما دفع القذافى إلى استهدافها بالطيران العسكرى للقضاء على متشددين ومتطرفين قاموا بعمليات اغتيال لعناصر من الجيش الليبى، ولم يكتف القذافى بذلك، فبعد اتخاذ أعضاء من تنظيم القاعدة من درنة نقطة انطلاق لعمليات إرهابية أخرى، قام القذافى بتكليف وإرسال قوة عسكرية كبيرة لمحاربة العناصر التى تنتمى للقاعدة وتقوم بعمليات إرهابية.

واستمرت درنة بعد ذلك معقلًا لتفريخ الإرهابيين وإيوائهم لتخرج للعلن فى أعقاب انهيار حكم القذافى، بعدما استولوا على كميات كبيرة من أسلحة الجيش الليبى ومعسكراته، بل الأكثر من ذلك وفى ظل سيطرة الإخوان على الأغلبية فى المؤتمر الوطنى الليبى، جرت عملية تقنين لجماعات درنة الإرهابية لتعمل تحت مظلة الأغلبية الإخوانية فى المؤتمر الوطنى الليبى، بمن فيهم أعضاء القاعدة.

ومع التغييرات المتسارعة فى ليبيا تحولت درنة إلى الملاذ لكل الإرهابيين الهاربين من كل بقاع المناطق المشتعلة فى المنطقة، وملجأ لإرهابيى داعش والجماعات المتشددة والمتطرفة من البلاد العربية، لتصبح درنة مركز التدريب الدولى الرئيسى والدعم اللوجستى للإرهابيين وعملياتهم ليس فى ليبيا فقط بل فى مختلف دول العالم، ومنها مصر، مع معلومات مؤكدة عن تدريب مرتكب حادث مانشيستر الأخير فى درنة، كما أنها المصدر الرئيسى للعتاد العسكرى إلى مصر، حيث تم ضبط كميات من الأسلحة والمتفجرات والسيارات تزيد قيمتها على ٤٠٠ مليون جنيه فى غضون ستة أشهر كانت فى طريقها إلى الأراضى المصرية.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن درنة أخطر نقطة تصدير للسلاح والإرهابيين إلى مصر، وظلت أحد مصادر السلاح الرئيسى للإرهابيين فى سيناء، ومن هنا تم وضعها تحت عيون أجهزة الأمن والمخابرات المصرية طيلة السنوات الأخيرة، نظرًا لكونها أقرب نقاط تصدير الإرهاب والإرهابيين والمسلحين إلى مصر، وهو ما تؤكده عمليات الضبط الأخيرة على الحدود الغربية المتاخمة لليبيا.

فى ضوء ذلك وغيره فإن دعم دور الدولة فى الحرب على الإرهاب بهذه المرحلة أولوية وضرورة وطنية لاستكمال مسيرة طويلة لحماية وطن يتعرض لإشاعة أنواع من الفوضى ومساعٍ للهدم من أجل أهداف خبيثة، وبوسائل تبدأ من استهداف جزء أصيل من أبناء الوطن سيمتد إلى كل الوطن لو خضع وتم الاستسلام لمحاولاته الخبيثة.

ولكن تبقى مواجهة أدوات التمويل بحاجة إلى تفاصيل أخرى وتعاون أوسع من دائرة الداخل المصرى.

    الاكثر قراءة