الإثنين 20 مايو 2024

دولة قوية تحمى مقدراتها

الكاتب الصحفي طه فرغلى

3-11-2023 | 21:05

بقلم: طه فرغلى
رغم ظلال الأزمة القاتمة التى تسيطر على المنطقة جراء العدوان الإسرائيلى الغاشم على الأراضى الفلسطينية فى قطاع غزة، وتواصل جرائم الحرب التى يرتكبها جيش الاحتلال ضد الأبرياء والمدنيين، يبقى الموقف المصرى والدور الذى تلعبه الدولة المصرية لوقف العدوان بؤرة الضوء فى نفق مظلم ينتشر ظلامه ويمتد ظلمه بطول المنطقة وعرضها. الضوء المصرى ينير دروب ظلام الأزمة، ويبحث عن مخرج لها ليكتب نهاية عادلة تعيد الحق لأصحابه، تضمد الجراح، وتربت على كتف الثكالى، وتبث الطمأنينة فى قلوب الأطفال المذعورين. مسارات الدور المصرى تتعدد على كافة الاتجاهات والأصعدة إقليميًا ودوليًا، ترابط مصر على ثغور القضية الفلسطينية كحائط صلب صلد تتحطم عليه كافة المخططات التى تعمد إلى تصفية القضية وإدخالها فى جب نسيان سحيق لا تخرج منه أبدًا. ورغم ذلك وفى الوقت الذى تعمل فيه مصر على محاولة إيجاد مخرج للأزمة والوصول إلى وقف إطلاق النار والحفاظ على الحق الفلسطينى وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية العاجلة، ومواجهة التحديات والأخطار على الأمن القومى المصري، تسير الدولة فى مسارها نحو المستقبل وتحقيق التنمية الشاملة، لا تحيد عن طريقها ولا تعرقلها الأزمات، تمضى قدمًا نحو هدفها المنشود للوصول إلى الجمهورية الجديدة، هذا ما اعتادت عليه الدولة المصرية خلال السنوات العشر الماضية، مواجهة الأزمات بقوة وصلابة وتحدٍ وعزيمة صارمة لا تلين والمضى قدمًا فى بناء المستقبل وكتابة سطور التنمية. منذ عقد كامل لم تعرف الدولة المصرية سوى مجابهة المخاطر، ولكنها - بفضل الله- وقوة قيادتها تخرج من كل محنة أقوى وبعزم أكيد على مواصلة طريق التنمية. المشاهد متكررة ومتتابعة والمؤامرات لا تتوقف ضد الدولة المصرية العريقة، هذا قدرها وما كتب عليها، المتربصون كانوا يعتقدون أن سقوط الدولة قبل 30 يونيو 2013 قاب قوسين أو أدني، وأن مشروعهم لهدم مصر وتنفيذ مخططاتهم قد أصبح أقرب إليهم من أطراف أصابعهم، ولكن المصريين حطموا مخططهم وداسوه تحت أقدامهم بثورتهم العظيمة وقوة جيشهم وقيادته الباسلة التى انحازت إلى مطالب الشعب، وسقط حكم جماعة الإخوان الإرهابية الذى لو استمر لا قدر الله لدخلت مصر فى دوامة الفوضى والحرب الأهلية. وبعد ثورة 30 يونيو لم يهدأ المخطط واعتقد المتآمرون أن الفرصة لا تزال سانحة لإسقاط الدولة المصرية بالإرهاب ودعم الجماعات الإرهابية، وتناسوا أن على أرض مصر جيشًا وهب نفسه للدفاع عن الأرض والعرض شعاره النصر أو الشهادة، خاض الجيش بقوته المعهودة وبسالته المشهودة الحرب ضد الإرهاب وحقق نصرًا شاملاً ضد جماعات الظلام وطهر الأرض من رجسهم، وأعاد للبلاد الأمان. فى غضون ذلك لم تشغل الحرب على الإرهاب الدولة المصرية عن معركة أخرى لا تقل أهمية هى التنمية الشاملة والمضى قدمًا نحو المستقبل وتأسيس الجمهورية الجديدة، كان الهدف واضحًا لا بديل عن بناء الدولة القوية، ولن تشغلنا معركة مواجهة الإرهاب عن معركة التنمية سواء على مستوى الجمهورية أو فى قلب سيناء نفسها. وخلال سنوات قليلة نجحت الدولة فى القضاء على الإرهاب، وفى نفس الوقت قطعت شوطًا كبيرًا نحو التنمية الشاملة وإنشاء المشروعات القومية العملاقة فى كافة القطاعات، وإطلاق المبادرات الرئاسية الضخمة التى تهدف إلى توفير حياة كريمة ولائقة للمواطن المصرى اجتماعيًا وصحيًا واقتصاديًا. لم تتوقف جهود الدولة المصرية فى تحقيق نهضة شاملة وخاضت الإصلاح بشجاعة كبيرة فى كافة المسارات، وربما كان الإصلاح الاقتصادى الطريق الشاق الذى خاضته مصر واستطاعت أن تحقق فيه نجاحات كبيرة. وسارت مصر فى نفس طريقها نحو المستقبل رغم جائحة كورونا التى أجبرت العالم على الإغلاق وعانى بسببها اقتصاد أعتى الدول، ومن بعده الحرب الروسية الأوكرانية التى لا تزال تبعاتها وآثارها السلبية مستمرة حتى الآن. وفى كل أزمة تبقى مصر الدولة القوية التى تسير فى طريقها الذى اختارته قبل عشر سنوات لبناء المستقبل وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. ومع الأزمة الفلسطينية والعدوان الإسرائيلى الغاشم على الشعب الفلسطينى الأبى فى غزة، اعتقد المتآمرون أنه يمكن تهديد الأمن القومى المصري، واتخاذ الأزمة تكئة لتوريط مصر من خلال خطة لتهجير أهالى غزة إلى سيناء، وفى نفس الوقت الهجوم على مصر واتهامها بالتقصير فى حق القضية الفلسطينية، ولكن لأن القيادة المصرية قوية وحكيمة وتعمل بشرف كان الموقف المصرى مشرفًا فى الدفاع عن حق الشعب الفلسطينى والتنديد بالعدوان الإسرائيلي، أعلنت مصر بكل وضوح فى رسائل قوية منذ اللحظة الأولى أن فلسطين قضيتها الأولى وأن مواقفها ثابتة وواضحة، انحياز كامل لحقوق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة وإدانة الجرائم والمجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال بحق الأبرياء والمدنيين، والعمل بقوة على إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل إلى أهالى غزة، وفى نفس الوقت التأكيد بشكل قاطع وواضح وصارم على رفض مخطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم إلى سيناء، وأن الأمن القومى المصرى خط أحمر غير مقبول المساس به. انحياز مصر لثوابت القضية الفلسطينية لا يقبل الشك ولا يحتاج إلى دليل، نجحت مصر فى أن تجعل القضية الفلسطينية والحق الفلسطينى فى بؤرة اهتمام العالم، وعلى مدار الأسابيع الماضية كانت القاهرة مركز الاتصالات المكثفة لحل الأزمة والتوسط من أجل وقف العدوان وإنهاء ملف المحتجزين. حازت مصر على ثقة العالم بمواقفها المشرفة والقوية تجاه القضية وإصرارها على ضرورة دخول المساعدات، وفى نفس الوقت وضع خطوط حمراء فيما يخص الأمن القومى المصري. ورغم اشتعال الأزمة على مدار الأيام الماضية، لم تنشغل مصر عن طريقها فى التنمية وتنفيذ مشروعاتها القومية، تتابع عن كثب تطورات القضية الفلسطينية وتحاول بكل السبل وقف العدوان، وفى نفس الوقت تسير فى معركة البناء الشامل، وربما ظهر ذلك بوضوح فى رسائل الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال فعاليات النسخة الثالثة من الملتقى والمعرض الدولى السنوى للصناعة عندما قال فى مداخلة له لا تقلقوا وواصلوا العمل من أجل البناء والتعمير وأطمئنكم أنه لا أحد يستطيع إيذاء مصر، وأن الدولة المصرية بفضل جيشها وشعبها قادرة على حماية مقدراتها تمامًا، قائلًا: «لا تقلقوا.. وانتبهوا إلى أعمالكم وعيشوا حياتكم، نحن نبذل جهدًا كبيرًا جدًا، حتى نخفف ونهدئ من حالة الاقتتال الموجودة فى قطاع غزة، كما نبذل جهودًا كبيرة، حتى يتم إدخال المساعدات الإنسانية كلها». وجاءت رسائل زيارة الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء إلى شمال سيناء ومعبر رفح - أمس الثلاثاء- لتؤكد ما ذهبنا إليه من أننا بصدد دولة قوية تواصل طريقها نحو البناء والتعمير والتنمية الشاملة، رغم التحديات والأزمات المحيطة بنا من كل اتجاه، دولة تعرف مسارها جيدا نحو تدشين الجمهورية الجديدة، وفي الوقت نفسه تؤكد على ثوابتها التي لا تحيد عنها أبدا، وعلى رأس هذه الثوابت الحفاظ على الأمن القومي ومحدداته، وأن حماية سيناء واجب مقدس لا تفريط أو تهاون فيه ولا تنازل عن حبة رمل واحدة من أرض الفيروز، والتأكيد على دعم القضية الفلسطينية باعتبارها قضية رئيسية بالنسبة لمصر، ودعم الشعب الفلسطيني الشقيق وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية. زيارة رئيس الوزراء إلى شمال سيناء ومعبر رفح تحمل كثيرا من الرسائل، سواء خلال حديثه في مقر الكتيبة 101 بمدينة العريش أو من أمام المعبر، وقال رئيس الوزراء إن هذه رسالة واضحة أبدأ بها الزيارة والتي ترد على أمور كثيرة، مستشهدا بما قاله الرئيس مؤخرا «بأن مصر لن تسمح بأن يتم فرض أي شيء عليها، ولن نسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابنا». رئيس الوزراء تحدث عن تنمية سيناء والمشروعات العملاقة التي تنفذ على أرضها، وأكد أن سيناء أغلى جزء على قلب أى مصري، ولن نسمح بأى صورة من الصور أو نتخلى عن متر واحد من هذه الأرض وقال : «مفيش دولة هتكون عندها أى تفكير للتخلي عن قطعة أرض لأى حد، وتستثمر وتصرف 610 مليارات جنيه، وتضع في الخطة التي ستنفذها 400 مليار جنيه كمان، يعني بصرف تريليون جنيه من أجل التنمية». ومن أمام معبر رفح، أكد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، أن حل القضية الفلسطينية لن يتم إلا بحل الدولتين، ولن يكون هناك استقرار في المنطقة دون هذا الحل، وأن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية سواء على حسابها أو الآخرين، وندعو العالم إلى تبنى حل عادل وشامل يضمن الاستقرار وعدم تكرار هذه الأزمة الإنسانية». إذًا مصر لن توقفها أزمة أيًا كانت عن السير فى طريقها الذى اختارته منذ عقد كامل، وهو بناء المستقبل وتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، والقفز بخطوات واسعة فى مسار التعمير وتنفيذ المشروعات القومية العملاقة، وفى نفس الوقت تمتلك القدرة الكاملة فى الحفاظ على أمنها القومى وحماية حدودها ومقدراتها. وستبقى مصر الرقم الصعب فى معادلة المنطقة المشتعلة دائمًا، الثابتة والصامدة رغم المتغيرات المتلاحقة، وستبقى القابضة على جمر القضية الفلسطينية، تدافع بقوة وبكل ما تملك عن حق الشعب الفلسطينى فى دولته المستقلة، والتأكيد على أنه لا بديل عن حل الدولتين إذا أراد العالم أن تعيش هذه المنطقة فى سلام. مصر قوة كبيرة يحسب لها ألف حساب، ومهما طال الزمن ستظل القاهرة قلب العالم العربي، سياستها لا تعرف الغدر ولا الخسة ولا التآمر ولا الانتهازية، ولا تبحث عن المصالح الخاصة والضيقة، تدافع عن حقوق الأمة العربية، ولا تدير ظهرها لمن يستنجد بها، تسبق الجميع بخطوات فى مناصرة الحق العربي، وتعلن مواقفها على الملأ دون حسابات أو إملاءات. أزمة غزة جعلت العالم كله يدرك حجم الثقل المصري، وقوة القيادة المصرية، ووضع النقاط فوق الحروف لمن يملك القدرة على التدخل ومن بيده مفاتيح الحل، وأسقطت مرة أخرى المؤامرات التى كانت تحاك ضد مصر، وأدركت القوى الدولية أن الدولة المصرية لديها خطوطها الحمراء التى لن يسمح لأحد بتجاوزها، وأنها ستظل على الدوام السند للأشقاء الفلسطينيين، والمدافعة عن القضية الفلسطينية حتى تحقيق السلام العادل القائم على حل الدولتين. وبين كل ذلك لن تستطيع أزمة مهما كانت أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء من أجل إسقاط الدولة أو نشر الفوضى، لأن مصر الآن دولة قوية قادرة على حماية مقدراتها وتسير فى طريقها بكل ثبات نحو التنمية والتعمير فى كل شبر على أرض الوطن.