الخميس 23 مايو 2024

الدولة المصرية وحرب غزة: صلابة الموقف.. وطنية القرار

صورة أرشيفية

12-11-2023 | 15:56

بقلـم: حلمى النمنم
يستحق أداء الدولة المصرية فى الأزمة الكبرى التى نشبت فى غزة يوم 7 أكتوبر الماضى تقديرًا خاصا، الخطوات محسوبة بدقة والقرارات مدروسة، التحرك رصين فى كل الاتجاهات والمهم أن القرار يصدر وطنيا مصريًا تماما، من هنا كانت تحركات الرئيس عبدالفتاح السيسى من اللحظة الأولى يوم 7 أكتوبر، وكان هناك طوال الوقت وسيبقى من يحاول الضغط على مصر ومن يحاول التأثير على قرارها ودفعه بعيدًا عن الصالح المصرى العام، ناهيك عن جماعات الابتزاز سواء بيننا وحولنا أو فى الخارج. من اللحظة الأولى كانت مصر منتبهة للهدف البعيد لدى إسرائيل من «العقاب الجماعى» كما اسماه الرئيس السيسى الذى تمارسه إسرائيل بحق الفلسطينيين فى غزة، الهدف هو دفع أكثر من مليون مواطن يقيمون فى غزة للهروب إلى سيناء والبقاء فيها، تقام لهم مخيمات أو أى سكن آخر لكن فى النهاية يغادرون وطنهم، كانت إسرائيل تخطط لذلك، ربما منذ الغارة الشهيرة على غزة سنة 1955 التى تمت بأمر مباشر من بن جوريون، وتكشف الوثائق الإسرائيلية والبريطانية، أن خططا - رسمت بعد حرب 67، تحديدا فى سنة 1971 لتهجير أهل غزة إلى مصر، وطرح الأمر على الرئيس السابق مبارك ورفضه، ثم طرح على الرئيس الإخوانى محمد مرسى وأعطى موافقة شفوية، السؤال هنا.. هل وافقت قيادة حماس وقتها، على ما وافق عليه مرسى ورفضه الرئيس أبو مازن..؟ هذه المرة صارح الرئيس السيسى المصريين والرأى العام المصرى والعربى والعالمى بهذا الأمر، وكان الرفض واضحا ومؤكدًا، بينما راحت إسرائيل تعلن مخططها القديم. هذا الموقف المصرى الصارم أخرس جماعات الابتزاز السياسى وحملة شعار.. «افتحوا الحدود أمام إخوتنا»، الدول العربية تبنت معظمها الموقف المصرى، والأطراف الفلسطينية كذلك السلطة الوطنية..القيادة السياسية لحماس ممثلة فى كل من خالد مشعل وإسماعيل هنية، الرئيس جو بايدن وكذلك وزير خارجيته بلينكن أكدا اقتناعهما بوجهة النظر المصرية، وهى أن التهجير القسرى ليس حلًا، وأن الحل العودة إلى مشروع السلام وإقامة الدولتين. وما إن انتهت هذه التفصيلة، وكشف الموقف المصرى الرسمى الصلب جماعات «افتحوا الحدود» حتى أطلوا علينا بمسألة أخرى، وهى ضرورة التخلص من اتفاقية كامب ديفيد، ومعاهدة السلام مع إسرائيل ، كامب ديفيد تم توقيعها سنة 1978 والمعاهدة فى مايو 1979 بمقتضى هذه المعاهدة استعادت مصر كل سيناء وانتهت حالة الحرب مع إسرائيل.. فى الأزمة الأخيرة ومع هياج العواطف، ظهر البعض بحماس أو مدفوعين إلى ذلك للضغط على الدولة المصرية فى اتجاه يريدون هم ومن وراءهم للدولة أن تسير فيه. هنا يجب أن نتوقف بصراحة تامة أمام عدة أمور.. كل قرار وأى خطوة يجب أن يكون مدروسا بعناية ومن منطلق المصلحة الوطنية، وليس رد فعل لحادث أو موقف معين مهما بلغت قسوته، مثلًا حين خططت حماس وقامت بعمليتها يوم 7 أكتوبر 2023 فإنها لم تحط مصر علما بالأمر ولا نسقت معها كما لم تنسق مع المملكة الأردنية، بل ولا حتى مع السلطة الوطنية الفلسطينية والرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، باختصار كان قرارهم الخاص مائة فى المائة، وفقا لمصالحهم وأحوالهم وتوجهاتهم، ومن ثم لا ينبغى أن يترتب على هذا القرار أن نستدرج إلى قرار أو خطوة يريد لنا البعض الذهاب إليها.. ولنا فى تاريخنا سابقة خطيرة تعود إلى عامى 1966 / 1967. فى سنة 1966 كان العالم العربى فى ذروة الحالة التى أطلق عليها «الحرب الباردة العربية» كان العالم العربى منقسما بين تيارين.. أنظمة توصف بالتقدمية وأخرى توسم بالرجعية، وتم التراشق وتبادل الاتهامات القاسية، ومن بين الاتهامات التى وجهت إلى الرئيس عبدالناصر ونظامه السياسى أن هناك قوات طوارئ دولية على الحدود فى سيناء منذ نهاية حرب 1956 وأن مصر بذلك تحتمى بتلك القوات من مواجهة إسرائيل، الغريب أن بعض «مثقفى اليسار» اقتنعوا وتبنوا تلك المقولة وراحوا يهاجمون الرئيس عبدالناصر، ولما زار المشير عبدالحكيم عامر باريس فى نفس السنة تم ترتيب لقاء له مع المبعوثين العرب جميعا فى باريس، وقتها كانت هناك محاولات لدمج المشير عامر فى العملية السياسية أو يقوم بدور سياسى إلى جوار دوره الرئيسى، كان الرئيس عبدالناصر - كما قال فيما بعد - يمنحه الفرص كى يصبح سياسيا، فى ذلك اللقاء سمع المشير عامر من المبعوثين اتهامات كثيرة بسبب وجود قوات الطوارئ فى سيناء وعدم خوض حرب مع إسرائيل لتحرير فلسطين ولم يتمكن عامر من الرد على تلك الاتهامات، كانت تعوزه الروح النقدية ولم يكن على قدر كبير من الثقافة، خرج من اللقاء غاضباً ومن هناك أرسل برقية مشفرة إلى الرئيس يطلب طرد قوات الطوارئ فوراً، لكن الرئيس لم يستجب، وبعد شهور، فى مطلع عام 1967 زادت الضغوط فى هذه النقطة، ثم ظهرت قصة الحشود الإسرائيلية على الحدود السورية، أبلغت القيادة السوفيتية بها السيد محمد أنور السادات وكان رئيسًا لمجلس الأمة، أثناء مروره فى مهمة برلمانية بموسكو، وذهب وفد عسكرى رفيع المستوى من مصر إلى الحدود السورية، للتأكد ولم تكن هناك حشود، هذه القضية شائكة إلى اليوم ولم يتم القطع فيها برأى حاسم، خصوم السوفيت يرون أنه تعمد تضليل القيادة المصرية، ويأتى الرد بأن الحشود كانت تسحب وقت الزيارات الرسمية، بغض النظر عن هذا كله، تطورت قضية وجود قوات الطوارئ الدولية فى سيناء واضطر معها الرئيس عبدالناصر فى مايو 1967 أن يتم إنهاء خدمة قوات الطوارئ، وتم تضييق الخناق على مصر من التقدميين والرجعيين أيضًا». بقية القصة معروفة، ثم ابتلاع الطعم حتى كانت حرب الخامس من يونيو 1967، وبعدها تضاعفت المزايدة على مصر والشماتة فيها وفى جيشها، التفاصيل فى ذلك مريرة وموجعة. تعلمت مصر أن يكون القرار مدروسًا جيدًا وفق المصالح الوطنية وليس استجابة لأهواء وحماس غير مدروس ولا خضوعا لابتزاز معين، واليوم نحن فى مشهد مشابه، شاحنات المساعدات تقف عند معبر رفح، مصر تفتح المعبر من جانبها، لكن على الناحية الفلسطينية مغلق، ترتفع حناجر المزايدة بضرورة اقتحام المعبر والدخول إلى غزة بالقوة. تعطل الشاحنات أمام المعبر بسبب التعنت الإسرائيلى، هذا التعنت أكسب القضية الفلسطينية تعاطفا عالميا، أمين عام الأمم المتحدة ذهب إلى المعبر رأى المشهد بعينيه، ومن هناك أعلن إدانته لتعنت إسرائيل بحق المدنيين، مسئول من الجنائية الدولية رأى الموقف على الطبيعة، سياسيا هذا الموقف المصرى الرصين كشف السياسة الإسرائيلية، لكن فريق المزايدة يريدون العكس تمامًا، فى أفضل الأحوال ولو افترضنا حسن النوايا، فحن بإزاء مراهقة سياسية، يريدون منا اتخاذ قرارات وضعوها هم، وهذا الذى يريدونه هو نفسه ما طالبت به إسرائيل وعرضته على مصر، لو أن القوات المصرية اقتحمت المعبر وخاضت معركة ودخلت غزة.. فماذا يعنى ذلك..؟! فلسطينيا يعنى أن مصر تعيد احتلال غزة، ساعتها سوف تقوم قيامة الفصائل الفلسطينية ضد مصر، للعلم بعد سنة 1967 عرضت إسرائيل على مصر أن تتولى قطاع غزة وتضمه إليها، كما يتولى الأردن الضفة الغربية، لكن مصر رفضت، تماما.. وتجدد العرض بعد حرب 73 ورفض الرئيس السادات، الآن يطالب هؤلاء بما حاولت إسرائيل أن تفرضه علينا. مصر لا تخاف من خوض حرب، إذا فرضت الظروف الوطنية ذلك، وقد خضناها مرارًا وتكرارًا، ولدينا الكثير من التجارب. خضنا حرب سنة 1948، لعدة شهور، وقدمنا شهداء وتضحيات كثيرة، ثم توالت الحروب فى سنة 1956 ثم سنة 1967، وبعدها حرب الاستنزاف التى استمرت ثلاث سنوات، منذ 1967 وحتى صيف 1970 ثم حرب أكتوبر 1973، هذا عن حروبنا مع إسرائيل، أما حروبنا مع الإرهاب، فقد خضناها جميعًا، آخرها تلك الحرب فى شمال سيناء، والتى بدأت سنة 2013 وقدم جيشنا فيها البطولات والشهداء بالآلاف، تحملنا كل ذلك، دفاعًا عن الوطن وعن كرامة مصر والمصريين. لكن لابد أن يكون للحرب هدف واضح وقوى، هدف وطنى استراتيجى.. لنتذكر جيدًا حين وقع التهديد على حدودنا الغربية، لم يتردد رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى الذهاب إلى هناك ويلتقى بالقادة! ويعلن توجيها محددًا لهم، وهو أن خطوطنا الحمراء لا يجب تجاوزها، وإذا حدث تجاوز فإننا سنتدخل.. تمت إذاعة ذلك إعلاميًا! ليكون الشعب فى الصورة والمشهد. وحين وقعت أحداث غزة، وبدأت الضغوط على مصر تحت مسمى «افتحوا الحدود» خاطب الرئيس بقوة وزير خارجية أمريكا أمام الرأى العام محددًا موقفنا، وقال للرئيس الأمريكى إذا اقتضى الأمر خروج الشعب للتعبير عن الموقف، سوف أطلب، وتحرك الشعب بالفعل. الذباب الإلكترونى ينشط الآن، لتوريط مصر، هناك من تورطوا ويريدون الهروب بدفع مصر، وهناك من يريدون لهذا البلد أن يغرق فى مشاكل لا أول لها ولا آخر، الحرب ليست خطبة عصماء ولا قصيدة عنترية، بل هى خطط وأهداف، يجب أن ندرس، وأن نعرف الثمن الفادح الذى سوف يدفع ومن يدفعه وإلى متى، ثم ما هو العائد من وراء ذلك كله، وطنيا وإنسانيًا واجتماعيًا. الحرب كما نرى الآن، لم تعد كما كانت من قبل، أيام ويتحرك العالم وتتخذ الأمم المتحدة قرارًا بوقف إطلاق النار، الحروب الآن تمتد إلى شهور وربما سنوات، فى فبراير القادم تكمل الحرب الروسية – الأوكرانية عامها الثالث وهى مرشحة للاستمرار، الحرب داخل السودان بدأت منتصف أبريل الماضى ولم تتوقف إلى اليوم رغم مرور أكثر من ستة شهور، الحرب فى اليمن كذلك، ومن هنا على صانع القرار أن يراعى كل ذلك.. الحرب مسئولية وطنية وإنسانية. ولا يجب أن يفوتنا أن الأصوات التى تطالب بإلغاء المعاهدة والانسحاب من كامب ديفيد، هى نفسها الأصوات التى كانت تندد بمصر وبجيشها وهو يخوض معركته فى سيناء مع الإرهاب والإرهابيين فى شمال سيناء منذ سنة 2013، لم يخجلوا وقتها من مهاجمة الجيش المصرى، سواء فى مظاهراتهم أو المنتديات السياسية التى كانوا يتحركون فيها، ترى ماذا جد اليوم..؟!! ولماذا يصرون على الدفع بالجيش إلى حرب يريدونها هم ولا تفرضها المصلحة الوطنية المصرية بل المؤكد أنها ضد المصلحة الوطنية، بل وضد قضية فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، هل هى المراهقة والسذاجة السياسية أم أشياء أخرى..؟!.