الإثنين 20 مايو 2024

يومٌ خاص فى جامعة المنصورة اللقاء بشباب مصر.. رهان على مستقبل الوطن

يوسف القعيد

13-11-2023 | 13:56

بقلـم: يوسف القعيد
دعانى الدكتور مهدى القصاص الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنصورة وصاحب اليد العليا فى الأنشطة الثقافية بها لزيارة الجامعة والالتقاء بِطُلابِها. على الفور سعدتُ بطلبه. فليس مُهماً ما يُمكن أن أقوله. ولكن الأهم هو الاستماع لما يُفكر فيه الطُلاب هنا والآن، خاصة مع ما يجرى فى غزة الحدث الكبير الذى شدَّنا إليه لاعتباراتٍ وطنية وقومية كثيرة جداً. سافرتُ إلى المنصورة مُستخدِماً الطريق الجديد الذى يربط القاهرة ببنها. ورسوم المرور عليه خمسة عشر جنيهاً لكل سيارة ملاكى. أما السيارات النقل فيختلف المبلغ حسب الحمولة التى يسير بها. والطريق تُحفة معمارية وحضارية نادرة. تليق بمصر وتاريخ مصر. وحاضر مصر الذى يُبنى كل لحظة «طوبة طوبة» بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كل مكان من بر مصر. من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. وجمال الطريق واتساعه غير العادى ذهاباً وإياباً جعلنى أتغاضى عن المبلغ الذى يدفعه السائق. فإن كانت الدولة المصرية الراهنة التى يُعاد بناؤها من أول وجديد قد أقامته وأنفقت عليه الكثير من أموالها. فما المانع أن نخرج من مقاعد المتفرجين ونُشارك بلدنا نهضتها الحديثة؟. طرق مصر الحديثة والطرق الواسعة المُمهَّدة وسيلة من وسائل الحضارة المُعاصرة. فهى ليست أماكن تجرى فيها السيارات بقدر ما هى أدوات تواصل بين الناس مهما بعدت أماكنهم. وكانت الطُرق من قبل 2013 مشكلة المشاكل فى مصر. ولهذا كنت أتردد كثيراً جداً فى السفر الداخلى. خصوصاً أننى أنتمى إلى قرية بعيدة فى محافظة البحيرة، لكن الوضع اختلف الآن بمثل هذه الوصلات الجديدة التى تجعل من السفر متعة. لكن مثل هذه الطرق الجديدة تخلو من الخدمات التى يحتاجها المسافر. لا أقصد الخدمات الاستراتيجية الخاصة بتأمين الطُرق. ولكنى أكتب عن الخدمات الإنسانية التى يحتاجها المسافر، وربما ستُقام هذه الخدمات لاحقاً فى المسافة التى قطعتها من القاهرة إلى بنها فى نصف ساعة، ومن قبل وفى الطريق القديم مصر إسكندرية الزراعى كانت تستغرق أكثر من ساعة. وصلت إلى المنصورة، وهى المدينة المصرية التى لا حد لجمالها وبهجتها ورونقها وحضورها النادر. واتجهت فوراً إلى جامعة المنصورة التى تُعد من أقدم الجامعات الإقليمية فى بر مصر الآن، بل إننى لاحظتُ ما يُمكن أن يجعلها جامعة كُبرى تُنافس القاهرة والإسكندرية، شاهدتُ الطالبات والطُلاب وأنا أدخل إلى الجامعة. فاعتبرتُ أن ذلك نوعٌ من الرهان على المستقبل، الزمن الآتى بكل احتمالاته التى نعرفها وقد لا نعرفها. جامعة المنصورة أخيراً كان فى استقبالى الدكتور مهدى القصاص. وقد اكتشفت على الفور أنه من أبناء البحيرة، بالتحديد من مركز كوم حمادة بالبحيرة التى أنتمى إليها. ومركز كوم حمادة بالنسبة لى يعنى أمرين أساسيين، الأول: أن فيه قرية كفر بولين التى ينتمى إليها الأديب الجميل المرحوم محمد عبد الحليم عبد الله «3 فبراير 1913 - 30 يونيو 1970». وآخر مرة زرتها كانت يوم رحيله المُفجع والمفاجئ عن الدنيا لكى نشارك فى جنازته. ويومها سافرت إلى كوم حمادة عن طريق خط المناشى الذى يبدأ من القاهرة وينتهى فى إيتاى البارود. وميزته عن خط القاهرة طنطا أن المحطات عليه قليلة، الأمر الثانى: وهذا هو الأهم أنه يؤدى إلى مديرية التحرير، حُلم الستينيات الكبير الذى لا أعرف مصيره ومآله. أعود إلى المنصورة وجامعتها التى وصلت إليها تواً. والمبنى جميل، أقيم فى ستينيات القرن الماضى، واسع ومُترامى الأطراف، وحوله طالبات وطلبة من كل ناحية. مما يجعل الإنسان يشعر بالاطمئنان لرهان المستقبل. ليس مستقبل هؤلاء الطلبة فقط، ولكن مستقبل مصر التى أعتبره أهم ما يمكن أن يحدُث ويجرى فى الدنيا كلها. رموز الزمن الآتى سِرتُ وسط الشابات والشباب إلى أن وجدت الدكتور مهدى القصاص فى انتظارى. واتجهت إلى كلية الآداب جامعة المنصورة. كان هناك الدكتور محمود سليمان الجعيدى عميد الكلية، وقد عرفت منه أن له كتاباً عبارة عن رسالته للدكتوراه عن فتحى غانم. ولمن لا يعرف ففتحى غانم من أهم الروائيين المصريين والعرب وفى العالم الثالث كله. صاحب تجربة أساسية ومغامرة روائية فى الكتابة الأدبية لم يسبقه إليه أحد. وإن كان قد ظلمه عمله الصحفى سواء فى جريدة الجمهورية أو مؤسسة روزاليوسف كثيراً جداً. وقد حييتُ الدكتور العميد على اختياره لفتحى غانم. كانت هناك الدكتورة دينا السعيد أبو العلا، رئيس قسم علم الاجتماع بالكلية. ولم يكن رئيس الجامعة الدكتور شريف خاطر موجوداً ولا نائبه الدكتور محمد عطية الفيومى. ثم كانت المفاجأة الأولى أننى جئت لأتحدث مع الطُلاب عن نتاجى الأدبى. وكنتُ قد تصورت أننى آتٍ لكى أستمع إليهم وإلى ما يؤرق ضمائرهم، إن كان هناك ما يؤرقها. وأطلع على نتاجاتهم الأدبية إن كان البعض منهم يكتب أدباً أياً كان الشكل الذى يختاره لكى يكتب من خلاله. الطُلاب مستقبل مصر قاعة محاضرات كُبرى وطُلاب كُثرٌ سواء كانوا من أهالى المنصورة، أو القُرى والمدن المحيطة بها، أو ربما مدنٌ أخرى خارج المنصورة. منظرٌ وجدتُ نفسى فى مواجهته وأنا أعشق الكتابة وأحبها. وفى نفس الوقت بينى وبين الحديث مسافة، فأنا لا أتصور أننى لا أجيده ولا أشعر بالأمان والاطمئنان عندما أتكلم فى مواجهة عدد كبير من الآخرين. إن الارتباك يكون عُنوان ما يمكن أن أتحدث به. تحدَّثت الدكتورة دينا السعيد أبو العلا، ثم الدكتور محمود سليمان الجعيدى، وقد أنصت الطُلاب لما قاله، وكان مُركزاً ودقيقاً فيما تحدث به. وقبل أن نصعد إلى المنصة كنتُ قد سألته عن كتابه عن فتحى غانم، الروائى المهم. والمؤسس الكبير لفن القص والحكى العربى. وقال لى إنه لا توجد معه نسخة منه. وكنتُ أريد أن أستأذن من كل ما دعانى منه فى حياتنا لأعيش مرة أخرى وبطريقة غير متوقعة مع فتحى غانم. ومازال لدىَّ أمل أن يُرسل لى العميد كتابه عن فتحى غانم. الحرب فى بر مصر قبل أن أبدأ كلامى سألنى العميد والدكتور مهدى القصاص عن روايتى: الحرب فى بر مصر. وهكذا أهديانى ما يُمكن أن أبدأ به الكلام مع هؤلاء الطُلاب الذين لا أعرفهم وربما كانوا هم أيضاً لا يعرفوننى. فالأجيال الجديدة لا تعتبر القراءة من مرتكزاتهم لمعرفة الدنيا وما فيها. وإن قرأوا فإنهم يقرأون فى العوالم الافتراضية الجديدة التى لا علاقة لنا بها: الإنترنت والفيس بوك وغيرها من المسميات الذى نكتفى بالسماع إليها دون أن نحاول تعلُمها. نظرتُ للمدرج الكبير ومن يجلسون فيه واكتشفتُ أن أعداد الطالبات ربما كانت أكثر من أعداد الطلاب، وهو أمرٌ طربت له نفسى، وأصابتنى بسعادة مفاجئة، فتعليم الفتيات ربما كان أكثر أهمية من تعليم الشبان لأن الفتاة علاوة على قيمة وأهمية توصفها فى المجتمع فهى ستكون فى مستقبل الأيام ربة بيت وتتزوج وتنجب أطفالاً سيصبحون علامات ورموز الزمن الآتى فى بر مصر. وأعتبر أن الرهان على المستقبل والاهتمام به هو ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى على وجه الأرض. طول الطريق من القاهرة إلى المنصورة وأنا أتمنى وأحلُم أن أستمع إلى هذا الجيل الجديد الذى يُفاجئنا أحياناً بما لا نتوقعه، بما يُبديه من سلوكيات ومواقف وما يقوله من آراء. وهذا ما أجده بشكل فردى هنا وهناك خلال تحركاتى اليومية. ولكننى الآن وسط هذا العدد اللامحدود من أهل المستقبل الذين سيؤول إليهم هذا الوطن العظيم بكل مقدراته وإمكاناته، بماضيه المشرق ومستقبله الذى سيكون مُذهلاً. المواطن مصرى حدثتهم عن حرب السادس من أكتوبر العظيمة التى استعدنا فيها التراب الوطنى والشرف القومى من العدو الإسرائيلى، وحاولت ربط الماضى بالحاضر بما يجرى الآن فى غزة من نفس العدو. وعن روايتى التى صدرت خارج مصر أولاً، ثم طُبعت فى مصر وحوَّلها المُخرج الذى يُعد أحد مؤسسى السينما المصرية فى العصر الحديث صلاح أبو سيف، وكتب لها السيناريو والحوار السيناريست محسن زايد، وقام ببطولته عزت العلايلى والفنانة صفية العمرى والفنان عمر الشريف الذى جاء وقتها من باريس إلى القاهرة لكى يلعب دور العمدة فى هذا الفيلم. وكنتُ قد سألت عن وجود الفيلم فى الجامعة قبل الدخول إلى الندوة، ولو كان موجوداً لاكتفيت بعرضه بدلاً من أى كلامٍ عنه. كان يوماً جميلاً وجدتنى فيه وجهاً لوجه مع مستقبل مصر، فشكراً وألف شكر لكلية الآداب بجامعة المنصورة.