الإثنين 20 مايو 2024

سيناريوهات الحرب: الخطر الذى يهدد بتغيير جذرى فى الاقتصاد العالمى

صورة أرشيفية

6-12-2023 | 06:52

بقلـم: د. وفاء على
الاقتصاد هو حياة الناس فى العالم أجمع، وعندما دقت طبول الحرب فى غزة حدث ما حدث، وتضرر الاقتصاد العالمى الذى يعانى بالفعل وضعًا حرجًا، خصوصًا الآثار المباشرة على السلع الأساسية خاصة النفط والغذاء، فالأسواق مازالت فى حالة صدمة، ولذلك على صانعى السياسات والقرارات التيقظ فى المرحلة المقبلة، وهنا السؤال مازال مطروحًا: ماذا يمكن أن يحدث لو لم تمتد الهدنة وطالت مدة الحرب وقررت إسرائيل الاستمرار فى التصعيد؟ المؤكد أن الاقتصاد العالمى سيتعرض لخسائر قياسية وتراجع عام وصادم، فإسرائيل نفسها تخسر يوميا ما يُقدر بـ250 مليون دولار، فالعواقب الاقتصادية وخيمة، والخسائر العالمية سترتفع، والفاتورة ستكون باهظة، والآثار السلبية ستنتقل عبر الأسواق المالية أيضا مع ارتفاع الأصول الدولارية، ومع ارتفاع أسعار الطاقة ينخفض النمو الذى معه يقتطع من الاقتصاد العالمى حوالى تريليون دولار من الناتج الإجمالى العالمى، طبقا لتقديرات «بلومبرج». لقد وضعت المؤسسات الدولية ومنها مؤسسة «فيتش سوليوشنز» أربعة سيناريوهات محتملة التأثير فى حال طال أمد الحرب فى غزة، وكل سيناريو تم وضعه بناءً على مدة الحرب واستمرارها وفرص توسع دائرة الصراع ونطاق توسعها لتشمل دولًا أخرى فى المنطقة خارج حدود إسرائيل والأراضى الفلسطينية. السيناريو الأساسى الأقرب للحدوث والذى يعتمد على عدم اتساع رقعة الصراع بين حماس وإسرائيل، هذا السيناريو يتوقع أن يمتد القتال لعدة أشهر مع استمرار الغارات الجوية الإسرائيلية وحدوث الاجتياح البرى. ووفقا لهذا السيناريو ستشهد أسعار النفط تذبذبًا سعريًا من سعر 80 دولارًا حتى 95 دولارًا مع الشهر الأخير فى عام 2023 وأوائل عام 2024 مع ارتفاع فوائد السندات الأمريكية قصيرة الأجل وطويلة الأجل مدفوعة بمعدلات النمو والتضخم وتوجهات الاحتياطى الفيدرالى بشأن أسعار الفائدة. أما فيما يتعلق بالنمو العالمى، فالنمو خلال عامى 2023 و2024 سيكون فى حدود 2.5 فى المائة، ثم 2.2 فى المائة على التوالى فى ظل التأثيرات غير المباشرة المحدودة للصراع على الاقتصاد العالمى الأوسع. الذهب فى ظل هذا السيناريو سيحلق عند أعلى مستوياته ويغرد خارج السرب فى ارتفاع تاريخى لم يحدث على الإطلاق، ليصل إلى 2075 دولارًا للأوقية. السيناريو الآخر الثانى يعتمد على تصعيد قصير الأجل يشارك فيه حزب الله بشن هجمات على إسرائيل لترد الأخيرة بهجمات جوية على أهداف متفرقة فى أنحاء لبنان، لكن دون أن يبادر أى من الطرفين بنشر قوات برية عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، ويتوقع المحللون أن هذا السيناريو سيكون لفترة وجيزة فقط، بعدها تنجح الضغوط الدولية والإقليمية فى إيقاف الصراع وتهدئة الوضع. هذا السيناريو ستكون له أبعاده على الاقتصاد العالمى، وأولها أسعار النفط التى سوف ترتفع فوق الـــــــ 100 إلى 120 دولارًا للبرميل، إلا إذا دخلت جهود الوساطة. وفى ظل هذا السيناريو، قد تشهد الأسواق ارتفاعًا طفيفًا لعائدات السندات الأمريكية قصيرة أو طويلة الأجل قبل أن تنخفض بعد ذلك نظرًا لتعدد المخاوف من حدوث صدمة تضخمية. وفق هذا السيناريو أيضا يرجح انخفاض معدلات النمو العالمى نحو 0.2 نقطة مئوية مع صعود أسعار الذهب لمستويات قياسية وإن ظلت تحت مستوى 2100 دولار للأوقية بسبب قوة الدولار. وإذا ذهبنا بالسيناريو الآخر إلى احتمالية تطور ملموس فى حجم الصراع ليجذب أمريكا مثلًا للمشاركة فى الحرب لمواجهة الجماعات التى تقول إنها مدعومة من إيران فى لبنان وسوريا والعراق بجانب انخراط إسرائيل بكثافة عالية فى العمليات العسكرية فى لبنان وهضبة الجولان، ففى حالة نشوب هذا الصراع سوف ترتفع أسعار النفط على غرار ما رأيناه بعد حرب روسيا وأوكرانيا، والمتوقع وقتها أن يرتفع سعر برميل البترول لأكثر من 130 دولارا. وفى الوقت نفسه، لن تتحرك عوائد السندات سواء قصيرة الأجل وكذلك السندات طويلة الأجل، ومن هنا سوف تتأثر معدلات النمو بخفض يصل من 0.4 إلى 0.6 نقطة مئوية بالنسبة لحال الاقتصاد العالمى، وهنا سوف ترتفع أسعار الذهب لمستويات غير معقولة مع اتجاه المستثمرين بشكل أكثر نحو الملاذات الآمنة والأوعية الاستثمارية الآمنة لتسجل الأوقية توقعًا بين 2100 – 2150 دولارًا. أما السيناريو الأسود وهو الاحتمال الأقل حدوثًا ويعتمد على دخول أمريكا وإيران وإسرائيل والمقاومة فى حرب مفتوحة، أو ما تسمى بالحرب الواسعة، وهنا سيذهب الاقتصاد العالمى للهاوية وليس حافة الهاوية، فهنا سيدق ناقوس الخطر الحقيقى، ليؤكد أننا وصلنا لنهاية المنعطف، وسوف ترتفع أسعار الطاقة التى تؤثر على كل مناحى الحياة ليصل سعرها المتوقع من 150-200 دولار للبرميل، بينما ستفقد الأسهم نحو من 30-50 فى المائة من قيمتها، ومن المتوقع أن ترتفع أسعار الذهب إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، ومن ثم ينخفض الناتج المحلى الإجمالى العالمى بنحو 2-3 نقاط مئوية مع انكماش حاد فى الإنتاج العالمى فى عام 2024. بالطبع سيناريوهات الحرب متعددة، والتصعيد الأخير يلقى بظلاله على أسواق الطاقة، وفى ظل مخاوف إطالة أمد الحرب وتوسعها بدخول أطراف أخرى سيواجه ملف الطاقة مخاطر متعددة وبالأخص السوق غير المرئى وهو سوق الغاز، ومعه ستتعمق مشكلة أزمة الطاقة خصوصًا مع قدوم فصل الشتاء وتزداد حالة عدم اليقين والريبة للاقتصاد العالمى، فالقارة الأوربية تسعى بشتى الطرق لتأمين إمدادات الغاز وإنقاذ نفسها حتى لا تقع فريسة إطالة أمد هذه الحرب أيضا. لقد تم إنهاك الاقتصاد الأوربى فى الفترة الماضية، فالطاقة والغاز المسال أو الطبيعى فى بؤرة الأحداث الجيوسياسية، خصوصًا أن الأحداث الآن تقع فى منطقة الشرق الأوسط التى تمد دول أوربا بالغاز المسال، خصوصًا مصر كمركز إقليمى لنقل الغاز إلى هذه الدول، وهنا يتبلور دور الولايات المتحدة الأمريكية بشأن حرية تدفق الطاقة والأمن الإسرائيلى باعتبار أنهما أمران ثابتان، فمنطقة الشرق الأوسط تمثل للولايات المتحدة نموذجًا أمثل للسيطرة الجيوسياسية لاحتوائها على أهم المضايق البحرية وثروات الغاز العملاقة التى تتنافس عليها الدول الكبرى وأكبر احتياطى نفطى فى العالم، حوالى 54 فى المائة من الاحتياطي، العالمى وهى ممر العبور لإمدادات وأنابيب الغاز بين ثلاث قارات، خصوصًا مصر التى تمتلك معامل الإسالة العملاقة، والتى تؤدى دورًا هامًا فى تصدير الغاز المسال إلى الأسواق الأوربية، والتى شكلت نقطة تحول فى معادلة الطاقة الدولية، فلا ننسى أن المفوضية الأوربية فى يونيو 2022 وقّعت مع مصر وإسرائيل مذكرة تفاهم ثلاثية بشأن توريد الغاز الإسرائيلى عبر البنية التحتية لتصدير الغاز الطبيعى المسال المصرى إلى الاتحاد الأوربى، وقريبا سيتم بناء خط أنابيب شرق البحر الأبيض المتوسط لنقل الغاز الطبيعى إلى أوربا عبر اليونان بتكلفة تقديرية 6.5 مليار دولار، لكن الاضطرابات فى المنطقة يمكن أن تعطل هذا المشروع الذى كانت تعتبره المفوضية الأوربية مفتاح الحل لإمدادات الغاز المسال، والتى تصل قدرته من 10 إلى 20 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز المسال. وبالرغم من بُعد المسافة، فإن إطالة أمد الحرب سوف ينعكس أيضًا على أوربا ويضعها فى مواجهة مخاطر محتملة تتمثل فى السيناريوهات التى وضعناها، خصوصًا ملف الغاز وقدرة الدول الأوربية على تحمل تكاليف وأمن الإمدادات واستمرار المخاوف بشأن القدرة على تحمل تكاليف الغاز بشكل عام. فالوضع فى صناعة الغاز أوربيا ما زال هشًا ومتهالكًا مع ضعف البنية التحتية، وقد جاء صراع الشرق الأوسط ليساهم فى زيادة الضغوط والمخاوف الأوربية. إن تجريف الاقتصاد العالمى عبارة قاسية ولكنها تصف حال ما يفعله هؤلاء من محبى عشاق الصراعات الجيوسياسية والمستفيدين من حالة الدوائر المغلقة التى يمر بها العالم. وحالة الاضطراب والصراع التى تعيشها المنطقة فى الشرق الأوسط على أثر الحرب فى غزة جعلت العالم كله فى حالة حرب مما يؤدى إلى تجريف الاقتصاد العالمى الذى يعانى الهشاشة، فآليات الاقتصاد تكاد تكون معطلة فى ظل شيوع التضخم وسياسة التشديد النقدى، وما تزامن مع ذلك من الاضطراب الذى لحق بأسواق الطاقة وتراجع النمو بحيث أصبح الوضع معلقًا بسبب زيادة النزاعات، لدرجة أن الأمم المتحدة التى كانت تمثل وسيطًا مفضلًا فى النزاعات أصبحت مهمشة، فالمنافسة الجيوسياسية بين الدول القوية مثل روسيا وأمريكا جعلت الأمم المتحدة تفقد نفوذها وتراجع دورها. ومع بوادر التأثير الموجع لتشديد السياسات وتوقع أن تسجل اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية انخفاضًا محدودًا فى معدلات النمو، بسبب السياسات النقدية المشددة مدعومة بتراجع الأسعار الدولية للسلع الأولية. ولا شك أنه من خلال المنعطف الراهن تشكل إجراءات السياسة النقدية عاملًا بالغ الأهمية فى سبيل الحفاظ على ركيزة التوقعات التضخمية وأحدث اتجاهات التوقعات التضخمية على المديين القريب والمتوسط وعبر مختلف الوحدات الاقتصادية، ويؤكد أهمية الدور التكميلى لأطر السياسات النقدية، بما فى ذلك استراتيجيات التواصل فى المساعدة على خفض معدل التضخم بتكلفة أقل على الناتج القومى وتزايد المخاوف بشأن التشرذم الجغرافى – الاقتصادى، وذلك بما يؤثر على اضطرابات التجارة العالمية فى السلع الأولية على أسعار السلع الأولية والنشاط الاقتصادى والتحول إلى الطاقة الخضراء. ويخيم على الآفاق قدر كبير من عدم اليقين، حيث يؤدى مزيج من التداعيات الناجمة عن عوامل معاكسة عالمية وتحديات محلية ومخاطر جغرافية وسياسية إلى آثار سلبية على الزخم الاقتصادى عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب تراجع إنتاج النفط وتشديد بيئة السياسات فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات متوسطة الدخل والنزاع فى السودان، ويقف العالم عند نقطة انعطاف ولا يزال ممكنًا بناء نقطة جديدة تحتاج إلى شجاعة الحل، فالسلام الاقتصادى مهدد فى الإقليم والعالم، فقد أعادت الأحداث الولايات المتحدة إلى المنطقة مجبرة بقواتها، وهى لم تكن تخطط لذلك، بل على العكس كانت تعتقد أن هناك حارسها الخاص أو مَن يحمى مصالحها فى المنطقة دون الحاجة إلى تواجدها عسكريًا بشكل كبير لها. المؤكد أن الحرب فى غزة ستغير شكل العالم اقتصاديًا فى المرحلة القادمة وأيضًا شكل الانتخابات الأمريكية، فالديمقراطيون وضعوا كل أوراق رهانهم بيد نتنياهو وهو بذاته بات ورقة محروقة، والديمقراطيون لن يصمدوا كثيرًا كلما طال أمد الحرب، والاقتصاد العالمى يترنح بسبب إداراتهم لملفات التشديد النقدى والتضخم والتأثير على ملفات طاولة النمو العالمى بالمجمل. إن غزة التى لا تزيد مساحتها على 360 كيلومترا وبضعة آلاف من المقاومين وبمليونى ونصف المليون غزاوى قد يغيرون العالم، قد تسقط بسببهم أقنعة الدول بل متغيرات الاقتصاد والعالمى وتدور معها ملفات الذهب والنفط والغاز وسلاسل الإمدادات ومعدلات النمو والناتج العالمى الإجمالي.