1-4-2024 | 02:28
بقلـم:د. إلهام محمد شاهين
كانت أم الدرداء الكبرى من فضلاء النساء وعقلائهن، وذوات الرأى منهن مع العبادة والنسك، حفظت عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن زوجها أبى الدرداء عويمر الأنصاري، وكانت زاهدة فقهية، ولدينا فى الإسلام باسم أم الدرداء اثنتان: الكبرى خيرة بنت أبى حدرد, زوجة أبى الدرداء الأولى. وأم الدرداء الصغرى: اسمها هجيمة أو جهيمة بنت يحى الوصابية, وهى زوجة أبى الدرداء أيضًا الثانية, وهى التى خطبها معاوية بعد موت أبى الدرداء فأبت أن تتزوجه وذلك لأنها قالت: والله لا أتزوج فى الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله فى الجنة.
وحديثنا عن الصحابية الجليلة خيرة بنت أبى حدرد بن عمير بن أبى سلمة الأسلمي، وأخت أبي محمد عبدالله بن أبى حدرد وأم بلال بن أبى الدرداء، تزوجت من أبى الدرداء عويمر بن مالك الأنصارى صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان من قرَّاء الصحابة الذين حث النبى على أخذ القرآن منهم، وقد توفى فى العام الثانى من خلافة عثمان بن عفان, وقد أنجبت منه ابنه بلال وروى عن أبيه وعن أمه أم الدرداء.
أسلمت أم الدرداء وحسن إسلامها وكانت من ذوات الرأى السديد مع الفهم الصحيح للإسلام. وعن قصة إسلامها وزوجها تقول خيرة: كان عويمر بن مالك متعلقًا بصنم له، وقد تبع أهله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عبدالله بن رواحة أخًا له فى الجاهلية، وكان يدعوه إلى الإسلام فيقول: يا عويمر، أترضى أن تكون آخر دارك إسلامًا؟
فيأبى أبوالدرداء. وذات يوم وضع منديلاً على صنمه وخرج، فجاء عبدالله بن رواحة ودخل بيتي. فسأل عن عويمر فأخبرته أنه خرج آنفا، وكنت أمشط رأسي، فدخل ابن رواحه ومعه قادوم فأنزل الصنم وجعل يقدده (أى جعله قطعًا) وسمعت صوت القادم وهو يضرب ذلك الصنم، فقلت: أهلكتنى يا ابن رواحة، فخرج وأقبل عويمر، فوجدنى أبكى شفقا منه، فقال: ما شأنك؟ قلت: أخوك عبدالله بن رواحة دخل فصنع ما ترى، فنظر عويمر إلى الصنم المحطم وغضب غضبًا شديدًا، ثم فكر وقال: لو كان عند هذا خير لدافع عن نفسه.
ثم انطلق إلى عبدالله بن رواحة وقال له: اصحبنى إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فانطلقا حتى أتيا الرسول صلى الله عليه وسلم فأسلم عويمر بن مالك وأسلمت معه زوجته خيرة بنت أبى حدرد رضى الله عنها.
وروت أم الدرداء الكبرى عن النبى صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث نبوية، منها حديث النبى صلى الله عليه وسلم حينما قال: «ما من ميت يقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت».
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز لأمتى عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان والاستكراه». وروى عن أم الدرداء الكبرى جماعة من جيل التابعين، منهم صفوان بن عبدالله بن صفوان، وميمون بن مهران، وزيد بن أسلم، وأم الدرداء الصغرى.
ويروى سهل بن معاذ عن أبيه عن أم الدرداء أنه سمعها تقول: لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد خرجت من الحمام فقال: «من أين يا أم الدرداء؟» فقالت: من الحمام, فقال: «والذى نفسى بيده, ما من امرأة تضع ثيابها فى غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهى هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن».
ومن المواقف المعروفة للصحابية الجليلة أنه عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين أبى الدرداء وسلمان الفارسي، جاء سلمان لأبى الدرداء زائرًا، فرأى أم الدرداء قد أهملت نفسها، ولاح فى وجهها القهر، فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: إن أخاك ليس فى حاجة إلى شيء من الدنيا، أصبح أبوالدرداء لا ينام الليل. فسكت سلمان الفارسى ولم يكلم أبا الدرداء. وقامت خيرة لتصنع لهما طعامًا، فلما أكلا هيأت أم الدرداء لهما فراشهما فنام سلمان وأبو الدرداء هنيهة، ثم قام أبوالدرداء ليصلي، فأمسك سلمان بثوبه وقال له: نم يا أباالدرداء. ونام ثم نهض ليصلي، فأمسك سلمان به وقال له: نم. فنام عويمر بن مالك، فلما كان
الثلث الأخير من الليل قام أبوالدرداء ليصلى فقال سلمان الفارسي: الآن
انهض لتصلي. وعندما انبلج الفجر خرجا ليصليا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبوالدرداء: لأشكونك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال سلمان الفارسي: يا أباالدرداء إن لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولجسدك عليك حقًا فأعط كل ذى حق حقه. فلما قُضيت صلاة الفجر مال أبوالدرداء على أذن النبى صلى الله عليه وسلم وشكا له ما فعل سلمان الفارسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الرهبانية لم تكتب علينا، صدق سلمان».
تُوفيت أم الدرداء قبل أبى الدرداء بسنتين, وكانت وفاتها بالشام فى خلافة عثمان بن عفان.