السبت 4 مايو 2024

من حرب غزة إلى الصراعات الإقليمية خريطة التحديات التى تواجه مصر

صورة أرشيفية

6-4-2024 | 01:16

بقلـم: د. طارق فهمى
تبدأ مصر ولاية جديدة مع الرئيس عبد الفتاح السيسى، وفى ظل حالة عامة من عدم الاستقرار فى الإقليم خاصة والمنظومة الدولية عامة نتيجة لاستمرار الصراعات والنزاعات التى تعلن عن نفسها، وفى ظل عدم التوصل لحلول رئيسية أو ناجزه لهذه التحديات أو المخاطر التى تعلن عن نفسها فى الفترة الراهنة والمنتظرة نتيجة عدم وجود إرادة دولية أو إقليمية للتوصل لحلول حقيقية تمهد الأجواء للاستقرار فى البيئة الإقليمية، وهو ما سيفرض على الدولة المصرية الاستمرار فى تبنى سياسات محددة ومنضبطة استكمالا للدور الكبير والمركزى الذى تلعبه مصر فى الإقليم كطرف رئيسى ومباشر فى هذا الإطار إضافة للتعامل انطلاقا من ثوابت ومعطيات مهمة تعمل عليها الدولة المصرية وتتحرك فى إطارها، وتلتزم بكل ثوابتها، وهو ما يدفع الدولة المصرية وباستمرار لأن تكون طرفا فى التعامل ولو بصورة مباشرة أو غير مباشرة. التحدى الرئيسى يتمثل فى استمرار حرب غزة وانفتاح المشهد السياسى والأمنى والاستراتيجى جراء الممارسات الإجرامية التى تقوم بها إسرائيل وتعمل على استكمال العمل العسكرى واحتلال القطاع، وفرض الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التى تخطط لها، مما سيمثل تحديا كبيرا أمام مصر للتعامل بسبب أنها دولة جوار رئيسى للجانب الفلسطينى وكونها طرفا وسيطا وشريكا فى المفاوضات الراهنة لتقريب وجهات النظر، والعمل على إيجاد حل تدريجى وصولا إلى تبنى مقاربة حل الدولتين لإيجاد الدولة الفلسطينية وإتمام الاندماج للوطن الفلسطينى بعد سنوات من الشقاق بين رام الله وغزة برغم كل المجهودات الكبيرة التى قامت بها مصر لإتمام المصالحة الفلسطينية طوال السنوات الأخيرة، واحتلال القطاع واستمرار العمل العسكرى قد يؤدى إلى تحدٍّ ينبغى التعامل معه من خلال مقاربة سياسية وأمنية تعمل فى إطار المصالح العليا للدولة المصرية وأمنها القومى خاصة وأن مصر تباشر مهامها الإنسانية فى توفير الخدمات وتقديم أعمال الإغاثة وإدخال المساعدات والمعونات لسكان القطاع، كما أن أية ترتيبات أمنية ستتم فى داخل القطاع بدون موافقة مصر لن تكون مقبولة، والاتجاه إلى فرض استراتيجية الأمر الواقع سيتطلب تدخلا مصريا مباشرا فى تبعات ما يجرى سواء فى ممر صلاح الدين، واحتمال تعرض معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل للخطر، كذلك البروتوكول الأمنى الحاكم للعلاقات والمستمر منذ سنوات طويلة. تأثيرات عدة تفرض إذن ارتدادات حرب غزة كثيرا من التحديات الجديدة، ومنها تعرض الملاحة البحرية فى جنوب البحر الأحمر للخطر، وامتداد تأثيرات ذلك إلى قناة السويس، وتأثر إيراداتها نتيجة لتعرض الميلشيات الحوثية للسفن العابرة من وإلى باب المندب والبحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس، وهو ما أدى إلى أن تكون مصر طرفا رئيسيا فيما يجرى خاصة وأن الممارسات الحوثية فرضت واقعا بحريا جديدا شاركت فى تفاصيله الولايات المتحدة، ودول غربية وانخرطت فى تحالف حارث الازدهار، والتى دخلته عدة دول شريكة فى الاستراتيجية الأمريكية بعد إعلانها تشكيل هذا التحالف الذى وجه ضربات رمزية لمواقع الحوثى دون أن تؤثر فى قدراته، الأمر الذى سيفرض واقعا جديدا للاستقرار فى البحر الأحمر، والإقليم وستفرض تحديا حقيقيا يدفع بقوة إلى ضرورة تبنى استراتيجية جديدة مع الولاية الجديدة للرئيس السيسى بناء على ما يتم من إجراءات، وتدابير رصينة تقوم بها الدولة المصرية وقيادتها حماية لأمن مصر القومى والعمل على تبنى إجراءات ناجزة ومهمة فى إطار ثوابت التعامل، وعدم الدخول أو تبنى رؤية تقوم على أى عمل عسكرى أو الدخول فى شراكات من أى نوع أو تحالفات عسكرية والالتزام بموقف محايد وموضوعى حفاظا على المصالح الكبرى الحاكمة لطبيعة الدور المصرى فى الإقليم بأكمله، ويتطلب بالفعل مرونة فى التعامل، أو الانخراط وفق حسابات مدروسة ومنضبطة مع تطوير القدرات المصرية العسكرية فى البحر الأحمر وخارجه إضافة إلى الممرات المائية العربية والدولية عبر استراتيجية ممتدة وراسخة تعمل عليها الدولة المصرية، وتتحكم فى إدارتها أو العمل من خلالها فى أطر محكمة، وهو ما يؤكد عليه مواجهة هذه التحديات المستجدة والتى يمكن أن تعلن عن نفسها وتتطور لصالح عدم الاستقرار فى الإقليم، وقد تؤدى إلى تأثيرات كبيرة على الأمن القومى المصرى بكل مشتملاته، وركائزه المتعارف عليها والتى تحتاج وبصورة دورية لمراجعة محددة خاصة مع حجم التهديدات والمخاطر التى تكشف عن نفسها، وفى ظل تطور عسكرى لافت لأسلوب المواجهات العسكرية بين الدول والفواعل من غير الدول، والتى تمثلها الميليشيات العاملة فى الإقليم، والتى تمثل تهديدا لكيان الدولة الوطنية، والتى كثيرا ما دعا الرئيس عبد الفتاح السيسى للحفاظ على مقدراتها السياسية والعسكرية وعدم تعرضها لأية مخاطر، ما يؤكد على إدراك استباقي، واستشرافى لما يجرى حول الدول الوطنية الرئيسة فى الإقليم وعلى رأسها مصر، ولهذا فإن الاهتمام بتطوير بنية القوات المسلحة المصرية فى مختلف قطاعاتها البرية والجوية والبحرية، ما يؤكد على أسلوب عمل ومنهاج استراتيجى تعمل من خلاله الدولة المصرية، مع الاستثمار فى القدرات الذكية والخشنة فى تنفيذ سياساتها، وهو ما برز بالفعل فى مواجهة التحديات الأمنية والعسكرية والتعامل المباشر مع منابع التهديدات الرئيسة ومنها الاستمرار فى مواجهة المخاطر برؤية شاملة ومواجهة المخاطر العسكرية المتصاعدة ومنها تهديدات المسيرات فى الإقليم ومخاطر حروب السايبر بل، وكذلك الحروب الحديثة بأنماطها وأساليبها المستجدة، والتى تحتاج إلى مراجعات دورية فى إطار حروب الأجيال التى تستهدف الدول الرئيسة فى الإقليم وعلى رأسها مصر، وقد قطعت الدولة المصرية بفضل رؤية القيادة السياسية طوال السنوات الماضية مراحل متقدمة فى هذا الإطار وما تزال. مواجهات مستمرة إن بقاء عدم حل القضايا العربية الإقليمية واستمرار الصراع فى الشرق الأوسط وفى شرق المتوسط سيؤدى إلى مزيد من المواجهات الرئيسية والفرعية والتى ستمثل تهديدا حقيقيا لمصر، فعلى سبيل المثال عدم حل القضية الليبية واستمرار حالة عدم الاستقرار بين شرق / غرب ليبيا وعدم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وتعطل مسار الحل سيؤدى إلى مزيد من الصراعات الداخلية، والتى ستتطلب دورا مصريا مستمرا باعتبار أن قضية ليبيا مسألة أمن قومى مصرى، وكذلك استمرار الصراع السياسى بين طرفي الأزمة فى السودان، سيفرض دورا على مصر فى التعامل وهو أمر طبيعى نتيجة لطبيعة العلاقات المصرية السودانية التى تفرض على مصر دورا متجددا ومستمرا، خاصة وأن القاهرة استقبلت آلاف اللاجئين على أراضيها استكمالا لدورها الرئيسى والمركزى فى التعامل مع القضايا العربية والإقليمية، وبالرغم مما تتكلفه الدولة المصرية من حسابات وتقديرات والتعامل من مقاربة إنسانية بالدرجة الأولى، وهو ما يتطلب دورا للأمم المتحدة لدعم مصر، وعدم اقتصار ذلك على التصريحات السياسية والإعلامية، وكذلك من دول الاتحاد الأوروبى نظرا لحسابات سياسية وللدور الرئيسى التى تقوم به مصر فى ملف مواجهة الهجرة غير الشرعية وضبط الحدود. الخلاصة تطل أيضا مشكلات وصراعات إقليمية تتعامل معها مصر بضوابطها الراسخة فى جعل شرق المتوسط مستقرا لا مكان فيه للصراعات والنزاعات على الغاز إضافة لمواجهة منابع الإرهاب والتنظيمات الفرعية التى تهدد استقرار العراق وسوريا والأردن، إضافة للتعامل الحازم مع التدخلات الإقليمية من إيران أو تهديد الأمن القومى العربى فى هذا السياق. ومن ثم فإن حجم التحديات الإقليمية مع ولاية جديدة للرئيس السيسى ستكون مطروحة ولكن بفضل الدبلوماسية الرئاسية وحكمتها وخبرة ومهنية وتميز أجهزة المعلومات المصرية وقدرتها على التعامل المباشر، ما يؤكد على أن مصر فى الولاية الجديدة للرئيس السيسى ستستمر فى مواجهة كل التحديات الراهنة والمتوقعة وستتعامل معها بخبراتها وقدراتها السياسية والعسكرية الكبيرة.