الخميس 23 مايو 2024

الوصيه الإسلاميه ... والمسئوليه التربويه

6-11-2020 | 19:48

ينفرد الإسلام بعنايته بالطفل، وكيفية القيام على نشأته من قبل مجيئه ،فحسنا على حسن أختيار كل من الزوج والزوجه على أساس من الدين والأيمان ،مع الأخذ بأسباب السعاده فى الدنيا ،وذلك عندما قال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( تنكح المرأه لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وكذلك إختيار الزوج على أساس( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وذلك مع مراعاه عدم الأخذ بالظاهر من الحديث فقط ،ولكن يكون ذلك عن طريق التأكد بدلائل قاطعه على دين الشاب وخلقه درءاً، لما يحدث فى بعض الأسر التى لا تتأكد من جدية  الشاب وسلوكه معتمدة على الظاهر فقط ، فتكن النتيجه الغير مرجوه من سرعة الطلاق بعد إكتشاف الحقائق الغائبه ، وذلك مصداقاً لسنة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذى جائته ذات يوم ـ فاطمه بنت قيس ـ والملقبة بخطيبة النساء فكأنها تسأل لتتأكد من المصطفى عن خطيبان تقما لها ، فقالت يارسول الله خطبنى معاويه وأبا جهم ،فقال المصطفى أما معاويه فصعلوق لا مال له ، وأما أبا جهم فلا يضع العصا عن عاتقه بمعنى انه كان كثير الضرب بالنساء أو كثير السفر ، فكان ذلك أسترشاداً منها على حالهما وهى صاحبة القرار الأخير .

 

 لذلك عند بناء الأسره المسلمه على هذا الأساس من التدبر والحكمه تكن النتيجه المرجوه من زواج ناجح وذريه صالحه ، فوجدنا الإسلام أكد على كل مرحله أيضاً من مراحل نمو الطفل حتى بلوغه وشبابه ،فحثنا على حسن إختيار أسمه فقال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إنكم تدعون يوم القيامه بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسمائكم ) ، كما أن الإسلام حرص على الإحتفال بالطفل عند مقدمه والتصدق عنه بوليمه يدعا إليها فكان ذلك فى قول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كل غلام رهينة بعقيقه )، والحرص على صحة بدنه من أول لحظه بحصوله على ما يتغذى عليه خالصاً من أى شوائب وبعيداً عن كل ميكروب ، برضاعه طبيعيه من أمه توفر له الطعام والأمان والحنان فقال تعالى ( والوالدات يرضعن أولادهُن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعه )(البقره:233) كما أن المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم أمته كيفية الحنو على الطفل والقرب منه بعطف وحنان حتى ينشأ سوى النفس ، فكان يفعل ذلك مع ـ أُمامه بنت زينب ـ أبنته لأبى العاص بن الربيع ، فيحملها فى صلاته إذا قام وإذا سجد وضعها ، كما كان يحرص على تقبيلهم حتى أن رآه- الأقرع بن حابس- ذات يوم يقبل الحسن بن على أبن أبنته فاطمه الزهراء فقال "إن لى عشر من الولد ما قبلت منهم أحداً يوم " فقال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( من لا يَرحم لايُرحم ) حتى أنه عليه الصلاة والسلام كان يسلم على الغلمان فى الطريق، كما روى عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ  أنه كان له أخاً  يسمى أبا عمير وكان له عصفور صغير يلعب معه برفق يسميه ـ النغير ـ فكان المصطفى يداعب أبا عمير كلما وجده فيسأله عن عصفوره ، حتى وجده حزيناً ذات يوم لموت العصفور فكان عليه الصلاة والسلام كلما مر على أبا عمير يداعبه لينسيه فقده العصفور فيقول له ( ( يا أبا عمير ما فعل النغير ) .

 

 هذا هو الإسلام ونبيه نبى الرحمه والتواد والسلام والوئام وإشاعة المحبه فى المجتمع ، كما نبه المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ على كيفيه الإنتباه لتعليم أبناءنا العبادات فقال ( مروا أولادكم بالصلاه عند سبع وأضربوهم عليها لعشر ) ،وهذا لا يعنى أن نترك أولادنا بغير إرشاد لإقامة الصلاه إلى أن يصلوا إلى سن السابعه ولكن يجب أن يعتادوها قبل ذلك ،وعند السابعه يتم أمرهم بها ،وضربهم عند سن العاشره، لأننا منذ نعومة أظفارهم نوجههم إليها، ولكن عند العاشره إذا لم يلتزموا بها يجب تقويمهم ،ولذلك كان المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ من سننه صلاة النوافل فى البيوت حتى يأتيها البركه، ويرى الأبناء الصغار القدوه الممثله فى الكبار من الرجال وهم يقيمون النوافل فى البيوت ،كما أننا نجد من تعاليم ديننا الحنيف أن نجيد الأهتمام بتربيه الرجوله داخل النشأ منذ صغرهم  وذلك  بوقوف الغلمان والصبيان فى صلاة الجماعه بعد صفوف  الرجال وقبل النساء ،وفى هذا المقام نتذكر سوياً ـ عمرو بن أبا سلمه الذى كان على علم بالقرآن وتلاوته وحفظه والكثير من أحكام الدين، فكان يُؤم قومه فى الصلاه وهو أبن سبع سنين .

 

كذلك علينا الإنتباه على أن يعتادوا الصيام قبل رمضان فى يوم عرفه مثلاً للمقيم غير الحاج وكذلك صيام يوم عاشوراء ، ومشاركتهم عند اداء الزكاه والتصدق بإعطائهم الفرصه بالمساعده فى هذا الأمر ، وفى الحج رأينا أن أمرأة رفعت صبى لها فتسأل المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألهذا حج فقال ( له حج ولكى الأجر).

 

 فكل هذا يغرس فى نفوسهم الفضائل منذ صغرهم وتعويدهم العبادات كتنفسهم الهواء، فنؤسس للمراقبه الذاتيه داخلهم وشعورهم بأن الله عز وجل معهم ويراهم مصداقاً لقوله تعالى على لسان لقمان وهو يعظ أبنه ( يا بنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن فى صخره أو فى السموات أوفى الأرض يأت بها الله ) (لقمان:16) كما يجب غرس قوه الشخصيه والجرأه المنضبطه فى نفوس الأبناء كما رأينا من موقف -الزبير بن العوام- رضى الله عنه عندما طلب من أبنه عبدالله وهو فى سن السابعه أن يذهب ليبايع المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرحب به المصطفى وابتسم له وبايعه ،ليغرس الفضائل فى نفسه منذ صغره، ووجدنا أن إسلامنا لم يترك سبيل إلى إصلاح النفس والبدن إلا دلنا عليه  فقال المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( علموا أولادكم السباحه والرمايه وركوب الخيل ) .

 

لأن حب المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ مفتاح كل خير ، وباب كل توبه وأساس كل الطاعات لذلك فإتباعه يفتح لكل خير ، ودفع لكل شر ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام  ( حياتى خير لكم ، فإذا أنا مت ، كانت وفاتى خير لكم ، تعرض علىّ أعمالكم ، فإن رأيت خيراً حمدت الله ، وإن رأيت شراً أستغفرت لكم ) .

 

لذلك عند الحرص على الآداب النبويه فى تربيه أبناءنا نسير على خطاه مؤكدين سُننه التى لا تختلف فى أى زمان و مكان فوجدنا فيها آداب الطعام كما روى عن عمرو بن أبا سلمه أنه قال كنت غلاماً فى حجر المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويدى تبطش فى الصحفه فقال لى المصطفى ( يا بنى سم الله ، وكل بيمينك وكل مما يليك ) و كذلك الحرص على آداب الأستئذان داخل الأسره على الأبوين من الخدم والأبناء الذين لم يبلغوا الحلم فقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاه الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيره ومن بعد صلاه العشاء ثلاث عورات لكم ) ( النور:58) وبعد البلوغ حينما صاروا شباباً عليهم الإستئذان فى كل حال و وقت وفقاً لقوله تعالى ايضاً ( وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما أستأذن الذين من قبلهم ) ( النور:59) .

 

لأن الشريعه الإسلاميه أجتمعت لها كل الحاجات الإنسانيه فاستوعبتها حتى صار إفشاء السلام وإماطه الأذى عن الطريق شعبه من شعب الإيمان فنجد أن آداب الزياره كان لها نصيب عظيم أيضاً من تلك الشريعه الجامعه فقال المولى عز وجل ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) ( النور:27).

 

فهذه هى شريعتنا  التى قوامها الفطره السويه، والنشأه الأبيه التى لا تترك منحى من مناحى الحياه إلا دلتنا على سبل الخير فيها ، فوجدنا  النماذج الكريمه للرعيل الأول من صحابه المصطفى مثل معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ بن عفراء اللذان قاما يوم بدر بسؤال عبدالرحمن بن عوف ـ رضى الله عنهم جميعاً ـ عن أبا جهل يريدان قتله لأنهم علموا بإيذائه للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبالفعل أنقضا عليه فقتلاه ، وهذا عبد الله بن عباس الذى تميز بالذكاء الحاد منذ صغره، فلما أذن له عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهما ـ بالخروج فى بدر، وجد بعض الصحابه فى نفوسهم حاجه من ذلك لأنهم لم يؤذن لفتيانهم مثله ، فأحب عمر – رضى الله عنه - أن يثبت لهم مدى علمه وتفوقه  على أمثاله، فسألهم عن سوره النصر وماذا تقصد؟  فقالوا أنه عند فتح الله عز وجل على المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يسبح ويستغفر ويتوب إلى الله، ولما سأل عمر نفس السؤال لعبد الله بن العباس قال : إنها إخبار من المولى عز وجل لنبيه بحضور أجله ،فرد عمر : تلوموننى عليه ؟ ثم قال : ما أعلم منها إلا ما تقول، وهذا سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ حينما كان لم يبلغ من العمر عشرين عاماً وكان باراً بأمه ،فلما أسلم، حاولت أمه الضغط عليه ليعود عن الإسلام، فأضربت عن الطعام والشراب حتى تموت ويعيرهُ بها الناس ،فصمد أمام تهديدها ليخبرها عن تمسكه ويقينه بالإسلام فقال  " والله لو كان لك ألف نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت هذا الدين " فلما عرفت عقيدته الصلبه وتمسكه بها أكلت وشربت ،فأنزل المولى عز وجل ( وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما فى الدنيا معروفاً )( لقمان:15).

 

فإذا كانت تلك هى الوصيه الإسلاميه لتربيه أبناءنا فعلينا تدبر قول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول ) .