إثراء الحياة الفكرية يفسح مجالاً واسعاً لاختلاف الرؤى
، و طرح وجهات النظر بجدية دون حجر على رأي أو مصادرة فكر ، بشرط ارتباط تلك
الحرية بالمسئولية الجادة لضبط الأمور ، فلا تحدث تجاوزات جاهلة أو تعصب أعمى ،
فالإسلام أكرم المسلمين فرفعهم إلى مقام العزة فقال تعالى ( ولله العزة و لرسوله و
للمؤمنين ) (المنافقون:8) ، فتمارس كافة الحقوق و الواجبات وفقاً لمقاصد الشريعة
التي مقصدها الأسمى مصالح العباد فتوضح لهم سبل الرشاد للفوز بالدنيا و الآخرة ، و
لكن يجب مواكبة مستحدثات العصر الثقافية و الإجتماعية ، فالأمة في حاجة ملحة
لتضافر جهود علمائها لتوضيح بعض الأمور التي تتعلق بالشبهات التي يحيكها المبطلون
حول الإسلام ، لذا يجب اظهار دلائل الإقناع و الحجة القطعية بجميع الوسائل المتاحة
لتعليم الدين الصحيح ، فبعض الناس كما لهم نفوس مؤمنة صافية نجد فيهم من يجهل عن
دينه أكثر مما يعلم ، فلا يستطيع البعض الرد على تلك الشبهات المضللة ، فيعجز عن
مجادلة المبطلون في افتراءاتهم و بهتانهم فلا يملك اقحامهم بالحجة اليقينية على
أساس منهجي سليم ، و كذلك لمواجهة طوفان الغزو الثقافي الغربي الذي يجتاح الجميع ،
فنفاجأ في العديد من اللقاءات الثقافية و الندوات بالجدل المثار و المقصود حول
حقوق المرأة ، و كأنها موطن ضعف أكيد يمكن إلحاق الضرر بالإسلام و المسلمين من
خلاله ، و خاصة ما يتعلق بحقها في الميراث ، و أنه يشرع لها بنصف رصيد الرجل فقط وهذا
ما أشيع بين الجهلاء ، و الصحيح أن الإسلام دين العدل فلا يعطي المرأة في ميراثها
نصف نصيب الرجل في كل الأحوال ، بل يعطيها في بعض الحالات مثل نصيب الرجل و
أحياناً أكثر منه ، فمثلاً تأخذ المرأة مثل الرجل عندما يتوفى رجل كلالة ( ليس له
أبناء و لا والدين ) و له أخ و أخت ، فيأخذ كل منهما السدس بلا تفرقة بين رجل و
امرأة مصداقاً لقوله تعالى ( و إن كان رجل يورث كلالة أو امرأة و له أخ أو أخت
فلكل واحد منهما السدس ) (النساء:12) ، و من الحالات التي تأخذ فيها المرأة أكثر
من الرجل مع كونها في درجة واحدة من المتوفي فيكون ذلك في حالة موت امرأة ليس لها
ولد و تركت أماً و أباً و زوجاً ، ففي هذه الحالة تأخذ الأم أكثر من الأب ، لأن
الزوج يأخذ النصف ، و تأخذ الأم الثلث ، و يأخذ الأب الباقي ، و الذي لا يزيد عن
نصف ما تأخذه الأم مصداقاً لقوله تعالى ( فإن لم يكن له ولد و ورثه أبواه فلأمه
الثلث ) (النساء:11) ، أما في حالة كون المرأة ترث نصف نصيب الرجل فليست الحالة
الغالبة في ميراث المرأة في الإسلام فكما رأينا في الأمثلة السابقة و غيرهامن
الأمثلة الكثيرة التي يختلف فيها توزيع الأنصبة في الميراث بين الرجل و المرأة ،
فلكل منهما حقه العادل على قدر مسئولياته ، فالإبن الذي يرث ضعف أخته عليه من
الأعباء التي يتحملها ، فتلقى على كاهله الإنفاق على نفسه و والديه و زوجته و
أولاده ، و أيضاً أخته التي ورثت معه إذا تعسر بها الحال ، أما تلك الأخت فليس
عليها واجبات الإنفاق على كل هؤلاء و لا حتى على نفسها بل جميعهم عليهم واجب
الإنفاق عليها ، إلا إذا تطوعت هي بذلك ، إذاً فالإسلام أنصف المرأة و أكرمها و
رفع شأنها ، فلا تعارض في شرع الله بين الحقوق و الواجبات في إطار التكليف و عدم
الخلط بين بعض الموروثات الثقافية الخاطئة أحياناً و المدسوسة أحياناً أخرى لتعميم
الفهم الخاطئ للدين ، و أن كل ما يؤكده الشرع هو الحرص على سلامة المجتمع الإسلامي
خاصة أن للمرأة على مدى التاريخ الإسلامي مشاركاتها و اجتهاداتها العلمية ، و
الفقهية ، والسياسية المشرفة .