الأربعاء 12 يونيو 2024

في ذكرى الملك ... والدنجوان بطلا العصر الذهبي للسينما المصرية

6-11-2020 | 21:09

يحمل يوم 27 من يوليو كل عام من بعد عام 1980 ذكرى مؤلمة للسينما المصرية، وعلامة فارقة في تاريخها ومجدها، حيث إن ذلك اليوم صادف رحيل ثلاثة من أعلامها وهم الفنان الذي لقب بالدنجوان رشدي أباظة الذي رحل في 27 من يوليو عام 1980، ثم الفنان فريد شوقي الذي لقب بالملك والذي رحل في 27 من يوليو عام 1998، ثم رحيل المخرج العالمي الذي لقب بالأستاذ يوسف شاهين في 27 من يوليو 2008، وهؤلاء العمالقة لهم بصماتهم الواضحة على السينما المصرية والعربية، تلك البصمات التي شكلت تاريخها، وأقامت مجدها، وجعلتها المتفردة بالتميز على مدار سنوات ليست بالقليلة، وعلى الرغم من تدفق إنتاجهم إلا أنه لم يوجد العمل الذي جمع ثلاثتهم فيه حتى احتواهم ذلك اليوم، وجمعهم معا في رحلتهم الأبدية إلى عالم الخلود، وقد شارك فريد شوقي مع يوسف شاهين في خمسة أفلام هي " بابا أمين" و " صراع في الوادي" و" باب الحديد" و " نداء العشاق، و" إسكندريه ليه "، بينما شارك رشدي أباظة شاهين في عمل واحد فقط هو " جميلة بو حريد" .

   وعند النظر إلى العلاقة الفنية الخاصة التي جمعت بين النجمين المميزين فريد شوقي ورشدي أباظة سنجد أنهما بدايةً قد جمعتهما صداقة عميقة، وصلة قوية، وود حقيقي جعلهما لا يفترقان في فترة من حياتهما، يتبادلان الأسرار، ويتناجيان بالهموم الحياتية، وتجمعهما العلاقة الإنسانية، ووشائج المحبة، وروابط الألفة والتقدير، لكن كل ذلك لم يحل دون المنافسة الشريفة والغيرة الفنية الضخمة العميقة التي تدل على طبيعة كل منهما، وأنهما فنانان من طراز غريب، يريد كل واحد أن يقدم موهبته ويغار من القدرة التمثيلية للآخر غيرة الغبطة وليست غيرة الحسد، فإذا أبدع فريد شوقي في عمل أراد رشدي أباظة - بعد إعجابه بهذا العمل- أن يقوم هو بدور يبدع فيه ويثبت موهبته وكذا العكس، فقد كانت غيرة فنية لصالح الفن وليست غيرة نفسية تحمل الضغائن والحقد والحسد.

   وللغرابة كانت بداية العملاقين مع سيدة الشاشة فاتن حمامة، حيث كان أول فيلم لفريد شوقي هو " ملاك الرحمة " عام 1946 ليوسف وهبي وفاتن حمامة، وقد ظهر فيه فريد شوقي بدور محقق، وكان دورا صغيرا في بداياته . وجاءت بداية رشدي أباظة في دور بطولة عام 1948 في فيلم " المليونيرة الصغيرة " من بطولة فاتن حمامة، وقام فيه رشدي أباظة بدور طيار . وقد حقق هذا الدور له نجاحا كبيرا؛ مما جعله يقرر السفر للخارج والعمل في الأفلام العالمية لكنه لم يحقق النجاح في الخارج، فعاد ليسند له المخرجون أدوارا صغيرة عكس بدايته، لكن المخرج حسين فوزي، المقتنع بإمكانياته تماما، أسند إليه دور البطولة في فيلم " بحر الغرام " 1955 أمام النجمة نعيمة عاكف، فحقق نجاحا جعل المخرج يسند له دور البطولة في فيلم " تمر حنة " 1957 أمام نعيمة عاكف أيضا، فصار بهذا الدور البطل الشعبي الذي يتعلق به جمهور السينما، فاختاره المخرج عز الدين ذو الفقار بسبب تلك المواصفات الشعبية التي أبدع في أدائها ليقوم بدور بطولة في فيلم " امرأة في الطريق" 1958، فصار رشدي أباظة نجما محبوبا من الجماهير، يستطيع أداء دور الرجل الشعبي ابن البلد بقوة وتفهم تجذبان الطبقة الشعبية، فأسند إليه المخرج عاطف سالم دور البطولة في فيلم " صراع في النيل" 1959؛ ليطل رشدي أباظة على الجمهور في دور الرجل الصعيدي الذكي القوي المدافع عن حقوق أبناء قريته الذي ينجح في المهمة الموكل بها . ثم يغير المخرج عز الدين ذو الفقار من تلك التيمة التي أداها رشدي أباظة بنجاح، أو تيمة أبناء البلد؛ ليجعله يؤدي دورا بصيغة أخرى في فيلم " الرجل الثاني " 1959 الذي ارتفع برشدي أباظة وجعله نجم الشباك الذي يتهافت عليه المنتجون والجمهور من أجل مشاهدته والاستمتاع بأدائه المتنوع .

   وقد حرص رشدي أباظة من بعد نجاحه في فيلم " امرأة في الطريق " الذي أداه دون ماكياج أن يقوم بمعظم أدواره دون ماكياج، واستعاض عن الماكياج الخارجي بالماكياج النفسي إن جاز التعبير، حيث كان يهمه في المقام الأول اقتحام العالم النفسي للشخصية وتفهمها تماما من ناحية البيئة والسلوك، ثم من ناحية الملابس التي تعكس ظروف الشخصية وطبيعة حياتها، فكان ينطلق إلى العالم الحقيقي الذي سيتقمص شخصيته، فيذهب للأماكن الشعبية ليعايش أبناءها إن كان سيقوم بدور شعبي، وكذا يذهب للمدن أو السواحل أو الشركات الخ، إن تطلب دوره ذلك ليتعرف على طبيعة هذه البيئات التي تعيش فيها الشخصية، ثم يلتقط ملابسها فيصممها بنفسه، أو يطلب من المصممين أن يصمموها بحيث توافق ملابس الشخصية الحقيقية ولا تخرج عنها كما حدث فيلم " صراع في النيل "،  حيث استعان بأحد عمال المراكب لتفصيل ملابسه، فجاءت عبارة عن سروال طويل، وفانلة ذات أزرار، وطاقية. وفي فيلم " بحر الغرام " طلب توافر بنطلون قديم جدا، وصديري متهالك، وطاقية قديمة. وفي فيلم "ملاك وشيطان" اختار القميص التقليدي والبنطلون الكاكي القديم لشخصية عزت.

   ونجد أن أول بطولة حقيقية لفريد شوقي كانت في فيلم " خارج على القانون " 1951 من إخراج محمد عبد الجواد، وقد قام فريد شوقي في هذا الفيلم بدور " خط الصعيد" أو المجرم العنيف المسيطر على منطقة ضخمة من الصعيد، ويدين له أفراد عصابته بالولاء، كما يرهبه الناس ويخشونه، وقد شارك في هذا العمل شكري سرحان، ورغم اجتهاد فريد شوقي في الأداء إلا أن النتيجة كانت مخيبة للآمال، حيث فشل ذلك العمل فشلا كبيرا جعل فريد شوقي بعدها يحاول أن ينساه ولا يذكره - متعمدا - في أحاديثه عن أعماله . وقرر فريد شوقي أن يعيد اكتشاف نفسه في عمل من قصته وإنتاجه، فقام بتقديم فيلم " الأسطى حسن " 1952 الذي أدخل معه في الإنتاج شركة الهلال للإنتاج، فلقي العمل نجاحا ضخما، وحضورا جماهيريا كبيرا، أعطى لفريد شوقي الثقة التامة في قدراته وأدائه المبهر؛ ليقوم بدور مميز جدا في تاريخه في فيلم " حميدو " 1953 الذي لقب من بعده بوحش الشاشة، وملك الأكشن، وصار نجم الشباك الأول في حينها . أما لقب الملك الذي كان يحبه فريد شوقي فقد لقب به بعد فيلم " شياطين الليل" 1966 للمخرج نيازي مصطفى الذي أخرج معظم أفلام فريد شوقي، واقترن نجاح فريد شوقي بنيازي مصطفى، كما اقترن نجاح نيازي بفريد شوقي .

   وقد أثر فريد شوقي في المجتمع والتشريعات القضائية، حيث استطاع بأدائه البارع أن ينقل بعض القضايا التي كانت تؤرق عددا ضخما من أفراد المجتمع، وتقف حجر عثرة في سبيل حياتهم، ومن ذلك أداؤه في فيلم " حميدو" الذي تسبب في تشديد العقوبة على تجار المخدرات لتصل إلى حدها الأقصى وهو الحكم بالمؤبد . ومن خلال أدائه في فيلم " جعلوني مجرما " استطاع أن يقنع رجال التشريع والقانون بإلغاء السابقة الأولى في سجل المجرم الذي يقرر أن يتوب ويعيش حياة شريفة كريمة، بعد أن تسببت هذه السابقة في تدمير حياة المجرم التائب في الفيلم. كما انتزع أداء فريد شوقي في فيلم " كلمة شرف " تشريعا باستطاعة المحكوم عليه بالسجن الخروج لحضور مناسبات قوية تخصه مثل زواج أحد أبنائه، أو زيارة مريض له من الدرجة الأولى . ومن خلال فيلم " رصيف نمره 5 " تم استصدار تشريعات بتغليظ عقوبة الراشي والمرتشي لتصل إلى خمس سنوات وفق الجريمة . وكل ذلك يثبت عبقرية فريد شوقي وأداءه المميز الذي أثر في المشاهدين والمسئولين، وغير من واقع الحياة حوله، بما يدل على أهمية الفن كقوة ناعمة في المجتمع لها تأثيرها الضخم .

   وقد دلل الفنان فريد شوقي على عمق علاقته برشدي أباظة وسموها ورقيها الإنساني، فعندما أصيب رشدي أباظة بمرضه الخطير الذي مات به، وكان يعالج في المستشفى رفض تماما تصويره أو عمل أي حديث صحفي حتى لا يراه جمهوره في ضعفه ومرضه بعد أن شاهده في قوته وعنفوانه، ولكن حدث أن تمكنت صحفية من التنكر في ملابس ممرضة، وانتهزت فرصة غيبوبته وراحت تصوره على هذه الحالة، وبلغ ذلك الأمر فريد شوقي الذي انزعج مما سيشعر به صديقه عندما تنشر هذه الصور، فاتصل بالصحفية واستطاع أن يقنعها بعدم النشر، بل ويأخذ منها أصول هذه الصور، وهددها باللجوء للقانون إن هي خالفت ذلك فامتثلت، وأنقذ صديقه في مرض موته مما كان سيؤثر عليه ويعجل بلحظاته الأخيرة .  

   وقد التقى العملاقان معا في أفلام متنوعة وهي " رجل لا ينام " 1948 ، و"أولاد الشوارع" 1950 ، و" الأسطى حسن" 1952، و" جعلوني مجرما " 1954، و" بور سعيد " 1957، و " تجار الموت" 1957 ، و" سلطان " 1958، و " واإسلاماه" 1961 ، و" طريق الشيطان" 1964، و " كلمة شرف" 1971، و " وكر الأشرار" 1972 ، و" توحيدة " 1976 و" القضية المشهورة "1978. وكان التقاؤهما في هذه الأعمال بمثابة مباراة فنية عالية وحامية الوطيس، وعلى مستوى راقٍ من الأداء بما انعكس على جودة الأعمال ونجاحها، ففي فيلم " رجل لا ينام " من إخراج وتمثيل يوسف وهبي، قام فريد شوقي بدور مجرم مهرب، وكان هذا الدور بمثابة فتح كبير، ودور مميز لفريد شوقي في ذلك الوقت؛ نظرا لأنه من قبله كان يقوم بأدوار صغيرة في أفلام أنور وجدي، لكنه بهذا الدور بدأ في إثبات موهبته، وكان هذا الفيلم هو الأول الذي يُرسم فيه فريد شوقي على أفيش الفيلم، فلم يسبق له ذلك من قبل، وللغرابة فقد جاء أفيش الفيلم خاليا من رشدي أباظة، كما لم يُوضع اسمه على تتر الفيلم بالرغم من أن رشدي أباظة قبل هذا العمل قام ببطولة فيلم " المليونيرة الصغيرة" .

   وقد تمكن فريد شوقي من أداء دور المهرب المجرم الذي تقوم عليه حوادث العمل، فهو يدفع عشيقته ( مديحة يسري)  لاستغلال سذاجة الطبيب الثري كبير السن ( يوسف وهبي)، وإيهامه بحبها له، فينساق خلفها تاركا أسرته، وينفق عليها أمواله حتى يكتشف تلاعبها به، فيقرر قتلها ويخنقها ويتركها ويظن أنه قتلها، ثم يتم القبض على فريد شوقي بتهمة قتلها، فيؤنب الضميرُ الطبيبَ الذي يظن أن هناك من سيُعدم ظلماً في جريمة هو الذي ارتكبها، لكن الحوادث تتكشف، ويتبين أنه عندما ظن أنه قتل العشيقة لم تكن ماتت بالفعل، وحضر من بعده عشيقها فأجهز عليها، ويوضح هذه الحقائق ويقدمها الضابط ( رشدي أباظة ) الذي يلقي القبض على المجرم، ويُحكم عليه بالإعدام شنقا . وهذا العمل لم يُظهر قدرات رشدي أباظة الذي ظهر في نمط تقليدي لضابط المباحث المجتهد، بينما أظهر قدرات فريد شوقي التمثيلية المميزة بالفعل .

   وفي فيلم " أولاد الشوارع " من إخراج وتمثيل يوسف وهبي ومديحة يسري، وفاخر فاخر، وعمر الحريري، كانت مساحة دور رشدي أباظة أكبر من مساحة دور فريد شوقي، لكنهما لم يكونا بطلين أو مؤثرين في الحوادث، ولم تظهر قدراتهما التمثيلية الهائلة، فقد كان فريد شوقي هو المجرم البلطجي الذي يظهر في مشهد واحد داخل ملهى ليلي يضرب أحد الشباب الذي يجالس عشيقته، فينبري البلطجي الآخر ( فاخر فاخر ) ليؤدب فريد شوقي ويقتله ويهرب، ويكون دور رشدي أباظة الضابط الذي يبحث عن المجرم ( فاخر فاخر ) حتى يلقي القبض عليه .

   وفي فيلم " الأسطى حسن " للمخرج صلاح أبو سيف، وإنتاج فريد شوقي، يتمكن فريد شوقي بحرفيته وطبيعة دوره أن يتفوق ويقدم دورا نموذجيا للعامل البسيط الذي يعمل في ورشة خراطة وحدادة، ويتمرد على حياة الفقر مع أسرته؛ ليعيش حياة الثراء مع عشيقة تمتص شبابه ثم تتركه لآخر( رشدي أباظة )، ثم يفيق من غفلته ليجد نفسه متهما بقتلها حتى يعترف القاتل الحقيقي فيعود للرضاء بحياته القديمة . ولم يكن دور رشدي أباظة بالدور العريض في المساحة أو الدراما، فلم يخرج عن كونه عشيق السيدة الثرية الذي يصطدم أحيانا بعشيقها المنافس فريد شوقي، ويتغلب عليه بعد امتصاص العشيقة لقوة فريد شوقي .

   وفي فيلم " جعلوني مجرما " للمخرج عاطف سالم، ومن إنتاج فريد شوقي يناضل سلطان ( فريد شوقي ) في الحياة ويقاسي من تحجر قلب عمه الغني الذي أدخله الإصلاحية وتنكر له، ثم حوّل حياته لجحيم بعد أن غادر الإصلاحية، خاصة عندما أحبت سلطان "ياسمينة" تلك السيدة التي عشقها العم ولم تبادله الحب، ويدبر لسلطان جريمة، فعندما يذهب سلطان ليشاهد ياسمينة في الملهى الليلي يتمكن صاحب الملهى "رشدي أباظة " بإيعاز من العم بإلصاق جريمة قتل به، ويشهد عليه شهود الزور الذين اتفق معهم العم، بل يشهد العم كذلك عليه، ويحكم عليه بالسجن المؤبد فيقرر الهرب . ويمضي في رحلته حتى يقتل العم، ولا ينفعه إثبات براءته من تهمة القتل التي دبرها عمه. وفي هذا العمل كانت مساحة الدور ونوعية الدراما خادمة لفريد شوقي، حيث الدراما كلها قائمة عليه، بينما رشدي أباظة كان دوره هامشيا ثانويا لم يظهر أي مقدرة فنية له .

   ويتكرر أمر الدور الضخم لفريد شوقي في مقابل الدور الصغير لرشدي أباظة في فيلم " بور سعيد " للمخرج عز الدين ذو الفقار، وإنتاج فريد شوقي، والذي يتناول مؤامرات الإنجليز على مصر عام 1956، ومحاولاتهم احتلال القناة ومصر مرة أخرى، ففي بور سعيد يعيش الصديقان الجاويش طلبة "فريد شوقي" والضابط البحري فتحي "شكري سرحان"، وتمضي الحياة في الحارة سعيدة، وهناك فايز "رشدي أباظة" المرشد بالبحرية وصديق فتحي، وتتداخل الحوادث ليتم الكشف عن الجاسوسة الإنجليزية مس بات "ليلى فوزي" التي تحاول إيقاع الفتن بين فتحي وطلبة، واستغلال طلبة في جلب المعلومات لكنها تفشل، ويتمكن طلبة من إفشال خطة ضابط المخابرات الإنجليزي جيمس في تعطيل القناة، ثم يبدأ العدوان الثلاثي فيُستشهد فتحي، وترتكب القوات الإنجليزية فظائع في بورسعيد، ويقوم طلبة بخدعة من خلالها ينقذ حبيبته، ويدمر الأهالي المعسكر الإنجليزي .

   وفي فيلم " تجار الموت "للمخرج كمال الشيخ  تظهر المساحة المتسعة قدرات فريد شوقي في أداء دور مراد حسني الذي يعمل صرافا بإحدى الشركات، ويخسر أمواله في القمار لصالح الدكتور عباس ( محمود المليجي )، فيهاجم عباس الذي يقنعه بالاشتراك في جريمة من جرائم عباس حيث يدير عصابة تخصصت في صرف أموال التأمين بقتل أحد المستفيدين لصالح مستفيد آخر، مع خصم نسبة العصابة من هذه الأموال، ويعمل مع عباس مساعده ( رشدي أباظة) الذي يعاونه في هذه الجرائم، وأحيانا يقوم بالقتل، وفي النهاية يتم القبض على عباس وعصابته . ولم يتمكن رشدي أباظة من تحقيق ذاته في هذا العمل وإظهار تألقه التمثيلي، لكنه بكل تأكيد تمكن من أداء دور المجرم المحترف بكل اقتدار وفنية عالية ظهرت بوضوح في فيلمه "الرجل الثاني" .

   وزادت مساحة دور رشدي أباظة في فيلم " سلطان " للمخرج نيازي مصطفى،  وإن لم تدان مساحة دور فريد شوقي الذي قام عليه العمل وحوادثه، فسلطان يعاني من ظلم المجتمع له واستباحة آدميته، فكان وهو طفل يخدم مع أسرته لدى ضابط الجيش " عدلي كاسب" وزوجته وطفله عصام " رشدي أباظة " الذي يدبر لسلطان بعض المواقف مثل اتهامه بالسرقة، فيظل زوج أمه يضربه ويجلده، فيرسخ في ذهن سلطان معنى الامتهان والعذاب والألم مقترنا بالأزرار الصفراء التي توجد في ثياب الخفير زوج والدته والذي يجلده وهو مرتديها. وعندما يكبر سلطان ويلتحق بالجيش جندياً يجعله ضابط الجيش يعمل معه مراسلة له ولأسرته، وتوهمه الخادمة بحبها، وتتفق مع عشيقها على سرقة بعض الذهب من منزل الضابط واتهام سلطان . ويلقى البوليس القبض عليه بتهمتي الهروب من الخدمة، وسرقة ذهب من منزل الضابط ، ويحكم عليه بالجلد والسجن، ويتشاجر مع عشيق الخادمة ويظن أنه قتله، ويهرب للجبل ليتحول لمجرم خطير، ويحاول البوليس ممثلا في عصام أن يلقي القبض عليه، حتى يُقتل برصاص الشرطة في نهاية العمل.

   وفي فيلم " واإسلاماه " قام فريد شوقي بدور الجاسوس الخائن المتعاون مع التتار " بلطاي "، بينما قام رشدي أباظة بدور المملوك بيبرس المحب لمصر والمدافع عنها، وقد كانت المنافسة التمثيلية بينهما هائلة كل في دوره، فتمكنا من أداء الشخصيتين بمهارة وقوة، خاصة في المشاهد التي جمعتهما بعضهما ببعض؛ مما جعل نجاح العمل محققا، وترك بصمة واضحة في ذهن المشاهدين الذين يتذكرون دور بلطاي جيدا، ومحاولة بيبرس عندما كان يختبره أن يخدعه، لكن بلطاي أثبت مهارته في الفنون القتالية، وتنبه لمهارة بيبرس وأوقفها، فكان الاثنان في قمة التناغم والمهارة، لا يتقدم أحدهما على الآخر في الإجادة .  

   وينتج رشدي أباظة فيلم " طريق الشيطان " للمخرج كمال عطية، فيأتي دوره مساويا تماما لدور فريد شوقي، ويُعد الفيلم هو أكبر الأفلام التي احتوت على مساحة ضخمة لدوريهما أمام بعضهما، حيث تقوم دراما العمل عليهما سويا، فلم يخل مشهد من وجودهما معا، فهما في العمل صديقان جمعهما ممارسة القمار، ويتنافسان على حب الراقصة ( سامية جمال ) التي تحب رشدي أباظة ويبادلها الحب، ويتعرف فريد شوقي على شويكار من خلال ممارسة القمار فينجذبان لبعضهما، ويحدث أن يكتشف الناس غش فريد شوقي ورشدي أباظة في اللعب فيطاردوهما فيهربا حيث يختبئان لدى بائعة عاجزة، ويطلبان الطعام والسجائر، وبعد ذلك يرفضان دفع الحساب، ويدفعها فريد شوقي لتسقط أرضا ثم يشفقان عليها، ويقرران تغيير حياتهما للأفضل، ويستأجران منزلا ليعيشا فيه مع شويكار وسامية جمال، ويقرران افتتاح مشروع خاص لكن ينقصهما المال، فتأتي شويكار ببعض المال من الدعارة فيغضب فريد شوقي ويطردها، ويعمل عامل توصيل للمنازل، لكنه يُتهم في جريمة قتل بعد أن أحب ابنة صاحبة مقهى ( مديحه سالم)، ويستطيع صديقه رشدي أباظة إثبات براءته ليعودا سعيدين .

   وفي فيلم " كلمة شرف " للمخرج حسام الدين مصطفى، ومن إنتاج فريد شوقي، وعلى الرغم من مساحة دور رشدي أباظة الصغيرة، والمتمثلة في الضابط الكبير الذي يأتي ليقوم بجولة تفتيشية على السجن الذي به السجين سالم " فريد شوقي " المشهور بتكرار محاولاته الهرب؛ ليثبت لزوجته براءته قبل موتها، فتتراكم عليه الأحكام، وقد قبل المأمور " أحمد مظهر " أن يذهب سالم خلسة ليرى زوجته قبل موتها ثم العودة للسجن سريعا بعد أن أعطاه سالم كلمة شرف بالعودة مسرعا، لكن يحضر الضابط الكبير ويسأل عن سالم، فيرتبك المأمور ويذهب معه لزنزانته وهو متأكد أن سالم لم يحضر، ويرى أن مستقبله قد انتهى حتى يفاجأ بوجود سالم في الزنزانة الذي التزم بكلمته وأنقذ المأمور من مصير مأساوي . فرغم هذا إلا أن ذلك الدور الصغير لرشدي أباظة صار علامة في تاريخه السينمائي الحافل، فقد تمكن بصورة غير قابلة التكرار من أداء دور الضابط الكبير، وكانت نظراته النارية كفيلة ببث الرعب في المشاهدين خوفا على مصير المأمور المحترم، فصار الجمهور يتذكر هذا العمل بنظرات رشدي أباظة وإتقانه دوره، مع البراعة منقطعة النظير لفريد شوقي، والقدرة التمثيلية الهائلة والدور الرائع .

   وفي فيلم " وكر الأشرار " من إخراج حسن الصيفي، يؤدي رشدي أباظة دور طبيب ثري جدا، يحضر من الخارج بسيارته، فتستغل عصابة كبيرة لتهريب المخدرات تلك السيارة وتضع بها مخدرات دون علم الطبيب، ثم ترسل له فتاة ليل ( هند رستم ) لتتلاعب به بحجة الحب، ويقع بالفعل في حبها، ويكون الضابط المسئول هو فريد شوقي الذي يعرف ببراءة الطبيب، ويفهم ما تقوم به هند رستم، ويحذره منها ومن العصابة، لكنه يرفض أن يترك حبيبته حتى يتم القبض على العصابة، ويظهر أن هند رستم من المتعاونات مع البوليس في الخفاء . وقد تمكن الاثنان من إجادة دوريهما، لكن الفيلم لم يكن له بصمة واضحة في السينما المصرية .

   وفي فيلم " توحيدة " للمخرج حسام الدين مصطفى، المأخوذ عن عمل أجنبي، تجمع المشاهد الكثيرة بين رشدي أباظة وفريد شوقي بصفتيهما صديقين يعيشان بالإسكندرية، حيث يمتلك فريد شوقي مقهى يجلس عليه مع صديقه رشدي أباظة الثري جدا، والذي يجالس فريد شوقي في جلسات مختلفة سواء في المنزل أو في المقهى أو لاحتساء الخمر، ولفريد شوقي ابن هو نور الشريف، يحلم بالسفر والعمل بالخارج لجمع المال الوفير، وهو يحب توحيدة ( ماجدة الخطيب ) ابنة صاحبة المخبز ( سناء جميل )، ويلتقي نور الشريف وتوحيدة لقاء جنسيا تحمل على أثره منه، ويسافر للعمل للخارج دون إخبار والده الذي يغضب جدا، وكان رشدي أباظة يحب توحيدة؛ فيتقدم لخطبتها ويعلم منها كل شيء، وأنها حامل فيصر على استكمال الزواج إنقاذا للموقف، وتنجب توحيدة طفلا جميلا يتبناه رشدي أباظة ويعطيه اسمه، ويعود نور الشريف من السفر ويطلب عودة توحيدة وابنه إليه، ويعرض كل أمواله على رشدي أباظة الذي يرفض ذلك، كما ترفض توحيدة، لكنها تحن إليه بعد ذلك، فيضحي رشدي أباظة بحبه ويعيدها مع ابنها إليه، مع توصيته بهما .

   ونجد فيلم " القضية المشهورة " للمخرج حسن الإمام، مأخوذ من فيلم لحسن الإمام كذلك هو " الملاك الظالم "، المأخوذ عن قصة عالمية، ويتناول قصة ذلك الرجل الأمين ( فريد شوقي )، الذي يعمل لدى رجل غني يطمع فيه مجرم هو جسور ( كمال الشناوي )، فيقتل جسور ذلك الرجل الثري، وتراه زوجة فريد شوقي فيقتلها، وتكون ابنة فريد شوقي الطفلة حبيسة في غرفتها، فتظن أن الذي قتل والدتها هو والدها، ويُوجه لفريد شوقي الاتهام بقتل الثري وزوجته، وتشهد ابنته عليه فيسجن، ويعهد بابنته لصديقه المحامي رشدي أباظة الذي يربي الابنة ويعطيها اسمه، وتكبر لتتزوج من ضابط ( سمير صبري ) يعمل بالسجن الذي به والدها، وبعد ذلك يعود جسور إلى والدة الرجل الثري الذي قتله ليأخذ أوراقا هامة منها، ويجدها عمياء ويدعي أنه ابنها، لكن ينكشف أمره ويسجن وتظهر براءة فريد شوقي الذي يعود لابنته .