الأربعاء 12 يونيو 2024

بايدن فى البيت الأبيض

11-11-2020 | 21:35

نجح بايدن وسيصبح رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية لأربع سنوات قادمة، يقينا ستشهد الإدارة الأمريكية خلالها الكثير من المتغيرات والاختلاف فى كل الأولويات حول الملفات والأجندات سواء على المستوى الداخلى الأمريكى أو الخارجى، ويقينا سيكون هناك اختلاف فى الرؤية والتعامل الأمريكى مع منطقة الشرق الأوسط وتحديدًا المنطقة العربية وفى القلب منها مصر.

هذا ما تعودنا عليه مع الإدارات الأمريكية المتتابعة، كلما جاءت إدارة وسكن رئيس جديد البيت الأبيض، فتح الملفات وفق رؤيته وقناعته وحسابات الفريق المحيط به والمصالح التى يرى أنها مفيدة له وللولايات المتحدة ولإسرائيل بالطبع.

هذا حق كل رئيس وإدارة جديدة والعالم كله عندما يتابع الانتخابات الأمريكية، فليس حبًا فى ديمقراطيتها التى ثبت خلال الانتخابات الأخيرة أنها كذبة كبيرة روجوها لنا بنفس منطق الحلم الأمريكي، وليس تعصبًا لحزب ديمقراطى أو جمهوري، فكلا الحزبين لا يختلف عن الآخر.

لكن يتابع الجميع تلك الانتخابات ليعرف من الساكن الجديد للبيت الأبيض وبالتالى ما هى السيناريوهات المحتملة فى التعامل مع الملفات المختلفة وما هى أولوياته ليكونوا جاهزين لها.

فى عقود مضت ربما كانت الانتخابات الأمريكية بالنسبة لنا فى مصر تمثل نقطة فارقة، وعلى أساس نتيجتها نحدد كثيرا من أجندات العمل والاهتمام، لأن جزءا من المواقف كان يتخذ بناء على الرؤية الأمريكية وما تمليه إدارة البيت الأبيض.

لكن الآن اختلف الوضع، فالقرار المصرى يخرج من مصر، والثوابت المصرية ليس مقبولاً المساس بها والأولويات المصرية ليس هناك تنازل عنها أو حوار حولها إلا فى إطار ما يحقق المصلحة الوطنية ويحمى الأمن القومى المصري.

ولهذا فإن الانتخابات الأمريكية تعنينا فقط فى إطار ما يضمن استمرار العلاقات الثنائية والاستراتيجية وما يحدد شكل التحرك فى ملفات المنطقة والقضايا الدولية.

بل حتى فى هذه القضايا فمصر الآن تعمل بمنهج وطنى، فهى لا تخدم على مصالح أو أهداف أمريكية، وإنما تعمل أولاً وأخيراً وفق ثوابت الأمن القومى المصري.

ولهذا فمن يسكن البيت الأبيض ترامب أو بايدن، ديمقراطيا أو جمهوريا، هو رئيس للدولة الأكبر فى العالم، لكنها ليس القطب الأوحد، وتتعامل معه مصر وفق المصالح المشتركة وبما يخدم مصالح الشعبين وهذا ما أكدت عليه رسالة التهنئة الرئاسية التى بعث بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى بايدن، فالعلاقة هدفها المصالح المشتركة بلا مساحة للتدخل فى شئوننا أو فرض قرارات أو توجهات، التعامل بندية تحتفظ بالعلاقات على مستواها الجيد وتضع خطوطًا واضحة لا يجب تخطيها.

والمؤكد أننا مثلما لا يعنينا من يسكن البيت الأبيض، فلا تعنينا أيضا بعض التصريحات الانتخابية أو السياسية التى قد تقال هنا أو هناك، ولا تشغلنا محاولات البعض مثل الجماعة الإرهابية لتسخين الأجواء أو فرض سيناريو بعينه، أو محاولاتهم لاستغلال نجاح مرشح أو حزب لتحقيق أوهامهم بالعودة لما قبل 2013

فكل هذه أمور لا نقف عندها كثيرًا، مثلما لا نقف عن بعض المحللين الذين يضخّمون الأمور ويتخيلون أن السنوات الأربع القادمة ستكون سوقًا رائجة لهم، فمصر لا تحركها ولا تحدد مواقفها كل هذه الأمور، مصر تحركها ثوابتها الواضحة ومصالحها وأمنها القومى، وما يحمى حقوق شعبها ويضمن استقرارها.

مصر تتحرك بتوازن وقرار مستقل وتعرف كيف تدير علاقاتها كما تعرف كيف تحدد لكل متعامل معها الخطوط الحمراء التى لا تقبل المساس بها، ومثلما تملك الإدارة الأمريكية أولويات وإمكانيات تجعلها قادرة على تحقيق مصالحها، فمصر الآن تمتلك العديد من الأوراق التى تجعلها قادرة على حماية قرارها ومصالحها فى كل الأطراف، وليس أمريكا فقط.

ولهذا فالمؤكد أن وجود بايدن فى البيت الأبيض متغير مهم، لكن العلاقات المصرية الأمريكية الآن أصبحت لها ثوابت فرضتها 30 يونيو 2013 وثبتها ومتنها الرئيس السيسى، وأولها: أن العلاقات ليست تبعية وإنما ندية، وثانيها: أن العلاقات استراتيجية لصالح الطرفين وليس لطرف واحد، وثالثها: أن الشأن الداخلى لا مجال للتدخل فيه، ورابعها: أن الحوار هو الأساس فى كل الملفات، وخامسها: أن مصر شعبا قبل القيادة لا تقبل مجرد التفكير فى عودة الجماعة الإرهابية أو الحديث عن مصالحة معها أو مع كل من تورط فى دماء مصرية أو حتى فتح هذا الملف من الأساس، وسادسها: أن كل ما يخص الأمن القومى المصرى خط أحمر لا نقاش فيه ولا تهاون.

ويقينًا يعلم بايدن وفريقه كل هذا حتى وإن كانت لهم بعض التوجهات فليس المهم توجهاتهم، وإنما الأهم هو القرار المصرى والذى يعلم الجميع ثباته وقوته واستغلاله، وأنه يقف على أرض صلبة تحميها دولة قوية وشعب مصطف خلف قيادته.

فى هذا الملف نقدم قراءة هادئة للعلاقات المصرية الأمريكية خلال السنوات الأربع القادمة فى ظل رئاسة بايدن الديمقراطى، قراءة تعتمد على الثوابت الاستراتيجية والمبادئ المصرية فى علاقتها الخارجية، وأولوياتها نطرح الأسئلة التى يتداولها البعض فى الشارع .. هل ستكون علاقة تعاون أم صراع .. حوار أم خلاف، هل سيعيد بايدن العلاقة إلى مرحلة الأزمات التى كانت سائدة أيام أوباما .. من سيحدد شكل العلاقة بين البلدين؟، وهل يمكن أن تصبح الجماعة الإرهابية إحدى أوراق العلاقة .. أسئلة كثيرة يقدم هذا الملف إجابتها بمعلومات واضحة، وأدلة تاريخية وواقعية وقراءة متأنية للمشهد ولكل أبعاده وأطرافه.