السبت 1 يونيو 2024

بايدن يستعد لدخول البيت الأبيض وترامب لايعترف بالهزيمة

11-11-2020 | 21:40

وسط حالة من الانقسام والاستقطاب الحزبى غير المسبوق، فاز جو بايدن رسمياً بالرئاسة وأصبح الرئيس رقم 46 للولايات المتحدة رغم أن الرئيس الحالى دونالد ترامب يرفض الاعتراف بالهزيمة متهمًا العملية الانتخابية بعدم النزاهة ومهددًا باللجوء للقضاء الأمر الذى قد يزيد حالة الانقسام الشعبى والذى يخشى أن يتحول إلى فوضى...

الأرجح أن ترامب سيرضخ في النهاية لضغوط الأصوات العاقلة فى الحزب الجمهورى ويسلم السلطة للرئيس المنتخب، ولكن سيستغل الأسابيع العشرة المتبقية له فى البيت الأبيض للانتقام من خصومه والعفو عن أصدقائه واتخاذ قرارات ربما يرى أنها ستخلد اسمه كرئيس استثنائى للبلاد.

فى كل الأحوال فالأنتخابات الحالية غير مسبوقة بكافة المقاييس فى التاريخ السياسى الأمريكى، فقد حظيت بأكبر مشاركة فى عمليات التصويت منذ قرن من الزمان وأكبر عملية للتصويت المبكر بمقدار 100 مليون ناخب، كما أسفرت عن وصول جو بايدن للرئاسة ليكون أكبر الرؤساء سنًا – 74 عامًا – ووصول كامالا هاريس لمنصب نائبة الرئيس لتكون بذلك أول امرأة سوداء تصل لأعلى منصب سياسى تشغله امرأة فى الدولة، وقد نجحت هاريس فى المحاولة الأولى لها بعد أن سجل التاريخ السياسى الأمريكى فشل سارة بالين التى ترشحت على بطاقة السناتور الجمهورى جون ماكين وجيرالدين فيرارو التى ترشحت على بطاقة والتر مونديل المرشح الديمقراطى للرئاسة عام 1984

وبرغم أن الوقت مبكرًا للغاية إلا أن توقعات كثيرة تشير إلى أن هاريس التى ستصبح رئيسة لمجلس الشيوخ القادم وفقًا لمنصبها كنائبة للرئيس ستلعب دورًا هامًا فى الإدارة القادمة يتجاوز الحدود التقليدية لدور ومهام نائب الرئيس، خاصة مع وجود رئيس كبير فى السن فى المكتب البيضاوى يتوقع كثيرون إنه لن يستطيع القيام بكل المهام الرئاسية وترجح مصادر قريبة من الرئيس المنتخب أن تكون كامالا هاريس هى آخر من يغادر المكتب البيضاوى فى أى اجتماع أى أنها ستكون أهم من يسيطر على أُذن الرئيس وأهم من يقدم له الاستشارات.

وقد بدأ فريق ترامب حملة لجمع تبرعات بمقدار ستين مليون دولار للإنفاق على آلاف الدعاوى القضائية التى تنوى الحملة رفعها فى جميع الولايات الأمريكية ضد الديمقراطيين موجهين إليهم اتهاما بالفساد وتزوير الانتخابات لصالح منافسه بايدن.

وسائل الإعلام الأمريكية والتى فى أغلبها منحازة ضد ترامب تردد أن هذه الاتهامات بدون أى دليل ولكن بعض أنصار الحزب الجمهورى يتداولون مقاطع فيديوهات تشير فى معظمها إلى حدوث تجاوزات فى لجان فرز الأصوات وقد أمر ترامب بإرسال العشرات من الفرق القانونية إلى عدد من الولايات الحاسمة طالبا منهم القتال بشراسة لتحدى ورفض النتائج فى تلك الولايات.

وكان ترامب قد خرج فى مؤتمر صحفى يعلن فيه اتهامه للديمقراطيين قائلا إنهم يسرقون الانتخابات لو تم حساب كل الأصوات الشرعية سأكون الفائز ولكنهم يحسبون الأصوات غير القانونية وقال أيضا أن هذه الانتخابات التاريخية تشهد تدخلا غير مسبوق من وسائل الإعلام الكبرى وعالم المال والأعمال وعمالقة التكنولوجيا لتضليل الناخبين وتزوير الانتخابات.

مع الاحتمالات القوية فى هذه المرحلة بنهاية الحقبة الترامبية وخروج ترامب من البيت الأبيض بدأ الكثير من زملائه فى الحزب الجمهورى بالنأى بأنفسهم عنه وعن ادعاءاته بالفساد وتزوير الانتخابات بل إن أحدهم اتهمه بأنه فقد عقله لأنه بهذا يضر بمصداقية النظام الانتخابى الأمريكى بالكامل، وكان ابن ترامب قد هاجم أعضاء الحزب الجمهورى بشدة واتهمهم بعدم مساندة والده بقوة فى هذه الانتخابات.

لكن هناك بعض المخلصين من أنصاره فى الحزب الجمهورى أمثال السيناتور ليندسى جراهام والسيناتور تيد كروز فقد ظهرا على شبكة فوكس نيوز مدافعين عن نظرية المؤامرة التى تشير تفاصيلها إلى أنه فى الكثير من قاعات فرز الأصوات كان يتم استبعاد المراقبين التابعين للحزب الجمهورى وحملة ترامب ولم يسمح لهم بالدخول فى عدد من مراكز فرز الأصوات.

وساند نفس هذه النظرية دونالد ترامب الابن الذى خرج فى مؤتمر صحفى للحزب الجمهورى ليعلن دعمه لوالده بل ونصحه بالقتال حتى الموت لكشف ما وصفه بالتزوير والاحتيال فى الانتخابات وأنه ينبغى على الجميع فى الجانب الديمقراطى أن يرحبوا بهذا إلا إذا كانوا يغشون بالفعل كما اتهم الديمقراطيين بتجاهل المواعيد النهائية للانتخابات مشيرا إلى ظهور صناديق اقتراع باطلة فى الولايات والمقاطعات الديمقراطية بعد انتهاء التصويت وأن ذلك يجعل أمريكا على حد قوله تبدو كجمهورية «موز» ويدعم موقف الرئيس ترامب أنصاره خاصة من اليمين المتطرف وتردد بعض التقارير أن الخطاب الذى ألقاه ترامب يوم الأربعاء بعد انتهاء الاقتراع وأعلن فيه أنه فى طريقه للفوز كان خطاب تعبئة لهم.

هؤلاء يحاولون توحيد صفوفهم وتجميع أنفسهم من خلال هاشتاج (اوقفوا السرقة) على تويتر، وكان الفيسبوك قد أغلق صفحة تحمل نفس العنوان (اوقفوا السرقة) على أساس أنها يمكن أن تدعو إلى العنف من جانب بعض الجماعات الموالية لترامب، وذلك فى ظل الإقبال الكبير على عمليات شراء الأسلحة الشخصية عشية يوم الانتخابات.

وعلى الجانب الآخر بدا طريق بايدن بالفوز بالأغلبية فى المجمع الانتخابى بفوزه بولايتى ميتشيجان وويسكونسن اللتين صوتتا لصالح ترامب فى عام 2016 كما فاز فى ولاية جورجيا وهى ولاية جمهورية لم يفز بها أى مرشح ديمقراطى منذ عام 1996 وذلك بفضل خروج السود للتصويت بأعداد كبيرة لصالح المرشح الديمقراطى.

ولكن إلى متى يمكن أن يستمر هذا الصراع والمعارك القضائية؟

أولا: الولايات الأمريكية وفقا للقانون لديها مهلة خمسة أسابيع لإعلان الفائز بالرئاسة وهو الموعد الذى يطلق عليه «الميناء الآمن» ويحدد هذا العام بيوم 8 ديسمبر وإن لم تستطع ولاية ما تحديد اسم الفائز بحلول هذا التاريخ فإن الكونجرس يمكن أن يصدر قرارا بإلغاء عدد المندوبين لهذه الولاية من المجموع الكلى للمجمع الانتخابى هو 538 مندوبا.

ومن المفترض أنه فى 14 ديسمبر المقبل سوف يجتمع المندوبون فى المجمع الانتخابى من مختلف الولايات لانتخاب الرئيس ولكن إذا لم يحقق أى المرشحين الأغلبية بحلول يوم 6 يناير وهو يوم تسليم السلطة للرئيس الجديد فإن الكونجرس يقرر ما يسمى بالانتخابات المشروطة حيث سيقوم مجلس النواب باختيار الرئيس ومجلس الشيوخ يصادق على نائب الرئيس وهذا قد ما يعنى أنه إذا وصلنا إلى هذه المرحلة فيمكن أن نرى رئيسا ونائب رئيس من حزبين مختلفين والمفروض أن الدستور الأمريكى ينص أنه مهما كانت المشاكل لابد بحلول يوم 20 يناير أن يكون هناك رئيس وأن تبدأ فترة رئاسية جديدة فإذا عجز مجلس النواب عن الاتفاق على رئيس بحلول هذا التاريخ يصبح نائب الرئيس الذى اختاره مجلس الشيوخ هو الرئيس وإذا عجز مجلس الشيوخ عن تحديد ذلك يصبح رئيس مجلس النواب هو الرئيس أى أن هناك فرصة فى نهاية المطاف أن تصبح نانسى بيلوسى زعيمة الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب الحالى رئيسة قادمة للولايات المتحدة.

من المؤكد أن دونالد ترامب لن ينسحب من المشهد بسهولة فهو يتمتع بتأييد ما يقرب من نصف عدد الناخبين وهذا يدل على أن له قاعدة شعبية عريضة لا يمكن أن يستهان بها فى عالم السياسة الأمريكية، حتى لو تقبل الهزيمة فمازال أمامه 76 يوما أخرى فى البيت الأبيض حتى يوم تسليم السلطة الرسمى وهو قادر فى هذه الفترة أن يتخذ من القرارات ما شاء وأن ينتقم ممن يشاء فربما يدفعه الغضب من عدم الفوز إلى عزل أو تهميش عدد من كبار المسئولين الذين فشلوا فى تنفيذ طلباته بالكيفية التى كان يتمناها ومنهم مدير وكالة المباحث الفيدرالية FBI كريستوفر راى الذى واجه ترامب بعدم وجود دلائل كافيه للتحقيق فى أنشطة البيزنس الخاص بعائلة بايدن وكذلك دكتور فوتشى كبير الأطباء فى الإدارة الأمريكية الذى كثيرًا ما تناقضت آراؤه العلمية والطبية حول كورونا مع آراء ترامب بخصوص الجائحة وربما يفكر فى الترشح للرئاسة بعد 4 سنوات رغم أن عمره وقتها سيكون 78 عاما !!.

من جانب آخر من الممكن أن يستغل ترامب ما تبقى له من صلاحيات بإصدار قرارات عفو رئاسى عن أصدقائه أمثال مايكل فلين مستشار الأمن القومى فى أوائل رئاسة ترامب والذى أدين بالكذب فى تحقيقات أمام المباحث الفيدرالية وبول مانافورت مدير حملة ترامب الرئاسية السابقة عام 2016 الذى أدين فى جرائم فساد مالى.

والأهم من ذلك أن ترامب قد يستغل الفترة التى توصف فيها الإدارة المنتهية ولايتها بالبطة العرجاء لحماية نفسه وأسرته وثروته، وذلك على حد قول أندرو وايزمان المدعى السابق فى مكتب المحقق الخاص روبرت ميللر الذى كان كلف فى عام 2016 بالتحقيق فى مسألة ما إذا كانت حملة ترامب قد تعاونت مع روسيا لتحقيق الفوز وحول إعاقة ترامب وإدارته للعدالة.

ويمكن أن يشمل العفو الرئاسى أبناء ترامب البالغين والموظفين الحاليين أو السابقين من المقربين لترامب أو فى أقصى الأحوال أن يصدر عفوًا رئاسيًا عن نفسه وهى حالة لم يسبق للنظام القضائى الأمريكى أن شهدها. وفى المجال السياسى يمكن لترامب أن يصدر مراسيم رئاسية تثير حماس قاعدته الشعبية والسياسية للتمهيد لخوض السباق الرئاسى المقبل فى عام 2024 أو الاستفادة من كل هذا الضجيج الشعبى إذا ما قرر فى نهاية الأمر أن يؤسس شبكة إعلامية خاصة به وفى كل الأحوال لن يلجأ ترامب لمحاولة تمرير قوانين جديدة من خلال الكونجرس قبل تنصيب بايدن رسميًا فى العشرين من يناير المقبل.

شعبية ترامب ستعطيه قوة أيضا لممارسة دور على الساحة السياسية لم يلعبه الرؤساء السابقون الذين خرجوا بعد فترة رئاسية واحده مثل جيمى كارتر وجورج بوش الأب، وربما حقق حلمه وامتلك قناة تليفزيونية خاصة للتنافس مع شبكة فوكس نيوز وهو الأمر الذى ألمح إليه فى مناسبات عديدة خاصة أن له فى الماضى مشاركات فى برامج تليفزيون الواقع، كما سيلعب ترامب دورا مؤثرا من خلال تطبيق تويتر حيث يتابعه حاليا 88 مليون شخص.

وحتى ظهور جيل جديد يمكن لدونالد ترامب أن ينصب نفسه زعيما للحزب الجمهورى وسيظل ترامب بطلا فى نظر أنصار الحزب الجمهورى وبالتأكيد إذا لم يصبح الفائز بترشيح الحزب فى عام 2024 سيكون الترشيح من نصيب شخص يشبهه إلى حد كبير.

ولكن هذا ليس رأى جميع الجمهوريين فهناك من يريد أن يتجاوز سريعا الحقبة الترامبية وإغلاق صفحته نهائيا وإذا ما تذكره فانه سيذكره على أنه ظاهرة جمهورية نادرة لم تدم طويلا.