الخميس 23 مايو 2024

حديث النفس

11-11-2020 | 22:56

أمر الحب عجيب.. نبحث عنه.. نتعلق به.. قد يكون عند البعض أكثر الأمور وأهمها وقد يكون مرتبطًا بأشياء أخرى تدعمه أو تقضى عليه وقد يعيش الإنسان ولا يصل للحب الذي يرغبه وقد يناله ولا يعرف أنه وهم وسراب إلا بعد مرور كثير من الزمن.. ولكن المؤكد أننا كلنا باحثين عن الحب حتى وإن تظاهرنا بأنه غير مهم!.

أبدًا لم يكن حبًا

جامعة لكل مليون نسمة

قد يرى البعض أن الحب رفاهية في بحثه عن مأكله ومشربه، وأن هناك ما هو أهم من تلك العاطفة التي تحتاج لنفس سامية تقدم العطاء وتتحمل أنانية وقسوة من يحب، ولكن المتعذب في حبه، الباحث عنه والراغب فيه لا يبالى، أما الطرف الآخر فربما ينتظر أن يقدم له الحب على طبق من فضة ليذوق ويرى ما إذا كان طعمه مناسبا له أم لا!! أيرفض ويجرح من قدمه له أم لا..؟!

الحب عاطفة كلما اتسعت احتضنت أمورا وأشخاصا قد تبدو عجيبة وغريبة، ولكنها الرغبة في أن يصل لمحبوبه فيفعل كل ما يجعله يرضى عنه.. وفى بعض الأحيان يكتشف الإنسان أنه لم يحب الطرف الآخر، ولكنه أحب نفسه فيه وهنا يأتي الصدام وعدم التوافق لأن كلا منا يحب بمفهومه وحده فقد يتوافق وقد يتختلف مع الآخرين وقد تكون الرغبة هي المحرك الأساسى لصنوف الحب فهي حب أيضًا ولكنها رغبة لابد من إشباعها وقد يستمر الحب معها وقد تعكر صفوه وهو ما يحدث للإنسان في بداية عمره وقد يرى ويتعلق بأشخاص برغبة جامحة ويحزن إن لم يطفئ هذه الرغبة التي سيطرت عليه وفى أغلب الأحيان يكون هذا الأمر عند الرجل أكثر من المرأة فالحب عند الرجل تمتلكه الرغبة الجنسية في المقام الأول، أما النساء حتى وإن تجاوبن مع الرجال في هذا الأمر، لكنهن يبحثن عن عاطفة الحنان والأمان أكثر من أي شىء آخر.

تمر أعمارنا في حكايات الحب والهجر والبعض منا يقابل أليفه والبعض يفشل ولا يمل البحث، ولكن تظل بين الاثنين فقط شفرة هي التي تسمح بنجاح العلاقة أو فشلها.. شفرة غامضة من يراها من بعيد يخيل له أن هذين الشخصين غير ملائمين لهذه العلاقة. ولسان حال المحبين «خذوا عينى شوفوا بيها» كل واحد يبحث عن نقيضه في الطرف الآخر ومن الصعب أن يتطابقا لأن التطابق يولد التنافر دائمًا.. قد يتعذب طرف ويسعد بعذابه وفى المقابل يسعد الطرف الآخر بتعذيبه وسطوته عليه وأنت ترى هذا المشهد فتتعاطف مع المتعذب ولكنك لاتعلم أن كلا منهما وجد ضالته المنشودة في الآخر سر الحب بينهما وحدهما!

من الغباء أن يغير الإنسان نفسه من أجل إرضاء الآخر لأنك وإن استطعت هذا الأمر في بعض الأوقات لاتستطيع أن تستمر فيه طوال الوقت فالطبع يغلب التطبع وبمرور الوقت تشعر أن الطرف الذي أرضيته بالتغيير عبء ثقيل عليك وممل فتلجأ لمحاولات استعادة نفسك المسلوبة حتى الطرف الآخر الذي تغيرت من أجله قد يمل هذا التغيير ربما لأنه الذي جذبه إليك دون أن يشعر أنك مختلف، لكنه أراد التحكم من أجل إعلان وجوده، ولا تحزن فأنت من سمحت له بأن يعبث في نفسك ويجعلك على مقاسه على الرغم أنك قد تكون مميزا ومقاسك أعلى وأفضل منه.. فأراد منك التنازل والتنازل كى يشعر بالاستعلاء والسطوة عليك.. ليس هذا حبًا إنه مرض نفسى يتحرك داخل كل واحد منا.. فدائمًا ما نقارن بين أنفسنا وبين أقرب الناس لنا ونرغب في التفوق عليهم، تلك أنانية موجودة داخلنا يندر معها وجود الجندى المجهول الذي يكبر ويعلى من الطرف الآخر الذي في الغالب هو طرف ضعيف حينما يستقوى بك يأتي اليوم الذي يشتد ساعده ضدك تلك هي النفس البشرية!!

صحيح أن حالات الحب ليست كلها مثل هذه الحالة، ولكن الغالب فيها هو التملك حينما يشعر طرف بأن الآخر أحبه تكون الخطوة التالية هي التملك والتحكم ويصبح لعبة في يديه وتأتى مرحلة العذاب والتعذيب ليضيع الخيط الرفيع والتي في الغالب تكون بعد رحلة أحد الطرفين في إيقاع الطرف الآخر في حبه وكأنه ثأر عليه أن يخلصه لنفسه وخاصة إذا كان يشعر أمامه بالدونية وأنه أفضل منه.. على الرغم أنه قد لا يكون للطرف الآخر ذنب في هذا الأحساس ولكنها عمليات المقارنة بين نفسى وغيرى طوال الوقت.

وحالات أخرى من الحب يلعب الزمن دورًا في كشفها وأنها مجرد أوهام.. صحيح أن إحسان عبدالقدوس وصف الحب الأول بأنه وهم ولكن كثيرا من الأشخاص من يكون كل حب لديهم هو الحب الأول.. ضالة البعض المنشودة التي يصل لها وقد لا يصل لها ولكن لا يوجد إنسان إلا ويرغب في علاقة حب تشعره بأنه موجود مرغوب وتولد في نفسه طاقة تجعله يتسطيع أن يتحمل مصاعب الحياة.

وكثير من العشاق من يتحولون لأعداء بعضهم البعض يا الله!! ما هذا الصدام الذي تمتلئ به صفحات الحوادث، إنه الحب المحرم في الغالب عندما أحب طرف الآخر لم يكن يحترمه.. مجرد رغبة شيطانية، حتى الحب مدرسة نتعلم فيها التهذيب فلابد أن نهذب أنفسنا ونحترم تلك المشاعر الجميلة.. التي تزينها باقات الورود والاحترام والاختلاف بيننا، وأن ننزع الأنانية أو حتى جزءا منها.

أصعب حالات الحب هي ما ضعينا أعمارنا فيها لتتحول لغلطة العمر التي لاتصحح أبدًا.. تسير في طريقك وتبذل الجهد والعمر فيها، ولكن عندما يقترب عمرك من نهايته تكتشف أنها غلطة عمرك لأنك لم تكن شريكًا حقيقيًا أمام هذا الطرف، فأنت وحدك من بذلت الجهد والتضحية لتنجح هذه العلاقة وكان الطرف الآخر مستمتعا بهذا البذل والعطاء دون أدنى تضحية أو عناء أو حتى تقدير.. تلوم نفسك لأنك وضعت على عاتقك كل المسؤولية لدرجة أنك ابتلعت أخطاء وأخطاء، كثير من غيرك لم يكن ليرضاها على نفسه ولا تقل أنك كنت مضطرا لتحملها، حتى الإهانة قبلتها.. تأكد أنك كنت راغبًا محبًا لاترى هذه العيوب ولا حتى الإهانات أنت من فرضت على نفسك هذا الأمر وخلقت لنفسك المعاذير والأسباب للاستمرار.. صحيح تعبت وانهكت قواك، ولكنك كنت صاحب قرار الاستمرار وإن كان هناك بعض الضغوط الحياتية لكنك، خلقت لنفسك محبا أنانيا مستحيل الاستمرار في حبه من طرف واحد.. فالحب من طرف واحد أبدًا لم يكن حبًا، هي حالة نشبع فيها رغباتنا المنقوصة بأعذار واهية لندمر أنفسنا.