رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

تفاعلات المشهد السورى بعد ٨ ديسمبر


13-1-2025 | 22:26

صورة أرشيفية

طباعة
بقلـم: أحمد شيخو

بعد دخول سوريا ومعها شعوب المنطقة ودولها فى مرحلة جديدة تزامناً مع سقوط النظام السورى، من المهم فهم معطيات المشهد السورى الداخلى والتفاعل الخارجى معها، لما لهذا المشهد من تأثيرات وتداعيات نعتقد أنها ستكون مؤثرة فى رسم وجه المنطقة الجديد وحالة الاصطفافات المتوقعة.

فى يوم 8 ديسمبر ومع دخول الفصائل المسلحة وبتسمياتها المختلفة وعلى رأسهم هيئة تحرير الشام إلى العاصمة دمشق بدون أية عراقيل جدية تذكر، بعد جملة من التوافقات الإقليمية والدولية التى نعتقد بأنها حصلت ضمن سياق مشهد إقليمى جديد للشرق الأوسط، كان الترتيب الجديد المؤقت(حسب قول هيئة تحرير الشام) فى السلطة وانتقالها من حكومة النظام السابق إلى حكومة الإنقاذ (حكومة إدلب)، وبدون مشاركة أو حتى مشاورات مع الأطراف السورية المختلفة سريعًا، وأعطى رسائل سياسية غامضة ومقلقة، إضافة إلى أن التعيينات التى حصلت فى بعض وظائف الدولة والمحافظين من لون واتجاه سياسى واحد، وهو الإخوان والمتشددون، كان لافتًا وقد عبر عدد من القوى السياسية السورية عن رفضها لهذه الترتيبات، والبعض الآخر يراقب وينتظر ومازال يتريث فى التعبير والرفض.

 

وقد حصل عدد من حالات الاعتراض والتظاهر وحتى الصدام فى بعض المدن والمناطق السورية ومنها العاصمة دمشق على التصريحات والممارسات التى صدرت من هيئة تحرير الشام أو السلطة السورية المؤقتة أو من بعض الجهات المحسوبة عليها، فيما يتعلق بالجوانب السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، ونعتقد أن الشعب السورى وبتعدد ألوانه وأطيافه ومكوناته وتطلعه إلى عهد جديد يمتاز بالحرية والعدالة والديمقراطية مختلف عن السابق لن يقبل بسهولة بما يتم تصديره للمشهد منذ 8 ديسمبر وحتى اليوم من قبل هيئة تحرير الشام أو السلطة الجديدة الانتقالية، إلا إذا حصل عملية الانتقال بشكل صحيح وعادل وتشاركي، وكانت البوصلة صحيحة ووطنية ووفق إرادة الشعب السورى ومكوناته، وخاصة أنه فى ظل سوريا المتعددة القوميات والديانات وسيولة الفصائل والهياكل العسكرية والسياسية المختلفة الموجودة، والتى ستنشأ أيضًا، لن يكون سهلًا لجهة واحدة تحمل المسؤولية وتطورات المشهد التى ستسخن مع صحوة السوريين من سعادة وفرح 8 ديسمبر وبدء عملية البناء والإعمار وتزايد التدخلات والمحاور التى ربما تتبلور سريعًا.

 

أحد أهم معطيات المشهد السورى القديم والجديد، هو المكون الكردى السورى وحقوقه كجزء أساسى فى الدولة والجمهورية السورية الجديدة، وذلك لسببين أنهم قادوا ومازالوا عملية مكافحة داعش وإنقاذ السوريين والعالم من خطر هذه التنظيم الإرهابي، ولهم تجربة الإدارة الذاتية لإقليم شمال وشرق سوريا، وثانيًا أن الدولة التركية ومع مجموعات الجيش الوطنى السورى الموالى لها، تريد احتلال مناطق تواجد الكرد وتهجيرهم وألا يكون للكرد السوريين أي حقوق فى سوريا الجديدة رغم كل ما بذلوه ويبذلونه لأجل مكافحة داعش وتحقيق وحدة سوريا وسيادتها فى مواجهة الاحتلال والأطماع التركية.. ومنذ أول يوم من سقوط النظام السورى وإلى اليوم هناك حرب شديدة بين قوات سوريا الديمقراطية من جهة وبين تركيا والقوات الموالية لها من الجهة الأخرى فى منبج وفى سد تشرين وجسر قرقوزاق، رغم تدخل التحالف الدولى لتحقيق هدنة واتفاق وقف إطلاق النار، لكن تركيا تصر على استمرار الحرب مع رغبتها فى إعادة رفات سليمان إلى موقعه القديم قرب جسر قرقوزاق وتغير المشهد العسكرى لصالحها تحت هذا الحجة، رغم أن الطرف الكردى أبدى موافقته لاحترام الاتفاقات الدولية بشأن نقل الرفات، إضافة إلى أن تركيا تحال بكل الوسائل خلق فتنة عربية - كردية واقتتال داخلى تكون وسيلة لتسهيل عملياتها العسكرية وإضعاف جبهة الإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية التى تتشكل من العرب الكرد والسريان الآشوريين، وهنا نشير لأهمية وعى السوريين والتفافهم حول الأولويات السورية، وأن لا يكون أدوات لتركيا أو غيرها فى محاربة إخوتهم السوريين، بل إن المصلحة الوطنية السورية تقتضى أن يكون مع بعضهم ضد أى تدخل أو احتلال خارجي. وعلينا هنا أن نؤكد أنه فى الوقت الذى يتم فيه إدانة الاحتلال والتدخل الإسرائيلى وتدميرها للبنية العسكرية السورية من قبل الدول الإسلامية والعربية، من المفيد والصحيح أن يتم رؤية ما يتم فى الشمال السورى وإدانة التدخلات واستمرار الحرب فيه خدمة لأطراف خارجية وليس لمصلحة ووحدة الشعب والدولة السورية.

 

ومن المهم لما بعد 8 ديسمبر أن نشير لمقاربة بعض الدول والجهات الدولية مع هيئة تحرير الشام أو السلطة أو الحكومة الجديدة فى دمشق، فبعضهم يتهافت للقاء أحمد الشرع «الجولاني»، رئيس إدارة العمليات العسكرية أو القائد وفق رأيهم، وكأنه رئيس سوريا المنتخب وعبر دستور وبرلمان سوري، وكأنه ليس هو وتنظيمه فى قوائم الإرهاب لمجلس الأمن الدولي، وذلك تحت عناوين حاجة السوريين ومساعدتهم وإعادة اللاجئين وانتقال السلطة وتعزيز العلاقات وربما هو لتمكين الموجود وتعميق سيطرته وشرعنته، وبعض الدول والجهات الأخرى لديها قلق وتحفظات على الموجود ويتعاملون بحذر وترقب لما سيكون عليه الأمور وكيف ستتصرف هذه الجهة الجديدة فى الملفات الداخلية والإقليمية وطريقة تعاملها مع المكونات والمرأة والمخالفين لرؤيتها، لأننا أمام تفسيرات وتحليلات تعتقد أن الهدوء الحالى والسياق الموجود ربما يكون مختلفا مع قادم الأيام مع تبلور محاور إقليمية ودولية فى المشهد السورى وظهور تحديات مرحلة الانتقال التدريجى وعملية البناء والإعمار وكشف مختلف الأطراف عن نواياهم وأهدافهم الحقيقية فى سوريا.

 

صحيح أن إيران وروسيا لن تكونا لهما نفس النفوذ السابق فى سوريا، وربما يقول البعض إن نفوذهما انتهى مقابل تزايد النفوذ التركى والإسرائيلي، ولكننا نعتقد أنه مع أي عملية سياسية أو مخاضات جديدة أو ظهور تحديات حقيقية مع بلورة شكل الدولة الجديدة وهويتها ومؤسساتها السيادية وتشكيل الجيش والأمن، ستظهر أدوات أو جهات سياسية أو عسكرية سورية قريبة لروسيا وإيران، كما هى حال تركيا وأذرعها العسكرية والسياسية فى سوريا حاليًا عبر قسم من المعارضة السورية السياسية والمسلحة والتى أصبحت ضمن الحكومة الحالية أو المسيطرة فعليًا وبدعمها على نحو 10% من مساحة سوريا.

 

وبالتالى فإن الصراع الإقليمى والدولى سيدخل مرحلة جديدة فى ظل تطورات المشهد السوري، وكما أن القواعد الأمريكية والروسية ربما يحصل، وقد حصل بالفعل تغيرات فيها من حيث تموضعها وأعداد القوى ووظائفها، حيث إن روسيا سحبت كل وجودها العسكرى على الخارطة السورية إلى القاعدتين فى حميميم وطرطوس وهى تفاوض هيئة تحرير الشام للبقاء فى ظل ضغط أوروبى لمحاولة إنهائهم، كما أن الأمريكيين أعلنوا عن زيادة قواتهم فى سوريا لحوالى الضعف، وبالمجمل يمكن القول إن سوريا انتقلت وفق المقياس الاستراتيجى من الجهة الروسية أو الشرقية إلى الجهة الأمريكية أو إلى محور الاعتدال العربى المعروف بتصالحها مع إسرائيل، وهذه إحدى ترتيبات المشهد الإقليمى والتحول الكبير.

 

كما أننا نستطيع القول إن بلدان المنطقة ومنها العراق ليست بعيدة عن حدوث زلزال عسكرى وسياسى كبير فيه، نظرًا لمجاورتها لسوريا ولتشابه البلدين من حيث المكونات العرقية والدينية، وكذلك وجودهما فى سياق إقليمى واحد يراد تعديله ليكون بداية قوية لتطورات وأحداث ربما ستحدث فى إيران وتركيا، كونهما المقصودتين من التطورات والمستجدات فى سوريا، حيث إن الانتقال الاستراتيجى للدولة والجغرافية السورية لن يكون مفيدًا للنظام العالمى الرأسمالى، الذى يريد تغير خارطة وترتيب المنطقة إلا إذا انتقل الحاصل فى سوريا لخارجها وحصل التغير المراد فى تركيا وإيران، وربما تظن بعض الدول المجاورة لسوريا أنها سيطرت على سوريا بدعمها المشهد الحالى، ولكننا نقول إنها دخلت فى مستنقع لن تستطيع الخروج منها إلا بتكاليف باهظة على وحدتها ودورها الإقليمي.

 

من المخاطر الحقيقية التى يجب أخذها بجدية واهتمام هى:

 

داعش التى استفادت من سقوط النظام وانشغال قوات سوريا الديمقراطية بمواجهة التدخلات والهجمات التركية والجماعات الموالية لها، فقد سيطرت داعش على بعض الأسلحة ووسعت من مساحة سيطرتها ونشاطها فى سوريا، وفى حال استمرار الهجمات وتوسعها على قوات سوريا الديمقراطية، لن تستطيع هذه القوات القيام بدورها فى حراسة سجون داعش، وكذلك فى محاربة خلايا داعش ونشاطهم المتزايد.. وعليه لضمان هزيمة داعش يجب وقف الحرب على قسد من قبل تركيا والموالين لها وضمان عمل قسد الأساسى فى محاربة داعش واستمرار وجودها فى الجيش السورى الجديد، وحل القضايا بينها وبين دمشق، وكذلك بينها وبين تركيا بالحوار والاتفاق.

 

وجود التكفيريين والجهاديين المتشددين من خارج سوريا مع جبهة تحرير الشام، والذين ظهروا بكل أريحية وهم يهددون دول المنطقة والعالم.. فكيف سيتم التعامل معهم وكيف سيكون مستقبلهم وأين سيعيشون وهل سيقومون بتصدير الحالة الجهادية لهيئة تحرير الشام لخارج سوريا.. ربما سمعنا رسائل من أحمد الشرع ومحاولة لبث تطمينات حول هذا الموضوع ومواضيع عديدة مثيرة، ولكن ليس كل ما يقال يمكن تنفيذه أو سيتم تنفيذه، وبالأصل هل يريد فعلًا وهل يستطيع ذلك، وهو حال الكلام والرسائل العديدة التى تحتاج منه ومن جبهته أوسلطته إلى ترجمة وفعل ينتظره الشعب السورى، وكذلك شعوب ودول المنطقة والعالم، وهذه الأفعال التى ستحدد مستقبله وطريقة التعامل معه من قبل السوريين والقوى الخارجية.

 

إن عدالة الثورة السورية واستبداد عائلة الأسد الحاكمة لنصف قرن وفرحة السوريين بالتخلص من العهد القديم، ليست مبررات كافية ولا شيك على بياض للسلطة الحالية وليس لأي جهة داخلية أو خارجية لتتحكم بالدولة والجمهورية السورية وهويتها وبمستقبل الشعب السورى وتفرض أجندتها أو رؤيتها الأحادية.

 

لقد دخلت سوريا مرحلة جديدة بعد 8 ديسمبر وفيه خرج السوريون من معاناة كبيرة، وهو يحمل الكثير من الطموحات والأهداف النبيلة فى بناء جمهورية سورية ديمقراطية تلبى طموحات وأهداف الثورة والتحركات الشعبية السورية فى الحرية والديمقراطية والعدالة، وكذلك أن يتحقق فى هذا البلد المشاركة الفعالة لكل مكونات وأبناء سوريا لبناء جمهورية تحقق الكرامة لكل السوريين بعربهم وكردهم وتكون قادرة على الحفاظ على السيادة ووحدة الأراضى السورية من التدخلات، وبدون أي وصاية من جهة أو دولة، وهنا يظهر أهمية دور الأشقاء العرب ووقوفهم على مسافة واحدة من كل الأطراف السوريين، والذى ينتظر السوريين منهم كأخوة وأشقاء كل المساعدة والدعم بعد حالة الدمار والخراب، الذى حصل فى سوريا نتيجة الحرب، وخاصة فى هذه المرحة الانتقالية الصعبة المليئة بالتحديات، وخاصة مع ضرورة تحقيق المصالحة الشاملة وعودة السوريين لبيوتهم وتحقيق التنمية وإعادة الإعمار وبناء المؤسسات السيادية، خاصة مع وجود أطراف إقليمية تبدى رغبتها الجامحة وتحاول فرض أجندتها التى ربما لن تكون فى صالح الأمة والدول العربية فى الحاضر والمستقبل.