رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الرشد الاقتصادى العالمى.. مطلب حتمى


14-1-2025 | 11:44

صورة أرشيفية

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

لا شك أنه مع قراءة ما وراء السطور والأحداث فإن هناك شيئاً هاماً سيظل العالم فى حاجته الماسة وهو الرشد الاقتصادى، بعدما أصبح صوت الرصاص أعلى من صوت التنمية البشرية، وشواهد الأمور تقول هناك نوع من الغموض للمسار المستقبلى لخط الوقاية من المخاطر الاقتصادية العالمية مع اتساع مسارح النزاعات وتوقف حافلة الأحلام.

 

فالأحلام العالمية تتلاشى مع ارتفاع أصوات الرصاص، وأصبحت الصورة مغايرة لكل التوقعات الاقتصادية، وتلاشى التفاؤل بعد اتساع مسارح النزاعات بحرب إسرائيل وحزب الله وتخلى طهران عن وديعتها فى الشرق الأوسط، وأصبح المسار الصاعد للحروب فى زيادة والمسار المستقبلى للاقتصاد العالمى فى المنطقة الرمادية ولن يستطيع عبور الميل الأخضر، فالعالم يغمض عينه قصدا عن العناء الاقتصادى العالمى خصوصاً الاقتصادات الناشئة، خاصة أن العالم فى مرحلة القلق الاقتصادى، وأصبح الجميع عالميا فى دوامة الفوضى كما قال الأمين العام للأمم المتحدة.

لقد تلاشت حالة الزخم الإيجابى بالأسواق حتى التفاؤل المبكر والاحتفال الزائد من خفض أسعار الفائدة الأمريكية 25 نقطة أساس لم تحفز الأسواق، فالتحفيز الاقتصادى العالمى يحتاج وقتا، ومستويات الأسعار عالميا لا تحدث أى توازن، وصور الخفض ما زالت مفتوحة والأسواق سلبية ناحية الطلب، والوضع الاقتصادى العالمى فى الاتجاه المعاكس للنمو، فالنمو غير مرئى حتى الآن، وتحاول الدول اتخاذ تدابير اقتصادية برغم أن الزخم القوى للحركة الاقتصادية الحادث عالميا لا يحفز النشاط الاقتصادى والنمو، وأصبحت تكلفة الهوامش الربحية للدول لا تتحسن؛ بل إن الدورات الاقتصادية غير متكافئة ومستويات المقاومة المقبلة للاقتصاد العالمى قادمة والكل يبحث عن العدالة الاقتصادية العالمية، وهو أمر مستحيل، ومع كل مسيرة أو حديث عابر عن الصواريخ النووية والتراشق الحادث فى مسألة روسيا وأوكرانيا وحرب غزة والضفة الغربية مع إضافة الحرب الجديدة وهو الاستيلاء على أراضى الجولان والتوغل فى الحدود السورية.

 

بدأت الأسواق العالمية تقرأ إشارات القلق وعلامات العناء الاقتصادى القادم، فالتضخم مازال مرتفعا وهناك قلق من الركود الاقتصادى والظروف الضاغطة كعوامل تؤثر على سلامة الاقتصاد وعوامل إعادة المعايرة والانتقال إلى السلام الاقتصادى أصبح فى حالة الاستحالة.

 

ولا شك أن الازمات الاقتصادية عصفت بالعالم فى هذا العام المسمى بعام المخاطر، وهو عامنا هذا الذى أشرف على الانتهاء عام 2024 فقد حدث ما حدث؛ لكن لابد من استشراف المستقبل فى العام الجديد وحساب ميزان المخاطر لكل دولة والبعد عن التغريبة الاقتصادية.

 

نعم إنه اغتراب فعلى فى الاقتصاد فالكل أبدى التشاؤم أن القادم عالميا قد يكون أسوأ وامتدادا طبيعيا للوضع الحالى، ومعظم المؤسسات الدولية ساهمت فى رسم هذه الصورة ولم يعد هناك إلا صوت خافت يدعو إلى التفاؤل الاقتصادي؛ ولكن الأمر يحدث بآليات ومآلات حتمية بعمل منظومة إنذار مبكر.. أين نحن وماذا نفعل وكيف نستمر وندخل المستقبل أو العام القادم على بعد خطوات بخطى واثقة نحو ميزان اقتصادى وبوصلة اقتصادية لا تحتاج إلى التساؤل عن وجهتها.

 

فلا يفصلنا عن العام القادم سوى أيام قليلة فقط، فهل من صوت عاقل ليسير بهذا العالم فلا أحد يطلب عصى موسى؛ لكن يطلب العدالة فى كثير من الملفات التى عرقلت حركة الجميع خلال عام كامل ومن قبله عامان، فنحن فى حالة اقتصادية لم يشهدها التاريخ الاقتصادى منذ القرن الماضى من ضعف تعاضد الأسباب التى ولدت التضخم وحيرت النظرة الاقتصادية الكلاسيكية وكذلك جعلت السياسات النقدية محلا للريبة من القدرة على التحكم فى الأوضاع الاقتصادية.

 

كما أن السياسة المفرطة التى تم استخدامها أثناء الجائحة رسمت ندبات غائرة فى عدد من الاقتصادات الرئيسة، وهناك اقتصادات تسعى إلى الهبوط على مراحل وفى مقدمتها الاقتصاد الأمريكى، وهناك كثير من الآراء للخبراء والمحللين بشأن الأسعار المستقبلية لا تزال فى نظرهم تحمل طياتها الاقتصادية الضبابية، ويعزى ذلك ضعف انتقال آثار السياسات الاقتصادية إلى الناس والقطاعات، مما جعلهم فى حالة قلق حيال إذا ما كانت السياسات النقدية من خلال سعر الفائدة ستعمل بجانب العوامل الجيوسياسية التى شكلت مصدر قلق حقيقيا.

 

لمثل تلك الظنون بل إن صح التعبير النموذج الاقتصادى فى طريق التحول إلى اقتصادات مختلفة لا تشبه الماضى من حيث الطبيعة والسلوك، مما يجعل القياس وفق سلوك التاريخ الاقتصادى الماضى أمرا غير متيقن منه بالدرجة الكافية وقد أصبحت إدارة التوقعات شديدة التعقيد.

 

وهناك صوت حديث وهو تقرير «جولدن مان ساكس» المتفائل نوعاً ما بنمو الناتج المحلى الإجمالى وتباطؤ التضخم وتجنب الركود وهو بنك الاستثمار الأمريكى وتحديداً هو ذراعه البحثية التى تتوقع لعام 2025 تفوقاً فى الأداء فهل تفلح توقعاته، فهو يقول إن التصنيع سيتعافى وسينمو الدخل ويتباطأ التضخم، وسيكون هناك مجال أوسع للبنوك المركزية لخفض الفائدة إذا كانت قلقه حقاً بشأن الاقتصاد وتباطئه .

 

الكثير يثقون فى هذه التحليلات ويقولون إن المخاض الصعب قد انتهى فى عام 2023، ولكن عام 2024 خان الجميع وعلا فيها صوت الطائرات والصواريخ المضادة على سير العملية السياسية والاقتصادية، وأن الناتج المحلى العالمى سينمو بنسبة 2.6 فى المائة عام 2025 على أساس متوسط سنوى مقارنة بما أقرته «بلومبرج وجولدن مان ساكس» من قبل، ويستند فى توقعاته إلى سابق تحليلاته السابقة التى كانت صائبة فى معظمها بالنسبة لاقتصاد أمريكا .

 

وما زال الجميع يبحث عن حلول لمشاكل العالم المتلخصة فى مشاكل الطاقة والأمن الغذائى وفوضى سلاسل الإمداد وكيفية النجاة من التضخم وتراجع معدلات النمو وكذلك التنمية الاقتصادية واللهث لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والانتقال العادل للطاقة الجديدة والمتجددة، وتحولت كثير من المؤتمرات إلى مكلمة لحل المشكلات فهل وجد العالم ضالته؟. وبدأ الجميع فى عام 2024 حديثا من نوع آخر أضيف للمشاكل مثل الحروب النووية، ومع تجدد الصراع فى السودان والأحداث التى استجدت فى العالم على خلفية أحداث غزة وطوفان الأقصى وحرب لبنان وسقوط النظام السورى وأحاديث التنديد والتهديد والوعيد وكل أرجاء العالم ينتفض بين عشية وضحاها دون أن يتذكر الجميع هؤلاء الضعفاء من الدول النامية والناشئة التى تعانى أو تقديم معونات حقيقية للشعوب التى تأثرت بالجائحة أو الحرب الروسية الأوكرانية أو حتى التداعيات الأخيرة لحرب غزة وكل حروب الوكالة فى المنطقة سواء الشرق الأوسط أو أوروبا الشرقية التائهة والبحث عن مخرج لهذه الورطة التى يدخل بها العالم عامه الجديد.

 

لقد شددتم السياسة النقدية من أجل كبح جماح التضخم وصدرتم التضخم للعالم أجمع ولم تفلحوا فى خفضه حتى الآن لأن الفيدرالى الأمريكى وضع النية المبيتة لحدوث ذلك، فكل جهود التنمية ومجهوداتها ضاعت فى رحى عدم اليقين والضبابية لتدفع العالم إلى مرحلة جديدة من الانخفاض فى النمو غير مسبوقة، وتميل معها المخاطر إلى تكثيف الآفاق المتوقعة ميلا جارفاً إلى جانب التطورات المعاكسة، فمن المؤكد أن إطالة أمد الحرب سواء الروسية الأوكرانية أو الحرب فى غزة وإضافة حروب إسرائيل وحزب الله إلى المعادلة وتنفيذ خطط نتنياهو التوسعية، مما يصعب الأمور ويجعلها فى منتهى الصعوبة، فمن المتوقع ضيق أسواق العمل عن المستوى المتوقع أو انفلات حالة توقعات التضخم أو ركيزة الأسعار الأساسية، ومن الواضح أن عدم اللحاق بالسياسات النقدية أو الأوضاع المالية عالمياً ستؤدى بلا شك إلى:

 

بلوغ مستويات حرجة من المديونية بين اقتصادات العالم خصوصاً فى الأسواق الصاعدة والنامية، وحدوث نوع جديد من التشرذم الجغرافى السياسى يعوق مسيرة التجارة والتعاون على مستوى العالم. وزيادة سيناريو المخاطر مع التضخم وتراجع النمو والتنمية الاقتصادية، والعالم إلى الآن فى مرحلة التغريبة الاقتصادية ولم يجد البوصلة الاقتصادية الصحيحة، ولذلك هناك مهام أمام المحللين والاقتصاديين والمؤسسات الدولية المالية التى أزعجت العالم بتصنيفاتها وتقييماتها فلابد لهم:

 

أولاً: دراسة سياسات التشديد النقدى مرة أخرى وبعناية شديدة وموازنتها بمعدلات النمو الاقتصادى فى ظل التراجع غير المسبوق حتى لا يتفاقم التضخم وينفلت الأمر ويصعب معالجته.

 

ثانياً: ينبغى على الحكومات والاقتصادات الكبرى عدم اكتناز الغذاء والطاقة.

 

ثالثاً: إزالة الحواجز أمام حركة التجارة العالمية غير العادلة خصوصاً فيما يخص خطر تصدير المواد الغذائية التى تدفع بالأسعار العالمية إلى الارتفاع.

 

رابعاً: اعتماد سياسات موثوق بها وسريعة وشاملة من أجل مقاومة التغيرات المناخية وزيادة الاستثمار فى الطاقة الخضراء.

 

خامساً: مراجعة ملف الطاقة عالميا لما له من تأثير على معدلات النمو الاقتصادى ووضع اعتمادات للطاقة البديلة وتأثيرها على الأمن القومى العالمى وهو الذى لم يحدث حتى الآن.

 

لقد أشار بعض القابعين خلف المحيط إلى أن عام 2024 يحمل معه نموا عالميا غير متوازن، وقد حدث ما كان مرسوماً تفصيلياً وهو استنساخ عالم جديد تم رسمه بعناية فائقة تتغير معه خريطة مسارات التجارة العالمية وليذهب الجميع إلى الجحيم. وقال بيار أوليفييه غورنيشا، كبير اقتصاديى الصندوق خلال مؤتمر صحفى كبير فى وقت سابق، إن لدينا اقتصاًد عالمياً لا يزال يتعافى من الجائحة والحرب فى الجانب الروسى الأوكرانى بجانب الحروب الإقليمية فى الشرق الأوسط، ومع ذلك فى نفس الوقت لدينا نمو ضعيف واختلافات متنامية بين الاقتصادات.

 

فالوضع متفاوت بين الاقتصادات المتطورة الكبيرة وبين الدول الناشئة فقد يتحسن البعض وقد يعانى البعض من البطء الشديد أو الركود السلبى والسبب استمرار التضخم، مما قد يدفع البنوك المركزية إلى مواصلة سياسة نقدية ومتشددة مع أسعار فائدة مرتفعة، كما قال من المبكر جدا أن (نركن للطمأنينة) فالنشاط الاقتصادى لا يزال دون مستوياته التى كان عليها قبل الجائحة خصوصا الأسواق الناشئة والنامية وتزداد حالة التباعد بين الدول وهناك عدة قوى تعرقل مسيرة التعافى بعضها يعكس العواقب طويلة الأمد .

 

أما عن الاقتصادات النامية والصاعدة كمصر وغيرها فهى تسجل انخفاضاً محدوداً فى النمو نتيجة قلة مصادر التمويل بفعل التوترات الجيوسياسية ولكنها تعافر بمسئولية.

 

وقد تشير التنبؤات إلى تراجع التضخم ولكن ليس بالشكل المطلوب، ولكن هذه التنبؤات قد يتم تعديلها لأنه مع مستجدات الأحداث الجيوسياسية المتصاعدة عن المتوقع زيادة النسبة 0.6 فى المائة نقطة مئوية ويتوقع فى معظم الحالات والبلدان ألا يعود التضخم إلى المستوى المستهدف عام 2025.

 

وهناك ما يسمى بميزان المخاطر الاقتصادية وعلى كل دولة أن تستعد لهذا الميزان فالتطورات السلبية متفحلة وبالأصل هى موجودة، وتنتقل التداعيات السلبية بفعل العدوى الاقتصادية لاسيما فى البلدان التى تصدر وتستورد السلع الأساسية، فهل استعد الجميع ولكن ميزان المخاطر يحمل معه أسعار الفائدة خلال 2025 وهو ما يؤثر عالمياً على النمو .

 

كما أن هناك نقطة هامة جداً فى ميزان المخاطر لو اتسعت دائرة الصراع فى الشرق الأوسط ودخلت أطراف أخرى معها سيطفو ملف الطاقة مرة أخرى ليتصدر المشهد العالمى، وهنا ستحدث هزات جديدة شديدة للاقتصاد العالمى تخص الصناعة فى العالم التى تعانى بالأصل.

 

فالاقتصاد حالياً يعانى هشاشة ولديه نوبة قلبية تكاد تكون مزمنة من التضخم، فما الحال إذا ما أخذت تتوسع الاضطرابات وتمتد العواقب الأوسع نطاقاً فى هذه المنطقة الحيوية العالم العربى وميزان المخاطر و(شدة التغريبة الاقتصادية) التى تحدثنا عنها، وهنا سترتفع أسعار الطاقة كما قلنا ويصبح التأثير عالمياً وليس إقليمياً وسيصبح عام 2025 خارج التوقعات.

 

ولطبيعة الحال فإن النطاق الفعلى (للأخطار السارية) التى تحتاج منا إلى حديث آخر والاحتمالات أوسع وأكثر تعقيداً مما تستطيع السيناريوهات التقاطه فى السلاسل الاقتصادية وسلاسل الإمداد يصعب التنبؤ بها، فالتنبؤ بالحروب وتداعياتها أصبح أصعب أيضا والذى سيضر الكثير، والاقتصادات سواء كبيرة أو صغيرة أن تدخل عام 2025 عابرة مرحلة العناء الاقتصادى وتبنى الرشد الاقتصادى.. فكفاكم تضخما وحروبا وموازين قوی وتوترات ولينظر العالم إلى مواطنيه بعيداً عن الجغرافية السياسية التى عادت تحرك الاقتصاد وعوامل السوق ليطمئن الجميع.

 

فهل ما زالت القوى العالمية والمؤسسات الدولية تغمض عينيها قصدا وتدخل العام الجديد خجولة على استحياء، فالموسيقى توقفت والاحتفال ما زال مستمراً عودة إلى الرشد الاقتصادى.