رغم التحديات المحيطة بمصر، إلا أن الاقتصاد المصرى يسير فى الاتجاه الصحيح، كما أن مؤشرات الاقتصاد الكلى الـ7 ستشهد تحسنًا ملحوظا خلال عام 2025، ولكن شرط عدم ظهور مفاجآت سياسية صادمة، هذه تعتبر الرؤية المستقبلية للدكتور فخرى الفقى، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، لحالة الاقتصاد المصرى.
بلغة الأرقام، تحدث «د. الفقى»، عن مستقبل التضخم والديون المحلية والخارجية المنتظر هبوطها، كذلك معدلات النمو واحتياطيات النقد الأجنبى المتوقع ارتفاعها، إضافة إلى تحركات سعر صرف الجنيه أمام الدولار لتكون خلاصة رؤيته بأن خطط الحكومة قادرة على استمرار تحسين مؤشرات الاقتصاد بشهادة المؤسسات الدولية، وللتعرف على رحلة الاقتصاد المصرى فى عام جديد فإلى نص الحوار.
كيف ترى تحرك مؤشرات الاقتصاد المصرى خلال عام 2025 لا سيما فى ظل التحديات السياسية الحالية ؟
من المحتمل حدوث انفراجة فى الأزمة «الروسية - الأوكرانية» مع إدارة دونالد ترامب الجديدة، عبر استخدام «ترامب» للقوى الناعمة من خلال الاعتماد على العقوبات والرسوم الجمركية بدلا من القوة الخشنة الحالية بين روسيا وأوكرانيا، وهذا الأمر يتبعه تحسن فى الضغوط التضخمية العالمية، والاختناقات فى سلاسل الإمداد خاصة الحبوب الغذائية والقمح، بما يتبعه انخفاض أسعار الحبوب، والتى تعد أكبر سلع استراتيجية تستوردها مصر.
أيضا من المتوقع أن تشهد السياحة فى مصر انفراجة أكبر بسبب السياحة الروسية والأوكرانية التى تشكل 30 فى المائة من السياح القادمين إلى مصر، لكن على صعيد آخر التصور الأكثر احتمالا هو استمرار التحديات السياسية التى تواجه الإقليم الذى تتواجد به مصر، بعد سقوط نظام بشار الأسد وتدمير القوات الإسرائيلية للقدرات العسكرية السورية، ولم تتضح حتى الآن معالم النظام السورى القادم، وبالتالى يمكن أن تتجمع بها الحركات الجهادية بما يسبب المزيد من الضعف فى المنطقة، أيضا هناك قوات مرتزقة فى ليبيا تسبب نوعا من الانقسام وبالتالى التحديات فى المنطقة مستمرة، ويتبعها استمرار الضغوط على الاقتصاد المصرى.
وللحكم على الوضع المستقبلى للاقتصاد المصرى، هناك 7 مؤشرات يمكن من خلالها قياس أداء الاقتصاد المتوقع خلال العام القادم وتتمثل فى: (معدل النمو الحقيقى فى الناتج المحلى الإجمالى، قدرة الاقتصاد على خلق المزيد من فرص العمل وتقليل معدلات البطالة «التشغيل والبطالة»، التضخم، موازنة الحكومة ومعدلات العجز بها، مؤشر الدين العام المحلى والخارجى، صافى الاحتياطيات من النقد الأجنبى لدى البنك المركزى، استقرار سعر الصرف ).
نبدأ بمعدل النمو الحقيقى فى الناتج المحلى الإجمالى، ما المعدل المتوقع له؟
معدل النمو خلال السنة المالية التى انتهت فى يوليو 2024 وصل إلى 2,7 فى المائة، والسبب فى هذا ما حدث فى روسيا وأوكرانيا وكذلك تبعات العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة وتوترات البحر الأحمر وأحداث السودان، كما أن السنة السابقة لها (2022- 2023) كان من المستهدف الوصول لمعدل نمو 4,2 فى المائة لكن ما تحقق على أرض الواقع 3,6 فى المائة، أما الوضع الحالى فى ظل برنامج الإصلاح الاقتصادى بالتعاون من صندوق النقد الدولى، فمن المستهدف وصول معدل النمو الحقيقى خلال السنة المالية (2024- 2025) إلى 4,1 فى المائة والسنة التالية لها (2025- 2026) مقدر نمو 4,5 فى المائة وفقا لإحصاءات وزارة التخطيط، كما أكد صندوق النقد الدولى على نفس توقعات الحكومة المصرية لمعدلات النمو، ومعدل النمو مبنى على قدرة جذب الاقتصاد للاستثمارات، وبالطبع المعدلات المنتظرة تقديرها «جيد» خاصة أن معدل النمو المقبول يجب أن يكون على الأقل ثلاثة أضعاف معدل النمو فى الزيادة السكانية والتى وصلت مؤخرا إلى 1,4 فى المائة، وبالتالى معدل النمو فى الناتج المحلى العام القادم سيكون جيدا خاصة أن هذا المؤشر يعنى تحسنا فى مستوى معيشة المواطنين، وحينما يصل فى السنوات التالية إلى 5,5 فى المائة فإنه يصبح جيدا جدا.
هل تحسن معدل النمو له تأثير على مؤشرات التشغيل والبطالة خلال العام القادم؟
بالطبع كلما زاد معدل النمو زادت قدرة الاقتصاد على خلق المزيد من فرص العمل، فقوة العمل فى مصر تقدر بنحو 32 مليون فرد فى سن العمل وقادرون عليه، بما يشكل 30 فى المائة من إجمالى السكان، والعاملون فعليا منهم نحو 30 مليون فرد فى حين يصل عدد العاطلين إلى مليونى فرد، وبالطبع هناك انخفاض مستمر فى معدلات البطالة، حيث وصلت خلال الربع الثانى من عام 2024 إلى 6,5 فى المائة، وذلك بدلا من 7,5 فى المائة خلال عام 2023، وأيضا العام السابق لها كانت 8 فى المائة، فمؤشرات البطالة منذ بضع سنوات وقبل تنفيذ مشاريع البنية التحتية وصلت إلى 14 فى المائة.
وإلى جانب ما سبق، البطالة لها أبعاد اجتماعية سلبية لذا تسعى الدولة للتوسع فى مشروعات البنية التحتية لتوفير المزيد من فرص العمل وتقليل البطالة ومنها مشروعات الطرق ومحطات المياه والصرف الصحى والمدن الجديدة، وعلى رأسها العاصمة الإدارية الجديدة وتطوير العشوائيات، وأهم تلك المشاريع أيضا حاليا مشروع «حياة كريمة» فتم تشغيل عشرات الشركات لتطوير القرى، والاقتصاد المصرى حاليا قادر على توليد مابين 700 ألف إلى مليون فرصة عمل سنويا بالرغم من التحديات الحالية، وبالتالى هناك توقع مزيد من الانخفاض فى معدلات البطالة.
وماذا عن معدلات التضخم.. هل تستطيع الحكومة تخفيضها وفقا لمستهدفاتها؟
معدل التضخم وصل إلى 33 فى المائة خلال عام 2023 بسبب تضرر سلاسل الإمداد بروسيا وأوكرانيا، بما تسبب فى ارتفاع أسعار الطاقة والحبوب عالميا، وارتفع كذلك محليا بسبب التضخم المستورد وندرة النقد الأجنبى بسبب خروج الأموال الساخنة من مصر، ما تسبب فى ارتفاع سعر الدولار وتعدد سعر الصرف وتبعه تسعير السلع بأسعار السوق السوداء، والذى ترتب عليه حدوث موجة تضخمية كبيرة وصلت إلى 40 فى المائة فى بعض الأحيان، لكننا شهدنا خلال الأشهر الماضية انخفاضا تدريجيا للتضخم، ومن المتوقع أن يصل متوسط تضخم عام 2024 إلى 24 فى المائة، وبالتالى التضخم انخفض لكنه مازال مرتفعا وهو معدل أقل من المقبول.
البنك المركزى يستهدف انخفاض التضخم إلى 7 فى المائة زائد أو ناقص 2 فى المائة، لكننا نجد أن معدل التضخم على مدار الأشهر الأربعة الماضية تحركه بطيء بسبب رفع أسعار الطاقة والمواد البترولية، أيضا سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة ارتفع بفضل مرونة سعر الصرف، وبالتالى من الصعب تحقيق مستهدفات البنك المركزى، لكن من المتوقع أن يصل معدل التضخم خلال عام 2025 إلى 16 فى المائة، كما يستمر المؤشر فى الانخفاض خلال عام 2026 مسجلا المعدل المستهدف من قبل البنك المركزى ليتراوح بين 5 إلى 9 فى المائة فى نهاية مدة الإصلاح الاقتصادى بالتعاون مع صندوق النقد الدولى، وبالتالى نحن نسير فى الطريق الصحيح، لكن انخفاض معدل التضخم مازال «لزجا» وهذا الأمر مرهق للمواطن، لذا نجد الحكومة تسعى بقوة للتعجيل بزيادة المعاشات والمرتبات والتوسع فى برنامج تكافل وكرامة ورفع الحد الأدنى للأجور والإعفاءات الضريبية وغيرها من برامج الحماية الاجتماعية والدعم.
هل تنجح الموازنة الجديدة فى الحفاظ على مسار الهبوط بمعدل العجز بها؟
انخفض عجز الموازنة كنسبة من الناتج الإجمالى المحلى من 13,7 فى المائة خلال عام 2014 إلى 7,2 فى المائة حاليا، لكن النسبة المقبولة عالميا 3 فى المائة، وبالتالى المعدل الحالى رغم أنه أعلى من المستوى العالمى لكنه جيد فى ظل التحديات العالمية، والمستهدف خلال العام القادم كسر حاجز 6,5 فى المائة، وإذا نجحنا فى ذلك فسيحقق هذا المؤشر درجة جيد جدا ويصبح لدينا طاقة نور.
وكيف سيكون حجم الدين العام؟
العجز تتم تسويته عبر الاقتراض سواء دينا عاما محليا أو أجنبيا، ونسبته مقارنة بالناتج المحلى الإجمالى وصلت إلى 108 فى المائة خلال عام «2016 – 2017» لكن النسبة المثلى عالميا بين 60 إلى 70 فى المائة، وبفضل الجهود الحكومية نجحت الحكومة فى تخفيض الدين العام ليسجل 88,2 فى المائة، ومن المنتظر خلال السنوات المالية الثلاث القادمة أن يكسر حاجز الـ 80 فى المائة هبوطًا، وهذا يمثل جهدا مشكورا فى إطار الأزمات التى نمر بها.
وماذا عن حجم صافى النقد الأجنبى المتوقع لدى البنك المركزى؟
مؤشر شهر نوفمبر 2024 لاحتياطى النقد الأجنبى بلغ 47 مليار دولار والذى ارتفع مقارنة بنفس الفترة من العام الماضى مسجلا 33 مليار دولار، وبالتالى المعدل الحالى يكفى لتغطية احتياجات مصر لثمانية أشهر، ومتوقع زيادة الاحتياطى خلال العامين القادمين ليصل إلى 65 مليار دولار، وهذا معدل ممتاز حيث يغطى واردات نحو 11 شهرًا ويأتى ذلك رغم الضغوط على سعر الصرف.
هل ستستمر الضغوط على سعر الصرف أم ستتحسن قيمة الجنيه؟
يجب التفرقة بين فترة ما قبل 6 مارس 2024، وما بعدها حينما اتخذ البنك المركزى قرارا بتحرير سعر الصرف وتحقيق المرونة، فكان هناك سعران للصرف أحدهما رسمى ثابت والآخر غير رسمى متحرك حتى وصل إلى 75 جنيها للدولار، فكان أداء سعر الصرف سيئا، لكن بعد حصيلة رأس الحكمة استطاع البنك المركزى تحريك سعر الصرف، وأصبح السعر مرنا للتحرك صعودًا وهبوطًا وفقا للعرض والطلب، وبالفعل نجحت قيادة البنك المركزى فى القضاء على السوق السوداء، لكن ظهرت ضغوط فى الطلب على الدولار خلال الشهرين الماضيين بسبب ميزانيات الشركات وتسوية المراكز المالية الدولارية وطلبات الاستيراد، هذا إلى جانب استهلاك الحكومة لبعض السلع ومنها استيراد الغاز، وكذلك انخفاض تدفقات العملة الصعبة من قناة السويس بسبب أحداث البحر الأحمر إضافة إلى انخفاض صادرات مصر من الغاز بسبب نقص إنتاج حقل ظهر وبالتالى اضطررنا للاستيراد، وكل ذلك تسبب فى زيادة سعر الصرف بنحو 5 فى المائة خلال الشهرين الماضين، لكن من المتوقع انخفاض سعر الصرف مع بدايات العام القادم فى ظل الحديث عن اقتراب الحكومة من الإعلان عن صفقة قريبة من رأس الحكمة، وبالتالى سعر الصرف الفترة القادمة مرهون بقوى العرض والطلب، ونتمنى استقرار الأوضاع فى «باب المندب» والبحر الأحمر لتزيد حصيلة قناة السويس، أيضا متوقع زيادة حصيلة السياحة وحال حدوث ذلك تتحسن قيمة الجنيه.
ختاما كيف يمكن وصف المرحلة التى سيمر بها الاقتصاد فى عامه الجديد؟
رغم أننا نمر بظروف صعبة وتحديات كبيرة بسبب الأحداث المحيطة، إلا أننا نسير فى الاتجاه الصحيح، والخروج من هذه الأزمة يتطلب المزيد من الوقت والجهود الحكومية عبر سياسات واضحة وشفافة، وبالفعل القيادة السياسية توجه بذلك وحكومة «د. مدبولى» تعمل ليل نهار، وهناك إنجازات تؤكد تحسن فى المؤشرات السبعة للاقتصاد الكلى، وإننى متفائل بتحقيق الاقتصاد المصرى المزيد من التحسن فى الأداء إن لم يحدث المزيد من المفاجآت والتحديات أو تزايد حدة الصراعات فى بعض الدول المحيطة بنا.