«الاحتياطى» فى قطاع الطاقة كلمة ديناميكية متغيرة بتغير حجم المنتج، ولهذا فهى متغيرة من وقت إلى آخر، تصل إلى أعلى تقديراتها مع الاستكشافات الجديدة، وتتراجع مع تراجع الإنتاج، لكن القاعدة تؤكد أنه «طالما لدينا إنتاج إذن هناك احتياطى»، لكن هذا الاحتياطى متغير وغير مستقر صعودًا وهبوطًا، أما الكهرباء فهى احتياطى قدرات الكهربائية، وهى المقدرة على توليد قدرات كهربائية فى حالة الذروة أو عطل فى المحطات المستخدمة، طالما توافرت المواد البترولية القادرة على توليد الطاقة الكهربائية.
على قائمة «المواد البترولية»، تحتل مصر المركز السابع فى 2024 من احتياطات النفط فى القارة الإفريقية بـ3.300 مليار برميل وفقًا لمنصة جلوبال فاير باور العالمية لتحليل البيانات، فما كان أعلى مستوى سجلته للإنتاج كان 4.7 مليار برميل فى 1987، وأقل مستوى فى 1980 وحققت 2.9 مليار برميل.
ومن المنتظر أن يتم العمل فى 2025 على المحاور الخمسة فى قطاع البترول هى تسارع وتيرة أنشطة التنمية والإنتاج، تعجيل أنشطة الاستكشاف، تعظيم استغلال الطاقات بمعامل التكرير، والاستمرار فى أنشطة توصيل الغاز للمنازل وتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعى، إطلاق البوابة الإلكترونية للثروة المعدنية وطرح عدد من المناطق للتعدين لجذب الاستثمارات، وسينعكس التوسع فى أنشطة الإنتاج فى تعويض التناقص الطبيعى وخفض الفاتورة الاستيرادية، وتعجيل أنشطة الاستكشاف ستعمل على إضافة احتياطات جديدة، وتعظيم استغلال الطاقات بمعامل التكرير من أجل تعظيم القيمة المضافة وزيادة عوائد التصدير، أما الاستمرار فى توصيل الغاز للمنازل وتحويل السيارات للغاز الطبيعى فسيُسهم فى خفض تكلفة البوتاجاز ووقود السيارات.
1.4 مليون برميل زيت مُكافئ يوم من أهم المؤشرات الإيجابية المتحققة خلال 2024، وتحديدًا فى الربع الأول من العام المالى 2024-2025، فى زيادة معدلات الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتى وخفض التكلفة الاستيرادية هدف أساسى يتم السعى لتحقيقه، فتم إضافة إنتاج جديد خلال الربع الأول (يوليو – سبتمبر) بلغ حوالى 30 ألف برميل زيت يوم و133 مليون قدم مكعب يوم.
77 بئرًا استكشافية تم حفرها من يناير إلى أكتوبر 2024، وتم النجاح فى إضافة 54 كشفًا مُحققًا، 40 منها كشف زيت و14 كشف غاز، بما انعكس فى إضافة احتياطيات بمقدار 71 مليون برميل زيت و680 مليار قدم مكعب غاز، وتم إسناد 17 منطقة استكشافية جديدة، منها 8 حقول متقادمة فى خليج السويس والصحراء الشرقية، و4 مناطق استكشافية بالصحراء الغربية، 5 مناطق استكشافية (خليج السويس – الصحراء الغربية) ضمن مزايدة الهيئة العامة للبترول، وفى 2025، من المخطط أن يتم توقيع 15 اتفاقية جديدة، بمنح توقيع تصل إلى 20 مليون دولار، وحد أدنى من الاستثمارات تبلغ 748.5 مليون دولار، والتزام بحفر 46 بئرًا كحد أدنى.
على مستوى الكهرباء لدينا 58 ألف ميجاوات احتياطى قدرات كهربائية، قادرين على إنتاجها فى ظل 38 ألف ميجاوات هو الحمل الأقصى للقدرات الكهربائية، ورغم ارتفاع احتياطى القدرات الكهربائية لكن الدولة المصرية تعمل بخطوات ثابتة نحو التوسع فى الطاقات المتجددة، لخفض استهلاكات الوقود والحفاظ على البيئة، فاحتلت مصر المركز 34 فى مؤشر الدول الأكثر جاذبية فى قطاع الطاقة المتجددة الصادر عن«Ernst & Young» فى يونيو 2024، وعلى المركز 54 فى مؤشر الطاقة العالمى الصادر عن «مجلس الطاقة العالمى» فى 2023، وتم إنتاج 22.8 جيجاوات إجمالى قدرات الطاقات المتجددة من رياح وشمسى ومائى التى تم تشغيلها أو تحت الإنشاء أو جارٍ إنهاء التعاقد عليه، فتم تحقيق 7331 من الطاقات المتجددة فى أكتوبر2024، ومن المستهدف تحقيق 10000 ميجاوات فى 2025.
المهندس أسامة كمال وزير البترول والثروة المعدنية المصرية الأسبق، ورئيس جمعية المهندسين المصريين، قال: الاحتياطى رقم متغير بشكل متميز ويتوقف على كمية الاستكشافات ومخزون النفط مقسوم عل الاستهلاك السنوى، وبالتالى فى حالة وجود اكتشافات جديدة يرتفع الاحتياطى بشكل كبير وفى حالة انخفاض نسبة الاحتياطى تنخفض.
«الاستراتيجية المصرية للطاقة واضحة ومحددة»، حسبما أكد «كمال» أن التوسع فى البحث والاستكشافات وتنمية المواد البترولية يتم بخطة ثلثى للاستخدام والثلث للاحتياطى، وهو ما يُطبق منذ أن تم أول اكتشافات البترول فى 1886 بمصر، فهناك أمانة فى أهمية الإبقاء على نسبة من هذه المنتجات للأجيال القادمة، وضرب مثالًا بديناميكية الاحتياطى فى المواد البترولية، ففى 1982 تم تقدير الاحتياطات من المواد البترولية بـ12 عامًا، بما يعنى أننا فى 1992 سينتهى الإنتاج، وهذا لم يحدث بل على العكس ارتفع إنتاجانا واستمر حتى اليوم.
الوزير السابق، أوضح أن «ارتفاع الاحتياطى للمواد البترولية مرتبط بالاكتشافات الجديدة، لهذا كان توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بأهمية سداد مستحقات الشركاء الأجانب، ولهذا بدأ إعادة العمل مرة ثانية فى حقل ظهر، وتم الكشف عن حقل ريفين.
ولا يعطى «كمال» الحق لمن يصرون على التهويل من احتياطى النفط، حيث قال: دول مثل كوريا واليابان ليس فيها غاز أو بترول، وفى المقابل العراق لديه أكبر احتياطى فى العالم، ورغم ذلك ليس لديه معمل تكرير واحد فيتم تصديره لأمريكا ويقوم بالشراء من الخارج، وفى ليبيا تم وقف جميع الأنشطة النفطية منذ 2011، وبالتالى فالأمر يتوقف على المقدرة على تقوية الاقتصاد واستمرارية البحث والاكتشافات ورفع معدلاتها، مع النظر لأرقام الاحتياطى بأنها تقديرية متغيرة علينا أن نرفعها بقدر الإمكان.
وقال المهندس مدحت يوسف، الرئيس الأسبق لهيئة البترول: طالما هناك إنتاج للمواد النفطية يلزم وجود احتياطى، وهو أمر مسلم به، لكن حجم أو قدر هذا الاحتياطى متغير بشكل مستمر، فعند بدايات عمل حقل ظهر تم تقدير الاحتياطى بـ30 تريليون قدم مكعب فى 2019، لكن هذا الاحتياطى انخفض بشكل كبير مع تدهور الإنتاج فى حقل ظهر بسبب توقف سداد مستحقات الشركات.
وأضاف: الاحتياطى ينخفض فى ظل توقف الاستكشافات الجديدة والندوب الطبيعى للآبار القديمة وارتفاع معدلات الاستهلاك، لهذا كان هناك «تكنيك» مختلف فى التعامل مع رفع معدلات الاحتياطى فى صدارتها إعادة التنقيب عبر سداد مستحقات الشركات الأجنبية لإظهار اكتشافات جديدة، والتعامل بـ«تكنيك» مغاير مع الحقول القديمة، وهو ما نجح مع عدد من الحقول القديمة فى منطقة جبل غارب، على أن يتم الحفاظ على التعاقدات طويلة الأجل من الجهات الثلاث التى يتم استيراد المواد النفطية منها وهى الكويت والعراق وأرامكوا بالسعودية، كما يمكننا شراء شحنات من شركة سوميد وهى شركة تخزين عالمية تجارية تنقل النفط من منطقة عين السخنة إلى سيدى كرير على أن يتم تصديره للخارج، ويمكن لمصر الشراء من هذه الشركة فى حالة سداد مستحقات ما تقوم بشرائه.
بدوره، قال الدكتور حافظ سلماوى، رئيس جهاز تنظيم الكهرباء الأسبق وأستاذ الهندسة: الاحتياطى فى الطاقة أمر مختلف، فوفقاً للقواعد العالمية لكل دولة مخزون من النفط لمدة 90 يومًا، فى حالة نقص فى الإمدادات يتم الاعتماد على هذا المخزون كاحتياطى استراتيجى، وهو ما طبقته أوروبا فى حالة وقف الاستيراد من روسيا بعد الأزمة الأوكرانية.
وأكمل: فى مصر يمكننا القول على خط سوميد إنه احتياطى استراتيجى فى المواد البترولية، فهو خط يمر فى الأراضى المصرية يربط العين السخنة على البحر الأحمر بسيدى كرير على البحر المتوسط ومنه إلى القارة الأوروبية، وقدرة التخزين فى هذا الخط تبلغ 40 مليون برميل من المنتجات البترولية، ويمكن لمصر الأخذ من هذا المخزون على أن يتم تسديد ثمنه.
الأمر مختلف تمامًا على جانب الغاز، كما أوضح «سلماوى»، فليس لدينا تخزين استراتيجى من الغاز، فى العادة ما يتم تخزين الغاز فى الحقول النابضة، لهذا يلزم توفير احتياطى استراتيجى من الغاز لتجنب عدد من التحديات، أولها الاستيراد فى وقت أسعار مرتفعة بما يشكل عبئًا اقتصاديًا كبيرًا على خزينة الدولة، ففى أكتوبر 2024 فى شهرى أكتوبر ونوفمبر كان 15 دولارًا لمليون وحدة حرارية، وعلى نهاية الشتاء ينخفض إلى 7 دولارات، وفى فترة الصيف يرتفع لـ10 دولارات، وفى حالة وجود مخزون يمكن تفادى فروق الأسعار، بالإضافة إلى ميزة سعرية فى التعاقد مع المراكب.
وأضاف: الاستيراد لتكوين مخزون استراتيجى ليس أمرًا خاطئًا بل على العكس فى حالة عدم استخدامه يمكننا إعادة بيعه، وهو ما يُعرف بإدارة المخزون الاحترافية، فلن يشكل عبئًا على خزينة الدولة، بل على العكس يمكن أن نحوله لمصدر للدخل، فشراء مخزون استراتيجى على أن يتم إعادة بيعه مع ارتفاع أسعار الغاز بما يحقق دخلاً لخزينة الدولة.
كما أكد «سلماوى»، أن «تكوين احتياطى استراتيجى للطاقة أمر فى غاية الأهمية، وهو ما يمكن أن نحققه على ثلاثة مسارات، أولها تسديد مستحقات شركات التنقيب والاكتشافات للآبار البترولية، تكثيف الاستثمارات فى البحث عن آبار الغاز، التعاقد على شراء كميات كمخزون احتياطى فى أقل أسعار للغاز للحصول على ميزة سعرية، وهنا يمكننا تكوين احتياطى استراتيجى على أن يتم وضع خطة لإدارة تخزين، فالاحتياطى فى مجال الطاقة أولت الدولة المصرية له اهتماماً وأكدت عليه فى استراتيجية الطاقة المصرية وتحديثها، كما خضع للدراسة والبحث الأكاديمى».
على جانب الكهرباء، قال «د.حافظ»: ليس هناك احتياطى، ولكن هناك احتياطى قدرة وهو له طابع خاص، فلدينا القدرة فى توليد قدرات كهربائية فى حالة الرغبة فى التوليد، وهو ما يُعرف باحتياطى القدرات الكهربائية، بمعنى وجود محطات احتياطية قادرة على العمل فى حالة وجود أعطال فى محطات القديمة.
كما أوضح أن الحمل الأقصى 38 ألف ميجاوات فى مقابل نمتلك قدرات 58 ألف ميجاوات، من أجل تغطية المحطات المتقادمة التى فى طريقها للتوقف، ومحطات الطاقات المتجددة لأنها غير متاحة للتوليد طوال الوقت، أو خروج محطات للصيانة، وبالتالى فلدينا احتياطى قدرات يمثل 40 فى المائة.
«الوضع آمن تمامًا»، وصف استخدمه «سلماوى» للحديث عن احتياطات القدرات الكهربائية، مشيرًا إلى أنه «طالما توفر الغاز الخاص بإدارة المحطات الكهربائية، كما أن الدولة تتوسع فى محطات الطاقات المتجددة بمشاركة القطاع الخاص، وهى الخطة التى اعتمدتها الدولة فى مواجهة احتياجات صيف 2025 لتكون فيها الطاقات المتجددة بنسبة 12 فى المائة لتقليل المواد البترولية المستخدمة وللحفاظ على البيئة بخفض الانبعاثات الكربونية».
وبين «سلماوى»، أن «اختلال سوق الطاقة العالمى تأثر بغياب أكبر مصدرين عن المشهد وهما روسيا وإيران، وتسبب هذا فى مشكلة كبيرة فى الغاز ألقت بظلالها على العالم أجمع، فبعد توقف أوروبا عن الاستيراد من روسيا ارتفعت الأسعار بشكل كبير، وطبعا أوروبا قادرة على الشراء، لكن صدرت المشكلة للعالم أجمع لأنها استوردت بأعلى سعر، فبقية الدول تأثرت ومنها الدولة المصرية، لكن مصر تعاملت بذكاء وأدارت الملف باحترافية كبيرة، والحمد لله عبرت من الأزمة وتحاول تفاديها فى صيف 2025 بالاعتماد على الطاقات المتجددة، لكن يبقى تكوين مخزون استراتيجى لمواجهة الأزمات المستقبلية».