الاحتياطى الاستراتيجى من السلع والطاقة والعملات الأجنبية يعد من أبرز مؤشرات قوة واستقرار الاقتصاد الوطني، خاصة فى ظل الأزمات الإقليمية والدولية، فالاحتياطى الاستراتيجى من السلع الأكثر استخداما، هو خط الدفاع الأول للاقتصاد الوطني، خاصة فى ظل أزمات إقليمية ودولية متصاعدة، ووجود احتياطى يكفى 6 أشهر أو أكثر يعكس استقرارًا، لكن التحديات تتطلب مزيدًا من العمل لتعزيز مستويات الاحتياطى بما يضمن الأمن الاقتصادى والاجتماعى. وزيادة الاحتياطى تُبرز رؤية استراتيجية لحماية مصر من أى تقلبات عالمية محتملة، وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
وتسعى مصر لبناء وزيادة الاحتياطى الاستراتيجى الخاص بالسلع مثل القمح، السكر، الزيت، الأدوية، والبقوليات، والذرة، عندما يُقال إن الاحتياطى يكفى لمدة 6 أشهر أو أكثر، فهذا يعنى أن الدولة قادرة على تلبية احتياجات مواطنيها لهذه الفترة دون الحاجة إلى استيراد إضافى، مما يمنحها قدرة على مواجهة الأزمات مثل اضطرابات سلاسل التوريد العالمية أو ارتفاع الأسعار.
وقامت مصر خلال السنوات الماضية بزيادة مساحات التخزين وإعداد الصوامع للقمح، حيث كان عدد الصوامع فى مصر 28 صومعة، وهو عدد قليل جدًا، ولا يكفى للتخزين، وكان يتم التخزين فى شون، مما ترتب عليه أن نسبة الهدر كانت تتراوح بين 10 إلى 15 فى المائة، كما كانت تصل السعات التخزينية فى 2014 إلى ما يقرب من 1.2 مليون طن تخزين، ويبلغ الاستهلاك من القمح التموينى شهريًا ما يقرب من 800 ألف طن قمح، أى أن الاحتياطى الاستراتيجى والذى كان يمكن تخزينه فى الصوامع وقتها يكفى لمدة شهر وأسبوع، وباقى كميات القمح كان يتم تخزينها فى الشون.
وعلى مدار السنوات الماضية، كانت الأقماح تتعرض لهدر فى كميات كبيرة تتراوح بين 600 ألف إلى 800 ألف طن قمح سنويًا، بداية من الحصاد والنقل وصولاً إلى التخزين، وبالتالى يشكل هذا الإهدار عبئًا متزايدًا على الاقتصاد المصرى وإهدارًا للموارد دون الاستفادة منه، وكان لابد من تحسين ظروف التخزين وزيادة عدد الصوامع. لذا قامت الدولة بالتوسع فى إنشاء صوامع حديثة تعمل وفقا لأحدث نظم التكنولوجيا، بجانب تطوير الشون الترابية وتحويلها إلى شون حديثة متطورة.
وانطلق تنفيذ المشروع على مساحة تقدر بنحو 20 ألف متر للصومعة الواحدة، تم حتى الآن إنشاء نحو 80 صومعة لتخزين القمح والغلال، بسعة تخزينية تصل إلى 3.4 مليون طن بدلاً من 1.6 مليون طن، موزعة على 17 محافظة هى، الجيزة، والدقهلية، وشمال سيناء، والغربية، والمنوفية، والشرقية، والبحيرة، والإسكندرية، وقنا، والوادى الجديد، والقليوبية، وبنى سويف، والفيوم، ويتم تشغيلها من خلال غرفة التحكم التى تمكن المنظومة الجديدة من إخراج الكميات المطلوبة من الأقماح دون هدر، وتصل المدة التى يمكن خلالها الحفاظ على جودة القمح فى الصوامع إلى سنة ونصف السنة، وتكون مخزنة بجودة عالية مع الحفاظ على درجة الرطوبة ودرجة الحرارة وفقًا للنظم الآلية داخل الصومعة.
كما وفرت مصر احتياطيا من العملات الأجنبية مثل الدولار واليورو وغيرهما، وأيضاً من الذهب الذى تجاوز 125 طنا تمتلكه مصر ضمن الاحتياطى، وهذا يعكس قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية، مثل سداد الديون واستيراد السلع الأساسية، فضلا عن أن ارتفاع هذا الاحتياطى يُطمئن المستثمرين ويحافظ على استقرار سعر العملة المحلية.
وبلغ الاحتياطى النقدى لدى البنك المركزى المصرى 47,1 مليار دولار فى نهاية ديسمبر 2024، وقد زاد حجم الاحتياطى خلال عام 2024 بـ12,1 مليار دولار، ويعتبر هذا المبلغ أكبر قيمة للاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية لمصر منذ بدأ تكوين احتياطى نقدى مصرى لدى البنك المركزى فى 1990.
ولا شك أن الحد الأدنى من الاحتياطيات الذى تحتاجه الدولة لضمان استقرار الأسواق وحماية الاقتصاد من الصدمات، فعندما يكون الاحتياطى أعلى من هذا المستوى، تكون الدولة فى وضع أكثر استقرارًا، كما أن هناك تأثيرا للاحتياطى على الاقتصاد الوطنى، لا سيما فى ظل الأزمات الإقليمية والدولية. فالحروب والصراعات تؤدى إلى اضطرابات فى الإمدادات وزيادة أسعار السلع عالميًا. ووجود احتياطى كافٍ يساعد على حماية الاقتصاد المحلى من هذه الآثار.
كما أن الأزمات المالية العالمية مثل ارتفاع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة تؤثر على تدفقات العملات الأجنبية، ووجود احتياطى قوى يمنع حدوث أزمة فى ميزان المدفوعات.
فزيادة الاحتياطى تمكن الحكومة من مواجهة الأزمات الدولية وعدم التأثير السلبى الكبير على الاقتصاد المحلى، وكذا توفير الاستقرار الاجتماعى؛ حيث يساهم الاحتياطى من السلع فى كبح جماح التضخم وضمان توافر السلع الأساسية بأسعار مستقرة، مما يقلل من التوترات الاجتماعية. أيضا وجود احتياطى قوى يعزز ثقة المستثمرين الأجانب، مما يشجع تدفق الاستثمارات إلى الدولة.
فالاهتمام بالاحتياطى يرسل رسالة إيجابية للمجتمع الدولى والمستثمرين بأن مصر قادرة على الوفاء بالتزاماتها، مما يعزز التصنيف الائتمانى للدولة.
وتساهم زيادة الاحتياطى فى استقرار الأسواق واستقرار الأسعار، وحماية الاقتصاد من الصدمات، وتعزيز التصنيف الائتمانى مما يتيح لها الحصول على قروض دولية بشروط ميسرة، وتقليل فاتورة الاستيراد العاجل. وتحسين جودة الحياة. وتعزيز مرونة الاقتصاد، وتشجيع الإنتاج المحلى، وتعزيز الأمن الغذائى والصحى، وتقليل الفجوة التمويلية، ورفع كفاءة إدارة الأزمات.
فتعزيز احتياطى الوقود يُجنب البلاد أزمة نقص الطاقة، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار النفط والغاز عالميًا. وكذلك زيادة الاحتياطى من الأدوية والمستلزمات الطبية تحمى القطاع الصحى من الانهيار فى أوقات الأزمات مثل الأوبئة.
وتحتاج الدولة المصرية إلى المزيد من تنويع مصادر الإمداد، بالتركيز على استيراد السلع من أسواق متعددة لتجنب الاعتماد على دولة واحدة، وهو ما يعزز مرونة الاقتصاد فى مواجهة الصدمات. دعم التمويل بزيادة مخصصات الميزانية لشراء السلع الاستراتيجية والطاقة بهدف الحفاظ على المخزون الاستراتيجى. والتعاون الدولى بتوقيع المزيد من الاتفاقيات الثنائية مع الدول الكبرى لتأمين إمدادات السلع والطاقة بأسعار تنافسية.