رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«تكافل وكرامة».. من الدعم إلى الإنتاج


21-1-2025 | 19:10

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير يكتبه: محمود أيوب

سعى متواصل، لا يتوقف، من الدولة المصرية لتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حياة كريمة للمواطنين، وفى المقدمة يأتى برنامج «تكافل وكرامة»، كأحد أبرز أعمدة الحماية الاجتماعية، تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى، ويتمحور اهتمام الدولة حول تمكين الفئات الأولى بالرعاية وتطوير برامج الدعم لتحويلها من مجرد معونات نقدية إلى استثمارات تنموية فى البشر، ما يعكس استراتيجية شاملة لتحقيق التوازن الاجتماعى.

برنامج «تكافل وكرامة»، الذى أطلقته وزارة التضامن الاجتماعى فى عام 2014، يمثل جزءًا أساسيًا من منظومة الإصلاح الاقتصادى، وكما توضح د. مايا مرسى وزيرة التضامن الاجتماعى, فإن الحماية الاجتماعية ليست مجرد مساعدات مالية، بل هى رؤية متكاملة تعتمد على تمكين الأسر الفقيرة اقتصاديًا، مع ضمان العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.

 

ويمزج البرنامج بين الدعم النقدى المشروط وغير المشروط، مستهدفًا الأسر الفقيرة، الأيتام، ذوى الإعاقة، وكبار السن، حيث يشترط على الأسر الالتزام بتعليم الأطفال والرعاية الصحية، إضافة إلى محاربة ظاهرة زواج القاصرات، لضمان استثمار مستدام فى رأس المال البشرى.

 

فمع إطلاق البرنامج بميزانية أولية بلغت 3.7 مليار جنيه لـ6.5 مليون مستفيد، حقق البرنامج قفزات نوعية خلال عقد من الزمن، اليوم، يستفيد أكثر من 22 مليون مواطن من البرنامج، مع موازنة تصل إلى 41 مليار جنيه للعام المالى 2024_2025، مما يعكس توسع مظلة الحماية الاجتماعية.

 

تشمل الفئات المستفيدة الأطفال تحت سن 6 سنوات، النساء المعيلات، ذوى الإعاقة، والعمالة غير المنتظمة، وبدعم يُقدر بـ8 مليارات جنيه سنويًا لذوى الإعاقة و3.4 مليارات جنيه للنساء المعيلات، حيث تسعى الدولة لتوفير حياة أكثر استقرارًا للفئات الأكثر احتياجًا.

 

تكامل الخدمات

 

لا يتوقف الدعم عند تقديم المساعدات النقدية، بل يتكامل مع خدمات أخرى مثل التأمين الصحى، والإعفاء من مصروفات التعليم، وتوفير بطاقات تموينية، كما يتمتع مستفيدو البرنامج بفرص للاستفادة من مبادرات مثل «سكن كريم»، «الألف يوم الأولى»، وبرامج محو الأمية والصحة الإنجابية.

 

وفى إطار تعزيز العدالة الاجتماعية، فإن 75 فى المائة من حاملى بطاقة «تكافل وكرامة» من النساء، و72 فى المائة من المستفيدين من سكان الريف، ما يعكس الجهود المبذولة للوصول إلى أكثر المناطق احتياجًا.

 

وشهد عام 2023 زيادتين لمعاشات «تكافل وكرامة»، بنسبة إجمالية بلغت 40 فى المائة، قبل أن يوجه الرئيس السيسى بزيادة إضافية بنسبة 15 فى المائة بتكلفة 5.5 مليار جنيه فى العام المالى 2024 2025-. ومع هذه الزيادة، أصبح متوسط المعاش يتراوح بين 620 و740 جنيهًا شهريًا للأسرة، ما يعكس التزام الدولة بتخفيف الأعباء الاقتصادية عن المواطنين.

 

ولا تقتصر جهود وزارة التضامن الاجتماعى على تقديم المساعدات، بل تشمل أيضًا توفير مشروعات التمكين الاقتصادى، والتدريب المهنى والحرفى، لتوفير فرص عمل تساهم فى تحسين مستوى المعيشة، هذه الخطط متوسطة وطويلة المدى تهدف إلى دفع الأسر نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى تدريجيًا.

 

برنامج «تكافل وكرامة» ليس مجرد مبادرة حكومية، بل هو نموذج لالتزام الدولة ببناء مجتمع أكثر تكافؤًا وعدالة، من خلال هذه الرؤية، تستثمر مصر فى الإنسان، لتحقق نقلة نوعية فى مستوى حياة الفئات الأكثر احتياجًا، وتضع أساسًا متينًا لمستقبل أكثر إشراقًا.

 

حكاية أسرة تغيرت حياتها

 

وفى إحدى القرى البسيطة بمحافظة المنيا، حيث تلتف الأزقة حول المنازل الطينية، تعيش «أم أحمد» الأرملة الأربعينية، مع أطفالها الثلاثة بعد أن فقدت زوجها فى حادث منذ عدة سنوات، كانت حياتها مليئة بالتحديات، لا تملك سوى قوت يومها بالكاد، وكانت تسعى جاهدة لتوفير لقمة العيش لأطفالها.

 

«كنت خايفة على عيالى من الجوع والضياع.. ما كنش عندنا دخل ثابت، وكل يوم كان يعدى علينا بصعوبة»، تقول «أم أحمد» بصوت مختلط بالحزن والارتياح وهى تتذكر الأيام الصعبة، لكن بدأت الأمور تتغير عندما سمعت عن برنامج «تكافل وكرامة» من إحدى جاراتها، التى نصحتها بالتقدم للاستفادة من الدعم، لم تصدق فى البداية أن البرنامج قد يكون طوق النجاة لها ولأطفالها، لكنها قررت المحاولة، وأضافت: «قدمت الورق، وكنت مستنية أمل جديد فى حياتنا».

 

وبعد شهرين من التقديم، حصلت «أم أحمد» على بطاقة تكافل، وبدأت تتلقى مبلغًا شهريًا ساعدها على تحسين حياتها. تقول: «أول ما استلمت الدعم، قدرت أجيب احتياجات عيالى من أكل ولبس، وحسيت لأول مرة إن فى أمان».

 

لكن الدعم لم يتوقف عند المساعدة المالية فقطـ، التزمت «أم أحمد» بإلحاق أطفالها بالمدرسة، كما استفادت من التأمين الصحى الذى أتاح لها علاج ابنها الصغير من حساسية مزمنة كانت تعانى من تكاليفها، وتضيف بفخر: «دلوقتى ولادى بيروحوا المدرسة كل يوم، وبقيت مطمنة على صحتهم ومستقبلهم».

 

وعن مستقبلها، تحلم «أم أحمد» ببدء مشروع صغير بمساعدة برنامج التمكين الاقتصادى الذى توفره وزارة التضامن الاجتماعى، لشراء ماكينة خياطة تستطيع من خلالها إعالة أسرتها بشكل دائم، «عايزة أقف على رجلى وأعلم عيالى وأربيهم كويس، وأبقى نموذج لناس كتير زيى».

 

قصة «أم أحمد» ليست مجرد حكاية أسرة تغيرت حياتها، بل دليل على أن الحماية الاجتماعية يمكن أن تصنع الفارق فى حياة الفئات الأكثر احتياجًا، بفضل برنامج «تكافل وكرامة»، وجدت «أم أحمد» طريقًا للأمان، وأملًا جديدًا يعيد بناء حياتها على أسس الكرامة والإنتاج.

 

الدكتور أحمد عبدالرحمن، رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية قال، إنه تم اتخاذ العديد من الإجراءات من قبل الدولة لدعم الفئات الأولى بالرعاية فى ظل الأزمات الاقتصادية العالمية، حيث تبنت الدولة تطوير برامج ومبادرات الحماية الاجتماعية التى تستهدف الأسر الأكثر احتياجًا.

 

وأضاف «عبدالرحمن» أن القيادة السياسية بدأت فى تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التى تواكب احتياجات المجتمع المصرى، بما يضمن حقوقه المتكاملة، استنادًا إلى ما نص عليه الدستور المصرى، من توفير مظلة حماية اجتماعية، لافتًا إلى أن هذه الإجراءات تأتى ضمن مجموعة من السياسات الاجتماعية التى تهدف إلى إعادة توزيع الدخول والمزايا لصالح الفئات الفقيرة والمناطق الأكثر احتياجًا. وأشار إلى أن وزارة التضامن الاجتماعى تعمل على التوسع فى هذه البرامج، من خلال مظلة قوية تشمل برامج متعددة، كما تقوم الوزارة بتوفير حد أدنى من الحماية للأسر والأفراد، لاسيما الفئات المستضعفة، ويتم توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليمية، فضلًا عن الأمن الغذائى والسكن لضمان تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية للجميع، فالوزارة تسعى إلى تحقيق هذا الهدف بالتنسيق مع مختلف الوزارات والجهات الحكومية المعنية.

 

وبحسب «عبدالرحمن»، فإن عدد الأسر المستفيدة من برامج الدعم النقدى عبر «تكافل وكرامة» بلغ 4.7 مليون أسرة، ومن المتوقع بداية من العام الجارى، أن يتم دمج جميع الأسر ضمنيًا ليصبح إجمالى عدد الأسر المستهدفة 5.1 مليون أسرة، بما يعادل 18 مليون فرد، خاصة أن وزارة التضامن الاجتماعى تقوم بتطوير وتحديث البيانات بشكل مستمر، حيث يتم تنفيذ عملية مستمرة لتنقية البيانات الخاصة بالمستفيدين من الدعم.

 

وأوضح أن الوزارة قامت بتأسيس نظم مميكنة للتحقق من بيانات الأسر المستحقة، بهدف مكافحة الفساد وترشيد الموارد المخصصة لدعم الأسر، منوهًا بأن عملية التحقق من البيانات تعتمد على آلية دقيقة تستهدف عينات محددة؛ للتأكد من عدم حدوث تغيير فى الحالة الاقتصادية والاجتماعية للأسر، ما قد يؤدى إلى خروج الأسر التى لم تعد مستحقة نتيجة تحسن وضعها الاقتصادى.

 

وأكد «عبدالرحمن» أنه فى الوقت الحالى لا توجد قوائم انتظار للمستفيدين، لاهتمام وزارة التضامن بتحديث البيانات بشكل دورى لضمان دخول الأسر المستحقة، وفقًا للقواعد الحاكمة لبرنامج «تكافل وكرامة»، موضحًا أن بعض الأسر تم إخراجها من البرنامج نتيجة تحسن وضعها الاقتصادى أو الاجتماعى، حيث يتم بعد التحقق من خلال مراجعة دورية للبيانات.

 

وأضاف أنه عند إخراج الأسر من البرنامج يتم تطبيق آلية تحقق دقيقة تشمل المراجعة الداخلية والخارجية للتأكد من استحقاق الدعم، مشددًا على تأكد الوزارة من عدم امتلاك الأسر لأية ممتلكات أو أصول قد تؤهلها للخروج من البرنامج، مثل الأراضى الزراعية أو العقارات أو السيارات.

 

وفى سياق مواز، أشار رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية إلى توجيه الرئيس السيسى بزيادة الدعم الموجه للأسر الأولى بالرعاية من مستفيدى برنامج «تكافل وكرامة» بنسبة 15 فى المائة، على أن تعقبها زيادة أخرى بنسبة 25 فى المائة، ليصل إجمالى الزيادة فى الدعم إلى 40 فى المائة.

 

وأفاد بأن الوزارة تبذل جهدًا كبيرًا لضمان وصول الدعم إلى الأسر المستحقة فقط، فالوزارة تركز على الفئات الأكثر احتياجًا فى المحافظات الأكثر فقرًا، مثل أسيوط وسوهاج وأسوان والمنيا، وذلك وفقًا للبيانات الواردة من «جهاز التعبئة والإحصاء»، مشيرًا إلى أن الوزارة تقدم دعمًا خاصًا للأيتام وذوى الإعاقة، حيث تقوم بتنفيذ قوانين تهدف إلى ضمان حقوق هؤلاء الفئات، مثل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008.

 

وأوضح أن الوزارة تُطبق قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 540 لسنة 2015 وتعديلاته الخاصة باستحقاق الأبناء الذين تقل أعمارهم عن 18 عامًا للحصول على دعم برنامج «كرامة».

 

وأكد رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية، أن الوزارة تولى اهتمامًا خاصًا بتوفير الدعم اللازم للأيتام من خلال تنفيذ مجموعة من التدخلات العينية، مثل شراء 1023 وحدة سكنية يتم تخصيصها لخريجى دور الرعاية الاجتماعية من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، بهدف دمجهم فى المجتمع بشكل طبيعى.

 

وقال إن الوزارة تقدم سلال غذائية تحتوى على مواد غذائية أساسية ولحوم للأيتام وذوى الإعاقة لضمان حياة صحية وكريمة، مؤكدا أن برنامج «تكافل وكرامة» يلتزم بمتابعة الحالة الصحية للأطفال، خاصة فى مرحلة الطفولة المبكرة، فالوزارة تولى اهتمامًا خاصًا ببرنامج الألف يوم الأولى فى حياة الطفل، الذى يبدأ منذ مرحلة حمل الأم وحتى يبلغ الطفل سن الفطام فى عامين من عمره، هذا البرنامج يهدف إلى تحسين التغذية للأطفال والسيدات الحوامل والمرضعات لتعزيز النمو الإدراكى والبدنى للأطفال فى هذه المرحلة المهمة من حياتهم.

 

وعن قانون الضمان الاجتماعى الجديد، أكد «عبدالرحمن» أنه يأتى فى إطار تكليفات رئيس الجمهورية، التى تهدف إلى تعزيز برامج وزارة التضامن الاجتماعى لدعم الأسر الأكثر احتياجًا.

 

وأضاف أن القانون يركز بشكل خاص على دعم الفرص التعليمية والصحية، مشيرًا إلى أن القانون يتضمن زيادة موارد الوزارة فى برامج المساعدات الاجتماعية التى تستهدف الطلاب والأطفال فى مراحل الطفولة المبكرة، بما فى ذلك تعليم البنات فى المدارس المجتمعية والتعليم المدرسى والجامعى، كما يستهدف الدعم أيضًا غير المستفيدين من برامج «تكافل وكرامة»، مثل طلاب الأسر غير القادرة، وطلاب المناطق النائية، وذوى الإعاقة، والأيتام، وكذلك المسجلين فى التدريب المهنى والحر.

 

وأوضح أن الهدف من القانون هو تحسين شبكة الأمان الاجتماعى وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعى، بحيث تكون هناك مرونة فى ربط التدخلات الاجتماعية بالمتغيرات الاقتصادية، مثل نسب الثراء والفقر والتضخم، هذه الإجراءات تهدف إلى تقديم أفضل حماية للأسر الأكثر فقرًا والأقل دخلًا، فالقانون يتضمن كفالة حقوق الفئات الأولى بالرعاية، مثل ذوى الإعاقة، والمسنين، والأيتام، وتوفير أقصى حماية لهم.

 

وأكد «عبدالرحمن» أن الوزارة تتبنى منهج الدعم المشروط الذى يستثمر فى البشر، ويهدف إلى تحسين مؤشرات التنمية من خلال إلزام الأسر المستفيدة بالاستثمار فى صحة أطفالها خلال «الألف يوم الأولى» فى حياة الطفل، بالإضافة إلى التحقق من تعليم الأطفال وانتظامهم فى العملية التعليمية. مضيفاً أن «القانون يساهم فى تكافؤ الفرص فى المجتمعات المحلية من خلال التركيز على النوع الاجتماعى والفئات العمرية والنطاق الجغرافى، وذلك فى قطاعات الصحة والتعليم والإسكان والتمكين الاقتصادى».

 

وأشار رئيس الإدارة المركزية للحماية الاجتماعية إلى أن هذه الإجراءات تساهم أيضًا فى تحقيق العدالة الاجتماعية، حيث يتم تحديد مستوى الفقر للأسرة من خلال معادلة اختبارية تقيس مؤشرات الفقر وآليات الاستحقاق، موضحًا أن القانون يعمل على الانتقال من الدعم إلى الإنتاج، من خلال تمكين الأسر المستفيدة من الدعم النقدى وتنفيذ مشروعات متناهية الصغر التى تساعد فى تحسين مستوى معيشة الأسر الفقيرة وتساعدها على الخروج تدريجيًا من الفقر متعدد الأبعاد.

 

وأكد أهمية تمكين المرأة المصرية، من خلال تعزيز قدرتها على اتخاذ القرارات الاقتصادية الأسرية، وشمولها المالى، وتحسين رعايتها الصحية، ومحو أمية المرأة، بالإضافة إلى دعم مشاركتها فى سوق العمل، سواء بشكل فردى أو من خلال العمل مع الغير.