لاشك أن مآلات المشهد وشواهده تشى أن الدولة المصرية تدرك دوماً أن هذا الوطن له حكاية وقصة، والقصة لها بطل هو هذا المواطن الذى تضعه الدولة على رأس الأولويات فى سلم أولويات الرؤى المستقبلية والتفاهمات التى أصبحت ليست وليدة اللحظة؛ ولكنها تدعمه بروح المسئولية الاجتماعية وعلى كل الأصعدة.
لذلك تأتى الحزمة الاجتماعية الجديدة المقترحة لتخفيف الأعباء عن كاهل المواطن ودعمه فى مواجهة الضغوط التضخمية الاقتصادية التى فرضتها علينا الأوضاع الاقتصادية العالمية مع رؤية واضحة تعكس حرص القيادة السياسية على نهج تعزيز العدالة الاجتماعية وإيجاد الحلول التوازنية بين المواطن والدولة.
ومن هنا كان مشروع الحزمة الاجتماعية الجديدة، لذلك كانت مؤشرات الموازنة والحساب الختامى للموازنة العامة للدولة تشير إلى رقم 573 مليار جنيه لدعم الحماية الاجتماعية، وأن بند الأجور الذى تمت زيادته سبع مرات، قد تم ربط الحساب الختامى فيه والذى عرضه وزير المالية وصل إلى 575 مليار جنيه وهو ما يتم العمل عليه فى المشروع المقترح لزيادته فى المرحلة المقبلة من خلال الحزمة الجديدة.
وبالنظر إلى رقم النمو فى الحماية الاجتماعية نجد أيضا زيادة رقم المعاشات والتأمينات إلى 202 مليار جنيه بالإضافة إلى 35.2 مليار جنيه ضمانًا اجتماعيًا بالإضافة إلى 133 مليار جنيه لدعم السلع التموينية و165 مليار جنيه لدعم المواد البترولية، هذا هو الحساب الختامى للموازنة العامة للدولة والذى عرضه وزير المالية، وهو ما يتم البناء عليه فى الحزمة الجديدة نحو رفع رقم الأجور والحماية الاجتماعية حتى يتمكن المواطن من مجابهة الظروف الاستثنائية التى يمر بها الوطن والعالم، لذلك كان هناك تدرج برفع الحد الأدنى خمس مرات ليصل إلى 6000 جنيه فى مايو 2024.
فالتآزر بين العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية هو موضوع توقفت عنده فلسفة السياسة، كما فى أعمال كثيرة حول قيمة العدالة والتوزيع العادل للمستحقات الاجتماعية مثل الحقوق والحريات العادلة المسئولة والفرص والثروات، وقد تتخذ مساراً آخر بين الحماية الاجتماعية وإعادة التوزيع تمثل بعداً أوسع نتيجة للتفاعل بين القوة الهيكلية الاجتماعية والمؤسسات السياسية، وهذه العلاقة فى نهج الإمكانات الوظيفية، حيث يربط القدرة على تحقيق الرخاء وبناء مجتمعات عادلة بإمكانية مشاركة الأفراد فى الأنشطة الاقتصادية.
ويتوقف اختيار تدخلات الحماية الاجتماعية وآثارها المتوقفة على التوزيع وعلى كيفية فهم الجهات المعنية بالعدالة الاجتماعية، فالنهج الذى يعتمده أصحاب القرار حيال العدالة الاجتماعية، إما بإنشاء شبكات أمان لتخفيف وطأة الصدمات الاقتصادية أو باتخاذ تدابير جذرية لمعالجة الثغرات الهيكلية التى تؤدى إلى العوز، وبين العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية قاسم مشترك هو الحقوق.
الحماية الاجتماعية.. هى عنصر أساسى فى العقد الاجتماعى الذى تلتزم بمقتضاه الدولة قانونياً باحترام واجباتها وتطبيقها عن طريق تلبية الحد الأدنى المقبول من الاحتياجات وخدمات الرعاية الصحية والسكن والتعليم، ومن ضمن واجبات أى دولة أن تحمى الفئات التى تحتاج إلى حماية وتستخدم الموارد المتاحة لضمان حق جميع أفراد المجتمع فى الحماية الاجتماعية.
ولاشك أن الحماية الاجتماعية تقع فى موقع الأولوية فى المناقشات الجارية حول خطة التنمية المستدامة وأهدافها من بعد عام 2015، ولقد أكد العاملون بالأمم المتحدة والفريق القائم على صياغة أهداف التنمية المستدامة أهمية الحماية الاجتماعية كوسيلة فعالة للتصدى للعوز، وقالت الأمم المتحدة إنه على الحكومات وضع حد أدنى للحماية الاجتماعية كأساس لا غنى عنه فى معالجة الخلل الاجتماعى.
والمنطقة العربية تواجه تحديات كثيرة فى إحقاق العدالة الاجتماعية بالنسبة لتفاوت مستويات الفقر وعدم المساواة على أساس الثروة والموقع الجغرافى وندرة المياه وسوء الإدارة والنزاعات، ويبقى الربط بين الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية فى أشد الحاجة إلى وجود موارد تساعد الدول النامية على النهوض بواجباتها لمحاولة المؤازرة بين العدالة الاجتماعية وإجراءات الحماية التى تفتقدها دول العالم الغربى وحلفاؤها أصحاب نظريات حقوق الإنسان التى يتشدقون بها دوماً دون النظر إلى ما يفعلونه فى مواطنيهم.
وبالرغم من كل التحديات المختلفة القائمة بفعل الظروف الراهنة وغيره، فقد حققت مصر والدول العربية تقدماً ملحوظاً فى مجال الحماية الاجتماعية، مسترشدة بكل معانى الإنسانية والأطر العادلة لحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية لتلبية مطالب المواطنين فى العدالة وإنشاء نظم عادلة للحماية الاجتماعية.
وعن مصر تحديداً فهى دولة المواطن البسيط، الذى تعتبره هو بطل قصتها وقصة هذا الوطن، فالمواطن المصرى سيظل بطل قصتنا القومية على مدار التاريخ وهو وحده بناء هذه الأمة وكنزها هكذا قال الرئيس عبد الفتاح السيسى.
الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية المصرية.. لقد آمنت الدولة المصرية بأمرين هما العدالة الاجتماعية والحماية الاجتماعية المستدامة وقد قامت بعدة خطوات أهمها: تكريس حق الجميع فى الحصول على الحماية الاجتماعية فى تشريعاتها ودساتيرها كحق غير قابل للتغيير وتوطيد التضامن الاجتماعى بل ضمنت المشاركة والمساءلة فى إدارة نظم الحماية الاجتماعية «برنامج حماية أطفال بلا مأوى». وقامت الدولة المصرية بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية وتأمين التغطية تدريجياً واستكمالها بمستحقات إضافية تضمن حصول جميع المحتاجين من كبار السن والعمالة غير النظامية على الدعم الكافى للدخل وخدمات التعليم والرعاية الصحية، كذلك حالات العوز وذو الهمم لتطبق ركائز العدالة الاجتماعية وتدخل المساواة فى صميم أهداف السياسة العامة للدولة «زيادة الأجور والحد الأدنى»، و«زيادة حد الإعفاء الضريبـى».
كما اعتمدت سياسة مفادها التوصل إلى أكثر الخيارات فاعلية فى تقديم المستحقات حسب الظروف العالمية والتى تلقى بآثارها على الأحوال المحلية. وعملت على سياسة الاستدامة بين الحماية الاجتماعية والعدالة لتأمين ومعالجة أسباب الخلل الذى يؤدى إلى العوز وعدم المساواة. ووضع آليات لتحقيق الدمج الاجتماعى والمساءلة والتماسك الاجتماعى من خلال شراكات ابتكارية بين القطاعين العام والخاص وإفساح المجال لمشاركة المواطنين وتوطيد حسن المواطنة والمسئولية.
فضلاً عن توسيع الحيز المالى للحماية الاجتماعية باتخاذ تدابير تستوفى الاستدامة، وشروطها المالية السياسة واختيار النظام المناسب للتمويل.
ووضع بند احتياطى بالموازنة العامة للدولة قدره 61 مليار جنيه للاحتياطيات العامة لتلافى الصدمات الفجائية ومن هنا تزيد الأجور والحماية الاجتماعية لأن الدولة لديها نهج تحوطى للعوامل الضاغطة.
ولقد انحازت الدولة إلى الضعفاء باعتبار ذلك من أهم جهود التنمية وتعزيزها وأن هذا هو الفهم الحقيقى لمنظور العدالة الاجتماعية لا تدخل فيه أيديولوجية محددة لعدالة أو ليبرالية ولا تعمل بنظام المقاربات ولكن كانت مهمتها واضحة وهى معالجة الخلل الاجتماعى ومعالجته بالحماية الاجتماعية.
إن العدالة الاجتماعية التى اتبعتها مصر ضمنت التكافؤ فى الفرص والاستثمارات والرعاية والإعمار على الحيز الجغرافى لمصر وليس هناك أدل على ذلك من مشروع القرن «حياة كريمة» لتحسين حياة 60 مليون مواطن مصرى وتوفير الحياة الكريمة لكافة المواطنين فى ظل دولة تحترم الدستور والقانون.
وأسست مصر العدالة الاجتماعية هنا على مرتكزات أساسية منها المساواة وتكافؤ الفرص والاحتياجات الأساسية لكل مواطن من غذاء، مسكن، صحة، تعليم، عمل إلى جانب حقه فى السعادة فى وطن يحميه، وإعادة المواطن إلى الارتباط بأرضه وجذوره وشعوره بالانتماء، ولذلك صنفت الأمم المتحدة مشروع حياة كريمة الذى حقق الأهداف الأممية الـ17 فى إطار سعى الدولة لإتاحة الاستثمارات اللازمة لتحسين حياة المواطن المصرى فى 4584 قرية مما ساهم فى إدراجها فى المنصة الإلكترونية التابعة للأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية.
وحقق مشروع حياة كريمة نجاحات عديدة على مسار التواصل المستدام بين أجهزة الدولة والمواطن وأن يشعر المواطن فى القرى البعيدة بالتغيير الكبير الحادث فى الدولة المصرية القائم على فلسفة جودة الحياة للمجتمع والاهتمام ببناء علاقة بين الدولة والإنسان المصرى بتغير الواقع الصعب إلى حلم جميل للريف المصرى والمواطن الذى هو قلب عملية التنمية.
ووضعت الدولة المصرية المواطن المصرى نصب أعينها واعتبرته قيمتها المضافة الحقيقية لتوفر له الأمن الاقتصادى وفرص التشغيل ولم تتركه فى مهب الريح يواجه خلفيات الظروف العالمية التى ألقت بظلالها على العالم كله، ليست مصر ببعيدة عن العالم فقد عملت فى محاولة التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية. بالتوزيع العادل للموارد
والأعباء، وتوفير الضمان الاجتماعى، وإرساء أرضية حماية اجتماعية لأكثر الناس استضعافاً ولا تقف عند الوصول إلى الحد الأدنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بل تسعى باستمرار إلى تلبية الحقوق فى توفير السلع العامة رغم كل الظروف العالمية وتوقف سلاسل الإمداد.
والعدالة بين الأجيال بتطبيق التنمية المستدامة الحقيقية وها هى تبنى شرايين للحياة جديدة وللتنمية أيضاً وتسحب التكدس السكانى ولكن هى ليست مدناً سكانية فقط؛ ولكنها نشاط اقتصادى للأجيال والإنسان المصرى هو من يطور نفسه فقد وضعت الدولة القطاعات الحيوية بالمدن الذكية المستدامة على أعلى المعايير القياسية وراعت أدبيات الأمم المتحدة القائمة على التنمية المستدامة ضمن مقررات التخطيط بالحصول على السكن اللائق فهناك تصور شامل لمسارات الدولة فهناك فرق كبير بين التعمير والعمران ماضية فى عدالتها الاجتماعية الممنهجة.
إن طريق مصر للعدالة الاجتماعية، هو الطريق إلى التنمية وهو طريق يؤدى إلى إعمال القانون، فالعدالة تدل على علاقة الدولة بمواطنيها، وضمان الدولة أن جميع المواطنين يتمتعون بنمط عيش مشترك يلبى حاجاتهم الأساسية ويوفر لهم إمكانية الاستقلال الذاتى والحرية والمساواة فى جميع مجالات الحياة وهو ما فعلته الدولة المصرية فى (قضية العشوائيات) فهى لم تبن بيوتاً فقط؛ لكنها بنت عقولاً وأنارتها بتغيير وجه الحياة ليجد ملايين من المصريين بيوتاً وشوارع تشعرهم بآدميتهم وأنهم يعيشون زماناً آخر أكثر إنسانية وكرامة.
الخلاصة: لاشك أن العولمة كانت لها آثارها وانعكاساتها السلبية بما أدت إليه من تفاوت كبير بين اقتصادات العالم وارتفاع نسبة العوز والحرمان والتهميش على مستوى دول العالم النامى خاصة؛ لكن فى ظل كل هذا حرصت الدولة المصرية على وضع برامج لعلاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية من خلال حلول جذرية لحماية الفئات الأكثر احتياجاً فى المجتمع وتوفير الحماية الاجتماعية ببرامج تستهدف بطل قصة هذا الوطن ولم تتوان عن تقديم الحماية والعدالة معاً فى إطار استراتيجيتها 2030 التى تستهدف هؤلاء المواطنين متمثلة فى القضاء على العوز وتوفير سبل العيش المستدامة، والقضاء على الجوع، وتوفير الصحة والتعليم، والقضاء على الاستبعاد، والتهميش.
ولقد سعت الدولة المصرية إلى تعزيز رأس المال البشرى الذى يعتبر هدفاً أساسياً لسياستها الإنمائية ومساعدة الجميع بالمشاركة فى عملية التنمية حتى ينتشل الضعفاء أنفسهم بالتمكين الاقتصادى الذى وفرته الدولة والتزمت فيه بالحماية الاقتصادية المستدامة لبطل هذا الوطن.
إن النموذج المصرى فى الحماية الاجتماعية يحتذى به من حيث إنه لم يقف عند وضع برامج المساعدات فى إطار حق الحماية الاجتماعية فقط؛ لكنه وضع حوافز وآليات وبرامج تنهض بالفئات الضعيفة وتدمجهم فى عملية التنمية ووضعت إطارا قانونيا يقر بالاستحقاقات التى تندرج تحت الحماية الاجتماعية أو العدالة الاجتماعية.