جاء انتخاب البرلمان اللبنانى لـ «جوزيف عون» قائد الجيش رئيساً للجمهورية، فى ظل تطورات إقليمية غير مسبوقة لحقت بالمنطقة ، وبعد فشل انتخاب رئيس خلال عامين وسبعة أشهر ماضيين ، جرت 12 محاولة لانتخاب رئيس للبنان ، وفى كل مرة تفشل القوى والأحزاب المختلفة فى الاتفاق على اختيار رئيس ليتوحد اللبنانيون تحت قيادة واحدة ، وتسير لبنان فى خط واحد « وهو خط إنقاذ الدولة» مما هى عليه منذ عدة سنوات ، انهيار اقتصادى ومجتمعى وفشل سياسى .
أصبحت رئاسة «جوزيف عون»، للبنان ضرورة مُلحة،فى هذا التوقيت الصعب الذى تمر به كل القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط، وخاصة سوريا وإيران والتمدد الإسرائيلى فى الأراضى السورية الذى أصبح خطراً جسيماً على لبنان ، بعد انهيار نظام الأسد، والقضاء على الجيش السورى، مما أثار الاهتمام بملف ترسيم الحدود البحرية والبرية مع إسرائيل، بما يشمل إعادة فتح ملف مزارع شبعا المتنازع عليها.
ويأتى تصريح «جوزيف عون» وهو المسيحى المارونى حصر السلاح بيد الدولة ، بعد الانقسام العميق بين سنة لبنان وشيعته الذين برزوا كأكبر قوة سياسية وعسكرية فى لبنان وبروز «حزب الله»، كقوة عسكرية يمثل أغلبية الطائفة الشيعية فى لبنان، مدعوماً من قبل إيران وسوريا، وذلك منذ انتهاء حرب لبنان وتعززت قواتهم مع انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام 2001.
وباستمرار العدوان الإسرائيلى على غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وإصرار إسرائيل على القضاء على حماس وأذرع إيران، والوهن الذى طال حزب الله وهو الذراع الأهم والأقوى لإيران والمتمركز فى جنوب لبنان، كقوة عسكرية وسياسية تحدثت على مدار سنوات ماضية باسم المصير اللبناني، بات التغيير ضرورة مُلحة، ويكون للبنان قوة عسكرية رسمية واحدة، تكون تحت قيادة الدولة للحفاظ على الأراضى اللبنانية دون الالتفات إلى غيرها من القضايا، وتطبيق القرار الأممى 1701، والذى ينص على انسحاب إسرائيل بالكامل من الأراضى اللبنانية، ونشر قوات الجيش اللبنانى للحفاظ على الأراضى اللبنانية.
يأتى رئيس لبنان الجديد بمباركة غربية وعربية، وتوافق على انتشال لبنان من الفوضى والتشرذم والفتات الطائفى والعقائدى والمذهبى والسياسي، لتصبح دولة ذات سيادة مُرتبة داخلياً وخارجياً، وهذا من أبرز وأهم الملفات التى ستواجه «جوزيف عون»، حول كيفية استطاعته لتطبيق مفهوم الدولة الصحيح فى لبنان .
وهنا يتحدث الدور المصرى الرائد والثابت فى دعم القضايا العربية والإقليمية ، ومباركته للبنان بأن أصبح لها رئيس وأصبحت لبنان دولة تستطيع أن تتحدث عن نفسها، متحدياً فيها كل القوى من أجل إعلاء مصلحة الوطن العليا والدولة اللبنانية والشعب اللبنانى الذى أُنهك من هذا الفتات على مدار سنوات، تظل مصر تدعم الدولة الوطنية ودولة المؤسسات لتكون لبنان دولة ذات ركيزة تستطيع أن تواجه التحديات الدولية والإقليمية دون تدخل قوى خارجية ويصبح شأن لبنان «لبنانى لبناني»، كما عملت وسعت مصر جاهدة خلال السنوات الماضية على إنجاح التوافق اللبنانى والانتخابات لتولى رئيس قيادة البلاد.
ويبقى التوافق اللبنانى وسلاح حزب الله والدولة العميقة والانقسام السياسى والفساد فى لبنان مُعضلة تواجه الرئيس «جوزيف عون» ملفات مُعقدة تحتاج لحكومة ماهرة ومتوافقة على بناء لبنان بعيدة عن المهاترات والخلافات ولها قرارات حرة بعيدة عن الانتماءات السياسية وتضع نصب أعينها التوسع لدولة الاحتلال ومواجهته والحفاظ على أرض لبنان وشعب لبنان.
والجدير بالذكر أن لبنان شهدت حربا أهلية فى 13 أبريل عام 1975 ، واستمرت لمدة 15 عاماً ، قُتل فيها 150 ألف شخص، وأُصيب مئات الآلاف، منتهية بموجب اتفاق الطائف عام 1990، الذى عكس توازن القوى على الساحتين اللبنانية والإقليمية، ولكن الانقسامات فى لبنان أصبحت أعمق وأوسع بين السياسى والطائفي، كان الانقسام خلال الحرب الأهلية بين المسلمين والمسيحيين، وأخذ طابعاً سياسياً ما بين قوى سياسية يسارية وقومية عربية لبنانية ذات توجهات علمانية ،قاعدته من المسلمين ، إلى جانب قوى سياسية عابرة للطوائف مثل الحزب الشيوعى من جهة وقوى مسيحية تمثلت بالكتائب والقوات اللبنانية ذات توجهات يمينية غربية من جهة أخرى ، إلى أن وصل الأمر إلى الانقسام الأعمق بين السنة والشيعة ، وانخرط حزب الله فى الحياة السياسية وشارك فى الانتخابات النيابية
والحكومية ومع الاحتلال الأمريكى للعراق بدأ الحديث عن الهلال الشيعى من إيران إلى العراق ولبنان متمثلاً فى حزب الله.
6 سنوات قادمة تحمل مسئولية كبيرة وتتطلب تجاوباً إيجابياً من الحكومة والأطراف السياسية، لتحقق مسارات إيجابية من الذى يتمناه اللبنانيون ، وتعزيز التماسك الوطني، حصل « عون» على 99صوتاً نيابياً من أصل 128 فى الجولة الثانية ، بعد أن أدلت بصوتها كتلة حزب الله النيابية فى رسالة من رئيسها «أردنا أن نبعث رسالة بأننا حماة السيادة»! تعهد الرئيس المُنتخب بتخليص البلاد من أزماتها الاقتصادية والسياسية التى لا تعد ولا تحصى، واحتكار السلاح تحت تفويض الدولة ، وهذا فى إشارة مهمة لدحر دور حزب الله المُسلح المدعوم من إيران، وضرورة انسحابه من الجنوب ومغادرة القوات الإسرائيلية الأراضى اللبنانية تنفيذاً للقرار 1701الأممى، وإخلاء المنطقة الفاصلة بين الخط الأزرق ونهر الليطانى جنوبى لبنان من أى مسلحين.