رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الشرطة النسائية.. «قوة ناعمة» بقدرات حازمة


25-1-2025 | 14:38

صورة أرشيفية

طباعة
حوار: سناء الطاهر

تظل الشرطة النسائية المصرية، مثالًا حيًا على قدرة المرأة فى مواجهة التحديات، وتقديم نموذجٍ فريد من التميز والإبداع فى مجالات، كانت حكرًا على الرجال.. ومنذ إطلاق أول دفعة من الضابطات فى عام 1984، بدأت الشرطة النسائية فى رسم مسار جديد للمرأة فى قطاع الأمن، محطمةً بذلك العديد من المفاهيم الموروثة عن دور «السيدات» فى المجتمع.

تتمثل أهمية هذا القرار المصرى فى كونه لم يكن مجرد خطوة تدريجية، بل نقلة نوعية؛ حيث تم دمج المرأة فى جهاز الشرطة بشكل يتجاوز الأدوار التقليدية التى كانت تتقيد بها، مثل العمل فى المجالات الإدارية فقط والأعمال المكتبية.. وبدلًا من ذلك، أصبحت الضابطات المصريات، جزءًا لا يتجزأ من هيكل الأمن القومى، ولعبت دورًا محوريًا فى تعزيز الاستقرار الداخلى وحماية الوطن.

فى ضوء الدعم الكبير الذى قدمته القيادة السياسية فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أصبح للشرطة النسائية - الآن، دور محورى فى تحقيق الاستقرار الأمني.. (بداية من حماية حقوق المرأة ومكافحة العنف والتحرش ضدها، إلى تأمين المنشآت الحيوية وضبط الجرائم الجنائية).. وبالفعل أثبتت الشرطة النسائية المصرية أنها أكثر من مجرد عنصر دعم فى جهاز الأمن، بل شريك أساسى فى تأمين الدولة وتعزيز العلاقة بين الشعب والقانون.. وأصبحت المشاركة الفعالة للنساء فى هذه المهام، شهادة مثالية على مستوى التطور، الذى شهدته المرأة المصرية فى كافة المجالات. «المصور» ألقت اللواء رقية الصيفى، خريجة الدفعة الأولى للشرطة النسائية وواحدة من أبرز الوجوه القيادية فى هذا المجال، لتروى لنا رحلة الشرطة النسائية المصرية منذ بداياتها، والتحديات التى واجهتها، والإنجازات التى حققتها، الأمر الذى أسهم فى رسم ملامح مستقبل مشرق لهذه القوة «الناعمة»، التى لا غنى عنها فى المجتمع المصرى.

متى بدأت فكرة وجود عنصر نسائى أمني.. وما أبرز التحديات التى واجهتها أول دفعة ضابطات؟

بدأت فكرة انضمام المرأة لجهاز الشرطة فى مصر خلال العام 1984.. عندما اتخذت وزارة الداخلية هذه الخطوة الجريئة وغير المسبوقة، بفتح أبوابها أمام الفتيات.. وكانت الفكرة تهدف إلى تعزيز دور المرأة فى المجتمع وتمكينها من المشاركة فى حفظ الأمن والنظام.

جاءت هذه الرحلة بالإعلان عن طلب التحاق خريجات الجامعات المصرية، وتحديدًا من كليات الحقوق والآداب والخدمة الاجتماعية والتربية الرياضية وكلية التمريض، للانضمام إلى كلية الضباط المتخصصين.

منذ تلك اللحظة، كان التحدى الأكبر أمام النساء اللواتى قررن الانضمام إلى هذا المجال، هو القدرة على التوفيق بين متطلبات العمل الأمنى المتزايدة، وتحديات المجتمع المصرى الذى كان يرى أن الشرطة حكرٌ على الرجال طوال العقود الماضية.. ولم تكن هناك سابقة فى تاريخ جهاز الشرطة يسمح فيها للنساء بأن يشغلن وظائف ميدانية، لذا كان علينا إثبات أنفسنا فى العديد من المواقف.

التحديات كانت كثيرة، أبرزها تشكيك البعض فى قدرة المرأة على أداء المهام الأمنية.. وعند انضمامى كجزء من أول دفعة للشرطة النسائية، واجهنا مواقف عديدة تعكس هذه النظرة المتحفظة.. على سبيل المثال، لم يكن الجميع مقتنعًا بقدرتنا على تنفيذ المهام الأمنية مثل القبض والتحقيق مع الخارجين عن القانون.. ولكن بنهاية السنة الأولى، كانت نتائج التدريب والاختبارات الميدانية، قد أثبتت للجميع قدرتهن على التفوق فى هذا المجال الذكوري.

كيف ساهمت أكاديمية الشرطة الجديدة فى تحسين وتطور العنصر النسائي؟

إنشاء هذه الأكاديمية، التى تضمنت كلية الضباط المتخصصين، كانت نقلة نوعية فى تدريب وتأهيل الشرطة النسائية، فالأكاديمية وفرت برامج تدريبية متطورة شملت الجوانب الميدانية والبدنية والنفسية، مما أتاح للضابطات اكتساب المهارات اللازمة للعمل بكفاءة.

وكانت المناهج التدريبية لا تقتصر على الجانب القانونى فقط، بل امتدت لتشمل التدريب البدنى القوى والمرونة النفسية التى تحتاجها الضابطات فى مواجهة المواقف الأمنية الصعبة.. وأيضًا، تم إدخال تدريبات على التقنيات الحديثة مثل استخدام الأجهزة التكنولوجية فى مجال التحقيقات والجريمة، مما جعل الشرطة النسائية قادرة على التعامل مع مختلف التحديات الأمنية المعاصرة.

بالإضافة إلى ذلك، ركزت الأكاديمية على إعداد الضابطات لتولى أدوار قيادية، حيث كان هناك تركيز خاص على تطوير مهارات القيادة والإدارة، ما يتيح للنساء تولى المناصب العليا فى جهاز الشرطة.. هذا التطوير الملحوظ فى التدريب انعكس بشكل إيجابى على أداء الضابطات، مما مكنهن من أن يكنّ جزءًا فعالًا من العمليات الميدانية.

ما أبرز الأدوار التى أثبتت فيها الشرطة النسائية تفوقها منذ 1984؟

الشرطة النسائية أثبتت جدارتها فى مختلف المجالات، بداية من الأدوار التقليدية، إلى المشاركة الفاعلة فى المهام الميدانية.. فلم تقتصر مهامنا على التعامل مع قضايا النساء فقط، بل امتد دورنا إلى مهام متنوعة فى الأمن الجنائى والشرطة القضائية، حيث كانت الضابطات يعملن جنبًا إلى جنب مع زملائهم من الرجال فى العديد من الأماكن الحساسة فى طبيعة عملها.

على سبيل المثال، ساهمت الضابطات فى تأمين منشآت حيوية مثل المطارات والموانئ، وعملن فى مصالح: الأحوال المدنية ووثائق السفر والهجرة والجنسية، حيث كنّ يتعاملن مع المواطنين مباشرة، ما ساهم فى تحسين الصورة الذهنية للشرطة.. وعلاوة على ذلك، كانت للشرطة النسائية بصمة واضحة فى شرطة السياحة، وتأمين عربات السيدات فى مترو الأنفاق.

أما فى مجال حقوق الإنسان، لعبت الشرطة النسائية دورًا محوريًا فى مكافحة العنف ضد المرأة، وتقديم الدعم النفسى والقانونى للضحايا، وكان لها دور كبير فى تأسيس مراكز خاصة بالإبلاغ عن العنف الأسرى والتحرش.. وعليه، فقد ساهمت «نساء الداخلية» فى تحقيق تطور كبير بشأن التعامل مع كافة القضايا بالغة الأهمية.

اذكرى لنا، كيف ساعد وجود عنصر نسائى فى قضايا التحرش والعنف ضد المرأة؟

وجود عنصر أمن نسائى فى أقسام الشرطة، كان له تأثير كبير فى تشجيع السيدات والفتيات، على الإبلاغ عن الجرائم.. وغالبًا ما كانت النساء يشعرن بالحرج أو الخوف من التحدث إلى رجال الأمن بشأن قضايا حساسة مثل التحرش أو العنف الأسري.. لذلك، كانت الضابطات جزءًا من الحل، حيث قدمن الدعم النفسى والمعنوى لضحايا هذه الجرائم.

إضافة إلى ذلك، تم تطوير وحدات شرطة متخصصة فى التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة، وكان وجود ضابطات فى هذه الوحدات، أشعر النساء بأمان أكبر عند تقديم بلاغاتهن، مما أسهم فى زيادة عدد البلاغات الواردة، وبالتالى تسريع الإجراءات القانونية التى تلتها، كالمادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية، التى تشترط أن يتم تفتيش النساء بواسطة أنثى فقط، مما عزز من أهمية دورنا فى جهاز الأمن الداخلي.

بعد وصول المرأة إلى رتبة لواء.. كيف ترين دور القيادة السياسية فى «تمكين الشرطيات»؟

وصول المرأة إلى رتبة لواء فى جهاز الشرطة، يعكس إيمان الدولة بقدراتهن ودورهن المحورى فى المجتمع.. وكانت هذه الخطوة بمثابة رسالة واضحة أن (المرأة قادرة) على تولى المناصب القيادية بجدارة وكفاءة.. وهذا التقدم ليس مقصورًا على حالات فردية، بل هو مؤشر على التحولات الجوهرية التى حدثت فى ثقافة العمل الأمنى فى مصر.

أما عن دعم القيادة السياسية، فلا شك أن الرئيس السيسى كان له دور كبير فى تمكين المرأة فى كافة المجالات، بما فى ذلك جهاز الشرطة، كما أن المبادرات التى أطلقتها الدولة لتكريم سيدات مصر، مثل إعلان 2017 عامًا للمرأة المصرية، كانت دافعًا كبيرًا لهن للاستمرار فى مواصلة النجاح، كذلك دعم قيادات القاهرة انعكس أيضًا فى تفعيل قوانين وسياسات تكفل مشاركة النساء فى المناصب القيادية.

صِفى لنا.. كيف ساهمت الشرطة النسائية فى تغيير الصورة النمطية عن المرأة فى مجتمعنا الشرقي؟

قبل انضمام المرأة إلى جهاز الشرطة، كانت الصورة النمطية عن المرأة محصورة فى أدوار منزلية أو وظائف محدودة التأثير، لكن بفضل العمل الجاد الذى قدمته الشرطة النسائية، تغير هذا الإطار.

وأثبتنا أن المرأة قادرة على تحمل المهام الصعبة والمسئوليات الجسيمة، سواء كان ذلك فى مكافحة الجرائم أو تأمين المنشآت أو حتى قيادة فرق عمل فى الميدان.. وأدى نجاحنا فى هذه المجالات القاسية، إلى تعزيز صورة النساء فى المجتمع بشكل عام، والتأكيد على أنهن قادرات على النجاح فى أى ميدان يطمحن للعمل فيه.

وهل تم التغلب على التحديات التى واجهتها الشرطة النسائية منذ بداية ظهورها؟

من أبرز التحديات التى واجهتنا كان التوفيق بين واجباتنا المهنية والأسرية، فالعمل فى جهاز الشرطة يتطلب ساعات طويلة من الالتزام والتركيز، وهو ما شكل عبئًا إضافيًا على الأمهات والزوجات.

أما التحدى الآخر، فتمثل فى مقاومة بعض الزملاء الرجال لفكرة وجود المرأة بينهم، فالبعض كان يرى أن عملنا لابد أن يقتصر على الأدوار الإدارية، لكننا أصررنا على إثبات أنفسنا، من خلال المشاركة الفاعلة فى المهام الميدانية.

ما النصيحة التى تودين تقدميها للضابطات الجديدات وللأجيال القادمة من الشرطة النسائية؟

نصيحتى الأولى هى الاستمرار فى التعلم والتدريب، فالعالم يتغير بسرعة، والتحديات الأمنية تتطلب مواكبة هذه التغيرات.. لذلك، يجب على الضابطات الجديدات ألا يقتصرن على ما تعلمنه فى الأكاديمية، بل أن يواصلن تطوير مهاراتهن والتدريب المستمر، سواء فى مجال التحقيقات أو التقنيات الحديثة فى الأمن، أو فى مهارات القيادة.

كما أوصيهن بالتواضع والصبر فى مواجهة التحديات، لأن هذا العمل يتطلب منكِ المثابرة والقدرة على التحمل، خصوصًا فى المواقف الصعبة، فقد تعلمت خلال مسيرتى أن النجاح لا يأتى بين ليلة وضحاها، بل هو نتيجة لتراكم الخبرات والعمل الجاد.

وفى الواقع، يجب أن تظل الشرطة النسائية قريبة من المواطنين وتفهم احتياجاتهم وتحدياتهم، لأننا فى النهاية جزء من هذا المجتمع، ويجب أن يتم ذلك من خلال تفعيل دورنا بشكل متكامل مع الشرطة، وبالتالى سيمكننا المساهمة بشكل أكبر فى تحسين الأوضاع الأمنية لمصرنا الغالية.

فى ختام حديثنا، كيف ترين مستقبل الشرطة النسائية المصرية؟

أرى أن المستقبل أمامنا واعد جدًا، حيث ستستمر الشرطة النسائية فى توسيع دائرة تأثيرها وزيادة تواجدها فى مختلف المجالات الأمنية.. ولدينا اليوم مزيد من الفرص لتطوير ممارساتنا الشرطية ورفع مستوى الأداء، خصوصًا مع الاهتمام المتزايد من القيادة السياسية بالمرأة فى جميع القطاعات.