رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الأطروحات الحكومية تكشف أكاذيب أهل الشر


25-1-2025 | 20:15

صورة أرشيفية

طباعة
بقلـم: د.وفاء على

كثرت الأحاديث عن التخارج والأطروحات الحكومية والجدول الزمنى الذى تتم فيه، وبدأت التصريحات والتكنهات فيما يخص هذا الشأن، والسؤال الجدلى: هل نمتلك أدوات المستقبل والتوجه إلى العوامل المرئية وغير المرئية فى تحديد آليات التخارج من أجل القطاع الخاص؟، ومن هنا رأينا عرض الرؤية الفنية لمسار التخارج والأطروحات الحكومية.

 

لا شك أن الكل يريد عودة الاستثمارات المباشرة بوتيرة جديدة وسريعة، وهى من العوامل التى تعزز الاحتياطى النقدى لأى دولة، وتشكل ركنا أساسيا، ومؤشر على نجاح الدولة فى استهداف وترويج الاستثمار، وإن إدارة الأزمة من قِبل الدولة نتجت عن دراسة واعية فى ظل ما يحدث من سلبيات على وضع الاقتصاد العالمى على خلفية سياسة التشديد النقدى والحرب الروسية - الأوكرانية، وأن تمر الأحداث المتصاعدة عالميا بما تحمله بأقل الخسائر، وإلا تعول ملفاتها على أخذ المخاطر الجيوسياسية فقط فى حسبانها، وإنما ردة فعل الأسواق والنظرة المستقبلية لمعدلات النمو.

نحن نشترى المستقبل ولذلك هناك عوامل غير مرئية فى التخطيط الاستراتيجى لأى دولة، والعالم كله يتطاحن فى «رالى» كبير وحالة طمع وصلت إلى ذروتها بسبب جلب الاستثمارات المباشرة. والحقيقة أن الكلمة الدلالية الكبيرة هى كيف نتماشى مع حالة تخارج الدولة من بعض المشروعات، ويمضى برنامج الأطروحات الحكومية بسلاسة وسلامة، فالهرولة غير مطلوبة والبطء غير مطلوب، وإنما نحن بحاجة إلى فلسفة أو نهج علمى سليم نتخارج به، فى ظل بقاء الدولة ببعض القطاعات، فالكل ينادى بالتخارج السريع لصالح القطاع الخاص أو عدم التخارج، ولكلٍّ وجهة نظره، خصوصًا بعد ماراثون الأقاويل الأخيرة التى سارت بشأن مشروع «رأس الحكمة».

 

ونقول إن الاستثمار الحقيقى قائم على لغة واحدة فقط ألا وهى مصلحة الوطن والمنافع المتبادلة من عملية التخارج، ولو عدنا قليلًا إلى الوراء، كان فى السنوات الماضية الحديث الأساسى الرسمى الذى لا يعلو عليه صوت، والكل فى صيحة واحدة بضرورة جلب الاستثمارات الأجنبية وظهور الحكومات المتتالية بسؤال واحد فقط: أين الاستثمارات؟ ولماذا لا تتخارج الدولة وتعطى الفرصة الكاملة للقطاع الخاص للعمل والاستثمار فالقطاع العام لديه خسائر؟

 

واليوم نعود لنتحدث بلغة أخرى لبعض الفئات الذين يتعاملون مع الاقتصاد بلغة العواطف بعيدًا عن لغة المصلحة والمنفعة المتبادلة، ففى كل الأحوال التخارج أو الاستثمار بشروط صحيحة، هو الأمل الخاص بتحقق نقطة التعادل المنشودة، فالاستثمار الحقيقى سيتيح فرص عمل ويضخ مزيدا من العملات الصعبة .

 

لكن هناك ظاهرة هذه الأيام، فقد نصَّب المحللون وبعض المتحدثين أنفسهم فى باب التقييم والجلد، وبدءوا يهاجمون الدولة ويعتبرون عدم التخارج السريع مؤشر تقييم لعدم النجاح، وبدأت حملات كثيرة للتأثير على عقول البسطاء، واتهام الدولة بالسيطرة على الاقتصاد، وإغلاق الأبواب أمام الاستثمار الأجنبى، ورفض منح فرصة كاملة للقطاع الخاص .

 

وعندما همّت الدولة بعملية الأطروحات والتخارج من الاقتصاد بطريقة تدريجية صحيحة وفتح الباب أمام المستثمرين الذين لديهم جدية حقيقية سواء أجانب أو محللين، انقلبت الدنيا مرة أخرى، وكان هؤلاء مَن دعموا التخارج والاستثمار فى البداية هم نفس الفريق الذى يتهم ببيع أصولها وممتلكاتها لأجانب أو عرب مستثمرين، نفس الفريق الذى اتهم الدولة من قبل بالتقاعس عن عملية الأطروحات والتخارج وفتح آفاق الاستثمار، ونصَّبوا أنفسهم كعباقرة يفهمون وحدهم فى كيفية التخارج، وهو ما أفقدهم مصداقيتهم أمام المصريين الذين احتاروا فى الأمر، ونسى وغفل هؤلاء أن المواطن البسيط يفهم أن التخارج له أصوله .

 

وأصبح حال الاقتصاد المصرى منقسما كالمذاهب أو النخب أو الفصائل، وهم أصحاب الفكر الحصرى للفهم والقدرة والاستحقاق الاقتصادى وهو كارثة تعتبر أكثر فتكًا من العدوى المرضية، لأنها تؤدى إلى خلل فى مجتمع الأعمال كله، فالأمر بين مَن يقول إن التخارج يعتبر إنجازا رافعا للدولة المصرية، وقد تأخرنا فيه ويجب الإنجاز سريعًا، أما الفريق الآخر فيرى التخارج كارثة، وأن الدولة تتخلى عن الحماية الاجتماعية والأسر الأشد احتياجًا، وفريق ثالث يتحدث عن بيع للثوابت الوطنية، وفريق أخير وظيفته بثّ الإحباط والبكاء على الماضى.

 

وكل هذه الآراء المتعارضة تصبّ فى معسكر واحد وهو قوى الشر التى تتربص بالدولة المصرية، وهى لا تفهم بالأصل فى عملية التخارج، وأن له أصوله كما يفعل العالم كله.

 

وعندما بدأت الدولة المصرية تمارس حقها الطبيعى فى وضع بعض المناطق السياحية كأرقى المقاصد على ساحل البحر المتوسط على خريطة العالم السياحية خلال 5 سنوات، قامت الدنيا، فالأمر لا بد أن يأخذ وقته، والتعامل مع صناديق الاستثمار العالمية لا بد أن يتوافق مع معايير منضبطة طبقًا للمعايير العالمية، ومن هنا بدأت معركة الفرق والمذاهب والفصائل الاقتصادية، وبدأت الخروج للإعلام بتصريحات وآراء وكأنها معركة تم تغليفها، وأن الدولة تبيع أصولها للغرباء .

 

وأصبح المواطن البسيط لا يفهم ما يرددونه، فليس لديهم حجة تفهم، لا بالتفكير أو التأصيل العلمى أو الإقناع الواعى، ووقع الجميع فى مصيدة فكر هؤلاء، وهناك تجارب فى الدول العربية والأجنبية لا يتحدث عنها أحد، فقطر مثلًا من أهم المستثمرين فى بريطانيا، وتبلغ استثماراتها حوالى 50 مليار جنيه

إسترلينى، وفى فرنسا استثماراتها حوالى 30 مليار يورو، وهذه إحصائية رابطة «كادران» القطرية الفرنسية، ومعظم هذه المشروعات سياحية وعقارات وامتلاك نادٍ رياضى من أكبر أندية كرة القدم «باريس سان جيرمان»، وعدد من شركات الطيران الرائدة والوطنية، فهل احتلت قطر فرنسا أو إنجلترا؟، كذلك المملكة العربية السعودية وفق مصادر سعودية فإن استثماراتها تجاوزت الـ60 مليار جنيه إسترلينى ما بين مشروعات سياحية وعقارية وأسهم فى مطارات شهيرة.

 

أما الإمارات العربية فقد تجاوزت استثماراتها الـــ15 مليار جنيه إسترلينى بجانب امتلاك أكبر نادٍ رياضى فى بريطانيا، فهل الاقتصاديون فى هذه الدول هاجموا دولهم، مثلما يفعل الخبراء لدينا؟، وإذا نظرنا إلى حجم استثمار الصين فى أمريكا وهما العدوان المتناحران، فسنجد أن حجم الاستثمارات الصينية فى أمريكا القوة الأولى عالميًا يبلغ 800 مليار دولار فى السندات، بالإضافة إلى الأراضى والمشروعات الصناعية والزراعية والسياحية، وهو ما أعلنته وزيرة التجارة الأمريكية، جينا ريموندو، بنفسها فى سبتمبر 2023 فى بيان لها، وتمتلك الصين أراضى ومبانى داخل الولايات المتحدة الامريكية، فلا بد لكل الفرق سواء التى تعزز الاستثمار أو ترفضه أن تتفهم المخاوف المشروعة، وأن الأمر يجب أن يتم طبقًا لقواعد وأصول علمية، فالاستثمار مفتاح لإحداث نهضة اقتصادية كبرى بمصر وغيرها، فالمستثمر لن يحمل المشروع ويخرج به عندما يقرر أن يرحل، ولذلك لا بد من التروّى ومزيد من الوعى والفكر وتوصيل الفهم الصحيح لعموم المصريين، بدلًا من إثارة الجدل والتشكيك عن التقاعس فى جلب الاستثمارات .

 

لا شك أن الدولة المصرية تخوض «رالى» عالميا لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، ويجب أن نضع فى اعتبارنا ونحن نعمل على ملف الاستثمار والتخارج والأطروحات، أن العالم يتطاحن فى محاولة منه إلى جذب أكبر رقم من الاستثمارات بما لديه من محفزات بعد عملية الإكراه الاقتصادى التى مارستها السياسات التشددية النقدية، والتى أدت إلى خروج الأموال الساخنة.

 

لكن الدولة المصرية جادة نحو تحقيق أهدافها للوصول إلى اقتصاد قوى قادر على المنافسة والنمو لما يتمتع به من مزايا متعددة تسمح بتنمية روافده للمساهمة فى زيادة الإنتاج والتنمية لمزيد من خفض البطالة بما يؤثر بشكل مباشر على زيادة الناتج القومي، فالارتباط الوثيق بين الاستثمار والاقتصاد يجعلنا نفكر جيدًا، فالنمو الذى يحدث للاستثمار ينعكس على الاقتصاد ويزيد من قدرة الدولة المصرية على تحسين حلمها فى التصدير ودعم الميزان التجارى، بالإضافة إلى الآثار الاجتماعية للاستثمار مما يؤدى إلى استقرار الاقتصاد.

 

إن التسلسل المنطقى والأدلة الإيجابية والاستقراء العلمى لعملية التخارج يعطى دلالات وأبعادا بأن الدولة المصرية عليها اتخاذ خطوات حاسمة لتحقيق طفرة حقيقية فى عملية جذب وتشجيع الاستثمار المحلى والأجنبى وإيجاد علاقة للربط بين أدوات الاستثمار وبناء قاعدة إنتاجية متنوعة وتحقيق تطور اقتصادى حقيقى وشامل .

 

إن الأمر الخاص بقضية القطاع الخاص يعكس وجود إرادة سياسية راغبة فى التقدم وتحقيق مناخ استثمارى آمن ورؤية مستقبلية واضحة المعالم تعمل على جذب الاستثمارات بشكل يدعم توافق وتوازن الأجهزة المعنية بعملية الاستثمار، والذى يشير إلى الاتجاه الاقتصادى الجديد الذى نريد أن تسلكه مصر فى أيديولوجية جديدة تتيح المشاركة الفاعلة للقطاع الخاص، وذلك لتأثير الاستثمارات فيما يخص مؤشرات الاقتصاد الكلى وسعر صرف العملة لصالح زيادة المعروض من العملات الصعبة وزيادة الإنتاج وتقليل فاتورة الواردات وزيادة الصادرات مما يؤثر إيجابيًا على معدلات البطالة والاستقرار الاقتصادى والاجتماعى.

 

نحن نحاول إحداث نقلة نوعية فى مختلف القطاعات والمجالات فى ظل مؤشرات خاصة بالاستثمار فى مصر والإجراءات الاستثنائية التى اتخذتها الدولة المصرية ومقترحات الحوافز والتيسيرات لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمارات لكافة القطاعات وليس لقطاع واحد، فنحن أمام اقتصاد متنوع ذى أبعاد كثيرة، ففى ظل تخفيض تكلفة تأسيس الشركات والحد من القيود المفروضة على التأسيس كذلك الموافقات المطلوبة ومدة الحصول عليها وتسهيل ملكية الأراضى والتوسع فى إصدار الرخص الذهبية .

 

لقد اتخذت الدولة آليات هامة لعملية الاستثمار فى ضوء ما تشهده الملفات العالمية فى نفس النطاق، مثل تعزيز إطار الحوكمة والشفافية، والسعى إلى الحياد التنافسى فى السوق المصرية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج، وتخفيف الأعباء المالية والضريبية على المستثمرين، والتحفيز للاستثمار المحلى والأجنبى، وتوسيع اختصاص المحاكم الاقتصادية، وإنشاء منصة واحدة إلكترونية لـتأسيس وتشغيل وتصفية المشروعات .

 

لقد قررنا كسر قواعد البيروقراطية فى عالم يلهث منه الجميع للاستثمار وضخّ الأموال فى جسد الاقتصاد القومى لأى بلد، ولقد رتبت الدولة المصرية أولوياتها فى هذا المنحنى لزيادة ضخ استثمارات القطاع الخاص خلال الثلاث سنوات القادمة لرفع سقف الاستثمارات إلى حوالى 65 فى المائة من استثمارات الدولة، فقد بلغت الاستثمارات المقدرة رقما معتبرا فى موازنة 2024-2025 تحاول الدولة المصرية تحقيقه بل وزيادته.

 

لقد آلت الدولة على نفسها حل مشاكل المستثمرين بصورة آنية، فليست الأهمية فى اتخاذ القرارات وإنما التنفيذ الفعلي، فالوقت أصبح له قيمة وليس فى صالح أى دولة فى ظل الظروف العالمية الراهنة. وعطفًا على ما سبق فإن الأحداث المتصاعدة فى العالم والصراعات الجيوسياسية، لا بد أن يكون الحل سريعًا ولكن فى إطار علمى فلا نكون متعجلين وفى نفس ا

لوقت لا نتأخر لضمان قاطرة التنمية.