لاشك أن المؤشرات الاقتصادية فى العالم كله كانت فى حالة تباين تترقب وتنتظر قرارات الفيدرالى الأمريكى، والتى جاءت بتثبيت سعر الفائدة، ضاربًا عرض الحائط بوعود «ترامب» بإجبار الفيدرالى الأمريكى على تخفيض سعر الفائدة، وهنا نقطة ومن أول السطر، فحالة السياسات النقدية التى يتبعها الفيدرالى الأمريكى المستفيد الأوحد من تحويل العالم إلى بقاع ساخنة، وكأنها تبعث فيه الروح، لذلك على السياسات النقدية فى العالم كله تحطيم الأقفال المغلقة، وأن يكون لديها قراءة صحيحة للمستقبل وحجم التدفقات النقدية، خصوصًا فى مصر بعد الحراك الاستثمارى الأخير ومؤشرات استقرار الأسواق، ولكننا فى مرحلة انتقالية تستوجب الحذر المتفائل، فالأسواق تسعر حالة الاقتصادات بناء على مايتخذه «سيد وول ستريت» من اتجاه أسعار الفائدة وحركة الأسواق والتجارة العالمية ودوران الدولار فى جسد الاقتصاد العالمى وربطه بأسواق الطاقة، والتى لو زادت أسعارها فوق الـ90 دولارا فى المرحلة المقبلة ستحدث مجزرة اقتصادية مرهونة بالأسواق التى تصارع التضخم، خاصة أن حال الأسواق أصبح باهتًا لذلك على السياسات النقدية وصانعيها طى صفحات الماضى نهائيا والنظر إلى القادم مع تصريحات الفيدرالى الأمريكى، الذى أصبح يسطع عنوانا فى العالم ومعه يخوض الجميع سباقا محموما لجلب الاستثمارات المباشرة، ولذلك وصل الاقتصاد العالمى لمرحلة التعلم العميق.
كالعادة ترك سيد وول ستريت الباب مواربًا بالنسبة لتحريك سعر الفائدة فى المرة القادمة، حيث ثبت الفيدرالى الأمريكى سعر الفائدة، مما يعكس توجيهات الإدارة الأمريكية فى احتواء الموجات التضخمية التى تصارع الأحداث فى عالم متقلب يتجدد فيه المعطيات كل يوم ويعلم جيدا جيروم باول أن سياسات ترامب الحمائية وسياسات التحفيز تسعى إلى سحب الأموال من الأسواق الناشئة.
وكما تعود جيروم باول فى سياسته أن يتلاعب بمشاعر العالم والأدوات النقدية على مستوى العالم، فعندما يقول إن خفض سعر الفائدة أصبح وشيكًا للحد من التضخم، وأن اقتصاد بلاده لا يزال قويًا وأنه يمنح المستوردين فى المجلس الفيدرالى الأمريكى وقتًا للتأكد من بطء التضخم الاقتصادى الأمريكى فإنه يلعب على الربح دائمًا على أنقاض الاقتصادات الأخرى، فالمؤشرات الأخيرة تشير إلى أن النشاط الاقتصادى يتوسع بوتيرة قوية، فيما اعتدلت مكاسب الوظائف منذ أوائل العام الماضى، لكنها ظلت قوية ومعدل البطالة منخفضًا والتضخم يتراجع تدريجيًا، لكنه لا يزال مرتفعًا بالنسبة لما تعود عليه المجتمع الأمريكى الذى لا يتعدى الـ 2 فى المائة.
والحقيقة أن المستثمرين كانوا يراهنون على إجراء تخفيضات لمعدلات الفائدة اعتبارًا من تولى ترامب، لكن الرهانات على أن مجلس الاحتياطى الفيدرالى سيخفض أسعار الفائدة قد تراجعت على خلفية تقرير الوظائف الأمريكية القوى الذى صدر أخيرا وفاق توقعات السوق، مما أعطى تأييدا لتصريحات رئيس مجلس الفيدرالى فى ختام اجتماعاتهم النقدية، وأن خفض سعر الفائدة أصبح مستبعدًا حاليًا.
وقد قالها جيروم باول فى وجه العالم كله إن التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة وستظل لجنة السياسات النقدية منتبهة للغاية لمخاطر التضخم.
وفى نفس الوقت أعطى إشارة إلى احتمالية إثارة المخاوف أمام الاقتصادات الناشئة، حيث إن الدولار يدخل بصورة كبيرة ومباشرة فى عمليات التمويل المباشرة للتدفقات الرأسمالية للدول النامية..
يعلم الفيدرالى الأمريكى أن الاقتصادات الناشئة هى عصب الاقتصاد العالمى، لذلك لابد أن يكون لها خارطة استثمارات فى المرحلة المقبلة فهل هى فعلا مستعدة؟ والإجابة لا أعتقد أن الاقتصادات الناشئة تهيأت لأفاعيل الفيدرالى الأمريكى وتجاوز صدماته)، لذلك فقد ترك القاعدة الذهبية تعمل فى محاولة تنويم العالم بأن هناك فرصة لخفض أسعار الفائدة فى الأشهر المقبلة، وأن هناك تخفيفا لحالة التضخم قادمة، وأن الناتج المحلى الإجمالى وهو مقياس لجميع السلع والخدمات المنتجة بمعدل سنوى 3.3 فى المائة فى الربع الرابع من عام 2024 وفقًا للبيانات المعدلة موسميًا وطبقًا للتضخم فقد نما الاقتصاد الأمريكى على حساب الاقتصادات الناشئة طوال عام 2023 بأكمله بمعدل سنوى يقدر بـ2,5 فى المائة وهو ما يفوق بكثير توقعات سيد وول ستريت نفسه فى بداية العام عند مكاسب كانت ضئيلة لحد ما.
وهنا تعارض وجهات النظر بين ترامب ورئيس الفيدرالى الأمريكى، والاقتصاديين ومستخدمى البيانات وواضعى السياسات المالية والنقدية، والأمر فى جوهره واضح للجميع، فالفيدرالى الأمريكى (يقود الأحداث المتصارعة عالميًا وليس العكس، فالطبيعى أن الأحداث المتصارعة عالميًا هى التى تقود وليس العكس، فالطبيعى أن الأحداث العالمية كالجائحة والحروب والصراعات الجيوسياسية هى التى تقود الفيدرالى، ولكن مع جيروم باول ومجموعته يفعلون العكس هو أن ما يحدث أنهم يقودون هم الأحداث العالمية من خلال السياسات النقدية للفيدرالى).
ومن هنا بالنظر إلى حالة الأسواق العالمية، وخصوصًا الأسواق النامية فإنها تسير على حد السيف، ولاشك أن البنوك المركزية فى العالم كله فى حالة ارتباك برغم توقع المحللين فى منطقة اليورو أو غيرها تثبيت سعر الفائدة الأمريكية إلا أنها ارتبكت، فقد ارتفعت أسعار الذهب فى تداولات اليوم التالى لقرار الفيدرالى الأمريكى بدعم من تراجع الدولار وعوائد السندات للخزانة وسط تزايد رهانات المستثمرين على أن البنك المركزى وصل لنهاية الطريق فى هذه الدورة الاقتصادية من رفع أسعار الفائدة أو تثبيتها ورغم تراجع مؤشر الدولار 0,5 فى المائة وهبطت معه عوائد سندات الخزانة القياسية لأجل عشر سنوات إلى أدنى مستوياتها فى أكثر من أسبوعين، أما المعادن النفيسة الأخرى فقد استقرت أسعار الفضة وزاد البلاتين وصعد البلاديوم.
ترامب وسعر الفائدة
اعتقد البعض أن ترامب وتهديداته سوف تثير مخاوف جيروم باول رئيس الفيدرالى الأمريكى، وتجبره على خفض أسعار الفائدة، ولكن ضرب سيد وول ستريت كلام ترامب بعرض الحائط، وقال إن الأمر لايحتاج حاليا فالأسواق مازالت تعانى والخيارات مفتوحة..
فقد خشى جيروم باول من تكرار سيناريو 2019 بعد فرض ترامب للرسوم الجمركية، مما ينبئ بتوقع انخفاض النمو وخسارة الوظائف بسبب السياسات الحمائية، خصوصًا أن التاريخ يعيد نفسه والنظريات متضاربة حول نظرية أمريكا أولا فملف التجارة العالمية كله سوف يزداد تأثرًا.
لقد أعلنت وزارة العمل الأمريكية ارتفاع أسعار المستهلكين فى الولايات المتحدة بنسبة 3,2 فى المائة خلال الفترة الماضية، الأمر الذى يعنى أن التضخم لا يزال يمثل تحديًا بالنسبة للاحتياطى الفيدرالى، وأيضًا وعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى أثناء حملته بخفض الفائدة، وأنه سيجبر سيد وول ستريت على الاستقالة، وهو لن يحدث أبدا، فالمواطن الأمريكى صوت للاقتصاد قبل السياسة فهو لا يعنيه أمريكا أولا أو غيره، وإنما حال الاقتصاد الأمريكى ومعدلات التضخم، ولذلك يرى الفيدرالى أن يأخذ حذره فى هذا الارتفاع الطفيف فى التضخم، مما يجعل سيناريو التخفيض حاليًا مستبعدًا حتى يصل التضخم إلى الرقم المستهدف وهو 2 فى المائة، ويوفر المجلس الفيدرالى قراءة واضحة لأسعار المستهلكين ويربط بيانات الوظائف وخفض الأسعار للفائدة بنمو الاقتصاد.
لذلك يسعى صناع السياسات النقدية الأمريكية أنهم مازالوا يعتزمون خفض أسعار الفائدة قبل نهاية العام الجارى على افتراض استمرار النمو الاقتصادى وذلك لصالح توجه الجمهوريين، فترامب أعلن أن أول ما سيفعله إذا فاز بالانتخابات الرئاسية هو عزل سيد وول ستريت المدعو جيروم بأول وسياسته النقدية، لكنه لا يستطيع.
لقد وضع العالم فى اعتباره أن ما يرتفع لابد أن ينخفض، ولكن مع الفيدرالى الأمريكى لا أحد يعلم متى سيتم تخفيض الفائدة، فهو يلعب بأدواته النقدية وهو فى كل المراحل رابح، فبداية عام 2025 أعطت إشارات قوية، فالتضخم الأساسى ثابت وأسواق العمل قوية والاقتصاد العالمى يعمل بشكل مرن رغم التحديات مما يدفع المحللين إلى عملية إعادة التقييم نحو مستهدفات حيازة الأوراق المالية الحكومية وديون الوكالات والأوراق المدعومة بالرهن العقارى، وأن الرؤية الاقتصادية الأمريكية التى تدعى جاهزيتها قادرة على ضبط سياستها النقدية بناء على التطورات الحالية والمخاطر المحتملة.
الآثار الاقتصادية المحتملة
لقد ألقى المركزى الفيدرالى الأمريكى بقراره بالإبقاء على أسعار الفائدة الرئيسية دون تغيير بظلاله الكثيفة على أسواق النفط والدولار والذهب، فقد انخفض الدولار وانتعش الين من أدنى مستوياته فى عدة عقود، ومع كل ما يحدث لايزال صناع السياسات يتوقعون عددا من التخفيضات فى أسعار الفائدة الأمريكية هذا العام حتى مع استمرار التضخم فى نطاق أعلى من المستهدف، ومع ذلك أدى قرار التثبيت إلى انخفاض مؤشر الدولار الذى يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات 0,34 فى المائة وصعد الين واليورو، وتحركت الأسواق اليابانية فى تحول تاريخى من عقود من التحفيز النقدى الضخم أنهى البنك المركزى اليابانى تعاملاته ثمانى سنوات من أسعار الفائدة السلبية وغيرها من بقايا السياسة الاقتصادية غير التقليدية.
وقد أدى تثبيت سعر الفائدة إلى ارتباك أسواق النفط وزادت مخاوف سوق الطاقة، وانخفض سعر برميل النفط ومعه العقود الآجلة لخام برنت برغم أن أسواق النفط كانت قد قفزت مع هجوم أوكرانيا على المصافى الروسية ثم جاء انخفاض المخزونات الأمريكية ليصعد بسعر برنت مرة أخرى فى تلاحق للأحداث وارتفعت علاوة المخاطر مرة أخرى إلى 4 دولارات لبرميل النفط، مما أثر على الأسواق وارتفع السعر مع تحسن المؤشرات الصينية، وكذلك ارتباك سوق المشتقات النفطية بعد ضرب مصافى روسيا بمسيرات أوكرانيا.
والسؤال العالق دومًا ماذا تفعل الأسواق الناشئة ونحن منها على خفض أسعار الفائدة أو الإبقاء عليها؟
الحقيقة هو سؤال محير يعتمد على قدرة البنوك المركزية على وضع سياسة قائمة على جلب الاستثمارات المباشرة وعدم الاستدانة من البنوك التجارية لتقليل الدين الداخلى، وأن تسبق الفيدرالى الأمريكى فى مسألة سحب الأموال من الأسواق العالمية بتركيز وعدم انتظار ردة الفعل..
فهناك تأجيج لكل التداعيات مع تداعيات الجائحة، وبحلول الحرب الروسية الأوكرانية المفتعلة، وبذريعة هذه الحرب قررت مصارف وول ستريت بدء قواعد اللعبة وتثبيتها برفع معدلات الفائدة تدريجيًا عن طريق بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى بفرض كساد عالمى مميت من أجل إعادة ضبط زوايا العالم الجديد القادم من بعيد، والذى يسعى إلى عدم وجود الدولار فيه كعملة احتياطى عالمية، والأمر كله بفعل فاعل كما يقولون والخطة ليست وليدة اليوم، وإنما بدأت بأحداث اختناق فى حركة التجارة العالمية وأحداث حالة من الشلل العام للاقتصادات كمرحلة تمهيدية لتنفيذ الخطة الشاملة، التى اعتمدت على السحب التدريجى للسيولة النقدية الدولارية من البنوك المصرفية العالمية ونتيجة للارتفاع التدريجى لأسعار الفائدة اتبعت السياسة النقدية الأمريكية طريقة الهروب إلى الأمام، حيث حذفت ومازالت تحدث هذه الحالة وتحذف من مؤشر قياس التضخم أسعار النفط والغذاء والسلع، وهو ما يقوله جيروم باول التضخم الأساسى فقط لترسيخ قواعد اللعبة، وتتلاعب بمعدلات التضخم كيف تشاء بشكل زائف، وبالتالى رفع أو خفض سعر الفائدة متى شاءت سيدة العالم العظمى، التى اهتز عرشها وحذرها من قبل عراب السياسة الأمريكية، هنرى كيسنجر، وقال إن أى مربع ستتركه أمريكا ستملؤه الصين وروسيا، وارتفع سعر الدولار فى العالم كله حوالى 88 فى المائة من تجارة العملات الأجنبية اليومية بالدولار، ومازال هو عملة الاحتياطيات الدولية فى التجارة والإقراض والتمويل، ومن هنا يتعين على الجميع أن يبحث عن حلول لمشاكله الاقتصادية، التى سببها الدولار ومن خلال هذا الرجل الداهية جيروم باول تحكمت أمريكا بأسعار الفائدة، ومن ثم أسعار السلع وحجم الاستثمارات العالمية، وينكمش الائتمان وتنهار الاستثمارات، خاصة الاقتصادات الناشئة التى يتعين عليها دفع خدمة الدين، ومن ثم تقييد سيولة الدولارات فى النظام المالى العالمى، وتلك هى لعبة الإكراه الاقتصادى، وفرض الكساد من أجل الهيمنة وضبط زاويا العالم، لذلك تم حبك تفاصيل الحقيقة المنسبة عن عمد أن تضخم أسعار الطاقة والحبوب والسلع هى السبب المباشر فى ارتفاع التضخم عالميًا، وأن بيانات البطالة والوظائف والأجور لا علاقة لها بالتضخم كما يدعون، هذه اللعبة أو الدمينو استخدمها من قبل رئيس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى، بول فولكر، فى السبعينيات ويعيد تاريخه جيروم باول فى أمريكا، هى الرابح الأكبر فى كل الأحوال والتخلص من مؤشر الطاقة والغذاء فى القياس هو هروب للأمام.. الفيدرالى يقود العالم بطريقة قسرية إلى أجندة تحسين النسل العالمى والعقوبات الهيستيرية على روسيا هى سبب من أسباب التضخم وتسديد الرمية فى قلب البشرية.
أما عن الشأن المصرى والدول الصاعدة
ولذلك على صانعى السياسات فى مصر والعالم التحسب جيدًا لما هو قادم خارج السيناريو الأخير للفيدرالى الأمريكى، وأن تنظر مصر وغيرها من الاقتصادات الناشئة إلى وضع آليات ودعائم لحماية الاقتصاد والسياسات النقدية والمالية من احتمال دفعها إلى الركود، فما زالت الأمور غير جلية فيما يدور فى رأس الرابحين من تدهور حال الاقتصاد العالمى وتحويل العالم إلى بقاع ساخنة وكأنها تبعث فيهم الروح..
انتبهوا لسعر الفائدة فى المرحلة المقبلة.