«جذب الاستثمارات ودعم مشاركة القطاع الخاص» سياسة انتهجتها الحكومة على مدار السنوات الأخيرة فى إطار خطة التنمية الشاملة 2030، واتخذت فى سبيل ذلك عشرات القرارات والإجراءات التى تساهم بشكل مباشر فى جذب الاستثمارات وزيادة مشاركة القطاع الخاص ودمج الاقتصاد غير الرسمى، كان آخرها حزمة التسهيلات الضريبية الأولى التى أطلقتها وزارة المالية، بهدف تحقيق الشفافية واليقين الضريبى، وتبسيط الإجراءات، وخفض الأعباء عن الشركات والممولين، بما يسهم فى خلق بيئة استثمارية أكثر استقرارًا وجاذبية، والتى تركز على التحديات التى تواجه القطاع الضريبى، ووضع إطار إصلاحى مُمنهج لتحسين كفاءة النظام الضريبى وتعزيز الامتثال الطوعى للممولين.
حزمة التسهيلات تشمل 20 محورًا رئيسيًا، وجاءت استجابة لاحتياجات المستثمرين والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتضمنت التيسيرات الجديدة نظامًا مبسطًا للضرائب يعتمد على حجم الأعمال السنوى للممول، بتحديد 0.4% للمشروعات التى لا تتجاوز 500 ألف جنيه، وترتفع إلى 0.5% لمن يتراوح حجم أعمالهم بين 500 ألف ومليونى جنيه. عدد من الخبراء والمستثمرين أشادوا بهذه الخطوة، مؤكدين أن تبسيط الإجراءات الضريبية يعزز تقليل التعقيدات البيروقراطية التى تعوق الشركات عن الامتثال، كما أنها توفر مزايا تحفيزية للممولين الملتزمين، تشجع على الامتثال الطوعى، وتمثل ضمانًا للعدالة الضريبية عبر سياسات واضحة تسهم فى خلق بيئة أكثر استقرارًا للشركات، وتعزز الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال سياسات تدعم النمو والاستدامة الاقتصادية.
المهندس سطوحى مصطفى، رئيس جمعية مستثمرى أسوان، يرى أن الحزمة تسهم فى تعزيز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب فى الاقتصاد المصرى، حيث أتاحت مزيدًا من الوضوح والشفافية فى التعاملات الضريبية، ما يقلل المخاطر الضريبية غير المتوقعة. كما أن تقليل الأعباء الضريبية على الشركات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة يعزز فرص نمو هذه الكيانات واستمرارها. كما تعمل الحزمة على تقليل الضغوط المالية على الشركات، ما يساعدها على إعادة توجيه مواردها نحو التوسع والاستثمار بدلًا من التعامل مع الإجراءات الضريبية المعقدة، كما تسهم فى تحسين السيولة المالية للشركات من خلال تسهيلات فى سداد الضرائب.
وأشار إلى أن هذه الإجراءات تعد من المحفزات الرئيسية لدمج الاقتصاد غير الرسمى فى المنظومة الضريبية الرسمية، من خلال تقديم حوافز للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التى تنضم إلى النظام الضريبى، وينعكس ذلك على زيادة القاعدة الضريبية وتحقيق مزيد من العدالة الضريبية بين مختلف القطاعات الاقتصادية.
يقول محمود الشندويلى، رئيس جمعية مستثمرى سوهاج، إن مبادرة التسهيلات الضريبية تعمل على تعزيز مناخ الأعمال وجذب مزيد من الاستثمارات خلال السنوات المقبلة، مع التزام الدولة بتحقيق التوازن بين حقوق الدولة ودعم الممولين والمستثمرين، لافتًا إلى أن الحزمة الأولى من المبادرة خطوة حقيقية نحو تعزيز بيئة الأعمال والاستثمار فى مصر، من خلال خلق نظام ضريبى أكثر كفاءة وعدالة.
وأشار إلى أن الاستقرار الضريبى هو أحد أهم العوامل التى يبحث عنها المستثمرون الأجانب عند اتخاذ قراراتهم الاستثمارية، ومن خلال تقليل التعديلات الضريبية غير المتوقعة وتوفير إجراءات واضحة وبسيطة، فإن المبادرة تعزز طمأنة الشركات متعددة الجنسيات والمستثمرين الأجانب، مما يزيد تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى مصر. مؤكدًا أن تقديم حوافز ضريبية للقطاعات الحيوية، مثل الصناعة، الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والسياحة، يجعل هذه المجالات أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، وأيضًا للمستثمر المحلى.
بدوره، أكد الدكتور خالد الشافعى، الخبير الاقتصادى، أن الحكومة تدرك أهمية تحديات المرحلة ومتطلبات المستثمرين، وهو ما يظهر على القرارات التى يتخذها وزير المالية استجابة لطلبات المستثمرين، خاصة المحليين، وجذبًا للاستثمار الأجنبى فى ظل تنافسية كبيرة بين الأسواق المالية العالمية. كذلك، تطبيقًا لأبسط قواعد جذب الاستثمار، والتى تتمثل فى «كلما كانت القيود الضريبية أقل، كان الاستثمار أكبر، ومن ثم العائد أفضل».
وأفاد الشافعى بأن هذا النظام المرن يؤشر بالعدالة المالية بين فئات المستثمرين، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الرقمى، والشمول المالى الضريبى، كما سيساعد على خفض نسبة الاقتصاد الموازى والتهرب الضريبى، وجذب المزيد من المستثمرين فى تعاملات السوق المالية، مما يمكن أن نشهد معه مستويات تاريخية غير مسبوقة من زوايا عدة، مثل مؤشر البورصة المصرية، وعدد المستثمرين، وأحجام التداول، ورأسمال الشركات المدرجة، كما أن ذلك يساعد على الإدراج المزدوج بين البورصات.
وأكد الشافعى أن الدولة بحاجة إلى جذب المزيد من الاستثمارات، والتى لا تأتى فقط من خلال حرية سعر الصرف وسعر الفائدة، وهى السياسة النقدية وحسب، وإنما من خلال استخدام أدوات السياسة الاقتصادية، والتى تعد منظومة الحوافز والقيمة المضافة والضرائب والرسوم إحدى تلك الأدوات، بجانب السياسة التشريعية الاقتصادية ليكتمل الأداء الاقتصادى فى عهد الوزارة الحالية بالقرار الجرىء الذى تم اتخاذه.
ويرى الخبير الاقتصادى، بلال شعيب، أن التسهيلات المعلنة من وزارة المالية ومصلحة الضرائب سيكون لها أثر إيجابى كبير على دعم الاقتصاد المصرى، والأثر الإيجابى السريع سيكون استجابة الاقتصاد غير الرسمى لنداء الدولة، وتقديم محفّزات كثيرة لهذه الفئة تجعلهم يسارعون بالانضمام إلى الاقتصاد الرسمى، لنمو أعمالهم وتحقيق استفادة مباشرة، واستفادة عامة للدولة عن طريق زيادة الحصيلة الضريبية.
وأوضح شعيب أن الضرائب أحد العوامل المؤثرة بشكل كبير فى الاستثمار، وبالتالى قد يمثّل بعضها عائقًا أمام المستثمرين، ما يستوجب إعادة النظر فيها. وهنا يجب توضيح وتحديد عدد القطاعات التى بحاجة إلى دعم ضريبى، وتعديل التشريعات الضريبية والضرائب التصاعدية، خاصة الأخيرة، التى لا بد أن تكون أكثر عدالة ومرونة بالنسبة إلى المستثمر.
وأشار إلى أن حل وعلاج مشكلة الديون المتعثّرة للممولين مع مصلحة الضرائب هو طلب يخدم الصالح العام. ومصلحة الضرائب بدأت فعليًا من خلال تلك التسهيلات إزالة كل التحديات التى تواجه المجتمع الضريبى، موضحًا أن الجهود المبذولة من مصلحة الضرائب وإعداد حزمة تسهيلات جديدة تستهدف مجتمع الأعمال الذى يقل عن 15 مليون جنيه سنويًا بالنسبة إلى حجم الأعمال الخاص بكل شركة أو ممول. كما أن إصدار تشريع ضريبى يختص بهذه الفئة «سيكون قريبًا»، وفق حديث رئيس مصلحة الضرائب، والدولة جادة فى هذا الأمر، بالإضافة إلى تقديم حوافز ضريبية واضحة ومحددة لعدد معين من القطاعات.
من جانبه، يقول الدكتور محمد البنا، أستاذ المالية العامة، إن إجراء تعديلات وتغييرات على الضريبة المفروضة على الشركات أو الأفراد يحقق عدة أهداف مختلفة، منها رفع حصيلة الضرائب والإيرادات، ولكنها يجب أن تحفز الاستثمار فى الوقت نفسه، وتراعى مزيدًا من العدالة فى نمط توزيع الدخل والثروة، وتحقق أهدافًا اقتصادية أخرى، مثل تشجيع المستثمرين، ورفع معدلات الاستثمار، وزيادة معدلات التشغيل والإنتاج.
وأضاف البنا أن الإصلاحات الضريبية يمكنها زيادة معدلات التشغيل والإنتاج، وتحفيز الصادرات، وزيادة موارد النقد الأجنبى للدولة، بشرط أن تتضمن تخفيض سعر الضريبة على الشركات، وتسهيل إجراءات دفع الضريبة، ووضع سقف للغرامات على التأخير فى الفحص بألا تتعدى الغرامة أصل الضريبة. وتابع أن توجه الدولة الحالى هو تشجيع الاستثمار، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والعربية.
وأكد أن إعلان وزارة المالية عن تعديلات ضريبية جديدة يدعم هذا التوجه، عبر تيسير الإجراءات على المستثمرين، فجميعها يهدف إلى تشجيع الاستثمار، بالتوازى مع فتح حوار مجتمعى لمناقشة التحديات التى تواجه منظومة الضرائب، بما يساعد على تشجيع المستثمرين على الدخول فى استثمارات جديدة، والتوسع فى الاستثمارات القائمة. كما أن تحقيق مستهدفات مصر من الاستثمارات الجديدة سنويًا متزايد وفق خطة طموحة من قِبل الدولة، وهذا أمر إيجابى وجيد يسهم بشكل واضح فى سد الفجوة التمويلية، ويأتى من خلال التيسير على المستثمرين، وحل التحديات والمعوقات التى تواجه قطاع الأعمال، من بيروقراطية فى إجراءات التأسيس واستصدار التراخيص، إلى جانب الحوافز الضريبية.
وتقول الدكتورة نجوى سمك، أستاذ الاقتصاد، إن مبادرة التسهيلات الضريبية خطوة مهمة لتحفيز الاستثمار الأجنبى المباشر، وبالتالى تعزيز الناتج المحلى الإجمالى المصرى، مشيرة إلى أن أى تسهيلات ضريبية تحفز بيئة الاستثمار، وخصوصًا الاستثمار الأجنبى المباشر، لأن التسهيلات الضريبية تشجع المستثمرين الأجانب على دخول السوق المصرية، لأنها تقدم لهم حوافز من خلال تخفيضات على الضرائب أو إلغاء بعض الرسوم. وبمعنى آخر، تقليل العبء الضريبى يمكن أن يكون عاملًا جاذبًا للمستثمرين، مما يشجعهم على ضخ المزيد من رؤوس الأموال فى السوق المصرية.
وأشارت إلى أن هذه المبادرة ستؤدى إلى تحسين بيئة الأعمال، وبالتالى ستوفر بيئة استثمارية أكثر جذبًا للمستثمرين سواء المحليين أو الأجانب، وسوف تشجع الاستثمارات الأجنبية والمحلية على حد سواء، الأمر الذى يؤدى إلى زيادة الإنتاجية وتوسيع قاعدة الاقتصاد المحلى، وبالتالى نمو الاقتصاد المصري. موضحة أن الاستثمارات الجديدة تساهم فى تطوير العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل قطاع التكنولوجيا والطاقة المتجددة، بخلاف أن هذه التسهيلات ستخلق فرص عمل جديدة، لأنه مع زيادة الاستثمارات الأجنبية، ودخول الشركات الأجنبية السوق، ستنخفض معدلات البطالة فى مصر، كما ستساعد الشركات على زيادة قدرتها التنافسية فى السوق العالمية، من خلال تقليل تكاليف التشغيل وتحسين هوامش الأرباح.
ويرى الدكتور وليد جاب الله، الخبير الاقتصادى، أن المحفزات الضريبية الجديدة ستسهم فى تنمية مناخ الاستثمار فى مصر، وهو ما يأتى فى إطار الجهود المستمرة التى تبذلها الحكومة لتعزيز بيئة الأعمال وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تأتى كجزء من استراتيجية شاملة تهدف إلى تعزيز تنافسية الاقتصاد المصرى على الصعيدين الإقليمى والمحلي. منوهًا بأن من أبرز الآثار الإيجابية للمحفزات الضريبية أنها تسهم فى تحسين بيئة الاستثمار فى مصر، ما يجعلها وجهة أكثر جاذبية لرؤوس الأموال المحلية والأجنبية، فضلًا عن أن هذه الحوافز تشمل إعفاءات ضريبية وتخفيضات تستهدف القطاعات الحيوية، مثل الصناعة، التكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
وأضاف أن هذه التسهيلات تعزز من ثقة المستثمرين فى الاقتصاد المصرى، خاصةً مع وجود رؤية واضحة من الحكومة لتحفيز الاستثمار وتقليل الأعباء المالية على الشركات الناشئة، ومن المتوقع أن تؤدى هذه الحوافز إلى زيادة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بشكل يحسن ميزان المدفوعات، ويوفر مصادر جديدة للعملة الصعبة. كما تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة العمود الفقرى لأى اقتصاد قوى، ومن هذا المنطلق استهدفت الحكومة هذه الفئة من خلال المحفزات الضريبية الجديدة، التى تشمل إعفاءات من ضريبة الدمغة، تسهيلات فى الضرائب السنوية، وتبسيط الإجراءات اللازمة لتسجيل الشركات.
وأفاد بأن هذه الخطوات تُساهم فى تمكين هذه المشروعات من النمو، من خلال تخفيف الأعباء المالية عنها، وإعطائها الفرصة لتوسيع نطاق أعمالها. كما أن تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة يعزز من تنويع الاقتصاد ويوفر فرص عمل جديدة، مما يساهم بشكل كبير فى تقليل معدلات البطالة وخلق فرص عمل جديدة. كما أن تعزيز الاستثمارات فى القطاعات الإنتاجية، مثل الصناعة والزراعة والخدمات، يؤدى مباشرة إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب. فالحوافز الضريبية تشجع الشركات على التوسع وإطلاق مشاريع جديدة، ما يتطلب توظيف المزيد من العمالة.