فى خضم الحصار المُطبق والأزمات المتتالية التى يُعانى منها سكان قطاع غزة، يبرز دور مصر فى إنقاذ آلاف الفلسطينيين من براثن الأزمات الإنسانية المُتفاقمة، وتنسج القاهرة تاريخًا من التضامن العملي، يجمع بين البُعد الإنسانى والاستراتيجي، فى مشهد يعكس تعقيدات السياسة وضرورات الإنقاذ.
دور «القاهرة» المحورى فى أزمات «غزة»، ليس وليد الأحداث الأخيرة، فمنذ حرب 2008، وحتى التصعيد الأخير فى 2023، ظل معبر رفح البوابة الوحيدة تقريبًا التى تعبر منها المساعدات إلى غزة، تحت إشراف مُباشر من الجانب المصري، الذى يتحرك بدور مركزى بين مطالب الإغاثة العاجلة واعتبارات الأمن القومي، وفى كل أزمة تتحول القاهرة إلى منصة لوجستية لمرور مئات الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء والوقود، بالتعاون مع منظمات دولية مثل الأونروا والصليب الأحمر وغيرهما.
وفى هذا السياق، أوضح الدكتور طلعت عبد القوى، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، أن «المساعدات الإنسانية المصرية لقطاع غزة بدأت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الأزمة فى أكتوبر 2023 الماضى، حيث شرعت الدولة المصرية فى تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى الفلسطينيين بقطاع غزة منذ التاسع من أكتوبر 2023 وشملت أول قافلة إغاثية 108 قاطرات محملة بالمواد الإغاثية والإنسانية الهامة والأساسية، واستمر تدفق المساعدات بشكل دورى خلال عام ونصف العام الماضيين، وذلك حتى دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؛ ليبدأ تدفق المساعدات بشكل يومى بأعداد كبيرة جدا بالتعاون بين منظمات المجتمع المدنى وصندوق تحيا مصر، إضافة إلى مساهمة مجتمعية كبرى من مختلف محافظات مصر من خلال عدد كبير من الجمعيات والمؤسسات الأهلية والتحالف الوطني».
«عبد القوى»، أكد أن «المساعدات الإنسانية والإغاثية تشمل كافة احتياجات الشعب الفلسطينى الأساسية من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية والمياه والخيام، بجانب عدد كبير من المنازل المتنقلة»، مضيفًا أن «الدولة المصرية تبذل جهدا كبيرا من أجل دعم ومساندة الشعب الفلسطيني، وهو واجب وطنى وقومى، حيث استقبلت مصر عددا كبيرا من الجرحى والمصابين لعلاجهم على أراضيها بداخل المستشفيات المصرية».
رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية، لفت إلى أن «هذا الدعم الكبير والمساندة الفعالة للشعب الفلسطينى تعكس مدى الاهتمام الذى يوليه الرئيس عبد الفتاح السيسى للقضية الفلسطينية، باعتبارها قضية أساسية لمصر وتسعى للتوصل فيها لحل عادل على أساس حل الدولتين مع التصدى لأى أطروحات تناقش فكرة التهجير، مع الأخذ فى الاعتبار أن أكثر من 75 فى المائة من المساعدات الإنسانية التى دخلت قطاع غزة دخلت عبر الأراضى المصرية بسواعد وجهود المصريين».
واختتم «عبد القوى» حديثه، بالإشارة إلى أن مصر بجهودها الإنسانية الكبيرة، تؤكد أنها تظل شريكًا أساسيًا للشعب الفلسطيني، وتعمل بكل طاقاتها لتخفيف المعاناة الإنسانية فى غزة. وتستمر الجهود المصرية فى تقديم الدعم بكل أشكاله، سواء عبر المساعدات العاجلة أو الدعم السياسى والدبلوماسى على المستوى الدولي.
بدوره، أكد اللواء ممدوح شعبان، مدير عام جمعية الأورمان، أن «الجمعية شاركت ضمن التحالف الوطنى منذ وقف إطلاق النار إلى الآن فيما يعادل 400 سيارة نقل ثقيل (تريلا) محملة بالمواد الغذائية والمستلزمات الطبية آخرها كان خلال الأيام الماضية، حيث خرجت 36 تريلا محملة بمواد غذائية أساسية، وذلك لقرب حلول شهر رمضان الكريم وبطاطين وأدوية، ويتم حاليا الإعداد والتجهيز لقوافل أخرى محملة بالملابس سيتم إرسالها فور الانتهاء من إعدادها وتجهيزها».
وعن أبرز التحديات التى تواجه الجهود الإنسانية لدعم الأشقاء فى غزة، قال «ممدوح»: التريلات لا تدخل مباشرة إلى القطاع، لكنها تنتظر مدة تتراوح بين 5 : 7 أيام وتصل فى بعض الأوقات إلى 14 يومًا، وذلك حتى الانتهاء من إجراءات التنسيق على دخولها القطاع، غير أنه بالرغم من ذلك فإن تدفق الشاحنات المحملة بالمساعدات لم يتوقف يوما، وهناك تعاون دولى وبالأخص عربى فى تقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة مثل دولة الكويت التى تقدم شاحنات ومعدات لنقل المساعدات، بالإضافة إلى تبرعات قوية جدا مستمرة من المصريين من مختلف محافظات مصر ومراكزها وقراها.
وكشف «ممدوح»، أن «هناك الكثير من الأشقاء الفلسطينيين من الجرحى والمصابين الذين يحصلون حاليا على رعاية وخدمات طبية فى مستشفيات مصرية مثل مستشفى شفاء الأورمان والذى استقبل 75 مريضا من مختلف الأعمار»، مؤكدًا أن «الجمعيات الأهلية ولا سيما الأورمان تعمل بمجهود ضخم من أجل ضمان توصيل مساعدات إنسانية لأهلنا فى غزة وكذلك تقديم خدمات للأسر المصرية فى الداخل الأكثر احتياجا بمناسبة قرب حلول شهر رمضان الكريم».
وأضاف أن «التحالف الوطنى يواصل إرسال المساعدات لأهالى غزة، وفى حال استمرت المعابر مفتوحة على مدار الساعة وتم تسهيل الإجراءات، فسيتم إدخال المساعدات بشكل أسرع وبدون أى معوقات، مما يضمن وصول الإمدادات الضرورية لمستحقيها دون تأخير».
ويأمل مدير عام جمعية الأورمان، أن تشهد عملية تدفق الشاحنات عبر المعابر الحدودية مع قطاع غزة انسيابية وسرعة تدفق، وذلك «حتى نتمكن من توصيل أكبر قدر من المساعدات إلى أهلنا بقطاع غزة قبل حلول شهر رمضان الكريم» على حد قوله.
«ممدوح»، اختتم حديثه قائلا: تظل مصر، عبر تاريخها الطويل، حاضنة للقضايا العادلة، وداعمة للشعوب التى تعانى من الظلم، وفى ظل الأزمات الإنسانية التى تواجه غزة، تبرز المساعدات المصرية كشريان حياة لأهل القطاع، تعبر عن التلاحم العربى والإنسانى الذى لا يعرف الحدود.
ومن جانبها أكدت الدكتورة آمال إمام، أن «الهلال الأحمر المصرى فى ظل الأوضاع الإنسانية الصعبة التى يعيشها قطاع غزة تبذل مصر جهودًا كبيرة لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة لإخواننا فى غزة»، مشيرة إلى أن «الهلال الأحمر المصرى يلعب دورًا محوريًا فى تنسيق وتنفيذ هذه الجهود بالتعاون مع الجهات الحكومية والمنظمات الدولية».
وأوضحت أن «الهلال الأحمر يعمل على مدار الساعة لتلبية الاحتياجات العاجلة للشعب الفلسطينى فى غزة، خاصة فى ظل التصعيد العسكرى الأخير الذى بدأ بعد 7 أكتوبر 2023»، مضيفة أننا «نعمل بشكل متواصل مع وزارة الصحة، ووزارة الخارجية، والاتحاد العام للجمعيات الأهلية، بالإضافة إلى المنظمات الدولية مثل الصليب الأحمر الدولي، لضمان وصول المساعدات إلى غزة بأسرع وقت ممكن».
«د. آمال»، أشارت إلى أن «الهلال الأحمر المصرى أرسل آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية إلى غزة منذ بداية الأزمة، حيث تم توفير المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز، والسكر، والزيت، والدقيق، والتى تكفى لتغطية احتياجات عشرات الآلاف من الأسر. بالإضافة إلى المستلزمات الطبية تم إرسال كميات كبيرة من الأدوية، والمعدات الطبية، والإمدادات الجراحية، بالإضافة إلى توفير فرق طبية متخصصة للمساعدة فى تقديم الرعاية الصحية بجانب المساعدات الإغاثية التى شملت البطانيات، والخيام، والملابس الشتوية، ومستلزمات النظافة الشخصية، خاصة فى ظل تدهور الظروف المعيشية ونزوح آلاف العائلات، ونحن نعمل على توفير المساعدات التى تلبى الاحتياجات العاجلة للشعب الفلسطيني، خاصة فى ظل تدهور البنية التحتية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة».
وحول أبرز التحديات التى تواجه عملية الإغاثة، قالت «د. آمال»: بالرغم من الجهود الكبيرة، هناك تحديات كبيرة تواجه عملية إيصال المساعدات إلى غزة، أبرزها الحصار المفروض على غزة الذى يعوق تدفق المساعدات بشكل سلس، وكذا التصعيد العسكرى الذى يجعل من الصعب ضمان وصول المساعدات إلى جميع المناطق المحتاجة وأيضا القيود اللوجستية حيث يتطلب نقل المساعدات تنسيقًا مع عدة جهات محلية ودولية.
وأكدت «د. آمال»، أن الهلال الأحمر المصرى يعمل بشكل وثيق مع الجهات الدولية لتذليل هذه العقبات، مشيرة إلى أن «مصر نجحت فى فتح معبر رفح بشكل متواصل لتسهيل دخول المساعدات، ولقد شهدنا استجابة كبيرة من الشعب المصري، مما يعكس التلاحم المصرى مع قضية الشعب الفلسطيني».
ولفتت «د. آمال»، إلى أن الهلال الأحمر المصرى يعمل على توفير المساعدات الطبية العاجلة، حيث تم إرسال فرق طبية متخصصة إلى غزة لتقديم الرعاية الصحية للمصابين، بالإضافة إلى توفير الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة، وذلك قبل أن توجه رسالة إلى الشعب الفلسطينى فى غزة، قائلة: «إخواننا فى غزة، أنتم لستم وحدكم. مصر تقف إلى جانبكم، وسنستمر فى دعمكم بكل ما نملك. نعاهدكم على أن نبقى صوتكم فى المحافل الدولية، وسنعمل دون كلل من أجل تخفيف معاناتكم»، داعية المجتمع الدولى إلى تحمل مسئولياته تجاه الشعب الفلسطيني، «نحن نطالب المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته الأخلاقية والإنسانية، والعمل على إنهاء الحصار المفروض على غزة، وتوفير سبل العيش الكريم لأهلها».
وشددت «د. آمال»، على أن الهلال الأحمر المصرى سيظل شريكًا أساسيًا فى دعم الشعب الفلسطيني، وأن المساعدات الإنسانية ليست مجرد إجراءات مؤقتة، بل هى جزء من التزام طويل الأمد تجاه قضية تعتبر من أهم القضايا العادلة فى عصرنا الحالي.