«الأمن الغذائي» أحد الملفات التى حظيت باهتمام حكومى واضح على مدار السنوات الماضية بتوجيه رئاسى متواصل بشكل يضمن تعزيز وتنمية الاقتصاد القومى من خلال عدد من المحاور التى عملت الحكومة عليها، أبرزها تعظيم التصنيع الزراعى من خلال منح المستثمرين الكثير من التسهيلات والإعفاءات لتسهيل أعمالهم، كما منحت صغار المزارعين والمنتجين قروضا بفائدة صغيرة 5 فى المائة متناقصة، فضلا عن إجراء حزمة من القرارات المهمة لدمج القطاعين الخاص والحكومى لتعظيم الاستفادة من الإنتاج الغذائى ذوى الأصل الزراعى وتقليص الفاتورة الاستيرادية والمساهمة فى سد الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك من السلع الغذائية الأساسية ذات الأصل الزراعي.
كان من نتائج هذه التحركات تدشين أكبر مشروع للتصنيع الزراعى بين شركات مصرية ومستثمرين أجانب بقيمة 300 مليون دولار، لإنشاء أكبر مجمع للصناعات الغذائية الزراعية بمدينة السادات، يتضمن خمسة مصانع على رأسها مصنعان يعدان الأكبر فى مصر لإنتاج مركزات البرتقال والطماطم والفواكه المتعددة، بالإضافة إلى استخلاص زيوت الموالح، فضلاً عن أحد أكبر المصانع فى مجال التجفيف بالتبريد للفواكه والخضروات، وينتج المجمع ما يزيد على 100 ألف طن من المنتجات الزراعية سنويًا بالمرحلة الأولى، ويوفر ما يزيد على 7 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة ويستهدف تصدير أكثر من 80فى المائة من إنتاجه للخارج، كخطوة على طريق تعظيم إمكانيات مصر الزراعية وتحقيق قيمة مضافة تساهم فى نمو الاقتصاد القومى من ناحية وتحقيق الاكتفاء الذاتى من الجانب الآخر.
يرى الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد الزراعى بكلية الزراعة جامعة القاهرة، أن أى مشروع لدعم فكرة التصنيع الزراعى هو خطوة مهمة للغاية لتحقيق تنمية زراعية مستدامة وجودة عالية من خلالها يتم إدخال مستلزمات الإنتاج محلياً، ما يؤدى إلى تكلفة إنتاجية قليلة مع جودة أعلى مقارنة باستيراد مستلزمات الإنتاج من خارج مصر، بخلاف تقليص الفاتورة الاستيرادية من المنتجات الصناعية الزراعية على المدى القريب، موضحًا أن الرئيس السيسى أول وأكثر رئيس سعى بخطوات ملموسة لإقامة مشروعات صناعية بكل مناطق الاستصلاح الزراعى من أجل تحقيق هذه الاستفادة التى غابت عن مصر لسنوات، مؤكدا أن فكرة إقامة مصانع بكل منطقة مستصلحة له تأثير مباشر على زيادة حجم الصادرات المصرية بنسبة 80 فى المائة كمرحلة أولى مما يعزز الاقتصاد القومى والأمن الغذائى المصرى ويزيد حجم المعروض من المنتجات الغذائية بالسوق المحلية، ويعمل على تغيير واقع الإنتاج الزراعى والاستفادة من المخلفات الزراعية وإعادة تصنيعها وتدويرها كعلف للحيوانات وتحويلها لزيادة القيمة المضافة، ومصر مؤهلة لتكون مركزًا إقليميًا للتصنيع الزراعى بشكل عام والصناعات الغذائية بشكل خاص إذا طبقت سياسات منح التسهيلات والإعفاءات لصغار المزارعين وربط المستثمر الصغير بالتصدير من خلال تطبيق نظام الزراعة التعاقدية ووضع سعر ضمان للمزارع الصغير.
وأشار إلى أن التوسع فى مشروعات التصنيع الزراعى بشكل عام يساهم فى خلق فرص عمل واعدة للشباب ويحد من نسبة البطالة ويعمل على اتزان الميزان التجارى وسد العجز بين الصادرات والواردات، الأمر الذى يتماشى مع ما تشكله تلك القطاعات الحيوية من أهمية كأحد أهم دعائم الاقتصاد الوطني، وذلك بما تقوم به من خفض أسعار الفائدة على القروض المقدمة لها، ما سيكون له مردود إيجابى لتمكين الدولة من تعزيز قدرات موقف ملف الأمن الغذائى ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي، وتقليل الفجوة الاستيرادية وزيادة تنافسية الصادرات الزراعة بتحسين فرصها للوصول بشكل أكبر فى الأسواق بالخارج، إلى جانب تمكين المزارعين والمنتجين من الصمود فى مواجهة التحديات الحالية وتحفيز مناخ الاستثمار ومواصلة الإنتاج المحلى.
ويرى د.إسماعيل رضوان، الخبير الزراعى بمركز بحوث الصحراء، أن إقامة مجمعات للصناعات الغذائية الزراعية له دور فعال فى تقليص الفاتورة الاستيرادية من المنتجات الصناعية الزراعية على المدى القريب والبعيد، ويسهم فى زيادة حجم الصادرات الزراعية وتعزيز حجم المعروض بالسوق المحلية إذا تم اتباع معايير الإنتاج التصديرية بمواصفاتها العالمية، والتى نأمل تطبيقها فى هذا المشروع، مشيرا إلى أن مصر لديها كميات كبيرة من المخلفات الزراعية غير المستغلة والتى تعد أحد المقومات الرئيسية لقيام صناعات زراعية واعدة إذا تم استغلال تلك المخلفات وتحويلها إلى قيمة مضافة عن طريق استخدام خطوات المنهج العلمى مع اتباع المنهج العلمى للدول التى لديها خبرات دولية بتلك المجالات، لافتًا إلى أن هذا المشروع يسهم فى إيجاد فرص عمل للشباب وذلك بتكاتف جهود الخبراء والمستشارين والأخذ بنتائج البحوث والدراسات العلمية والاستعانة بالمكاتب الاستشارية المتخصصة.
وأضاف أن إقامة هذه المشروعات الضخمة يدفع بتحقيق معدلات نمو متسارعة بالقطاع الزراعي، مؤكدًا أهمية التوسع فى برامج الزراعات التعاقدية خاصةً للمحاصيل الاستراتيجية، وذلك لضمان وفرة مدخلات التصنيع محليًا وسد احتياجات السوق المحلية، بإتاحة جميع الآليات الفنية والمالية المساهمة فى تحفيز وتشجيع الفلاحين عليها لخفض فاتورة الاستيراد وزيادة قدراتنا على مواجهة تداعيات الأزمات العالمية، وأن هذا المجمع سيكون له مؤشرات إيجابية على زيادة معدلات الإنتاج من الصناعات الغذائية المختلفة والمنتجات الزراعية،ومن ثم تحقيق الاكتفاء الذاتى منها.
وفى السياق ذاته، يقول حاتم نجيب، عضو شعبة الخضروات والفاكهة، إن عملية التصنيع الزراعى ودعمها حكوميا بتسهيل الإجراءات لمزيد من الاستثمارات خطوة ضرورية تتسق مع اهتمام القيادة السياسية بالقطاع الزراعى والإيمان بأهميته لما له من دور مهم فى تأمين المخزون الاستراتيجى للدولة من السلع وتحقيق صحة وسلامة الغذاء، بجانب عملها الدائم على ضمان ربح مناسب للفلاح ومنتجاته لينتقل ذلك إلى استقرار السوق وزيادة المعروض واستقطاب رؤوس الأموال للقطاع الزراعي، لاسيما أن هناك الكثير من الفرص الاستثمارية الواعدة بالقطاع والتى تحتاج الدولة لتنميتها بداية من التوسع فى الاستصلاح الزراعى الأفقى والرأسى لزيادة الرقعة الزراعية، مع دراسة المنتجات التفضيلية للاستهلاك المحلى والتصدير وإقامة مجتمعات زراعية جديدة متكاملة، وصولاً إلى ربط التصنيع الغذائى بالصناعة وما يتعلق بها من تغليف وتعبئة وتجفيف وتعزيز بناء أنظمة زراعية قادرة على الصمود فى مواجهة التغيرات المناخية.
وأشار إلى أهمية القيمة المضافة فى عملية التصنيع الزراعى والتى تعمل على دعم دخل الفلاح والعمل على استقرار الأسعار المحلية وارتفاع الصادرات المصرية، ما يؤدى إلى توفير العملة الصعبة من خلال مساهمة القطاع الخاص بنطاق أكبر بجميع المشاريع الزراعية والصناعية، لافتًا إلى أهمية التصنيع الزراعى بالمشروعات المقامة حاليًا لما يتسم به من دعم كبير للمنتج المحلى الذى ينتج عنه زيادة الصادرات واستقرار الأسعار بالسوق المحلية مما يجعل التصنيع الزراعى هو القيمة المضافة 100 فى المائة حاليًا ومستقبلاً وهو يجعلنا نتفادى تأثير التغيرات المناخية على بعض الزراعات وتقليص الفجوات بين بداية موسم زراعى وانتهاء موسم زراعى آخر وخاصة فى مواسم فواصل العروات، لهذا فإن التصنيع الزراعى هو الحل الأمثل لاتزان الأسعار بالسوق المحلية.
وأضاف نجيب، أن نجاح هذا التوجه يحتاج لعدد من العوامل المساعدة على رأسها أهمية التسوق للمنتجات الزراعية والغذائية المصنعة، خاصة أن القطاع الخاص لديه مرونة كافية لتسويق منتجاته داخل الأسواق المحلية والعالمية، منوهًا بضرورة وجود الزراعة التعاقدية بين تلك الشركات والفلاح لتفادى أى خسائر للمزارع الصغير، مشيرًا إلى ضرورة الاهتمام بالقطاع الزراعى بصعيد مصر كقطاع عريض وحجم الاستثمار فيه واعد من خلال التوسع فى الصناعات الغذائية الزراعية لما يضمه الصعيد من إمكانيات ومساحات أراضٍ واسعة صالحة للتصنيع الزراعى وأيدى عاملة كافية، وكل هذا فى صالح الاقتصاد القومى واتزان الأسعار بالأسواق وزيادة الدخل القومى ودعم كامل للفلاح مباشر وغير مباشر من خلال توفير مدخلات الإنتاج ومستلزمات الإنتاج وتوفير خدمات الإرشاد الزراعي.
وشدد «نجيب» على أن هذه المشروعات القومية العملاقة هى بمثابة طوق النجاة لتوفير السلع الأساسية وتحقيق الاكتفاء الذاتى وسد الفجوة الغذائية بالأسواق عن طرق توفير مدخلات ومستلزمات الإنتاج محليًا، ما يعد أهم ركن من أركان عملية التصنيع الغذائى الزراعي، حيث إن الزراعة والتصنيع الزراعى هما أمن قومى غذائى وأحد أهم ركائز الأمن القومى المصرى، مؤكدًا على أن صادرات مصر من المنتجات الزراعية الطازجة تجاوزت خلال العام الماضى 8 ملايين طن بقيمة إجمالية تجاوزت 3,3 مليار دولار.
ويرى الدكتور صفى الدين متولي، أستاذ التنمية المستدامة، أن مصر الآن فى مرحلة التأسيس والتخطيط لزراعة ما يقرب من 4 ملايين فدان جديدة، مشيرًا إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى تحدث عنها وستدخل الخدمة والإنتاج فى 2026، لافتًا إلى أن المنتجات الزراعية المصرية مطلوبة فى أكثر من 196 سوقًا عالميًا، موضحا أن الدولة تسعى للدخول فى مرحلة التصنيع الزراعى ومن بين الـ4 ملايين فدان، هناك أكثر من 2.2 مليون فدان فى الدلتا الجديدة مخصصة للموانئ، وتسعى الحكومة من أجل الوصول إلى مرحلة تعظيم الاستفادة من وحدة إنتاجية الأرض فى الزراعات، مشيرًا إلى أن توفير المستلزمات الخاصة بالزراعة هو أهم شيء لتطوير النمو الزراعي.
وأفاد بأن الدولة الآن توفر كل المستلزمات الزراعية من مياه وطاقة وبذور، وهذا هو الطريق الصحيح للنمو الزراعى فى مصر، مؤكدًا أن هناك طفرة غير مسبوقة حدثت فى مصانع الأسمدة المصرية بعد اكتشافات الغاز الطبيعى، موضحا أن سياسة التوسع الرأسى، هو التغير فى نوعية النباتات ومنهجية التقاوي، وهذا يحدث طفرة فى مرحلة الإنتاج، لافتًا إلى أن مصر كانت تستورد 98 فى المائة من المحاصيل الزيتية.
وأضاف أن زيادة القيمة المضافة فى القطاع الزراعى أمر حاسم لتحقيق الأهداف المستقبلية فى زيادة حجم الصادرات الزراعية التى تقدر بحوالى 3.4 مليار دولار، وهو رقم لا يعكس الإمكانات الكامنة فى هذا القطاع الحيوي، ومن خلال تطوير الصناعات وتعزيز الابتكار وتحسين جودة المنتجات الزراعية، يمكن أن يتم تحقيق زيادة كبيرة فى حجم الصادرات بحيث تصل إلى 10 و15 مليار دولار، وبالتالى فإننا بحاجة إلى العمل على تعزيز التصدير وتوسيع الأسواق الخارجية وتوجيه الجهود نحو توسيع قاعدة العملاء وتنويع وجهات التصدير، وتطوير شراكات تجارية قوية مع الدول المستوردة، وهنا يمكن أن تلعب الدبلوماسية الاقتصادية دورًا مهمًا فى تسهيل الوصول إلى الأسواق الجديدة وتخفيف العوائق التجارية.
وتابع: أن التصنيع الزراعى أحد العوامل الحاسمة فى تحقيق الاستفادة القصوى من الإنتاج الزراعي، سواء للسوق المحلية أو العالمية، خاصة أن التصنيع الزراعى يعزز قيمة المنتجات الزراعية، ويساهم فى توفير فرص عمل وزيادة الدخل، وفى سياق السوق العالمية يمكن للتصنيع الزراعى أن يعزز التنافسية ويدعم تصدير المنتجات الزراعية بقيمة مضافة أعلى، مؤكدا على أنه بواسطة التصنيع الزراعي، يتم توفير فرص عمل محلية وتعزيز القدرة التنافسية للقطاع الزراعي، وهو ما يتطلب وجود المصانع والمنشآت التحويلية التى تقوم بمعالجة المنتجات الزراعية وتحويلها إلى منتجات نهائية.
وأضاف أستاذ الاقتصاد الزراعي، أن السوق العالمية تشكل فرصًا هائلة للتصنيع الزراعي، يمكن للدولة أن تستفيد من تحويل المنتجات الزراعية إلى منتجات نهائية ذات جودة عالية وقيمة مضافة، فيتم تلبية احتياجات الأسواق العالمية المتنوعة وتعزيز فرص التصدير.
وأشار إلى ضرورة تطوير محطات تصدير المنتجات الزراعية بما يتوافق مع متطلبات الأسواق العالمية وهو جزء حيوى من تعزيز القدرة التنافسية وتحقيق النجاح فى التجارة الزراعية العالمية، مثل الامتثال للمعايير الدولية، مثل متطلبات الجودة والسلامة الغذائية والصحية والبيئية، مع المراجعة المنتظمة للوائح والمعايير الدولية وتحديث العمليات والتجهيزات وفقًا لهذه المتطلبات.
وأضاف أنه يجب أن تكون المحطات الزراعية المصدرة مجهزة بالبنية التحتية اللوجيستية اللازمة لتسهيل عمليات التصدير، ويشمل ذلك توفير المستودعات المبردة ووسائل نقل البضائع المناسبة والتسهيلات الجمركية الفعالة والتقنيات المتقدمة لتتبع وإدارة الشحنات، مستكملا أنه يعتبر التعبئة والتغليف عاملًا حاسمًا لنجاح عمليات التصدير، ويجب أن تتضمن عمليات التعبئة والتغليف استخدام مواد ذات جودة عالية وتصميم ملائم لضمان سلامة وحماية المنتجات أثناء الشحن وتلبية متطلبات العملاء الدوليين، مشددًا على ضرورة أن تهتم المحطات الزراعية المصدرة بالتركيز على التسويق والترويج لمنتجاتها الزراعية فى الأسواق العالمية، من خلال إجراء دراسات السوق وتحليل الاتجاهات وتحديد الفرص التجارية وإقامة شراكات مع المستوردين والترويج للمنتجات من خلال المعارض والمؤتمرات والوسائط الاجتماعية والتسويق الرقمى.