رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

«المحافظون» يتصدرون الانتخابات التشريعية صعود تاريخى لـ «البديل من أجل ألمانيا»


2-3-2025 | 14:47

صورة أرشيفية

طباعة
تقرير: سلمى أمجد

فى ظل أزمات اقتصادية واستقطاب سياسى حاد، اتجه ملايين من الألمان يوم الأحد الماضى إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم فى انتخابات فيدرالية مبكرة أعادت اليمين للسلطة مرة أخرى بعد فترة قصيرة من حكم اليسار بقيادة أولاف شولتس، الذى تكبد هزيمة مريرة.. وبينما احتل المحافظون بزعامة فريدريش ميرز الصدارة، جاء حزب «البديل من أجل ألمانيا» فى المركز الثانى محققًا نتيجة تاريخية فى مشهد يعكس تغير الوضع السياسى فى أكبر اقتصادات القارة العجوز.

 

وحقق زعيم المعارضة المحافظ ميرز فوزًا متوقعًا فى الانتخابات التشريعية، حيث تصدرت كتلة الاتحاد المسيحى (المكون من الحزب الديمقراطى المسيحى وشقيقه الأصغر الحزب الاجتماعى المسيحى البافاري)، التى يرأسها الانتخابات بنسبة 28.5 فى المائة مما يضعه على المسار الصحيح ليصبح المستشار المقبل للبلاد إذا نجح فى تشكيل حكومة ائتلافية فى الأسابيع المقبلة.. بينما جاء حزب «البديل من أجل ألمانيا» المناهض للهجرة فى المركز الثانى محققًا أقوى أداء لحزب من أقصى اليمين منذ الحرب العالمية الثانية، حيث ضاعف نتيجته بحصوله على 20 فى المائة من أصوات الناخبين.. وأقر المستشار أولاف شولتس بالهزيمة، حيث احتل الحزب الديمقراطى الاجتماعى الذى يتزعمه المركز الثالث بنسبة 16 فى المائة وهى أسوأ نتيجة يسجلها الحزب الاشتراكى فى تاريخه.

 

على الجانب الآخر، أعلن وزير المالية الألمانى السابق كريستيان ليندنر تقاعده السياسى بعد أن فشل حزبه الديمقراطى الليبرالى فى تجاوز عتبة الـ 5 فى المائة اللازمة لدخول البرلمان الألمانى.. حزب آخر مُنى بهزيمة قاسية، اتحاد “سارة فاغنكنيشت”، اليسارى المحافظ، الذى بدوره لم ينجح كذلك فى تجاوز العتبة المطلوبة للدخول إلى البرلمان.

 

 وعُقدت الانتخابات قبل سبعة أشهر من الموعد المحدد بعد سحب الثقة من حكومة المستشار المنتهى ولايته أولاف شولتس ديسمبر الماضى، وانهيار ائتلافه الحاكم المكون من ثلاثة أحزاب فى أعقاب خلافات حول السياسة المالية.. واكتسبت الانتخابات أهمية كبيرة حيث أصبحت جزءًا أساسيًا من الاستجابة الأوروبية فى ظل المخاوف إزاء المواقف المدوية الصادرة عن إدارة ترامب الجديدة، لاسيما بشأن الحرب فى أوكرانيا، والتهديدات بالتراجع عن الإنفاق الدفاعى لحلف شمال الأطلسى «الناتو»، وفرض رسوم جمركية على السلع الواردة من الاتحاد الأوروبي.. وشارك 29 حزبًا فى هذه الانتخابات، وهو عدد أقل بكثير من الانتخابات السابقة، حيث تم تسجيل 47 حزبًا.. وبالرغم من الشتاء القارس إلا أنها شهدت إقبالًا كبيرًا من الناخبين مقارنة بانتخابات 2017 و2021.

 

وعلى الصعيد الداخلي، أجريت الانتخابات فى وقت يسوده القلق والتوتر، حيث شهدت البلاد سلسلة من الهجمات المميتة على مدار الأسابيع الأخيرة ارتكبها مهاجرين وطالبى لجوء.. ووقع آخر هذه الهجمات حين أصاب شاب سورى إسبانيا بجروح خطيرة طعنًا عند النصب التذكارى للهولوكوست (محرقة اليهود) فى برلين. من جهة أخرى، تكافح ألمانيا حاليًا فى الحفاظ على مكانتها كأكبر اقتصاد فى أوروبا بعدما انكمش اقتصادها لمدة عامين متتاليين لأول مرة منذ عقود مثقلًا بالبيروقراطية الخانقة، وتراجع التنافسية الصناعية، وارتفاع تكاليف الطاقة، وانهيار البنية التحتية، وضعف قطاع السيارات. 

 

ولم تخلُ الانتخابات من التدخل الأمريكى، حيث نال حزب «البديل من أجل ألمانيا» تأييد نائب الرئيس الأمريكى جاى دى فانس والملياردير إيلون ماسك من خلال الوعد بترحيل المهاجرين وإغلاق الحدود، مما عزز من موقعه.. كذلك واجهت الانتخابات حملات تضليل إعلامية، حيث كشفت وزارة الداخلية الألمانية عن حملة تضليل مرتبطة بروسيا تنشر مزاعم كاذبة عن تزوير الانتخابات فى ألمانيا قبل أيام قليلة من التصويت. وأشارت مقاطع فيديو ملفقة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعى إلى افتقار بطاقات الاقتراع فى لايبزيج إلى اسم مرشح حزب “البديل من أجل ألمانيا”.. بينما يُظهر مقطع فيديو آخر آلة تمزق بطاقات الاقتراع لصالح حزب «البديل».

 

وفى أول رد فعل له ببرلين محاطًا بأنصاره، قال ميرز: سنبدأ العمل اعتبارًا من الغد.. العالم لا ينتظرنا”.. مؤكدًا أن المحافظين سيبذلون قصارى جهدهم لتشكيل حكومة قادرة على اتخاذ الإجراءات فى أسرع وقت ممكن.. ومتعهدًا بالعمل نحو الوحدة فى أوروبا من أجل مواجهة التدخلات من الولايات المتحدة أو روسيا بإحياء الزعامة الألمانية القوية.

 

من جانبها، أشادت زعيمة حزب “البديل” أليس فايدل بـ”النتيجة التاريخية”، التى حققها حزبها مؤكدة أنه أصبح الآن “راسخًا بقوة” فى المشهد السياسي.

 

وعلى غرار قادة الأحزاب الألمانية الآخرين، استبعد ميرز تشكيل أى تحالف حكومى مع حزب «البديل»، الذى صنفت أجهزة الاستخبارات الألمانية أجزاء منه على أنها متطرفة بعدما اتُهم خلال الحملة بإبداء بوادر تقارب معه قائلًا: «إننا منقسمون بصورة جوهرية حول عدة نقاط، على صعيد السياسة الاقتصادية وسياسة الهجرة».. وهذا يعنى أننا سنشهد زخما سياسيا كبيرا فى المرحلة القادمة، حيث سيتخذ حزب “البديل” دور المعارضة.. وخلال حملته الانتخابية، وعد بتغييرات جذرية فى السياسات التى انتهجها سلفه باتخاذ إجراءات صارمة ضد المهاجرين، وزيادة عمليات الترحيل، وتشديد التدابير الأمنية والرقابة على الحدود، وخفض الضرائب، واللوائح التجارية فى محاولة لتحفيز النمو الاقتصادى وتعزيز الاستثمار. 

 

وانهالت المباركات والتهانى احتفالًا بنتيجة الانتخابات الألمانية. حيث كتب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على منصته تروث سوشيال «إنه يوم عظيم لألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية»، وأضاف: «شعب ألمانيا سئم مثلنا من أجندة غير منطقية سادت لسنوات عديدة خاصة فيما يتعلق بالطاقة والهجرة.. كما هنأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون ميرز على فوزه فى الانتخابات، معربًا عن حماسه لتعزيز العلاقات الفرنسية الألمانية والعمل معًا من أجل أوروبا الموحدة.. وقدم رئيس الوزراء البريطانى كير ستارمر تهانيه الحارة لميرز، وحزب الاتحاد الديمقراطى المسيحى والحزب التابع له الاتحاد الاجتماعى المسيحى على فوزهم فى الانتخابات، قائلًا إنه يتطلع “إلى العمل مع الحكومة الجديدة لتعميق العلاقات القوية بالفعل، وتعزيز الأمن المشترك وتحقيق النمو لكلا البلدين».

 

وفى هذا السياق، قال عميد الجالية المصرية، علاء ثابت، إن الاتحاد المسيحى بقيادة فريديرش ميرز، بعد فوزه بالانتخابات التشريعية، سيعمل على تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى، وسيواجهون صعوبات من قبل اليمين المتطرف، ولكن لن تؤثر على تشكيل الحكومة الجديدة.. كما أعرب عن آماله فى عدم اتخاذ الحكومة الجديدة أى إجراءات تعسفية ضد اللاجئين والأجانب بعد صعود اليمين المتطرف، وفوز ميرز المعروف بسياسته المتشددة فى التعامل مع قضية الهجرة.