رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

علَّموا العالم أبو الريحان البيرونى عبقرى النظريات والتجارب


8-3-2025 | 17:14

.

طباعة
بقلـم: د. أيمن عيد الحجار

من العلماء الذين تركوا أثرًا واضحًا فى تاريخ العلوم، أفاد هذا الأثر الإنسانية من خلال ما أضافه هذا العالم من ابتكار علمى وتجارب دلَّت على عبقريته الفذة ونبوغه فى عصره، إنه العالم أبو الريحان محمد بن أحمد البيرونى (المتوفَّى 443 هـ)، كان صاحب أطروحات فى الفلك، والهندسة، والجغرافيا، وتاريخ البلدان، وهو من كبار العلماء الذين عاشوا فى القرنين الرابع، والخامس الهجريين، وُلد البيرونى فى الثانى من شهر ذى الحجة عام 362 هـ، فى منطقة يُقال لها بيرون من توابع خوارزم، ولذا لُقِّب بالبيروني. وبعضهم ينسبه البيرونى والأصح ما ذكرناه، وبيرون التى هى محل نشأته ومولده، بلدة طيبة فيها غرائب وعجائب، من بلدان السند، كما ذكر صاحب مسالك الأبصار، ولا نعرف شيئا عن أسرته.

وقد أخذ البيرونى يتلقى العلوم والمعارف المشهورة فى عصره بصورة فيها نهم وهمة، ومما ساعده على اتساع دائرة معلوماته وثقافاته المتنوعة من خلال رحلاته الكثيرة والواسعة ونهمه المتدفق لتحصيل العلوم الذى بدأ معه منذ حداثة سِنِّه. فكان منذ البداية يهتم بمسائل لم تكن معهودة ومعروفة بين المتعلمين فى القرون الوسطى الإسلامية ولذا عاش يفكر تفكيرا عبقريا غير نمطي، بل أوصله هذا النهم العلمى إلى معارف غير مألوفة ولا معروفة فى عصره.

 

وذكر الصفدى أنه كَانَ مكبًا على تَحْصِيل الْعُلُوم وَلَا يكَاد يُفَارق الْقَلَم يَده وَلَا عينه النّظر فِى الْكتب وَقَلبه الْفِكر وَاخْتِلَاف آراء الْمُتَقَدِّمين وَمَا تكلم كل وَاحِد من الْأَطِبَّاء وَغَيرهم فِيهِ. وكانت له مراسلات علمية مع ابن سينا العالم المشهور، أفاد كل واحد منهما من الآخر، اشتهر اسم البيرونى فى المؤلفات والكتب العربية فى مجال الجغرافيا والسياحة، ولكن الذى يظهر من مؤلفاته أنه لم يكن عالمًا بالجغرافيا وبتعبير أصح كان مؤلفًا ذا معرفة واسعة للغاية أكثر من أن يكون عالمًا جغرافيًا فقط ومن التعسف حصره فى هذا المجال فقط؛ فإن دائرة معلوماته واسعة للغاية، بحيث أن تحديد عدد العلوم التى لم يكن يعرفها أسهل من العلوم التى عرفها واطّلع عليها وعنى بها. 

 

وإن أكثر اهتماماته ونشاطاته العلمية كانت تتمحور فى الرياضيات والنجوم والعلوم المتعلقة بها، ولذا كما يقول الباحثون: قد اهتم فى مجال الجغرافيا إلى الجانب الرياضى والفلكى فيه، ولذا احتفى به العلماء الكبار من الشرق والغرب فلقد درس الغرب نظرياته الكثيرة، ووقفوا عندها فى تأمل واستبصار لما يمكن البناء عليه والإفادة منه من تلك النظريات العلمية الفذة. وقد عُقد مؤتمر فى الهند بمعهد أبى الكلام آزاد للبحوث" فى حيدر آباد الدكن، والذى عُقد سنة 1975م (1395هـ) بمناسبة مرور ألف سنة على وفاة البيروني.

 

لقد قام أبو الريحان البيرونى بالقيام بالتجارب العلمية الكثيرة وتقليبها على وجوهها، ولم يفُته إحكام القياس وجودة الاستنباط فى كتاباته وأطروحاته، مما جعل العلماء يجعلونه مصدرا فى مؤلفاتهم يرجعون إليه فى هذا الباب ويقدمون كلامه على غيره فى تلك العلوم التى تفرد بالسبق فيها.

 

ومن أهم مؤلفات البيرونى التى زخرت بها المكتبة العربية والإسلامية: (تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة فى العقل أو مرذولة)، والذى يُعدُّ مرجعًا أساسيًا كاملًا للحضارة الهندية، حيث تحدث عن كل ما يتعلق بالهند من عقائد دينية وآراء فلسفية وآداب وتقويم ونجوم وجغرافيا وتقاليد ورسوم باللغة العربية. 

 

ولّما صنف كتاب القانون المَسْعُودِيّ، أجَازه السُّلْطَان بِحمْل فيلٍ من الفضة فردّه إلى الخزانة بِعُذْر الِاسْتِغْنَاء عَنهُ، وله أيضًا كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية، وأيضا كتابه النفيس (الجماهر فى معرفة الجواهر)، تحدث فيه عما يُعرف بالأحجار وصفاتها والأحجار الكريمة منها، ومن مؤلفاته النافعة (كتاب الصيدلة فِى الطِّبّ)، استقصى فِيهِ معرفَة ماهيات الْأَدْوِيَة وَمَعْرِفَة أسمائها. 

 

كما ألَّف كتابًا مهمًا نافعًا وهو المسمى بـ(الآثار الباقية عن القرون الخالية)، فهذه سيرة عالم ومسيرة مفكر، استطاع أن يُقدِّم للإنسانية نفعًا بعلومه ومعارفه وتجاربه.