ذكرها المؤرخون فى عام 170 قبل الميلاد، بينما وصفها الرحالة البرتغاليون فى القرن 16 الميلادي، بأشد العبارات فخرًا.. فشعبها يتميز بالعادات الثقافية، وتاريخها زاخر بالمعالم التراثية، مما أكسبها مكانة فكرية إبداعية بين بلدان العالم -الحديث والقديم.. ويشكّل هذا التاريخ إطارًا ثقافيًّا اجتماعيًّا يتوارثه جيلًا بعد جيل، مما أكسبها نظرة ثاقبة للمستقبل، تساعدها على بناء دولة قادرة، تعبر الأزمات وتواجه التحديات، لتحتلّ ترتيبًا مشرّفًا بين مصاف البلدان المتقدمة. فهى دولة الكويت، التى يعتمد حاضرها على خبرات قادتها السابقين، لذا تحتفل «أيقونة الخليج» بيومها القومى وعيدها الوطني، حيث تتزيّن البلاد بالأعلام الكويتية، لتجديد الولاء للوطن وإحياء ذكرى إنجازات القادة الكويتيين وتطورات الدولة الحديثة.
وفى إطار احتفالات دولة الكويت، بأعيادها الوطنية، أطلقت الإدارة الخليجية، فعاليات التظاهرة الثقافية والإعلامية الكبرى تحت عنوان «الكويت عاصمة للثقافة العربية للعام 2025»، التى شهدت حضورًا حاشدًا من كبار المسئولين وجموع المثقفين والإعلاميين من داخل وخارج الدولة الخليجية.
وفى خضم الفعاليات العديدة التى يتم إطلاقها تباعًا على مدار العام، تطلّ ذاكرة بلد زاخر بإرث ثقافى وحضارى توثّق بصماته آثار التاريخ، وتشهد على رسوخه دلالات الحاضر، ويشكل بزخمه آفاق مستقبل موصول بجذور الأرض ومحاط بميراث أمة.
وتسعى دولة الكويت من خلال ذلك الحدث الثقافى والإعلامى الإقليمي، إلى إعادة تأكيد دورها المحورى فى صناعة الحضارة والثقافة الإنسانية، تأسيسا على مكانتها الرفيعة التى تبوأتها عبر التاريخ وجعلت منها مركزًا مهمًا وملتقى للحضارات منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.
وتتولى اللجنة العليا المشتركة بين وزارة الإعلام والمجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، مسؤولية قيادة الجهود الرامية إلى إبراز التنوع الثقافى والإعلامى فى الكويت، وتراثها الغني، وذلك من خلال حزمة فعاليات متنوعة تعكس قيم التسامح والإبداع.
روح التاريخ
واستحضر حفل افتتاح فعاليات الكويت عاصمة للثقافة العربية، روح التاريخ وإشراقة المستقبل من خلال عرض مسرحى تاريخى وطنى بعنوان (محيط الأرض)، تجسيدا لرسالة الفن الحضارية فى تقديم الأحداث التاريخية برؤية مبتكرة تجمع بين عبق الماضى وتطلعات المستقبل.
وتتضمن الخطة التنفيذية لفعاليات الاحتفالية 98 نشاطًا ممتدًا على مدار 235 يومًا، تشمل 37 فعالية تركز على تعزيز مكانة الكويت كمركز ثقافى وإعلامي، و20 نشاطًا يهدف إلى تحفيز الاستثمار فى المشاريع الثقافية والإعلامية، بالإضافة إلى مبادرات أخرى تدعم التنمية المستدامة وتعزز الهوية الثقافية العربية.
نهضة فكرية إعلامية
ودأبت الكويت منذ فجر الاستقلال عام 1961م، على إثراء الحياة الفكرية والثقافية فى محيطها العربى والخليجى عبر سلسلة من الإصدارات التى أصبحت علامة بارزة على مدى عقود ومنبرًا مشعًّا يعكس إرثها الثقافى والحضارى الغني.
وأسهمت الدوريات الثقافية الكويتية فى تشكيل معالم النهضة الثقافية فى المنطقة والوطن العربي، حيث شهد العام 1928 صدور (مجلة الكويت) التى كانت آنذاك أول مجلة وطنية والمجلة الأولى فى الخليج العربي، فيما تشكل مجلة (العربي) منذ صدورها عام 1958 أحد أهم الإصدارات الثقافية الكويتية التى تجسد مشروعًا ثقافيًّا عربيًّا شاملًا يتصدى لقضايا الحق العربى ويسهم بصفحاته فى إثراء خزينة المنظومة الثقافية.
وتعمل الكويت على توسيع نشر دورياتها الثقافية فى شتى بقاع العالم، فى خطة تشمل كافة مجلات ودوريات المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، إضافة إلى الإصدارات الخاصة، وإصدارات إدارات التراث والبحوث والدراسات والثقافة وتشجيع المؤلف.
سلاسل ثقافية
ويصدر المجلس مجموعة متميزة من السلاسل والدوريات الثقافية العربية، تتضمن مجلة عالم الفكر، سلسلة عالم المعرفة، سلسلة إبداعات عالمية، سلسلة المسرح العالمي، مجلة الثقافة العالمية، إضافة إلى إصدارات إدارة الدراسات والبحوث التى تتنوع بين التاريخ والأدب والفنون وتقارير البعثات الآثارية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد أنشأت أيضًا، مركز البحوث والدراسات الكويتية فى عام 1992 بمرسوم أميري، ليكون مصدرًا وطنيًّا للعلم والمعرفة بتاريخ الكويت وشؤونها السياسية والاجتماعية والتراثية، وإعداد البحوث العلمية المعمقة المتصلة بذلك، ونشرها محليًّا وخارجيًّا بمختلف اللغات، ومنذ ذلك الحين يبذل أبناء المركز جهودًا حثيثة فى ترميم المواد التالفة ذات القيمة التاريخية، ويولى مواد التراث الثقافي، سواء المحفوظة فى المركز، أو وزارات الدولة والهيئات المختلفة، أهمية بالغة، وقد نجح المركز منذ إنشائه، فى ترميم ملايين من الوثائق التاريخية، تشمل أكثر من 850 ألف وثيقة تختص بالعدوان العراقى على الكويت، وأكثر من 800 مخطوطة إسلامية.
مركز التراث القومى
من ناحيتها، تبذل جامعة الكويت من خلال مركز التراث القومى جهودًا فى تجميع المصادر العلمية والوثائق والمخطوطات وتنظيمها وجعلها صالحة لخدمة الباحثين، فضلًا عن المساهمة فى إصدار الببليوجرافيات والدوريات، التى تنشر البحوث الأصلية عن الكويت والخليج العربي.
وبالتعاون مع مركز توك الثقافي، افتتحت جامعة الكويت -فى فبراير الماضي، ملتقى الشعوب الأول فى مدينة صباح السالم الجامعية، بمشاركة 40 دولة من خمس قارات، ليشكّل حاضنة للمعارف والعلوم والتبادل الثقافى على أرض الكويت.
وتحرص الجامعة على احتضان مختلف الثقافات، عبر منح دراسية وثقافية وبرامج للتبادل الطلابى واتفاقيات التعاون المشتركة مع مختلف الجامعات العالمية.
وكذلك تولى مكتبة الكويت الوطنية، جمع وتنظيم وتوثيق وحفظ التراث والإنتاج الفكرى الوطني، بمختلف أشكاله أهمية قصوى، فيما تصدر الببليوجرافيا الوطنية (نشرة الإيداع) بشكل سنوى بحيث تحتوى على الإنتاج الفكرى الوطنى المطبوع والمنشور فى دولة الكويت.
مهرجان القرين الثقافى
وتحت شعار «30 عامًا من الريادة والعطاء» انطلقت النسخة الـ30 من مهرجان القرين الثقافى فى 3 فبراير الماضي، حيث جسّد المهرجان مسيرة 3 عقود من الإبداع الثقافي، عبر جدول حافل بالفعاليات، التى تجمع بين الفنون والآداب والندوات الفكرية.
ويعكس المهرجان اهتمام الكويت بالحفاظ على التراث الوطنى ومواكبة التحديات الثقافية المستقبلية ببصماته الرامية إلى تعزيز الحركة الثقافية فى البلاد والمنطقة منذ انطلاق نسخته الأولى فى عام 1994م، ليصبح المهرجان الثقافى السنوى الأهم فى الإمارة.
رعاية الشباب
وتؤمن الكويت بضرورة تعزيز العمل الشبابى الخليجى والعربى الثقافى المشترك بمختلف مجالاته، وإبراز قصص النجاح الملهمة التى تخدم الشباب العربى فى الحقول الثقافية والفنية والأدبية، فيما تعمل على تكثيف الأسابيع الثقافية لدى عدد من الدول الشقيقة والصديقة بهدف توطيد العلاقات الثقافية مع الشركاء الدوليين وإبراز البعد الثقافى الإعلامى للدولة.
كما تحرص الإمارة على دعم الثقافة والعلوم والمعرفة فى مختلف الفعاليات العربية والدولية، وتوسيع آفاق التعاون بين المثقفين، علاوة على مشاركتها الفاعلة فى معارض الكتب التى يحتضنها عدد من الدول بإصدارات مختلفة ومتنوعة تتناول الجانب الثقافى للكويت وإرثها الحضارى وفنونها الشعبية، بما فى ذلك معرض القاهرة الدولى للكويت، الذى اختتم فعالياته بحضور مكثف من المؤسسات الثقافية ودور النشر الخاصة، التى لاقت إصداراتها إقبالًا كبيرًا من الجمهور المصرى لما تتميز به من رصانة وعمق وسعر مناسب.
شريك علمى تربوى فعال
وتبذل الكويت جهدًا كبيرًا فى تقديم الدعم للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) التى تأسست عام 1970م، حيث تعد شريكا فاعلا فى دعم العديد من برامج المنظمة على مدى 50 عامًا، فضلًا عن دفع خططها الرامية إلى تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية فى المنطقة العربية.
وفى وقت مبكر، أدركت الكويت أهمية الحفاظ على التراث الشعبى بوصفه إحدى خصوصيات الثقافة المحلية وتجلياتها الثقافية والإبداعية، لتصبح أول دولة عربية تنشئ مركزًا رسميًّا لرعاية التراث الشعبى عام 1956م.
وتعنى الكويت بالعمل على نقل التراث الثقافى غير المادى من خلال برامج التعليم التى تساهم فى تقوية وتعزيز الصناعات الإبداعية، حيث انضمت قبل عشر سنوات إلى الاتفاقية الدولية للتراث غير المادى التابعة لمنظمة اليونسكو.
الكويت تمضى نحو إنجاز عالمى
ونجحت الجهود الوطنية خلال عام 2022م الماضي، فى تحقيق إنجاز عالمى تمثل فى إدراج منظمة الـ(يونسكو) ملف (أفضل ممارسات الصون)، الذى تقدمت به دولة الكويت، ممثلة فى جمعية (السدو) على قائمة التراث الثقافى غير المادى للبشرية، ليصبح أول ملف عربى فى هذا المجال.
كما انضمت الإمارة إلى لجنة ذاكرة العالم الإقليمية لدول الخليج خلال العام 2012م، ضمن جهود ترسيخ التراث الثقافى الوثائقي، حيث شاركت فى العديد من أنشطة بناء القدرات والمؤتمرات، التى ساهمت فى بناء فريق وطنى لرسم خرائط للتراث الثقافى تدرج ضمن السجل الدولى لذاكرة العالم.
إحياء الإرث الوثائقى
وتمتلك الكويت مجموعات كبيرة من التراث السمعى البصرى، التى تشكل أهمية كبيرة فى المنطقة، وتدون لحظات مهمة فى التاريخ، علاوة على أنها تحكى ذكريات الوطن والشعب، فيما يؤدى أكثر من 2000 من جامعى التراث الخاص هناك، دورًا حيويًّا فى ضمان الحفاظ على التراث الوثائقى وتوثيق ديناميكيات المجتمع ورقمنة المقتنيات التراثية.
استراتيجية الإعلام - رؤية كويت جديدة 2035
وتعمل وزارة الإعلام الكويتية من خلال استراتيجيتها للأعوام (2021 - 2026م)، على نشر القيم الوطنية وتعزيز الهوية الثقافية، ضمن منهجيتها لخلق إعلام مستدام ورائد فى صناعة المحتوى الهادف.
وتهدف استراتيجية المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب (2023 - 2028م)، إلى تعميق شأن الثقافة والآداب فى البلاد اتساقًا مع رؤية (كويت جديدة 2035) وركائزها الأساسية وصولًا إلى تحسين المؤشرات الوطنية والدولية وتأكيد مكانة الدولة على خارطة الثقافة.
وتمت صياغة الاستراتيجية وفق منهجية تشاركية ساهم فى إنتاجها 963 مشاركًا، بعد الاطلاع على 56 تجربة دولية، ومقارنة معيارية استمرت نحو 52 أسبوع عمل، وغطت أكثر من 275 وثيقة، وذلك بغية ترسيخ تنمية ثقافية مستدامة وبيئة محفزة للإبداع.
وتهدف الاستراتيجية إلى أن يشكل المجلس نافذة الكويت على العالم، وأن يتحول إلى دور الناظم والمساهم فى تعزيز مكانة الخدمات والمنتجات الثقافية، ويتشارك فى تعظيم عوائد الاستثمار فى مجالات الثقافة والفنون والآداب والآثار والمكتبات.
صيانة الأصول التاريخية
وتعكف الجهات المعنية فى الدولة على إعداد (الاستراتيجية الوطنية للتراث)، التى تهدف إلى تعزيز الحفاظ على الأصول التاريخية الثقافية وإدارتها بشكل مستدام وتعزيز مكانة الكويت الثقافية والتاريخية.
وفى هذا الإطار أنهى المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، دراسة مقارنة للتجارب الدولية فى مجال استراتيجيات التراث الشاملة، وأسفرت عن اختيار نموذج المملكة المتحدة.
وتقدم الدولة جوائز تشجيعية وتقديرية سنويا لتشجيع المبدعين فى مجالات الثقافة بأشكالها وألوانها المختلفة، فضلًا عن تبنى المبادرات التطوعية ذات الصلة بالطفل والناشئة، لا سيما فى مجالات القراءة والكتابة والمسرح، علاوة على دعم المشروعات الثقافية والتنمية الإنسانية فى القطاع الخاص خدمة للإبداع.
تبادل ثقافى عربيًّا وعالميًّا
وترتبط الكويت بأكثر من 84 اتفاقية تبادل ثقافى مع دول عربية وأجنبية صديقة، فيما انضمت إلى اتفاقية حماية التراث المغمور بالمياه عام 2017م، وانتخبت نائبا للرئيس للدورة السادسة للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة الـ(يونسكو) عام 2016م.
ويتوزع على جميع محافظات الكويت، أكثر من 17 مركزًا ثقافيًّا، من متاحف ومحترفات فنية ومبانٍ تاريخية، تشمل القصر الأحمر ومتحف شهداء القرين ومتحف الفن الحديث ومتحف الكويت الوطنى والمتحف البحرى ومركز بيت ديكسون الثقافى ودار الآثار الإسلامية (المستشفى الأمريكاني).
وتشمل تلك المراكز أيضًا، بيت البدر وبيت السدو والمرسم الحر ومتحف كشك الشيخ مبارك ومكتبة الكويت الوطنية ومتحف التعليم النظامى (المدرسة المباركية) وبيت الخزف الكويتى ومنظمة الآثار بجزيرة فيلكا ومتحف قصر الشيخ عبد الله السالم.
كما أن حديقة الشهيد الممتدة على مساحة 320 ألف متر مربع فى قلب مدينة الكويت، تحوى منصات ثقافية فنية ورياضية، توفر للزائرين فرصة المشاركة الفاعلة فى صناعة الحدث الثقافى والاجتماعي، عبر حزمة من الأنشطة النوعية، التى تصب فى صقل وتغذية فن وتاريخ وثقافة البلاد.
تطوير «المباركية» لمحاكاة التراث الكويتى
والتزامًا بتوجيهات سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، شرعت بلدية الكويت فى وضع رؤية جديدة لمشروع قرية القصر الأحمر لنقل روح أسواق المباركية إلى محافظة الجهراء.
ومن المقرر أن يتضمن المشروع مكونات ثقافية، تسهم فى زيادة الوعى الثقافى والتاريخى للمنطقة، تضم مكتبة ديوان الشعر ومسرحًا خارجيًّا وسوقًا تراثيًّا يحاكى التراث الكويتي، حيث سيُقام المشروع على أرض مساحتها 470 ألف متر مربع.
وهكذا يتبين أن الكويت على مر العقود، نجحت فى ترسيخ مكانتها كمركز إشعاع ثقافى وحضارى، عبر استثمار إرثها العريق والحفاظ على دورها كملتقى للثقافات، من خلال فتح نوافذ واسعة على محيطها الإقليمى والعالمي، كما لعبت دبلوماسيتها الثقافية دورًا حيويًّا فى تعزيز علاقاتها الدولية وإبراز مساهماتها فى إثراء المشهد الثقافى العالمى.

