رئيس مجلس الإدارة

عمــــر أحمــد سامى

رئيس التحرير

عبد اللطيف حامد

الفنون الشعبية تُهدى الرئيس السيسى أغنيتين فى عيد تحرير سيناء .. «شايل مصر فى قلبك.. وسلام سلاح»


4-5-2025 | 14:29

الفنان تامر عبدالمنعم رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية

طباعة
بقلـم: محمد رمضان عدسة: إبراهيم بشير

«ملحمة الفنون داخل مسرح البالون» .. إرهاصات فنية وإبداعية متنوعة يستعرض من خلالها البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية برئاسة المخرج المبدع تامر عبدالمنعم قوى مصر الناعمة، مؤكدًا ضرورة حفاظنا على هويتنا المصرية أثناء الاحتفال الفنى المكثف بأعياد الربيع وذكرى تحرير سيناء أرض الفيروز ومهد الأنبياء، وقد شمل هذا الحفل فى رأيى عدة حفلات مدمجة فى جرعة فنية تثقيفية واحدة وفقًا لرؤية مخرج واعٍ ومتمكن يُجيد استخدام وتطويع أدواته فى كافة أعماله الناجحة ومنها هذه الحفلة التى اشتملت على جزأين أولهما قد بدأ باختياره الجيد لثلاث لوحات استعراضية لفرقة رضا وهى «حلاوة شمسنا»، «الحجالة»، «الطبول» تحت إشراف الدكتورة إيناس عبدالعزيز مدير عام فرقة رضا، ومن تصميم الفنان العظيم الراحل محمود رضا مؤسس هذه الفرقة العريقة التى قد لمست من خلال مشاهدتى لفقراتها بأن هناك حالة من التطوير تشهدها الآن هذه الفرقة من خلال تقديمها لتكنيك جديد لحركة الراقصين بشكل متفرد ما جعلها تطل على جمهورها بثوب من الإبهار والتميز، وما دعم ذلك أيضًا التصميمات الجديدة لملابس الفرقة بألوانها الجذابة دون المساس بما أبدعه الفنان الكبير الراحل محمود رضا، تأكيدًا على أن دور هذه الفرقة مازال يتبنى توثيق فنون الأقاليم المصرية المتباينة منذ نشأتها فى عام 1959 أى منذ ستة وستين عامًا ما جعلنى أستشعر بأنه لو كان فناننا الكبير محمود رضا على قيد الحياة فإنه كان سيسعد بعودة فرقته إلى سيرتها الأولى، خاصة أنه وصف لى شعوره تجاهها فى أحد حواراته معى بأنه حزين جدًا لأن حال «فرقة رضا» قد آل فى بعض العهود السابقة إلى أن أصبحت «فكرة رضا» ..!

 

بالإضافة إلى أن هذا الجزء من الحفل قدم أيضًا استعراض “الدنيا ربيع“ للسندريلا الراحلة سعاد حسنى كلمات صلاح جاهين وألحان كمال الطويل تعبيرًا عن الاحتفال بأعياد الربيع من تصميم الفنانة الشابة المبدعة ندى بهجت بشكل مختلف عن الذى قدمته من قبل السندريلا سعاد حسنى، بالإضافة إلى ظهور الفنان “بدر السيد“ بأدائه الكوميدى المتميز لشخصية الفنان الراحل سمير غانم ضمن هذا الاستعراض .

كما أن مشاركة فرقة أنغام الشباب بفريق “شباب لايف” بمجموعة من أجمل أغانى حقبة التسعينيات، وميدلى من الأغانى الوطنية المتنوعة جعل الجمهور أكثر تجاوبًا معها، ومن أهم مفاجآت هذه الحفلة أيضًا أن البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية أهدى للرئيس السيسى أغنيتين من كلمات وألحان محمد مصطفى رجب وهما “شايل مصر فى قلبك“ للمطربة هبه إسماعيل وأغنية “سلام سلاح“ غناء عبدالله الجاسمى وهبة إسماعيل للفرقة القومية للفنون الشعبية وقام بتصميم استعراضاتها الفنان محمد سلام، إلى جانب تقديم فيلم وثائقى يرصد مسيرة كفاح الشعب المصرى ومساندته لقيادته السياسية فى ظل مواجهتها للعديد من التحديات والمؤامرات منذ بدء حرب أكتوبر وحتى عهد الرئيس السيسى.

أما الفصل الثانى من هذا الحفل كان مخصصًا للعرض المسرحى الرائع “نوستالجيا 80/ 90“ الذى يعنى عنوانه حنين العودة للماضى ما جعلنى أستشعر بأن “العمر ما هو إلا نزيف شوق من الذكريات“ من خلال نسيج فنى درامى غنائى استعراضى استطاع أن ينسجه لنا برؤيته الفنية المتفردة المخرج تامر عبدالمنعم، حيث قدم لنا توليفة فنية اشتملت على العديد من روافد المتعة والإبهار بتقديمه لهذا العرض المسرحى الذى يعبر عن حقبة زمنية وفنية لعبت دورًا بارزًا فى تشكيل وجدان تلك الأجيال، حيث استعرض أحد أبطال هذا العرض الفنان “خالد محروس“ مجموعة من الضغوط المالية التى تواجهه، فيرثى ماضيه الجميل بعد أن تطارده اتصالات تليفونه المحمول من زوجته التى تطالبه بأن يدفع لها مائتى ألف جنيه لكى تشترى بها أحد الشاليهات، وابنه الذى يطلب منه أن يدفع له مبلغًا من المال، ثم يأتى إليه اتصالً من مدير البنك ليذكره بأنه مطالب بتسديد أربعين ألف جنيه قسط القرض الذى اقترضه، ثم يفاجأ باتصال أخير من رقم مجهول لشركة تبيع المقابر، ويعدد له صاحبها العروض المتميزة المطروحة لديهم على هذه المقابر، مختتمًا تلك العروض بأنه لو اشترى مقبرة سيفوز بهدية مجانية لأسرته عبارة عن أربعة أكفان.

إلا أن هذا البطل ينهض من فوق سريره بعد كل هذه الاتصالات المزعجة مستنكرًا ما فعلته التكنولوجيا بجيله، لأنها أصبحت تعكر صفو حياة البشر بأضرارها، وكأن لسان حاله أراد أن يُفصح بحيلة إسقاطية بأن امتلاكنا للتليفون المحمول لم يعد ترفًا، بل إنه أصبح وسيلة لزيادة ضغوط الحياة وأعبائها المادية علينا والتى باتت تطاردنا جميعًا فضاعت منا راحة البال والسكينة سهوًا مع كل رنة لجرس هذا المزعج الجديد “التليفون المحمول“ وكأن رنينه قد تحول إلى نذير شؤم، مما جعل بطل العرض يترحم على حقبة الثمانينيات والتسعينيات التى ينتمى إليها وما كانت تمثله له من أجمل فترات العمر، فيهرب من واقعه المرير باللجوء للنوم فيحلم بتلك الحقبة الزمنية من عمره التى شهد فيها جيله العديد من البرامج والأعمال الفنية والغنائية الهادفة .

دفعنى استقرائى لما بين سطور نص هذا العرض المسرحى الرائع “نوستالجيا 80/ 90“ إلى أننى استشعرت بأن المخرج تامر عبدالمنعم أراد أن يوجه أنظار المجتمع برؤيته الفنية لهذا العرض بضرورة النهوض الآن بالدراما المصرية من كبوتها باجترار بطل مسرحيته ذكرياته مع إرثه الفنى والثقافى من خلال استعراضه لمجموعة من البرامج التليفزيونية المتنوعة، ما بين كونها برامج حوارية تكشف اللثام عن حياة المشاهير مفتتحًا تلك الذكريات ببرنامج “يا تليفزيون يا“ لرسام الكاريكاتير” رمسيس” الذى صاغ لنا العديد من إنسانية ضيوفه بخطوطه الكاريكاتيرية المبسطة، فجعلهم يقتربون من طبقات المجتمع المصرى على اختلاف حظوظهم الاجتماعية و أقدارهم التعليمية.

كما أن المخرج استعان بالملحن محمد مصطفى رجب صاحب الرؤية والصياغة الموسيقية لهذا العرض الذى حرص على إيجاد حالة من التناغم من خلال اختياره الجيد للمادة الموسيقية المعبرة عن كل مشهد بالعرض بشكل متتابع، والتى رسّخت فى أذهان المشاهدين هذه البرامج مثل تتر برنامج “العلم والإيمان“ للدكتور مصطفى محمود وبعض البرنامج الهادفة الأخرى مثل “نادى السينما“، “أمانى وأغانى“، “الكاميرا الخفية“ للرائع الراحل إبراهيم نصر صاحب الشخصية الكاريكاتيرية “زكية زكريا“، “هذا المساء“ للراحل سمير صبرى وبعض الأغانى التليفزيونية مثل أغنية “أهلا بالعيد“ للنجمة صفاء أبو السعود والدويتو الغنائى الوطنى “بلدى“ لأمير الغناء العربى هانى شاكر والمطرب الكبير محمد ثروت والبرنامج الإذاعى الأكثر شهرة لفؤاد المهندس “كلمتين وبس“، فكل هذه البرامج والأغانى جعلتنا نقف أمام حقيقة مهمة بأن كل هذا المخزون الثقافى والفنى الثرى خلق جيلًا مازال يعيش حالة من الحنين والشوق للعودة لهذه الأيام السخية بهذه الإبداعات التى باتت حبيسة الماضى الجميل .

كما نجح هذا العرض أيضًا فى أن يجعل جمهوره جزءًا من أحداثه، حيث استثار تفاعله مع كل ما قدمه من أعمال فنية تتجسد فى كونها أنها أصبحت تمثل عواصم ذكرياته، بالإضافة إلى أن المخرج جعل الجمهور يتعايش أيضًا مع متابعة تلك البرامج باستعراضه للخريطة البرامجية اليومية لقناتى التليفزيون المصرى الأولى والثانية ذاك الوقت قبل ظهور كل هذا الزخم الذى نشاهده الآن من قنوات فضائية قد تبث بعضها برامج هابطة بسبب بيعها مساحات من الهواء لكل من هب ودب.

وتطرق هذا العرض المسرحى للعديد من المسلسلات الهادفة التى كتبها كبار الكتاب أمثال أسامه أنور عكاشة ومحمد جلال عبدالقوى ومحمد صفاء عامر وأخرجها صفوة المخرجين، أمثال إسماعيل عبدالحافظ ومحمد فاضل ومجدى أبوعميرة الذين ظهرت صورهم على عدة شاشات بديكور العرض، وكأن لسان حال المخرج يقول إنه أراد أن يحتفى بهم كونهم صناع القوى الناعمة التى حاربت الأفكار المتطرفة من خلال أعمالهم الراقية، وفى الوقت نفسه استشهد بهم كونهم رموزًا ساهموا فى صنع وتشكيل وبناء الوعى المصرى والعربى بالتصدى للأفكار الضلالية التى لا تتوافق مع موروثنا الثقافى والشعبى .

كما أن المخرج استخدم كل هذا العدد الضخم من الشاشات التليفزيونية ما جعلنى أستشعر بأنه أراد أن يوضح للمتلقى أن هذه الشاشات ذات المحتوى القيم كانت تحاصر جمهور حقبتى الثمانينيات والتسعينيات بتلك البصمات الفنية والثقافية الجيدة على عكس ما يحاصره الآن من شاشات تليفونية تطارده بشيطان الإسفاف والتدنى الجديد والمسمى بأكذوبة “التريند“ لذلك أرى أن هذا العرض قد ألقى الضوء على مفاهيم مهمة تربى عليها جيل هذه الحقبة الزمنية الثرية برموز وشفرات إبداعية يفتقدها الجيل الحالى، حيث استهل المخرج تامر عبدالمنعم تقديمه لبعض المسلسلات التى تعد ذخيرة الإبداع المصرى بالعبارة الشهيرة للراحلة سناء جميل فى دور المعلمة فضة المعداوى فى مسلسل “الراية البيضا” “ولا يا حمو التمساحة يالا“ لكى يبدأ فى عرض بعض المشاهد المؤثرة أو ما يسمى بمشاهد “الماستر سين“ لأشهر المسلسلات مثل “ليالى الحلمية“، “يوميات ونيس“، “أرابيسك“، “البخيل وأنا“، “الضوء الشارد“، “زيزينيا“ للعملاق يحيى الفخرانى،” بوابة الحلوانى“، “المال والبنون“، “هو وهى“، “بكيزة وزغلول“ حيث صاحب كل هذه الأعمال الفنية مجموعة من الاستعراضات التى بلورت بعض المشاهد وتترات هذه المسلسلات بشكل مكثف ومعبر عنها، والتى أنبأت بعودة المسرح الغنائى الاستعراضى داخل مسرح الدولة والذى يمر بأزمة إنتاجية بسبب تكلفته الباهظة، إلا أن هؤلاء الشباب الذين استعان بهم المخرج جعلونا نلمس مدى إتقانهم لتكنيك الحركة بهذه الاستعراضات ونجاحهم فى تقمصهم لشخصيات بعض النجوم الذين رحلوا عنا مثل الفنان أحمد زكى الذى أبهرنا بتقمص شخصيته فى عدة أعمال قدمها لنا داخل العرض الفنان الشاب أحمد حسانين ومنها تتر مسلسل “هو وهى“ حيث شاركته فى تقديمه الفنانة آلاء فتحى التى جسدت شخصية السندريلا الراحلة “سعاد حسنى“.

بالإضافة إلى أن العرض قدم لنا أيضًا وجبة سينمائية دسمة بها العديد من المشهيات لذاكرتنا من أفلام كان من بينها “حدوتة مصرية“، “خمسة باب“، “الحريف“، “الإنسان يعيش مرة واحدة“، “شمس الزناتى“، “الراقصة والسياسى“، “البيه البواب“ الذى قدم لنا من خلاله الفنان أحمد حسانين أيضًا أغنية “هو النهاردة إيه“ من خلال إسكتش استعراضى للراحل أحمد زكى بأدائه المتقن له ما جعل دموع الجمهور تثرثر أثناء حوارها الهامس مع ذكريات هذا الماضى الجميل، خاصة مع ظهور الفنان الشاب محمود عزازى الذى أبهرنا هو الآخر بأدائه لشخصية الزعيم عادل إمام من حيث الشكل والمضمون بتقديمه عدة مشاهد من فيلمى “شمس الزناتى” و”الحريف” الذى ألهب الساحات الشعبية باحترافه للساحرة المستديرة كرة القدم فتسلل إلىّ إحساس بأن المخرج تامر عبدالمنعم لم يشرع فى تقديمه إلينا عرضًا مسرحيًا فحسب نسترجع معه أمجاد ماضينا، لكنه أراد أن يستثمر قدراته وإمكانياته الفنية المرعبة فى استنساخه لكل هؤلاء النجوم على المسرح ما جعلنى أصفه بأنه “بيحضر عفاريت“.

فضلًا عن تقديمه لبعض المشاهد المؤثرة مسرحيًا والمحفورة فى الوجدان مثل مسرحيتى “الواد سيد الشغال“ وريا وسكينة“ التى قدم من خلالها مشهد خطف ريا لابنتها داخل سوق زنقة الستات بالإسكندرية، فمن الملاحظ أن جميع هؤلاء الشباب الموهوبين جدًا قد تمكنوا من استحضار أرواح النجوم الذين قاموا بتجسيد أدوارهم على المسرح ومنهم الفنانة نجاة الإمام التى تطابق أداؤها وشكلها مع الفنانة الراحلة شادية والفنانة مريم زين التى جسدت دور بكيزة هانم الدرملى والفنانة دينا مجدى التى نجحت فى تقمص شخصية زغلول العشماوى للفنانة الكبيرة إسعاد يونس، وغيرهم من الفنانين الشباب أمثال الفنان أحمد شعراوى فى شخصية “المارشال برعى“ التى قدمها الفنان محمود حميدة فى فيلم ”شمس الزناتى“ والفنانة فاطمة زكى فى دور رجاء الجداوى بمسرحية “الواد سيد الشغال” والفنان الشاب والصحفى تامر الخطيب فى إسكتش “هتلر”.

المتأمل لهذا العرض سيجد أنه قد اكتملت فيه كافة عناصر السينوغرافيا المسرحية فالديكور من تصميم الفنان محمد جابر وملابس مبهرة من تصميم فرقة رضا وإضاءة جيدة لعز حلمى وقام بتصميم استعراضات فرقة” رضا” داخل العرض الفنان محمد قذافى، أما استعراضات فرقة بورسعيد فكانت من تصميم الفنان محمد أبوصالح والمكياج للعبقرى إسلام عباس الذى نجح فى أن يقترب بجميع شخوص العرض من حيث الشكل إلى ملامح الفنانين الحاليين والراحلين، كما أنه نجح فى تقمص شخصية الفنان الكبير الراحل فؤاد المهندس أثناء أدائه لمشهد من مسرحية “هالة حبيبتى“ ليترك بداخل نفوسنا عرض “نوستالجيا 80/ 90“ عند إسدال الستار رسالته الرائعة بأن الإنسان سيظل أسير الحنين للذكريات.